بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          فتشمل هذه السورة الكريمة على أحوال يوم القيامة ، وانقسام الناس إلى ثلاث أنواع (أصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال ، والسابقون).

          وقد تحدثت السورة على ما أعده الله تعالى لهم من الجزاء العادل يوم الدين:

          (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57).

          الله هو الخالق

          ما من إنسان على وجه الأرض إلا يتمني السلامة والسعادة ، ولكن السلامة والسعادة لا تكون إلا بعد معرفة الله ، ومعرفة منهجه ، لأنه الصانع والخالق ، فأنت أيها الإنسان أعقد آلة في الكون ولك خالق وهذا القرآن تعليماته.

          الله سبحانه وتعالى يتكلم بالمنطق (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ).

          نحن خلقناكم أيها الناس من العدم.

          فهل تصدقون بالبعث؟

          فإن من قدر على البدء قادر على الإعادة.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة الروم الآية (27):

          (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ).

فإذا صدقتم بالأولى فالنشأة الثانية سهلة.

الإعادة أهون عليه من البداءة ، فإن من قدر على الإنشاء كان البعث أهون عليه.

          (معجزة خلق الإنسان)   (وفى أنفسكم أفلا تبصرون)

(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ).

          هذا المني الذى أودعه الله في الإنسان ، إذا خرج يخرج منه في كل مرة تقريباً من ثلاثمائة مليون إلى خمسمائة مليون حوين ، والحوين وحده لا يرى إلا بالمجهر.  الآن أكبر علم هو علم الوراثة أي الهندسة الوراثية ، الحوين له رأس مدبب وعلى هذا الرأس غشاء سريع التمزق تحت هذا الغشاء مادة نبيلة تذيب جدار البويضة ، والذيل مهمته يتحرك ليمشي بسرعة عشرة سم بالساعة لأنه سينتقل إلى الرحم بداخل جسم المرأة ، البويضة تحتاج إلى حوين واحد، تنتقي أقوى هذه الحيوانات أيهما الأقوى؟

          هو الذى يصل مبكراً (هو الأقوى) ، فإذا وقف على جدار البويضة ، تمزق غشاؤه الخارجي فظهرت المادة وأذابت جدار البويضة ، يدخل هذا الحوينويغلق الباب وانتهى ثم تصل إلى الرحم ، وتأكل بعض جداره ، ظهر الدم غذيراً هي بحاجة إلى دم.

          هذه البويضة الملقحة تبدأ تشكل المخ ، الأعضاء ، صار الآن في نسيج يشكل الأعصاب ، العصب البصري 900 ألف عصب ، وفي الرأس 300 ألف شعرة لكل شعرة (1) وريد ، (2)شريان ، (3) عصب ، (4) عضلة ، (5) غدة دهنية ، (6) غدة صبغية ، (7) المعدة 35 مليون عصارة هاضمة.

ماهو دور البشر في الخلق؟

          إن دور البشر في هذا الخلق لا يزيد على أن يضع الرجل ما يُمنى رحم امرأة ، ثم ينقطع عمله وعملها ، وتأخذ يد القدرة في العمل وحدها في هذا الماء المهين ، تعمل وحدها في خلق الإنسان وتنميته وبناء هيكله ونفخ الروح فيه.

          هذه الخلية الواحدة تبدأ في الإنقسام والتكاثر ، فإذا هي بعد فترة ملايين الملايين من الخلايا ، كل مجموعة من هذه الخلايا ذات خصائص عجيبة ، فهذه خلايا عظام ، وهذه خلايا عضلات ، وهذه خلايا جلد وهذه خلايا أعصاب…  ثم هذه خلايا لعمل عين ، وهذه لعمل لسان وهذه لعمل أُذن ، وكل منها تعرف مكان عملها ، فلا تخطئ خلايا العين مثلاً فتطلع في البطن أو القدم.  كما قال سيد قطب في تفسيره.

