حديث (الإصلاح بين الناس)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          فالإمام النووي – رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين باباً سماه باب الإصلاح بين الناس.

          والحقيقة التى توجع القلب:  إن المسلمين في بقاع الأرض ، متخاصمون ، متنازعون متحاسدون ، وهذا سبب ضعفهم.

          والله عز وجل يقول في سورة الأنفال الآية (64):

          (لاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

          والله عز وجل يقول:  لا تختلفوا فيما بينكم فتضعفوا وتجبنوا عن لقاء عدوكم ، وتذهب قوتكم وبأسكم ويدخلكم الوهن والضعف.

          والله عز وجل يوضح لنا أحسن الأعمال في سورة النسآء الآية (114):

          (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)

بمعنى:   لا خير في كثير مما يُسره الناس ويتناجون به في الخفاء إلا من أمر بصدقة ليعطيها سراً أو أمر بطاعة الله أو معروف:  لفظ يعم أعمال البر كلها والإصلاح هو الإصلاح بين المتخاصمين والذى يفعل ذلك طلباً لرضى الله تعالى فسوف يعطيه الله عز وجل ثواباً جزيلاً وهو الجنة – والتعبير بسوف إشارة إلى أن جزاء الأعمال الصالحة في الآخرة لا فى الدنيا لأنها ليست دار جزاء.

          الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال لأبي أيوب:  (يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله ، تصلح بين أناس إذا تفاسدوا ، وتقرب بينهم إذا تباعدوا).

          علينا أن نأخذ بالنا من كل كلمة نقولها – إذا كان كلامك جزء من عملك تنجو ، أما حينا نتوهم أنه كلام – بكلام فأنت مخطئ مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقى لها بالاً من سخط الله تعالى – يهوى بها في جهنم سبعين خريفاً ، وإن الرجل الكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقى لها بالاً يرفعه الله بها إلى أعلى عليين).

          نجد كلمة تفرق 0 كلمة تكسر القلب – كلمة تشتت الأسرة ، كلمة تنفصل بها لاشركة ، كلمة تطلق بها المرأة (كلمة من سخط الله).

          هناك كلمة تطيب القلب ، كلمة تجمع – كلمة تلتئم بها الأسرة – كلمة تلتئم بها الشركة.

          كلامك جزء من عملك ، فإن لم يهلك الإنسان في الدنيا بكلامه يهلك في الآخرة لماذا؟

          لأن النمام لا يدخل الجنة ، وهذا كلام النبى – صلى الله عليه وسلم.

          الله عز وجل وصف كلام نبيه – صلى الله عليه وسلم – بأنه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)  سورة النجم الآية.

          كلام الرسول وحي من الله ، أما الناس في معظم كلامهم ينطقون عن الهوى.

مثال: (1)إذا شئ اشتراه يمدحه ، وإذا لم يشتريه يذمه.

(2)إذا كان وكيلاً لمادة يجعلها أحسن مادة في العالم ، فإذا سحبت منه الوكالة – يذمها.

          هكذا الإنسان يمدح ويذم ويُعلى ويخفض بحسب هواه.

مثال:   خُطبت إبنته ، يجعل الصهر من أعظم الناس ، ومن أقوى الناس ومن أكمل الناس ، فإذا فسخت هذه الخطبة يجعله في الحضيض ، هذا نطق عن الهوى.

          والآية:  (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس).

          عو نفسك ألا تدخل في قضية إلا للصلح – إياك ثم إياك أن تدخل في قضية للفراق ، للطلاق ، لفصل الشركة.

          لو إنك كذبت وأنت تصلح بين اثنين فهذا الكذب مباح في الإسلام والله عز وجل يقول (الصلح خير) النسآء (128) الصلح سيد الأحكام.

          لو لك خصم ، وأخذت نصف حقك صلحاً ، أفضل لك ألف مرة من أن تأخذ حقك كاملاً بعد عشر سنوات قضاء.

          والله يقول في سورة الأنفال الآية (1):

          (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ).

          العلماء فهموا هذه الآية على ثلاث مستويات:

أولاً:   على مستوى فيما بينك وبين نفسك؟

          أصلحها – في معصية ، فى خلل في شرك ، في شهوة ، في مخالفة في البيت ، فى خطأ في كسب المال ، في خطأ بإنفاق المال ، في خطأ بالعلاقات الإجتماعية ، في سهرات مختلطة ، أصلح قلبك كما قال عمر – رضي الله عنه:  تعاهد قلبك كن عبداً صالحاً.

