أبى ذر الغفارى يدفع ضريبة الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فجُندب بن جُناده الملقن بأبى ذر الغفارى وهو من النماذج المشرفة ، غفارى من غفار (إحدى البلاد التابعة للعراق أو هى بين الأردن والعراق) وأبى ذر طول عمره متألم من طبيعة  الشرك والوثنية وكان له أخ اسمه أُنيس ، فلما ظهر الإسلام فى مكة قال لأخيه:

(أذهب إلى مكة فسأل عن هذا الرجل الذى يقولون أنه نبىُ الله ، فإن كان صادقاً اتبعناه وإن كان كاذباً اجتبيناه).

          حضر أُنيس وسمع الرسول وهو يصلى فى مكة ويسمع بعض الآيات وأخذ معلومات بسيطة ورجع لأبى ذر وقال له:  (الحصار شديد ولا يمكن لأى إنسان أن يقابل هذا الرجل إلا بشق الأنفس ، لأن الكفار واقفين عند كل مرصد وأى إنسان يتصل به يُهان.  وسمعته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأمر بمكارم الأخلاق).

          قال أبو ذر:  هل أحضرت معك شئ من القرآن؟

          قال:  لا.  قال أبو ذر:  (ما أغنيت عنى شيئاً ، خذ الغنم إكُفلها حتى أعود). ودع أمه فقالت له:  خذ معك إلهك لكى لا تغضبه (هو عبارة عن قطعة مثل عروسة المولد).

          وفى الطريق أراد أبو ذر أن يقضى حاجته ، فوضع إله فى الرمل بعيد وذهب بعيداً عنه وقضى حاجته ورجع فوجد ثعلب من الثعالب تبول على إله ، والثعلب يعتبر أقذر حيوان فى الحيوانات (رائحة بول الثعلب لا تُطاق) فقال أبو ذر: (كيف أنت إله ، لا تدافع عن كرامتك وشرفك) فأستعار فأس من قبائل موجودة فى الجبل كسره تكسيراً.

          وصل أبو ذر إلى مكة وجلس بجوار الكعبة.  سيدنا علىٌ يدخل الكعبة يجد هذا الرجل – وفى اليوم الثانى كذلك فقال له على:  (أما آن للرجل أن يعرف منزلاً) ، قال أبوذر:  ليس عندى منزل.  قال على:  (تعالى) فبات عنده وأكل وشرب ثم فى الصباح ذهب إلى الكعبة ، وفى اليوم الثالث دخل علىٌ الكعبة فوجده ، فأخذه وأثناء الطعام قال له:  ماحكايتك؟  قال أبوذر:  إننا سمعنا عن الرجل الذى يدعى النبوة فأرسلت أخى أُنيساً فلم يأتى بمعلومات عن الرسول.

          قال علىٌ:  أنا ابن عمه (ونسيبه – زوج ابنته) هو نبى الله حقاً وجآء للإنقاذ.  قال أبوذر:  أُريد أن أُقابله هو شخصياً.

          تخيل أخى المسلم كيف كان الحصار وكيف كان الأذى حتى أن علياً الذى يسمونه فارس المشارق والمغارب ، النجم الثاقب علىٌ بن أبى طالب ، زوج فاطمة البتول ابن عم طه الرسول.  حتى دخل علىٌ دار (الأرقم بن أبى الأرقم) (وهو أول من حيا الرسول – صلى الله عليه وسلم – بتحية الإسلام) ودخل جُندب (أبو ذر) وعندما راءه الرسول – صلوات الله وسلامه عليه قال له: (مرحباً بك ياجُندب ، ماذا صنع إلهُك).  قال جُندب:  أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

          قال النبى:  (كم مكثت فى مكة؟)  قال أبوذر: شهر.  قال:  (كيف عشت هنا).   قال أبوذر:  على الماء ، ما كان معى زاد إلا مآء زمزم كنت أشربه فيجعله الله غذاءً وسقاءً وشفاءً ودواءً.