          (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)

          (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) سورة الفرقان (54) خلق من النطفة إنساناً سميعاً بصيراً.

          فسبحان الله العظيم القدير القائل:  (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59).

          إذا فتحت البطن ترى كيف تركبت الأمعاء الدقيقة والغليظة والأعور والكبد والطحال والبنكرياس ، وكيف يدخل الطعام وكيف تتهضم والجهاز التنفسي ، والجهاز الدموي القلب والرئتين والإحساس والذوق والدماغ والفكر والعلم والأفكار ، والأنف والشم والأظافر (ممكن تعمل به ملقاط ، مغرفة ، ملعقة).

          من الذى يصدق أن الأمعاء الدقيقة تتجدد تلقائياً كل 48 ساعة ، أنت كل خمس سنوات إنسان آخر ، جلدك ، عظامك ، عضلاتك ، عينك ، شعرك ، سمعك ، بصرك ، عدا القلب والدماغ.

          (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57).

          هذه الحيوانات المنوية تقريباً بدرجة 38 تموت لذلك مكانها في الخصية ، والخصية خارج الجسم ، هناك درجتان بين الجسم والخصية ، والخصية خارج الجسم ، هناك درجتان بين الجسم والخصية ، فلو أن الحيوانات المنوية داخل الجسم تموت كلها.

          (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59).لا يارب أنت الخالق.

          (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60).

          والله عز وجل قال:  (الذى خلق الموت والحياة……)

          وأنت عندما تخرج إلى الدنيا تعلم أنهم يومين فقط وترجع إلى الله ، وأن الدنيا عبارة عن رحلة مؤقتة إنما العكس الناس فاكرين أنهم مخلدين (كل من عليها فان) ، نحن قضينا وحكمنا عليكم بالموت ، وساوينا بينكم فيه ، سواء فيه الشريف والوضيع ، والأمير والصعلوك ، وما نحن بعاجزين.

          (عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61).

          على أن نهلككم ونستبدل قوماً غيركم يكونون أطوع لله منكم ولسنا بعاجزين أيضاً أن نعيدكم يوم القيامة في خلقة لا تعلمونها ولا تصل إليها عقولكم.

بمعنى:  أن الله قادر على أن يهلكهم وأن يعيدهم وأن يبعثهم يوم القيامة.

          أنا الله الذى أخرجكم من القبر وأنا محتفظ بعجب الذنب الذى فيه سر حياتكم وفيه الخصائص والمواريث والتقاليد وأعمالكم كلها.

ما الذى يحدث يوم القيامة:

          ويوم القيامة الله عز وجل يقول للروح أدخلي في الجسم ويجمع الذرات المتطايرة (هناك ناس لما تموت وتحرق في الطائرة يكون بين كل قطعة من جسمه وأخرى 20 كيلمتر أو 50كيلومتر ، أو رجل غرق في البحر وأكله السمك – والسمك الذى أكله أُكل فأصبح جسمه في داخل جسم في داخل جسم آخر ….

          كيف يعيد الله عز وجل هذا التنظيم يوم القيامة؟

          (سبحان الله العظيم).

          كل شئ في الإنسان بعد الموت يُفنى (يُبلى) إلا عجب الذنب.

          (كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذين منه بدأ الخلق ومنه يركب يوم القيامة) مثل الصندوق الأسود الخاص بالطائرة.

          (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62).

          أنتم عرفتم قدرتي في الخلق – عرفتم أني أنشأكم من العدم ، فخلقكم الله عز وجل من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة – فهل تتذكرون بأن الله قادر على إعادتكم كما قدر على خلقكم أول مرة؟

          (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً)؟

          ثم تكلم الله عز وجل في مألوفات الحياة ليل نهار عيشين فيها ومن كثرة ما تعودنا عليها، وهذه من المعجزات (معجزات الله) ، الحرث ، الماء ، النار.

          (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63).