ثانياً:   أصلح العلاقة بينك وبين الناس؟

          أنت وزوجتك:  كلمة طيبة ، هدية ، غبتسامة ، ثناء إعتذار لايوجد مانع.

          أنت وبناتك ، أنت وأولادك ، أنت وأصهارك ، أنت وجيرانك ، أنت وزملائك ، أنت وأخوانك ، إنت وأخواتك ، هذه شبكة العلاقات أصلحها بالكلمة الطيبة بالإعتذار ، بالهدية ،

بالمسامحة ، بالعفو.

          تجد في أشخاص:  الله عز وجل آتاهم حكمة بالغة:  فكل علاقاتهم إيجابية مع الناس ، قلما نجد لهم عدواً ، من حكمة أودعها الله فيهم.

ثالثاً:  إصلح بين إثنين.

          أنت عليك الإصلاح بين اثنين ، أصلح بين زوجين ، بين متخاصمين ، بين جارين ، بين شريكين.

          حينما تصلح العلاقة بينك وبين الله ، تتقى الله – صار الطريق سالكة ممهداً ، حينما تصلح العلاقة بينك وبين الآخرين، حينما تسهم بالإصلاح بين الناس ، تشعر أن لك عملاً طيباً.

مثال:   زوج يشتكي لأخ زوجته – قال له:  طلقها أحسن لك ، هذه قسوة وفظاظة تفتت المجتمع.

          كم من كلمة طيبة من أخ إلى صهره ، عطفت قلب الزوج على زوجته.

وكم من كلمة طيبة عطفت قلب الزوجة على زوجها.

وكم من كلمة طيبة عطفت قلب الشريك على شريكه.

كيف تصلح بين الناس؟

الشيخ على الطنطاوى قال:  نشب خلاف بين عالمين من أعلام الأمة ، الخلاف تفاقم ، فذهب الشيخ على إلى الأول وحدثه بكلام طيب على لسان الطرف الثاني ، وذهب إلى الثاني فحدثه فكلام طيب على لسان الطرف الأول ، فإذا بهما يجتمعان ويتعانقان.

لم يرخص النبى الكذب إلا في ثلاث:  الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل زوجته ، وحديث المرأة زوجها.

هناك كذب مرخص لو سألته زوجته:  أتحبني؟  ينبغي أن يكذب ، فإذا قال لها:  لا أحبك حطمها سحقها دمرها ، قال:  أحبك هو قالها.

هذا الكذب المسموح به ، هذا كذب فيه جبر خاطر ، هذا كذب فيه تُطمين قلب ، هذا الكذب مُباح.

النبى – صلى الله عليه وسلم – سألته عائشة – رضي الله عنها:    كيف حبك لي؟

قال كعقدة الحبل فأصبح بينهما شيفرة – تسأله من حين لآخر – كيف العقدة يارسول الله؟  يقول على حالها لا تنحل ، ثابتة.   لم يكذب النبي ، كان يحبها.

تجد الشباب أحياناً يتزوج فتاة ، أكثر حديثة إستهزاء على شكلها وهو بذلك يحطمها هو يمزح ، هذا مزح محرم ، هذا مزح فيه جرح ، هذا مزح فيه تحقير– هل هي خلقت نفسها.

هناك ظاهرة جديدة:

          شاب مندفع للدين يقول لك:   لا يهمني الشكل ، فقط الدين يختار زوجة صالحة ، دينه جداً ، جمالها درجة خامسة بعد أن تزوجها لماذا أنت هكذا؟

          أنت لماذا قبلتها؟  أبقيها في بيت أهلها معززة مكرمة محترمة جداً ، غالية على أبيها جداً.

          والله في كل كلمة يقولها الزوج – لو أن الله يحاسبه عليها لدمره.

          فلما الإنسان يقرع زوجته على عيب في شكلها ، هذا إنسان كأنه يتحدى الله عز وجل.

          علاقتك بأخلاقها ، بطاعتها لك فقط.

(والحمدلله رب العالمين)

اترك تعليقاً