استحيوا من الله حق الحياء

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.

أما بعد ،،،

          فعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (استحُيوا من الله حق الحياء) قال:  قلنا:  يارسول الله إنا نستحي والحمدلله ، قال: (ليس ذاك ، ولكن الإستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، ونتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).           (أخرجه الترمذي رقم 2458)

          هذا الحديث فيه من الوصايا التى لو تمسك بها المسلم لكفته في إصلاح دينه ودنياه إذ كل وصية منها فيها من الخصال الحميدة التى تعد كل خصلة منها برهاناً على صحة الإيمان.

الوصية الأولى

          (استحيوا من الله حق الحياء) استحيوا:  اطلبوا لأنفسكم الحيا.  وتكلفوه إن لم يكن طبعاً فيكم كلما (1) وجدتم أنفسكم قد مالت إلى ما لا يُحمدُ عواقبه ، أو (2) استخفت بفضيلة من الفضائل ، أو (3) أقدمت على رزيلة من الرذائل ، أو (4) قصرت في واجب من الوجبات.

          (حق الحياء) الحياء الحق ، الذى لا يترك صاحبه إلا وهو على المحجة البيضاء ، والطريق السوى ، والمنهج القويم.

          الصحابة أرادوا أن يُخبروا عن أنفسهم ظناً منهم أن الحياء هو الإجلال والتوقير ، والحمد والثناء نحو ربهم – عز وجل فقالوا:  إنا نستحي – والحمدلله ، (هم ظنــــــوا أن

 الحياء هو الإجلال والتوقير والحمدوالثناء لله عز وجل) فقال لهم رسول الله: (ليس ذاك)

ليس الأمر يقف عند حد ما قد فهمتم.

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (ولكن الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى).

          والخطاب هنا للجميع – وحفظ الرأس وما بوعاه بمنب عقل ، وسمع وبصر ، ولسان ، وعنق.

كيف أحفظ عقلي عما يغضب الله؟

(1)ويكون حفظ العقل بتدريبه على التأمل والنظر في آيات الله الكونية فإن العقل إذا لم يدرب على التدبر والتفقه يصدأ ، ويفسد ويخمل.

(2)أما السمع:  (1) فحفظه إنما يكون بصونه عن سماع القيل والقال. (2) واللغو الذى لا ينفع وقد يضر ، (3) وصرفه عن سماع الأغاني الخليعة ، (4) وتقوية السمع بسماع الذكر ، العلم ، والوعظ.

(3)أما البصر:  (1) فينبغي أن يغُض عن المحارم ، (2) ويصرف عن رؤية المناظر الخليعة.

(4)أما اللسان: ب فهو صغير الحجم كبير الجُرم ، يوقع صاحبه في مآزق قد لا يمكنه أن يتخلص منها.  وأكثر المعاصي تأتي منه ، وتصدر عنه.

(5)وأما العنق: ب فهو عمود الرأس وحامله ، كيف تصدر عنه كثير من المعاصي؟  كالتعبير به عن الكبر والغرور ، وإحتقار الناس ، والإستخفاف بهم مصداقاً لقوله تعالي على لسان لقمان الآية (18):

          (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18).

          وتصعير الخد:   ميله إلى اليمين أو إلى الشمال ، تكبراً و إعراضاً ، وميل الخد

 يتطلب بالضرورة ميل العنق كما هو معروف.

الوصية الثانية

          (والبطن وما حوى)

          وحفظ البطن يكون بحمايتها من وصول شئ إليها مما حرمه الله ، فلا (1) يتعاطى المسلم الخمر ، (2) ولا يأكل الربا ، (3) ولا يأكل مال اليتيم ، (4) ولا يأكل شيئاً فيه شبهه.

          ويدخل في حفظ البطن حفظ الفرج ، لأن البطن ليست هي الأمعاء وحدها ، وعلى ذلك يكون البطن قد حوى الصدر والقلب والأمعاء والفرج ، وهي أمور أربعة تماثل الأمور الأربعة التى حواها الرأس ، وهي العقل والسمع والبصر واللسان والعمق.

          فيكون الحياء معناه:  حفظ كل ما أمر الله بحفظه ، وهو الجسد كله بجميع محتوياته.

          ما رواه الترمذي عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال:  (إن أثقل شئ يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خُلق حسن ب، وإن الله يُبغض الفاحش البذئ).

الوصية الثالثة

          قوله صلى الله عليه وسلم:  (وتتذكر الموت والبلى).

