الدعاء عند الشدة والتولى عند الرخاء

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

                               أما بعد:

فجرت عادة كثير من الناس بل أكثر الناس أنهم يلجأون إلى الله عز وجل بالطاعة والتوحيد عند نزول الشدائد ، وعندما تنزل الكروب بهم يلجأون إلى الله عند العسر ، وعند الفقر ، وعند الضيق.

فإذا وسع الله عليهم النعمة وبدل شدتهم برخاء وحول عُسرهم إلى يسر نسوا العهد الذى عاهدوا الله عليه أيام الشدة وتولوا مدبرين.

مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الزمر الآية (8):

(وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ) .

وكذلك قال الله تعالى فى سورة يونس الآية (12):

(وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ). 

بمعـنى:إذا أصاب الإنسان فقر أو بلاء أو مرض أو ضيق أو عسر يرجع سريعاً إلى الله مخبتاً مُطيعاً مستغيثاً به فى إزالة تلك الشدة عنه.  وهو يدعو الله فى جميع الحالات ، فلما كشفنا عنه الضر لم يشكر ولم يتعظ وهذه صفة كثير من الناس ، إذا أصابته العافية مر على ما كان عليه كأن لم يكن هناك معرفة بينك وبين الله ، كأنه لم يمحى شدتك.

والله سبحانه وتعالى يقول فى سورة الأعراف الآية(176):

       (فاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

أى أن القصة بما فيها من عبر وإرشادات وعظات نافعات تنفع الإنسان ، فربما يكون قد وقع فى مثل ما قُص عليه ويعتبر.

(إن فى ذلك لعبرة لمن يخشى)

فنختار بعض القصص مما ذكره النبى – صلى الله عليه وسلم – فى صحيح الأحاديث حتى تأخذوا منه العبرة والعظة.

فمن كان منكم على هذا الوصف يلجأ إلى الله عند الشدة وينساه عند الرخاء فليتوب إلى الله وليستمر على النشاط والطاعة. (فالله قادر أن يعيدوكم فيه تارة أخرى).

الله قادر على أن يعيد الشدة تانى والعسر ولما تأتى وتقولى يارب لا يسمع لك لماذا ؟  لأنه جربك ..

نختار من هذا القصص الكريم ما روى فى صحيح الحديث من أن النبى محمد – صلى الله عليه وسلم – قص على اصحابه هذه القصة ومنها عبرة أن ثلاثة من المرضى ، وكانوا مرضى بعاهات وآفات عندهم أمراض مشوه للمنظر هم (1) أبرص ، (2) أقرع ، (3) أعمى.

فأراد الله أن يختبرهم ، فأرسل لهم ملكا فى صورة رجل.

(1)          وجاء الملك مندوب الله إلى الأبرص الأول وقال له: ماذا تشتهى ؟ قال الأبرص: اشتهى جلداً أحسن من جلدى هذا الذى يشوه منظرى وينفر الناس عنى. قال الملك:  ما أحب الأموال إليك ؟  قال الأبرص:  الإبل (النوق – الجمال). فقال الملك: اللهم اشفه  – فرتد جلده جلداً سليماً ناصعاً كأحسن ما ترى من الرجال – وهذه ناقة عُشراء بارك الله لك فيها بكره تخلف وخلفتها تخلف وتركه ..

(2)          ذهب الملك إلى الثانى وهو الأقرع …

قال الملك:  ماذا تشتهى ؟  قال الأقرع:  أشتهى شعراً حسناً فى رأسى وأن يبعد عنى هذا المرض الذى تفر الناس منى ؟  قال الملك: وما أحب الأموال إليك ؟  قال الأقرع: البقر والجاموس – فمسه فرتد سليماً ونبت شعره كأحسن ما ترى من شعر الرجال ، وقال هذه بقرة عُشراء خذها بارك الله لك فيها..

