توبوا إلى الله

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          فعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال:  (يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا ، وبادروا بالاعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، وصلوا الذى بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له ، وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا).           (رواه ابن ماجه في سننه)

          هذه وصية جامعة لخصال الخير كلها ألقاها النبى – صلى الله عليه وسلم – على مسامع الناس لتكون مصباحاً ينير لهم طريقهم إلى الله عز وجل ، وقد بدأ بالتوبة لأنها أول الطريق إلى الله ووسطه وآخره ، ويستحضرها المسلم في قلبه كلما شعر بذنبه.

بمعنى:              بادروا بالتوبة قبل أن يبادركم الموت ، ولا تغفلوا عنها وأنتم تعلمون أن الفلاح والنجاح والفوز في التوبة.

          (توبوا) أمر عام يشمل من تاب ومن لم يتب ، فمن تاب ينبغي أن يجدد التوبة ، ولا يركن إلى توبته السابقة ، إذا ربما تكون توبة قاصرة ، وهذا ما فهمه بعض العلماء من قوله تعالى في سورة النور الآية (31):

          (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)

(جميعاً)  تشمل من تاب ومن لم يتب.

          وتجديد التوبة مرة بعد مرة تساعد الإنسان على الإسراع في مرضات الله ويمنع بينك وبين الذنوب التى تهفو النفس إليها ويوسوس الشيطان لك بها.

 

كيف نجدد التوبة؟

          بمحاسبة النفس أولاً بأول على ما قدمت وآخرت من خير وشر ، فإذا فعلت ذنب تعاقبي نفسك على هذا الذنب  بأن تظهري من الندم على ما فعلت ، وتبكي على خطاياك فإن لم يسعفك البكاء تباكي.

(2)كلفي نفسك من الأعمال الصالحة ما يكون سبباً في محو هذا الذنب ، فإن فعلت ذلك بدل الله سيئاتك حسنات مصداقاً لقوله تعالى في سورة الفرقان الآية (70):

          (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)

          والناس في التوبة على أربعة أقسام:

(1)توبة أصحاب النفوس المطمئنة.

(2)توبة أصحاب النفوس اللوامة.

(3)توبة أصحاب النفوس العادية.

(4)توبة أصحاب النفوس الأمارة بالسوء.

أولاً:   أصحاب النفوس المطمئنة:

          هم الذين يتوبون إلى الله توبة نصوحاً ويستقيمون عليها إلى آخر العمر – فيناديهم ربهم عند موتهم بقوله جل شأنه في سورة الفجر:

          (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)

ثانياً:   أصحاب النفوس اللوامة:

          هم الذيبن تابوا إلى الله توبة نصوحاً ، وسلكوا الطريق المستقيم في الطاعات ، وتركوا الكبائر ولم يقعوا في الصغائر عن عمد ، وحاسبوا أنفسهم أولاً بأول – فأولئك أصحاب اليمين.

ثالثاً:   أصحاب النفوس العادية:

          هؤلاء يتوبون إلى الله توبة نصوحاً ، ثم تغلبهم شهواتهم فيعملوا بعض الذنوب إلا أنهم مع ذلك يواظبون على تأدية الواجبات ، فيُصلون ويصومون ويزكون ويحجون ، ويبرون آباءهم وأمهاتهم ، ويكرمون الضيف ، ويحسنون إلى الجار ، هؤلاء قد خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً فعسى الله أن يتوب عليهم توبة أصحاب اليمين.  وأمر هؤلاء إلى الله فإن شاء عفا عنهم وإن شاء عاقبهم ، وهم إلى العفو أقرب إن شاء الله – مصداقاً لقوله تعالى في سورة التوبة (102):

          (وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) 

رابعاً:  أصحاب النفوس الأمارة:

          هؤلاء يتوبون من ذنوبهم لا يصحبها عزم على ترك الذنب ثم ينهموك في الذنوب ولا يحدثون أنفسهم بعد ذلك بتوبة – فهؤلاء من المصرين على الذنوب ولا تُقبل توبتهم إلا إذا تركوا الإصرار وأكثروا من الإستغفار مع الندم على ما فات والعزم على عدم العودة وبدل الجهد في العمل الصالح ..

          فهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام:

          (يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا).

          وأما قوله: (وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تُشغلوا).

          لأن التوبة النصوح مقرونة بالعمل الصالح ، وذلك في جميع آي القرآن التى تتحدث عن التوبة والتائبين ، فلا توجد توبة بلا عمل مصداقاً لقوله تعالى في سورة طه الآية (82):

          (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)

          اهتدى:  ثم لازم الهدى إلى نهاية عمره.

          وقد يعترض التائب ظرف يشغله عن العمل الصالح ، فعليه أن يغتنم شبابه قبل هرمه ،

وغناه قبل فقره ، وصحته قبل مرضه ، وحياته قبل موته وفراغه قبل شغله كما جآء في الحديث الشريف.

          فالشواغل كثيرة ، والعزائم قد يصيبها الضعف ، فما على المسلم إلا أن يقسم أوقاته ، فيجعل وقتاً لربه ، ووقتاً لنفسه ووقتاً لأهله.

          أما قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث (وصلوا الذى بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا).

          فهو بيان لمواطن الخير وتنبيه على أفضل الأعمال التى تصل العبد بربه وتجعله سعيداً في دنياه وآخرته.

          أما ذكر الله فهو الروح والريحان ، وهو الأمن والإيمان ، وهو نعيم الدنيا والآخرة.

          قال رجل من الصالحين:  عجبت لقوم خرجوا من الدنيا ولم يستمتعوا بنعيمها. 

قيل: أو فى الدنيا نعيم يارجل؟

          قال:  نعم ، فيها نعيم يعدل نعيم الجنة.  قالوا:  وما هو؟  قال:  ذكر الله.

          إن ذكر الله هو الصلة الوثيقة بين العبد وربه حقاً إذ يبادله ربه ذكراً بذكر وحباً بحب كما قال الله تعالى في سورة البقرة الآية (152):

          (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)

          الذكر لا يقتصر أمره على التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن ، ولكن يكون أيضاً بتدبر القرآن والتفكر في مخلوقات الله.

          أما كثرة الصدقة في السر والعلانية:

          فالصدقة تُطفئ غضب الرب – تبارك وتعالى ، كما يطفئ الماء النار.  وما سميت صدقة إلا لأنها تترجم عن صدق صاحبها – وتعبر عن إخلاصه وشكره لخالقه ومولاه.

 

          كما جاء في الحديث الذى أخرجه مسلم:

          (الصدقة برهان)  أي برهان على صحة الإيمان.

          والإنفاق يشرح الصدر ، ويعظم الأجر ، ونفوز بالنصر ويتسع الرزق كما أخبرنا الرسول بذلك في هذا الحديث:  (ترزقوا وتنصروا وتجبروا).

          نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا منهم.

 

(( والحمدلله رب العالمين ))

 

اترك تعليقاً