          هذه حجة أخرى على وحدانية الله وقدرته ، أي أخبروني عما تحرثون من أرضكم فتضعون فيها البذر ، أنتم تنبتونه وتحصلونه زرعاً فيكون فيه السُنبل والحب أم نحن نفعل ذلك؟

          الله عز وجل يرزق ويطعم المسلم والكافر والملحد ونصراني ويهودي ويقول:  هذه دنيا أنا أعطيها لأحبائي ولاعدائي – أنا لا أحرم منها الكافر (إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب).

          لذلك يجب على المسلم أن يقول:  أنا حرثت الأرض وليس زرعت الأرض مصداقاً للحديث الذى رواه أبوهريرة – رضي الله عنه – عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:

          (لا يقولن أحدكم زرعت بوليقل: حرثت فإن الزارع هو الله).      ذكره ابن كثير – الألوسي – البيهقي.  ابن جرير الطبري.

          قال أبوهريرة:  الم تسمعوا قوله تعالى:

          (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64).

          الله عز وجل هو الذى ينبته في الأرض.

          لو لم ينبت الله النبات ماذا نفعل؟

          هل عندك في خيالك طريقة لإطعام البشر غير النبات؟

          كل شئ من خلق الله يدور مع الإنسان حيث دار كالنبات ، فالإنسان بحاجة إلى غذاء ، غذاؤه من النبات ، (2) بحاجة إلى كساء ، كساؤه من النبات ، (3) بحاجة إلى أن يمتع عينه وأنفه فالورود كلها نباتات ، (4) الإنسان بحاجة إلى ليفة ينظف بها جسمه ، الليفة نبات ، (5)بحاجة إلى أن تنظف به أسنانك فخلق السواك ، (6) بحاجة إلى أن تنظف ما بين الأسنان فخلق الخلة ، (7) إذا تأملت نبات البردى تشعر مئة بالمئة أن الله ما خلقه إلا ليكون ورقاً (ورق كتابة) ، (8) يوجد نبات مصمم ليكون غذاء للحيوانات ، يحصد كله ثم ينمو مرة ثانية ، تحصده، ينمو مرة ثالثة ، (9) نحتاج إلى دواء يوجد دواء نبات ، (10) نحتاج إلى أصبغة الأصبغة نبات، الروائح نباتات كلها:  هذا عطر الياسمين ، هذا عطر النرجس.

ماذا فعل الفلاح؟

          ألقى هذه الحبة وأنتهى الأمر وسقاها فقط ، من جعل لهذا الزرع المعادن أملاحاً تتأكسد بالأوكسجين تصبح أملاحاً تذوب في الماء.

          نضوج النبات المتدرج آية عظيمة من آيات الله.

          الأرض فهي تربة واحدة ، الأمطار واحدة ، الحر واحد – البرد واحد ثم تجد النضج على مدى ثلاثة أشهر.

(1)كيف يكشف الفلاح أن هذه البطيخة قد نضجت؟

          لها حلزون في أعلاها فالفلاح يمسك الحلزون ويضغطه إذا انكسر تكون قد نضجت – بقى طرياً تكون غير ناضجة ، قال الله تعالى:  (وعلامات).

مثال 2:

          نجد التفاحة مثلاً فيها غذاء متناسب مع جسم الإنسان ، تحتاج إلى مادة سكرية أحادية سريعة الإمتصاص موجودة في التفاحة – (2) تحتاج إلى حديد موجود في التفاح ، فالمواد التى تتكون منها التفاحة متناسبة 100% مئة بالمئة مع جسم الإنسان.

قدرة الله في البطيخ:            هل بإمكانك أن تجمد ماء من دون ثلاجة؟

          البطيخ ماء مجمد ، ماء مجمد بأوعية هشة ، فإذا عصرت البطيخ 97% مآء – 3% مواد سكرية.

