حديث (إني أُحبُك في الله)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه:  (أن رجلاً كان عند النبى – صلى الله عليه وسلم – فمر به رجل فقال:  (يارسول الله ، إني لأحب هذا) ، فقال له النبى – صلى الله عليه وسلم:  (أعلمته؟).  قال: لا.  قال: (أعلمه). قال: فلحقه ، فقال:  (إني أحبُك في الله) ، فقال:  (أحبُك الذى أحببتني له).                 رواه أبو داود في كتاب الأدب.

          الحب في الله عز وجل غاية لا يدركها إلا من سلمت فطرته من الأهواء الضالة ، وحمدت سيرته ، وحسن معدنه ، وفقه في دينه.

          وهذا عزيز نادر وجوده في هذا الزمان ، لكن أمثاله في الصحابة كثير ، وفي التابعين عدد لا بأس به.

          لقد كان أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – أصحاب قلوب كبيرة سلمت من كل ما يعكر صفو الإيمان ، فتآخوا على الحب – اجتمعوا عليه وتفرقوا عليه ، وعاشوا به متعانقين يؤثر بعضهم بعضاً على نفسه بما لديه ولو كان في أشد الحاجة إليه.

          ولما كان الحب أسمى شئ في الحياة أوصى النبى – صلى الله عليه وسلم – بإظهاره والتعبير عنه بالأقوال والأفعال الدالة عليه لماذا؟

          ليتعمق في النفوس أكثر وأكثر ، فقال:  (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه).

          رواه أبو داود.

          لأنه إذا أخبره بأنه يحبه بادله حباً بحب وقرباً بقرب ، ونشأت بينهما علاقات طيبة

وصلات وثيقة.

شرح الحديث:

          يروى أنس بن مالك قصة رجل كان عند النبى – صلى الله عليه وسلم – فمر رجل على مجلسه فقال:  يارسول الله ، إني أحب هذا الرجل ، لعله يدعو له بدوام حبه له أو يدعو لمن يحبه أو يدعو لهما معاً بمزيد من الحب والألفة ، فزاده النبى – صلى الله عليه وسلم – علماً في مجال الحب وأوصاه بخير وصية تعمق هذا الحب وتوجهه الوجهة الصحيحة فقال عليه الصلاة والسلام:  (أعلمته؟) أى أخبرته أنك تحبه بلسان الحال أو بلسان المقال ، حتى يبادلك حباً بحب؟  فقال الرجل: لا.

          قال الرسول – صلى الله عليه وسلم:  (أعلمه) أى قم فأخبره بأنك تحبه ، فإن الحب أمانة يجب أن تؤديها.

          قال أنس راوي الحديث:  (فلحقه) أى قام إليه حتى أدركه تنفيذاً لأمر النبى – صلى الله عليه وسلم ، وأستجابة لمطلبه العظيم.

          فلما أدركه وصافحه قال:  (إني أحبك في الله).  أحبك حباً خالصاً لوجهه الكريم لا لأمر آخر من أمور الدنيا.    فقال الرجل:  (أحبك الذى أحبتني له).

          ولو صدق في هذا الحب لكانا من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.

          وجواب الرجل يدل على أمرين:

(1)     الإخبار بأنه يحبه بأسلوب حكيم.

(2)     الدعاء له بأعظم ما يبتغيه المسلم في دنياه وآخرته ، إذ ليس هناك مطلب أعظم من حب الله عز وجل لماذا؟

          لأن الله عز وجل إذا أحب عبداً رفعه مكاناً علياً ، ووفقه إلى طاعته ، وأعانه على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وأدخله جنته مع عباده الصالحين المقربين.

          والحب لله هو الجامع بين المحبين على الهدى في الدنيا ، والجامع لهم في أعلى عليين في جنة عرضها السموات والأرض.

ويؤخذ من هذا الحديث:

          أن من أحب إنساناً لغرض من أغراض الدنيا فليتخلص من هذا الغرض الدنيوي ، ويخلص حبه لله عز وجل حتى ينال درجة المحبين في الله ، وتحصل له ثمرات هذا الحب ويجد حلاوته في قلبه.

          وقد جآء في الصحيحين عن أنس – رضى الله عنه:  أن إعرابياً قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم:  متى الساعة؟  قال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (ما أعددت لها؟) قال:  حب الله ورسوله ، قال:  (أنت مع من أحببت).

          وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (إن الله تعالى يقول يوم القيامة:  أين المتحابون بجلالي؟  أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي).

          والحب في الله له ثمرات ، ومن أعظم ثمراته الشعور بحلاوة الإيمان تسرى في القلوب سريان الدم في العروق فتنتعش وتظمئن.

          وأعلم أن الحب في الله له أمارات تدل عليه.

          قال العلماء:  الحب في الله هو الذى لا ينقص بالإساءة ولا يزيد بالإحسان.

          وذلك لخلوه من الأغراض الدنيوية.

          لأن الحب في الله له صفة الدوام والكمال ، فإن لم يكن كذلك فلا يكون حباً خالصاً لله.  فما أعظم هذا الحب ، وما أجمل آثاره وثمراته ، ومن ذاق عرف.

          نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حبه وحب من يحبه إنه سميع مجيب.

((  الحمدلله رب العالمين  ))

اترك تعليقاً