حديث شريف (إياكم وسُوء ذات البين)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،،،،

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:  “إياكم وسُوء ذات البين فإنها الحالقة”.  أخرجه الترمذي في صحيحه.

لا أقول:  حالقة الشعر ، ولكن أقول:  حالقه الدين.

وحلق الدين إظالته من القلوب كما يُزال الشعر من الرؤوس.

وسوء العلاقة بين المسلمين ، بين الأخوين ، بين الجارين ، بين القريبين ، بين الأم وأولادها ، بين الأب وأولاده ، بين الأخوة والأخوات ، سوء العلاقة مطلقة ، بين أي إنسانين لها أثر مُدمر على الدين.

وقوله – صلى الله عليه وسلم:

“إياكم وسُوء ذات البين”

تحذير من قطيعة ما أراد الله أن يوصل (1) بسُوء العاملة ، (2) وسُوء الظن ، (3)وسُوء الخلق.

وذات البين:  ذات الوصل التى تربط بعض الناس ببعض بأي رابطة من الروابط المعتبرة:  كالقرابة والجوار والصداقة والزمالة في العمل والصحبة في الطريق ، ونحو ذلك من العلاقات الإجتماعية.

          ومن أعظم هذه الصلات الأخوة الإيمانية ، فهي العروة الوثقى = لا إله إلا الله محمداً رسول الله ، بين عباد الله الصالحين ، بين أمة لا إله إلا الله أجمعين ، من لدُن آدم عليه السلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

          (فالمسلم أخو المسلم ، لا يخذله ولا يحقره ، ولا يحسده) ، كما جآء في الحديث الشريف.  ما الذى يفسد العلاقات بين الناس؟

          والذى يفسد العلاقات بين الناس هو الحقد والحسد وسُوء الظن والخيانة والغدر والنفاق والشماتة وسُوء الأخلاق بوجه عام.

          يؤكد هذا المعنى حديث سُليمان قال:  قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  ياسُليمان ، لا تبغضني فتفارق دينك ، قلت:  يارسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله؟.

قال:  “تبغض العرب فتبغضني”.

          أي فساد ذات بين هي عند رسول الله حالقة ، تدمر الدين لذلك:  دأب الشيطان أن يحرش بين المؤمنين.

          تجد المجتمع الإسلامي في وقت غفلته عن الله فرقاً وأحزاباً وطوائف ، الآن على مستوى (1) طائفة واحدة ، (2) على مستوى مذهب واحد ، (3) على مستوى جماعة ، أينما دخلت تجد خصومات ، ظعن ، همز ، لمز ، حقد ، حسد.

          “وإياكم وسُوء ذات البين فإنها الحالقة”.

مثال1:  في غزوة بدر حين اختلفوا على الغنائم ، فقال المهاجرون:  هي لنا ، لأننا خرجنا من ديارنا وأموالنا ونحن أحوج إليها من غيرنا.  وقال الأنصار:  نحن أولى بها منكم لأننا آوينا ونصرنا.  وقال الشباب:  من هؤلاء وهؤلاء:  (نحن أولى بها:  لأنن القوة الضاربة).

          وقال الشيوخ:  نحن أولى بها لأننا أهل الرأي والمشورة ، وقد كانوا في غفلة – حين اختلفوا – سرعان ما أنتبهوا منها فردوا الأمر إلى الله – عز وجل – وسألوا الرسول – عليه الصلاة والسلام في شأنها ، فأنزل الله حكمه في هذه الآية في سورة الأنفال رقم (1):

          (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1))

مثال1:  في تركيا حصلت تفجيرات ، تركيا الآن لها إتجاه إسلامي ، حكومة إسلامية ، وإحدى عشر وزيراً مسلماً ، ونساء محجبات ، قدموا خطوات للتقرب بينهم وبين المسلمين – فحصل تفجير ، ومعظم الضحايا مسلمون!  من ربح من هذا التفجير؟  اليهود.

          والذى دبر هذه الإنفجارات يهود.

          الآن إذا حصل خصام بين المسلمين لصالح من؟

          لصالح الشيطان ، فبوحي من الشيطان ، بوسوسة منه ، يحرش بين المؤمنين.

          وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:  (الدليل) “إن الشيطان قد أبى أن يُعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضى منكم بما تُحقرون”.

القاعدة الذهبية

          إن الشيطان يبدأ مع الإنسان فيوسوس له (1) بالكفر فإن رأى الإنسان على إيمان ، (2)وسوس له بالشرك ، فإن رأى له توحيد (3) وسوس له بالبدعة ، فإن رآه على سُنة (4)وسوس له بالكبيرة ، فإن رآه على طاعة (5) وسوس له بالصغيرة فإن رآه على ورع (6)وسوس له بالمباحات ، يتوسع بالمباحات إلى أن تمتص المباحات كل وقته ، ويهمل عبادته.