          والبطيخ لو كان غلافه هشاً كان كله يتلف بسرعة وهو في الطريق من المزرعة إلى السوق – تجد السيارة تحمل 5 طن بطيخ والتى موجودة في أسفل السيارة تحمل الجميع ، شكلها مع قشرتها شئ رائع جداً.

          لذلك قال الله تعالى في سورة عبس  الآية (24 ، 25):

          (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25).

          أمر إلهي كأمر الصلاة.

          (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64).

          أنت حينما تشترى كيلو تفاح تكون قد دفعت خدمته فقط ، أما هو بلا ثمن هو من رزق الله عزوجل.

          فموضوع النبات من أكبر الموضوعات الدالة على الله:  وجوداً وكمالاً ووحدانية.

          أثناء طعامك وأنت جالس على الطاولة فكر في النبات يوجد نبات مصمم ليمتع عينك فقط، أما لو أكلته يُميت الإنسان فهو سام ، لماذا مصمم؟  للنظر فقط.

(2)نباتات تنصب فخاً أمام الحشرات فإذا وقعت فيها أكلتها كغذاء.

(3)يوجد في النباتات عجائب لا تصدق ، الشجرة التى خُلقت ليستفاد من خشبها جذورها ليفية قليلة ومجتمعة ، قلعها سهل ، أما الشجرة التى خلقت كي يستفاد من ثمرها جذورها بالغة الأعماق آلة حكيم.

          (هذه طريقة التفكر في خلق السموات والأرض).

          (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65).

          نحن أنبتناه بطلفنا ورحمتنا وأبقيناه لكم رحمة بكم – ولو نشاء لجعلنا الزرع حطاماً يابساً بعد أن أصبح سنبلاً وقارب أن يفرك فتحرمون منه – جعله هشيما متسكراً لا ينتفع به في طعام ولا غيره ، تتعجبون  (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُون) في مجالسكم من الجانحة التى أصابت زرعكم – تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم.

          (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)

المغرم:   الذى ذهب ماله بغير عوض – إنا لمحملون الغرم في إنفاقنا حيث ذهب زرعنا وغرمنا الحب الذى بذرناه.

          (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)

          نحن محرومون الرزق – غرمنا قيمة البذر ، وحُرمنا خروج الزرع.

الأولى:   غرامة   –                      الثانية:   حرمان

          إن إنبات الزرع ثم حرمانكم منه بعد طمعكم في الإنتفاع به مظهر من مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته وتدبيره وكلها دالة على قدرته على بعثكم لمحاسبتكم ومجازاتكم على عملكم في هذه الحياة الدنيا.

          (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68)

          تحدى الله عز وجل في قرآنه أن يستطيع إنسان مهما بلغ علمه أن ينزل الأمطار.

          (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30).

       (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ (34) سورة لقمان.

          هذا الماء الذى تعبُ منه البشرية كلها عباً تجد الإنسان عاجزاً عن أن يصنع نهراً ، مع أن عناصر تكوين الماء موجود في الكون أمام العلماء ، والمساحات الشاسعة من الصحاري في الأراضي محتاجة إلى قطرة ماء.

          (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69).

          (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70).

          أخبروني عن الماء الذى تشربونه عذباً فراتاً لتدفعوا عنكم شدة العطش ، هل أنتم الذين أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون له بقدرتنا؟  لو شئنا لجعلناه ماءً مالحاً شديد الملوحة لا يصلح لشرب ولا لزرع.  فهل تشكرون ربكم على نعمه الجليلة عليكم؟.

          وفي الحديث أن النبى – صلى الله عليه وسلم – كان إذا شرب الماء قال:  (الحمدلله الذى سقانا عذباً فُراتاً برحمته ، ولم يجعله ملحاً أُجاجاً بذنُوبنا).    أخرجه ابن أبي حاتم.

دورة مياة الشرب:

          المآء جآءت من الحنفية من مواسير من الخزان جآءت من النيل والنيل جآء من جنوب السودان والبحيرات وفيكتوريا من جنوب الحبشة ومن الأمطار التى تسقط عليها.