          ودعا أُمه إلى الإسلام لله – ورسوله –  فاسلمت وأخوه أُنيس أسلم والجيران أسلموا وجيران الجيران وكل غفار أسلمت على يد جُندب ، فلما الخبر جآء للرسول ببركة أبى ذر وجهاده أسلمت غفار ..  قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (غفار غفر الله لها غفار غفر الله لها – غفار غفر الله لها).

          وجآء المدينة بعد أن هاجر إليها النبى – صلى الله عليه وسلم – وصار من خيار خلق اله وصار من خيار الصحابة عملاً وجهاداً.

          وكان يحن ويميل بإستمرار إلى رحمة الفقراء والمساكين وكان يطوف على الأغنياء واحد واحد ويقول:  (بشر الكانذين بردف جهنم يُحمى عليه ثم يُحمى جنوبهم وظهورهم ووجوههم).

          وقد قال الإمام على:  لم يبق اليوم أحد لا يبالى فى الله لومة لائم غير أبى ذر.  وفى الصحيحين من حديث ابن عباس أن أبا ذر لما دخل على النبى – صلى الله عليه وسلم – وأسلم قال له النبى:  (إرجع إلى قومك حتى يأتيك أمرى).  فقال:  والذى نفسى بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم ، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته:

          أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.  وثار القوم بضربوه حتى أضجعوه ، وأتى العباس فأكب عليه فقال:  ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار ، وأن طريق تجارتكم إلى الشام؟  فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها ، ثاروا إليه فضربوه فأكب عليه العباس فأنقذه.

          كان أبو ذر رضى الله عنه زاهداً مقللاً من الدنيا.

موعظة بليغة:

          قال سفيان الثورى:  قام أبوذر عند الكعبة فقال:

          (أيها الناس أنا جُندب الغفارى ، هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق.  لو أن أحدكم أراد سفراً إلا يتخذ من الزاد ما يصلحه فيقولون نصحتنا فدُلنا (نأخذ معنا إيه يا أبو ذر):

(1)            صلوا ركعتين فى سواد الليل لظلمة القبور.

(2)            وصوماً يوماً شديداً حرُهُ لطول يوم النشور.

(3)            وحجوا حُجة لعظائم الأهوال والأمور.

(4)            كلمة خير تقولها أو كلمة شر تسكت عنها لوقوف يوم عظيم.

(5)            تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها.

(6)            اجعل الدنيا مجلسين:  مجلساً فى طلب الحلال ، ومجلساً فى طلب الآخرة.

(7)            اجعل المال درهمين:  درهماً تنفقه على عيالك من حله ، ودرهماً تقدمه لآخرتك، والثالث يضرك ولا  ينفعك .

أبوذر يحمد الله على ما يملك:

          يملك جلباب وآخر لصلاة الجمعة ، عنزة ، وأتان أركبها (حمار) فيقول أبوذر:  (فأى نعمة أفضل مما نحن فيه).

          قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (يرحم الله أبا ذر ، يمشى وحده ، ويموت وحده ، ويُحشر وحده).

وقت الرحيل:

          اعتزل أبو ذر الناس بالربذة – قرية من قرى المدينة المنورة وكانت تأتيه العطايا من الأمراء فيردها.

          مات سنة 32 هجرية – وصلى عليه ابن مسعود.  ولما حضر أبا ذر الموت بكت إمرأته فقال لها:  ما يبكيك؟  قالت:  تموت بفلاة من الأرض (صحراء) وليس معنا ثوب يسعُك كفناً ، فقال لها:  لا تبكى وأبشرى فإنى سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول لنفر أنا فيهم:  (ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عُصابة من المؤمنين).

          وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات فى قرية أو جماعة ، وإنى أنا الذى أموت بالفلاة ، والله ما كذبتُ ولا كُذبت فأبصرى الطريق ..  فأتى راكب من أهل العراق وفيهم عبدالله بن مسعود فجهزوه وصلى عليه ابن مسعود.

 

( والحمدلله رب العالمين  )

 

 

اترك تعليقاً