          “قصة الرجل الذى أشترى شقتين 400 متر وأعاد زخرفتها”

          لو أن هذا المؤمن على إيمان ، وعلى توحيد وعلى سُنة ، وعلى طاعة ، وعلى ورع ، وكان بعيداً على أن ينغمس في المباحات ، بقى في يد الشيطان ورقة رابحة وهي التحرش بين المؤمنين.

          أحياناً ضمن الأسرة الواحدة خصومات ، حسد بين الأخوة ، ضمن الجيران ، ضمن الأخوات – مسجد واحد تجد فيه الخصومات ، لذلك قيل:

          لابد للمؤمن من (1) مؤمن يحسده ، أو (2) منافق يبغضه ، أو (3) كافر يقاتله ، أو (4)شيطان يرديه ، أو (5) نفس تؤذيه.

من فعل الشيطان:    التفرقة ، التمزيق ، الخصومات ، والعداوات والغمز واللمز والحسد والغيبة والنميمة.  والمسلمون لا يُضعفُون إلا بهذه الطريقة مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأنفال الآية(46):

          (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا (46))

          لا تختلفوا فيما بينكم فتضعفوا وتجنبوا عن لقاء عدوكم.

          أي خلاف بين المؤمنين لصالح الشيطان ولصالح أعداء الإسلام.

مثال1:   تدى في المؤتمرات الإسلامية أحدث تقنية في المؤتمر ، لكن النسآء اللواء يدرن الأمور الإخبارية والصحفية متبرجات بثياب فاضحة ، كأن الإسلام قضية ثقافية ، قضية تراث فقط.

          كان الإنسان يخرج من المدينة للبصرة ليتبع حديثاً شريفاً واحداً ، الآن تشترى سيدي فيه مئة ألف حديث ، البحث بثانية ، شئ لا يصدق ، توافر المعلومات والمكتبات.  يوجد إنجازات حضارية ثابتة لكن لا يوجد حب بين المؤمنين يوجد شحناء ، بغضاء كيد ، غمز ، لمز ، طعن.

          نجد هناك جوامع – يوجد في المغرب العربي جامعاً كلف ألف مليون دولار على الماء ، جوامع ضخمة لكن لا يوجد حب بيننا ، هذه مشكلة ، كان أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – على قلتهم وعلى حياتهم الخشنة كانوان يحبون بعضهم بعضا.

          نحن نحتاج اليوم إلى حب إلى تعاون.

          إن كان هناك خصومات ، فتور علاقات ، شحناء البطولة يجب أن نكسر هذا الحاجز ، وأن تمد يدك إلى أخيك ، أو أن تفتح معه صفحة جديدة ، هذا الذى يليق بالمؤمنين.

          إن صلة الرحم من العبادات الكبرى في الإسلام ، بل إن صلة الرحم تزيد في العمر – وتزيد في الرزق – وهذا شئ ثابت في الإسلام.

          ذلك أن الناس أنت لهم وغيرك لهم ، أما أقرباؤك فما لهم غيرك – أختك ، إبنه أخيك متزوجة وفي طرف المدينة ، هذا تشعر أن أخاها بعيداً عنها ، لو زرتها والله لأنتعشت.

          فأنا أتمنى أن يكون عمل صالح مركز ، وصلة الرحم أن تزور إخوانك ، (2) وأن تتفق الأسر على جعل يوم واحد في الشهر يجتمعون ، يتواصلون ، يتناصحون ، يتعاونون ، يكشف الواحد حاجات أقربائه.

          أضيق فهم لهذه الصلة أن ترسل إليه ببطاقة ، أو أن تتصل به هاتفياً ، أو أن تزوره وأنت متواضع ، أسأل عن أحواله ، وعن أحوال أولاده ، عن وضعه المعاشي ، وعن وضعه التربوي عن وضعه الإجتماعي ، عن خطط أولاده ، زره مرات ومرات.

          (1)تبدأ بالسلام ، (2) ثم بالزيارة ، (3) ثم بالتفقد ، (4) ثم بالمساعدة ، (5) ثم بأن تأخذ بيده إلى الله.

          يجب علينا أن نتصالح ونتسامح ونتصل ببعضنا ، ونفتح مع بعضنا صفحة جديدة ، أما لصالح الشيطان أن يكون هذه العلاقات سيئة.

          “وإياكم وسُوء ذات البين فإنه الحالقة”

          فيمكن أن كرهت إنسان مُنتمي إلى مسجد أن تكره المسجد ، صدقوني ثم تكره من يدرس في هذا المسجد ، ثم تنتقل هذه الكراهية إلى الدين كله ، إذا أساء إنسان إساءة بالغة ، هذا أساء إلى دينه.