          الأمطار جآءت من السحاب – والسحاب جآء من قوة الطبقات العليا بعوامل مثل تسلط الشمس على البحار الملحة.

          (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70).

          في قدرة الله عز وجل أن يترك الماء ملح كما هو في البحار والله عز وجل قال في سورة الفرقان الآية (48 ، 49):

          (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49).

          الإنسان قد يركب البحر وقد يموت عطشاً وهو فوق أكبر كم مائي في الأرض.

 ما معنى المحيط الهادي؟   يعني قارة أوربا وآسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية والشمالية والقارتان القطب الشمالي والجنوبي 4/5 بحار ، 1/5 أرض بعض الأعمال تصل إلى 12000م خليج ميريانا في المحيط الهادي الله جعل الماء ملحاً أجاجاً فوق طاقة البشر ، محطات التحلية ، لولا الدخل الفلكي من النفط لما أمكن لتر الماء المحلي يزيد في الثمن على لتر البنزين.

          إن لم يكن لنا مواقف آيات الله في الكون ، إن لم نتأثر به – إن لم نعمل عقولنا في ثنياته فقد خسرنا لماذا؟  لأن الله يقول (أفرأيتم)  أي انظروا ظاهرة السحاب من آيات الله الدالة على عظمته.

          موضوع السحاب ، الشمس مسلطة على مسطحات مائية واسعة جداً تزيد على أربعة أخماس الكون 4/5 ، هذه الشمس تبخر الماء تقلبه من سائل إلى غاز ، فإذا ازدادت كثافته صار سحاباً.

          والله سبحانه وتعالى يسوق السحاب من مكان إلى مكان ، فإذا ألتقى هذا السحاب بجبهة باردة – تخلى هذا الهواء المشبع ببخار الماء عن مائة ، وأصبح مطراً.

قال الدكتور محمد النابلسي:

          قرأت مقالة مترجمة كيفأن الماء إذا بردته في الدرجة تنعكس الخاصة فيتمدد بدل أن ينكمش ، شئ من المدهشات ، هذه آية الله الدالة على عظمته.

          لماذا نقول:  بسم الله الرحمن الرحيم عندما نشرب؟

          ليذكر أن هذه نعمة الله عز وجل ، الله خلقها وقدرها بحكمته ، وعلمه ، ورحمته ، وليذكر أن الماء ينبغي أن نشكر الله عليه ، كل كلمة أو كل شئ لا يبدأ بسم الله فهو أبتر ، فإذا أكلت ، وإذا شربت ، وإذا نمت ، وإذا ألقيت درساً ، وإذا عالجت مريضاً ينبغي أن تقول بسم الله الرحمن الرحيم.

لا قيمة لحياة الإنسان دون مآء:

          ماذا نعمل لو استمر الجفاف؟  ماذا نفعل بالينابيع التى جفت وبالأشجار التى يبست ، وبالحيوانات التى ماتت عطشاً ماذا نفعل؟

          ما قيمة الأبنية الشاهقة؟  ما قيمة الحياة فيها؟

          (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30).سورة الملك

          الله جل جلاله يقول:

          (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17).سورة الغاشية

          (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24). سورة عبس

          (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) سورة الطارق

          (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68).الواقعة

          معنى ذلك أن عبادة التفكر هي أرقى عبادة على الإطلاق لأن هذه العبادة تجعلك تقدر الله حق قدره.

          (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).سورة الزمر الآية (67)

          (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)

          قال علماء التاريخ:  (الحضارة بدأت مع النار) كل ما تستعملين بين يدك مصنوعة إلا بتدخل النار.

مثال1:   السكين:

          لأن هذه السكين أصلها حديد – الحديد أصله فلزات يعني:  ذرات حديد مع تراب ، لو جعل الله عز وجل الحديد صرفاً كتل في أعماق الأرض لا يستطيع إنسان استخراجها.  إذاً فلزات الحديد مع التراب تنقل إلى الفرن العالي ، هناك تُصهر هذه الفلزات وتؤخذ الحديد ، ولولا النار لما أمكنك أن ترى قطعة حديد في الأرض.