          أن تكون حريصاً على تذكرهما بحيث لا تغفل عنهما ، كيف؟

          بأن ينظر فيما يدور حوله ، فيذكر قدرة الله تعالى – ثم يتذكر أن هذا الخلق إلى زوال حتماً في يوم ما ، (تمر الأيام وينتهي الزمان ولا يبقى إلا الواحد الديان) ، ويستعين على تقوية هذا المعتقد بما جآء في القرآن الكريم من آيات تدل على ذلك:

 

          كقوله تعالى في سورة الأعراف الآية (29):

          (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)

          وكقوله تعالى في سورة آل عمران الآية (185):

          (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185).

          وكقوله تعالى في سورة النسآء الآية (78):

          (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (78).

          وكقوله تعالى في سورة الرحمن الآية (26 ، 27):

          (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27).

          إلى آخر ما هنالك من الآيات التى تُذكر المؤمن (1) بيومه الموعود ، (2) ومصيره المنتظر ، (3) وتُهونُ عليه مصائب الدنيا.

والناس في تذكر الموت والغفلة ثلاث أصناف:

أولاً:  فمنهم من لا يكاد ينساه ، وهم الأخيار من المؤمنين لأن نسيان الموت يجعلهم في شغل شاغل بأمور الدنيا ، وهي دار فانية ، وكل نعيم فيها إلى زوال ، وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

ثانياً:  ومنهم من جعل إلهه هواه ، وغفل تماماً عن ذكر الله ، وظن أنه مخلد في الدنيا ، وإن الموت لا يأتيه أبداً ، وقد يمشي في جنازة وهو يضحك ويتكلم مع صاحبه في أمور الدنيا ، ويقول:  كلنا لها.

ثالثاً:  ومنهم من يذكر الموت تارة وينساه أخرى.

أختي المؤمنة:  إعلمي أن عمرك هو رأس مالك ، إن ضيعته فقد ضيعت كل شئ ، أن اليوم

 الذى يمضي لا يعود ، وأن فى قلبك ساة تدق ، فإذا كفت عن الدق فقد إنتهى أجلك ولم يصحبك إلى قبرك إلا عملك ، إذ يرجع أهلك ومالك.

دقات قلب المرء قائلة له                                                     

إن الحياة دقائق وثوان

          والإنسان لا ينبغي أن يتمنى الموت لضر أصابه ، أو لخوف ألم به ، فإن الدنيا مزرعة الآخرة ، وخيرُ الناس من طال أجله وحسن عمله.

          حديث (لا يتمنن أحدكم الموت).

          وإن كان ولابد من ذلك فليقل ما أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم بقوله:  (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).

          وأعلم أنه ليس كل من مات قد استراح ، إذ ربما يكون قد مات كافراً ، أو مات على معصية ، فلا ينبغي أن يقول قائل:  فلان مات فأستراح ، فهذا القول رجم بالغيب ، وتقول على الله بلا علم.

الوصية الأخيرة

          في الحديث (ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا)

          أنت بين خيارين:  دنيا ذاهبة ، وآخرة آتية ، فمن أراد الدنيا شُغل بها ، ومن أراد الآخرة سعي لها سعيها ، وسعيها ترك زينة الدنيا مصداقاً لقوله تعالى في سورة الإسراء الآية (19):

    (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)

          وترك زينة الدنيا ليس معناه الحرمان التام من طيبات الحياة وزينتها ، إنما هو ترك ما يؤدي إلى (1) الإسراف ، (2) العُجب والرياء ، (3) الغرور والخيلاء ، (4) ترك ما يؤدي إلى الإنشغال عن ذكر الله.

          الدليل قول الله عز وجل في سورة الإعراف الآية (32):

          (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (32).

خلاصة الحديث

والقاعدة الجامعة التى نستوحيها من هذا الحديث:

          (ألا يراك الله حيثُ نهاك ، ولا يفتقدك حيث أمرك)   فهذا هو الحياء حقاً.

          فمن كان حاله مع الله موافقاً لهذه القاعدة فقد استحيا من الله حق الحياء.

          من عرف ربه إستحيا منه.

          ومن استحيا منه لزم طاعته.

          ومن أحبه أرضاه وجعل الجنة مثواه.

          كقوله تعالى في سورة آل عمران الآية (8):

          (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8).

 

((  والحمد لله رب العالمين ))

اترك تعليقاً