(3)          ثم ذهب إلى الثالث الأعمى ، وقال له: ما تشتهى ؟قال الأعمى: أشتهى ولو ربع عين واحدة أرى بها العدو من الصديق وأرى بها موضع قدمى. قال الملك: وما أحب الأموال إليك ؟  قال الأعمى: الغنم..  فدعا له الملك فرتد بصره كاملاً ثم أعطاه شاةً عُشراً (نعجة حامل) خُذها بارك الله لك فيها.

وذهبت الأيام إلا أن الملك العلام رب الأنام لا يُنهى الإمتحان بعد فتركهم حوالى عشر سنوات بعد هذه النعمة ، وبعد أن (1) عدل مرضهم إلى صحة ، (2)وحول فقرهم إلى غنى.  ثم أرسل الملك نفسه هو هو – فذهب إلى الأول الذى كان أبرص وشفاه الله ، وجآء الملك فى هذه المرة فى صورة رجل مسكين وقال: ياهذا السلام عليكم ، قال الأبرص: ماذا تريد ؟ ولم يرد عليه السلام ، وكما نعلم أن رد السلام فرض.  (وإذا حُيتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو..).  قال الملك:إنى مسافر ومسكين وتقطعت بى الأسباب وأنت عندك الأموال (كان عنده جبل ممتلاء بالجمال) ورجلى تنزل منها الدم فأعطنى ناقة أو بعرور صغير لكى أسافر عليه. قال الأبرص:الحقوق كثيرة – هو إحنا نعطى من ومن ؟ قال الملك: بلغنى أنك كنت أبرص فشفاك الله وبلغنى أنك كنت فقيراً فأغناك الله.  فقال الأبرص وهو مغضب (1) كذب من أخبرك ، (2) ما مرضت يوماً قط ، (3) وما افتقرت يوماً قط ، هذا المال ورثته عن أبى وجدى والصحة أزلية منذ ولدت.  فقال الملك: وقد رفع بصره للسمآء: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً في يمينه وكان أبرص فشفيته ، وكان فقيراً فأغنيته فرده إلى حاله الأول.  فرتد فى الحال إلى حالة البرص وكأن البرص ملئ جسده كله ونظر إلى الجبل فلم يرى ناقة واحدة ولا خف جمل ، وأصبح فقيراً مريضاً ، ونظره يكاد يختنق ..

وذهب الملك إلى الثانى الذى كان أقرع فوجد عنده جبل من الجاموس والبقر قال: يا هذا السلام عليكم. لم يرد عليه السلام ، قال له الأقرع: ماذا تريد ؟قال الملك: أريد أى بقرة من عندك تُسقينى لبناً لأنى فقير وانقطعت بى الأسباب.  قال الأقرع: الحقوق كثيرة – هو إحنا نعطى من ومن ؟  قال الملك: بلغنى أنك كنت مريضاً بالقراع فشفاك الله وكنت فقيراً فأغناك الله.  قال الذى كان أقرع: كذب ، لقد ورثت هذا المال كابر عن كابر – أنا ابن ناس وادعى وادعى.  فقال الملك:  اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً فى إدعائه فرده إلى حاله الأول ، وفى الحال أستجابت السماء فرتد إليه قراعه ورتد إليه فقره ، وأصبح فى قصره الذى بناه قد تحول إلى عشه لا تمنع برد ولا شمس , فقيراً أقرع.

ثم ذهب الملك إلى الثالث الأعمى وقال له: يا هذا السلام عليكم.  قال الذى كان أعمى: وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته ، مرحباً بك وأهلاً ثم وقف وأجلس الملك وهو لا يعلم أنه ملك أجلسه على فرشه (على الفروة) وجلس الرجل على الأرض.  قال الملك: أنا رجل مسكين وعابر سبيل وتقطعت بى الأسباب ؟ فقصدتك لوجه الله أعطينى شاة من غنمك أبيعها أو أشرب لبنها.  قال الذى كان أعمى:  يا هذا أتطلب منى شاة واحدة لا والله لو طلبت ما فى الجبل كله لأعطيتك إياه أنت لا تعلم حالى (1) كنت أعمى فبصرنى الله ، (2) وكنت فقيراً فأغنانى الله فلولا لم يبقى معى إلا نعمة البصر لكفتنى ..  إذهب إلى هذا الجبل فخذ ما شئت وأترك ما شئت ، وإن أخذت الغنم كلها فلا تسريب عليك. (لوم).