          وذلك من أدق معاني الحديث الشريف:

          “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ………. “

مثال1:   امرأة ليست مسلمة اتصلت بأحد الدعاة هاتفياً ، لها زوج مسلم بالغ في الإساءة إليها والتفاصيل لا تهم ، لذلك كانت على وشك أن تسلم ، فابتعدت عن هذا الدين بُعد الأرض عن السماء ، ثم بعد أسبوعين اتصلت بهذا العالم مرة أخرى وقالت له:  لي ثقة بهذا الدين بلا حدود ما السبب؟  وما الذى حدث؟

          الذى حدث أنها ركبت في سيارة عامة ، ونسيت محفظتها ، وفي هذه المحفظة تحويشة عمرها ، ولا تملك غيرهم ، ولم تدع قسم ولا مكاناً إلا وسألت عنه ، وبعد ثلاث أيام طرق بابها سائق السيارة وسلم لها المبلغ ، وهو مسلم.

          أقسمت بالله أن هذا السائق رد لها ثقتها بهذا الدين.

          فأنت حينما تسئ لعلاقة ، تنتقل الكراهية إليك ، ثم إلى مسجدك ، ثم إلى شيخك ، ثم إلى دينك ، لذلك أنت على ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك.

          عندما تأتي أي مناسبة (رمضان – عيد) زر أهلك ، لا بشهادتك العليا ، إنت معك دكتوراة وهم مساكين ، كلهم جهلة ، زر أقرباءك بنفس متواضعة ، بنفس أن تأخذ بيدهم إلى الله.  أعظم عمل هو صلة الرحم ، لأن هذا القريب له حق عليك ، الغريب ليس له حق عليك.

          فدائماً القوي يأخذ بيد الضعيف ، والغني يأخذ بيد الفقير ، والعالم يأخذ بيد الجاهل.

          فإذا مكنك الله عز وجل في الأرض ، مكنك بالعلم أو مكنك بالمال ، أو مكنك بمنصب رفيع هذا العلم وذاك المال ، وهذا المنصب ملك أقربائك ، ينبغي أن تأخذ بيدهم إلى الله عز وجل.

          الرسول أمرنا بإصلاح ذات البين ، لأن في ذلك صلاح أمرنا في الدنيا والآخرة.

في الإتحاد قوة:  لم يمر المؤمنون في حياتهم بمثل هذه الأيام الصعبة ، جميع الأطراف الدينية مستهدفة من قبل العدو لذلك:  أكبر ورقة رابحة بيد العدو – تفرقنا ، وإختلافنا وأكبر رد لصفعه تصفع وجه العدو وحدتنا.

(1)فالإتحاد قوة ، (2) والتفرق ضعف ، (3) والإعتصام بالله وهو عماد قوتهم وسبيل هدايتهم ، (4) والتمسك بكتابه وسُنة نبيه – صلى الله عليه وسلم.

فإذا دب الوهن (الضعف) في أمة عندئذ يقول كل واحد منهم نفسي نفسي فينال منهم عدوهم ، ولا تقوم لهم قائمة إلا إذا عادوا إلى هذا الصراط المستقيم ، صراط الله الذى له ما في السماوات والأرض.

 

قال تعالى في سورة الأنعام الآية (153):

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153))

بمعنى:  أن هذا ديني المستقيم شرعته لكم فتمسكوا به ولا تتبعوا الأديان المختلفة والطرق الملتوية فتفرقكم وتزيلكم عن سبيل الهدى – وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال:  خط لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوماً خطأ ثم قال:  (هذا سبيل الله)  ، ثم خط خطوطاً عن يمينه ويساره ثم قال:  (هذه سُبُل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها).

          (1)أنت إذا كنت مع الله ، ألقي الله حبك في قلوب الخلق ، (2) إن كنت مع الله ، كنت عبداً لله ، لا يوجد كبر ، يوجد إنصاف ، يوجد تواضع ، يوجد عطاء ، (3) إذا كنت مع الله ، الصفات التى إشتقتها من الله في أثناء الصلاة كافية لجلب قلوب الآخرين نحوك ، لذلك هذا معنى قوله تعالى في سورة طه الآية (39):

          (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39))

بمعنى:  زرعت في القلوب محبتك بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك حتى أحبك فرعون ، قال ابن عباس:  أحبه الله وحببه إلى خلقه.

          عندما يخلص عبدالله يجعل الله قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمحبة.

          عندما يخلص عبدالله يجعل الله قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة والرحمة.

 

((والحمدلله رب العالمين))

 

اترك تعليقاً