          أية إداة مهما ظننت أنها بدائية ، النار داخلة بها.

          ( أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72)

          هذه الأشجار تُعطيك الفواكه والثمار ، فإذا يبست أصبحت وقوداً لك ، وفي سورة يس الآية (80) آية تشير إلى البترول:

          (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80).

          أخبروني عن النار التى تشعلونها وتستخرجونها من الشجر الرطب.

          ( أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72)

          هل أنتم الذين خلقتم شجرها أم نحن الخالقون المخترعون؟

قال ابن كثير:     وللعرب شجرتان:  المرخُ والعُفار ، إذا أُخذ منهما غصنان أخضران ، فحُك أحدهما بالأخر تناثر من بينهما شرر النار (فاشكروني ولا تنكروا قدرتي على البعث).

          وقال ابن عباس – رضي الله عنه:

          (ما من شجرة ولا عود إلا وفيه النار سوى العُناب).

          (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً (73).

          جعلنا نار الدنيا تذكيراً للنار الكبرى (نار جهنم).

          إذا رآها الرائي ذكر بها نار جهنم ، فيخشى الله ويخاف عقابه مصداقاً للحديث الذى رواه أبوهريرة – رضي الله عنه – قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (نارُكم هذه التى تُوقدُون جُزء من سبعين جُزءاً من نار جهنم ، فقالوا يارسول الله: (إن كانت لكافية!!  فقال:  (والذى نفسي بيده لقد فُضلت عليها بتسعة وستين جُزءاً ، كلهُن مثل حرُها).

          (أخرجه أحمد بن أبي هريرة مرفوعاً).

          (وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73).

المقوين:  المسافرين – وهو المسافر النازل في الأرض الخالية البعيدة عن العمران – ينتفع بالنار الحاضر والبادي من غني وفقير ، الجميع محتاجون إلى النار للطبخ والتدفئة والإضاءة.  وغير ذلك من المنافع ، ثم إنها من لطف الله تعالى أن أودعها في (1) الأحجار ، (2) الأشجار ، (3) وخالص الحديد ، بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه ، فإنهم يوقدون النار بالليل لتهرب السباع ويهتدي بها الضال.

          (غرفة دافئة أثناء البرد الشديد هي أثمن عندك من كل شئ).

          وفي الحديث:  (المسلمون شركاء في ثلاثة:  النار والكلأ والماء). أخرجه أحمد وأبوداود

          وفي رواية:  (ثلاثة لا يمنعن:  الماء والكلأ والنار).  أخرجه بن ماجة

          الكلأ:  العشب الطالع في الأرض لوحده (رباني).

          فالنار خلقت خصيصاً تكريماً للإنسان.

          طبعاً النار نار ، أما في قداحات إلكترونية وفي أشياء حديثة تطور الشكل فقط ، وأما المضمون هو هو ، لو أشعلت النار بالطريقة البدائية ، بحجر الصوان أو بإحتكاك أغصان الأشجار ، أو شعلتها بآلة حديثة أو بكبسة زر ، الله خلق النار وأنت في أمس الحاجة إليها.

          معنى سبحان الله

هناك من يفهمها على هذا النحو:   يمسك بالسبحة ويقول:  سبحان الله …  هذا تسبيح لفظي ، ولكن التسبيح الحقيقي أن تجول في نعم الله عز وجل ، فكلما وصلت إلى نعمة قلت سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

          إذاً التسبيح الحقيقي أن تُعاين نعم الله عز وجل ، أن تتأملها أن تشكر الله عليها ، أن تستعظم صانعها وواهبها ، أن تعيش في معنى الحمد والشكر ، هذا هو التسبيح.

والحمد لله رب العالمين