ثم رجع الملك إلى حالته الأولى ، وقال: لستُ إنساناً ولستُ مسكيناً ، وإنما أنا ملك جئتُك وجيئت أخويك من قبل ابتلاءً من الله وامتحاناً فقد رضى الله عنك وغضب من أخويك (الأبرص والأقرع) ورضى الله عنك أنت لأنك (1) شكرت النعمة ، (2) ورحمت الناس وكنت على استعداد أن تُعطينى من خيراتك ومن غنمك ، ورضى الله عنك وغضب على أخويك ، وهذا حديث صحيح رواه البخارى ومسلم عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم– ولنا فيه عبرة وهى أن كثيراً منا ولا أبرئ نفسى ومعاذ الله أننا عند الضيق وعند الإمتحان آخر العام الطالب ، وعند عُسر المرأة فى الولادة – وعند مرض الأولاد وعند نزول الشدائد نلجأ إلى الله ونقول: يارب مالناش غيرك أنت الحنان – أنت الرءوف أنت العطوف ، أنت الرحيم الرحمن – اللهم يسر لنا حالنا – علينا عهد الله أن بدلت حالنا لنُطيعنك فى كل أمر ونتركن لك كل نهى ، فإذا بدل الله عُسرنا بيسر – وأنهى الكرب ومحا الشدة نسينا الله. 

وكما أخبرنا الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة يونس الآية (12):

(وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ). 

(وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا

مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا). الإسراء الآية (83)

وإليكم قصة أُخرى تدل على معنى جميل أن كل من عمل الخير وعمل الصالحات نفعه ذلك عند الشدائد فهذا حديث صحيح رواه البخارى ومسلم عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

(أن ثلاثة كانوا متصاحبين متآلفين سافروا معاً ونزل المطر عليهم مدراراً هطالاً كأفواه القرب – تعبوا من المطر لجأوا إلى كهف فى جبل (مغارة) ودخلوها ليحتموا من المطر ، وبينما هو جالسون فى جوف المغارة إذ بالله العزيز الحكيم أراد أن يختبرهم فنزلت صخرة كبيرة جداً وعلى باب المغارة سدته ، لا يستطيع أن يرفعها ولا مائة رجل ، وصار الثلاثة فى داخل المغارة وأدركوا أنهم ميتون ميتون إما من (1) الجوع ، وإما من (2) إختناق النفس ، فلما أدركوا الكرب الشديد قال بعضهم لبعض رأى أن نتوسل إلى الله بصلاح شئ فعلناه.  كل واحد منا يبحث عن الدوسيه الخاص به الذى بينك وبين الله فى سره. إذا وجد حاجة خالصة لله يذكرها الآن يقول: يارب إنى فعلت ذلك لوجهك ففرج عنا ما نحن فيه.

فكروا بعض الوقت ثم قال الأول:  أنا تذكرت شئ فعلته ليس فيه رياء ولا سمعة ولا شهرة – خالصة لله .. (1) اللهم إنك تعلم أنى كنت أرعى الغنم وأذهب بها إلى الجبل، (2) وكنتُ لا أُطعم مراتى ولا أُطعم ولدى حتى يأكل أبى وأمى (فلابد من تقديم الأبوين على الزوجة والأولاد) وذهبت يوماً إلى المرعى وكان المرعى بعيداً ، فعندما عدت إلى البيت وجدت أبى وأمى نائمين.  وسألت امرأتى هل أكلا ؟ قالت: لا.

فأخذت كعب اللبن وجلست عند رأسيهما ولم يأكل أحد من أولادى ولم تُطعم زوجتى – وجلست باللبن عند رأس أبى وأمى لعلهما يتيقظان وما تيقظا ؟ (1)فقلتُ أُقظهما ، ثم قلت: لعلهما مستريحان فأتعبهما فيغضبان علىَ ، (2) قلتُ: أُطعم مراتى وأولادى ؟ قلت: لا والله ما تعوتُ هذا قط ، وما أكل ولدى ولا امرأتى إلا بعد أبى وأُمى، فجلس أُفكر وكعب اللبن على يدى حتى طلع الفجر طوال الليل من العشاء إلى الفجر ، وكان الليل طويلاً كليل الشتاء وهو جالس عند رأس أبيه وأمه.

فتيقظ الأب وتيقظت الأم فوجدا الولد هكذا جالساً.  قال الأب: ماهذا يابنى ؟ قال الأبن: منتظر أن تستيقظوا.  قال الأب: ما الذى معك ؟  قال الأبن: اللبن.  قال الأب:  لماذا ؟ قال الأبن: لتأكلوا وتشربوا.  قال الأب: الأولاد أكلوا ؟      قال الأبن: لا أولادى ولا زوجتى أكلت حتى أُطعمكما.  قال الأب: ومن العشاء إلى الآن وأنت جالس هكذا ؟  قال الأبن: (1) نعم براً بكما ، (2) وطاعةً لأمر الله فيكما حيث قال: (وبالوالدين إحساناً).

فقال الأب: وهو متأثر جداً وعيناه تدمعان ورفع يده إلى السمآء وقال:  الله أننى وهذه المرأة قد رضينا عن أبننا هذا فرضى عنه (لهذا البر ولهذا الإحتمال الشديد).

كلام الولد فى الغار:(اللهم إن كنت تعلمُ أننى امتنعت عن شرب اللبن وعن سقى أولادى وزوجتى قبل أبى وأمى ومكثُت طوال الليل من العشاء إلى الفجر على رأسهما ، إن كنت تعلمُ أنى فعلت هذا خوفاً منك وبراً بأبى وأمى وابتغاء وجهك ففرج ما نحن فيه) ، فسمعوا وجبة (كأنه ضربة شديدة) وتحركت الصخرة شيئاً (سبحان الله السميع العليم) ، ودخل النور والهواء من الخارج إلا أنهم لا يستطيعون الخروج ، وقال: ياأخواني قد أستجاب الله توسُلى ببرى لوالدى …

وقال الثانى:(اللهم إنك تعلم أنه كان لى بنت عم وكنتُ أُحبُها حباً شديداً ، أكادُ أموتُ لفراقها – فطلبتُها ذات يوم فأبت ، واستمرت على هذا التأبى والامتناع حتى ألمت بها أزمة (أزمة عالمية – أسعار مرتفعة وبضائع لا توجد) فجآءت ذات يوم وهى متعبة ولونها قد تغير من ضعف وهُزال – قالت: يا ابن عمى قد من الله عليك بخيرات كثيرة فاسألُك بالله الذى أعطاك وحرمنا ومنً عليك ومنعنا أن تُعطينا حاجة لله.  قال: لا حتى تمكننى من نفسك ؟ قالت: لا تفكر ، والله إن الموت مع الطاعة خير من العيش مع المعصية (أنا أموت مجاهدة لله وصابرة أحسن من أن أعيش وعمرى يطول وقد آهنت نفسى بالزنا ثم ولت (ذهبت إلى بيتها) فزادت أزمتها فذهبت إليه. أن المضطر يأكل الميتة – لما جآء يجتمع بها وجدها ترتعش فقال لها: لماذا ترتعشى – هذه ساعة حظ.  قالت: أسألك بالله لا تفض الخاتم إلا بحقه.  بمعـنى:(لا أحلُ لك شرعاً إلا بالزواج ولكن التجمع فى الحرام ممنوع) فتركها..

فقال الرجل: تأثرت بعض الشئ – وقلتُ جارة وقريبة وبنت عمى وأنا لم أرعى حرمة الجارة ولا حرمة القريبة ولا حرمة الأزمة , حصل عنده اعتبار – فمشى وراءها سمعها تقول: يا واحداً إحسانه شمل الخلق بسمعك ما أشكو بعينك ما القى – لقد صدمتنى شدةُ وخصاصةُ وقادنى ما بعضه ما يمنع النطق –اعصيك بعد الفضل والجودى والهدى وكيف بالطاعات استجلبُ الرزق) تقول هذا الكلام بينها وبين ربها وهى لا تعلم أنه ورائها فقال:  يا فلانة فنظرت إليه فخاطبته وقالت:  (تذكر فى مشيبك والمآبى – ودفنك بعد عزك فى التراب إذا أدخلت قبراً أنت فيه – تُقيم به إلى يوم الحساب وفى أوصال جسمك حين تبقى – مقطعة ممزقة الإيمان فلولا القبرُ صار عليك ستراً – لنتنت الأباطح والروابى خُلقت من التراب فصرت حياً – وعلمت الفصيح من الخطانى وعدت إلى الرتاب فسرت فيه كأنك ما خرجت من التراب فطلق هذه الدنيا ثلاثاً – وبادر قبل موتك بالمآبى.  قال: فارتعش قلبى يارب ساعتها ارتعاشاً شديداً وقلت لها: عودى ، قالت: لا أعود – فقال:  اذهبى إلى بيتك.

بعد ما سمع من المرأة هذا الدرس ما ترك فى البيت خيراً قط إلا أخرجه وذهب به إلى بيت المرأة بنت عمه طعام (دقيق) شراب – ملابس – نقود – ماترك شيئاً ثم أغلق الباب.  بنت عمه تيقنت من صدق نيته فقالت: اذهب لكى أشكره ، فطرقت الباب عليه. فقال: من ؟  قالت: فلانة.  قال: لا يحل شرعاً أن أخلو بك – أنت أجنبية عنى . قالت: نعم صدقت.  قال لها: ادعى لى الله أن يمسح عنى الموجود فى الكشاكيل الخاصة بى الذى سجل فيها المعاصى – فرفعت يدها إلى السمآء بإخلاص وقالت: اللهم كما أنارت قلبهُ ولُبه (1) فأستجب دعاءه ، (2)وحرم عليه النار ، (3) واغفر له ما فى الدواوين.

فدخل الرجل واغتسل ولبس ثياباً جُدداً ومكث يُصلى. أمه دخلت عليه فوجدته واقف على المصلية الخاصة بها ، فصفعته بيدها (قلم شديد) حتى خرج الدم من أذنه وقالت: اتهزاء بى ؟ فقال وهو يصلى: القلم ده لم يصلنى وأنا بعصاك ويوم تُبت ..  إذا كان هذا مبدأ الصلاح فنعما هو – نعمة الصلح.

وقفت الأم فوجدته يصلى صلاة سليمة بركوعها وسجودها فقال:  يا أُماه السلام عليك.  قالت: لم تشرب خمر اليوم.  قال: لا.  أنت لسه جايب كشكول جديد غير السبعة – قال: يا أُماه اذهبى وهات الكشاكيل لكى نحرقها – وجدت الكشاكيل الثمانية ورق أبيض ، لا معصية ، ولا جريمة ، لا قتل ، لا زنى.

فقالت الأم: أنت أشتريت 8 كشاكيل جديدة ؟؟  قال: يا أُماه دعوة امرأة عضها الجوع وصدقت لله فى السجود والركوع…  قالت الأم: أنت تُبت الآن – قال: ولن أعود إلى شئ يكره الله.  قالت الأم: ما هذا يا بنى لقد ءاتيت لك بكل وعاظ الأرض وعلمآء الأرض لم ينفعوا معك ما الذى نفع معك ؟ قال: يا أُماه امرأة جآءت تستطعمُ لولديها فوقع صلح ربى على يدها – الله أكبر – الله أكبر.

جآء يضع يده فى النار وجد أن النار لا تؤثر فيه كأنها مآء بارد – كما فعل الله مع إبراهيم الخليل – (فاستجب دعاءه).

وإذا دعى على واحد دعوة لازم تُصيبه فى الحال.  وإذا دعى لواحد دعوة بالخير يُصيبه الخير فى ساعتها.  قالت الأم:  ما هذا ؟  وكما قالت بنت عمه: اللهم كما أنارت قلبهُ ولُبه فاستجب دعاءه وحرم جسده على النار.

الله سبحانه لم ينتظر أن يحرم عليه نارالآخرة بل حرم عليه نار الدنيا أيضاً.

جاء واحد من بغداد سمع عنه ، فدخل عليه وقال: أسألُك سؤالاً وأخلص فيه.  أستجاب الله دعائك ؟  قال: نعم – إلا أنى لا أدعوا إلا عند الضرورة.  قال الرجل: هل حرم الله جسدك على النار – قال: نعم.  قال الرجل: أنت كنت مشهور بالإجرام حتى كانوا يسمونك ابن المجرم.  قال: نعم محى الله كل ذلك عنى حتى أنه مسح الكتابة التى كانت موجودة فى الكشاكيل.  قال الرجل: أدعو الله يستجيب لى ؟  قال:  اللهم أقضى حاجته ما دامت فى طاعتك.  واستجاب الله هذا الرجل المصرى الذى تاب الله عليه – لكى تعرف أن الله يقبل التوبة عن عباده.  ولو بلغت الذنوب عنان السمآء ثم استغفرت الله لوجدت الله غفور رحيم (لغفر الله لك).

وقال:  اللهم إن كنت تعلم أنى تركت بنت عمى لوجهك الكريم ففرج ما نحن فيه – فنزاحت الصخرة أكثر ولكن بحيث لا يستطيعون الخروج ..

وقال الرجل الثالث:  يارب أنا كنت ببنى بيتى واتفقت مع العمال على الأجرة وفى آخر النهار أعطيتهم الأجرة ولكن غضب واحد منهم وقال: نحن تعبنا ونريد زيادة.  ولم يأخذ أجره ، وفلما ذهب وانصرف إلى بيته صُعب علىَ وقلت: والله لم أكل أجرته فأستثمرتها – اشتريت بها فراخ والفراخ صار وز والوز صار بط والبط صار ماعز والماعز صار خرفان والخرفان صار بقر وجاموس وجمال وبعد عشر سنين عنده جبل من خيرات الله التى ليس لها آخر.

وبعد عشر سنين جآء الرجل العامل افتقر فجآء إليه وقال: أنا كان لى أجرة وامتنعت عن أخذها وأعطها لى – فأنا محتاج إليها – قال صاحب البيت: تسمع عن الجبل الفلانى الكثير الخيرات ؟ قال الرجل: ربنا يزيدك.  قال: هذا أجرك وقد استغلتُه اذهب وخذه.  وقال: اللهم إن كنت تعلم أنى أعطيت هذا الرجل كل ما فى الجبل لوجهك الكريم ففرج عنا ما نحن فيه…

فتراجعت الصخرة فخرجوا جميعاً يمشون فى سلام.

الذى يقدم السبت يجد الأحد أمامه … وكما يقول الله تعالى:

(وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا). سورة المزمل الآية (20)

تعرف على الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة ….

وروى عن عمر بن الخطاب

إنه اتخذ تمراً بلبن فجآءه مسكين فأخذه ودفعه إليه فقال بعضهم: ما يدرى هذا المسكين ما هذا ؟  فقال عمر: لكن رب المسكين يدرى ما هو.

هو خير مما تركتم وخلفتم ومن الشح والتقصير (أعظم أجراً).

بمعـنى آخر:  وما تقدموا لأنفسكم من نوافل الصلاة والصدقات والحج وسائر العبادات تجدوه عند الله يوم القيامة هو خيراً وأعظم أجراً….

      (فإن الحسنة فيه بسبعمائة) ….

 

( والحمد لله رب العالمين)

اترك تعليقاً