بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،
ولما أراد أبوطالب أن يصون أبن أخيه فلجأ إلى طريقة وهى:
أن يدخل محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى شعب اسمه شعب أبى طالب (حى معروف باسم أبى طالب) مكان ينحازوا فيه هو والرسول لكي يقدر بنى عبدالمطلب وبنى هاشم وهم أخص فرع من عائلة قريش ينسبون له أن يحموا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يرضى أن يدخل معهم عمه أبولهب لأنه كان أعدى أعداء الإسلام. وقال: (أنا لا أترك قريش).
ودخل أبوطالب إلى هذا الشعب ودخل معه المؤمنون حتى الكافرون من أجل أن يحموا محمداً وليس تديناً ولكن عصبية بإعتبارهم من بنى هاشم – وهنا وجد الكفار أن المسألة تأزمت. ففكروا فقالوا: نقتلهم إقتصادياً (نقتلهم بالمجاعة) لم يستطيعوا أن يقتلوا محمداً فقالوا: (نقتله بالمجاعة). فماذا صنعوا؟؟
جمعوا بعضهم وأتمروا أمرهم وكتبوا صحيفة وعلقوها فى جوف الكعبة تقديساً لها وإحتراماً لنصوصها. ومن جملة نصوص هذه الصحيفة:
(1)أنهم لا يُعاملون بنى هاشم ولا بنى عبدالمطلب لا فى أكل ولا فى شرب ولا فى بيع ولا فى شراء ولا فى زواج و لاتزويج ولا يُعطيهم قطرة مآء. وعلقت هذه الصحيفة فى جوف الكعبة وقالوا: من يخالف (1) يبقى كفر بملة إبراهيم ، (2) ويبقى عليه لعنة هُبل والأصنام الخاصة بهم.
واستمر النبى – صلى الله عليه وسلم – فى شعب أبوطالب ثلاث أعوام هو والمؤمنون ولا تصلُهُم قطرة مآء إلا بشق الأنفس عن طريق التهريب.
وكان لخديجة – رضى الله عنها – دور كبير جداً فى هذه الفترة العصيبة لأن أموالها كثيرة وعملائها فكانت تستطيع بحكم أموالها وعملائها فى السر أن تستطيع أن تجلب من الطعام ما تقوى به هؤلاء المؤمنين المساكين أو من المياة ما تُسقيهم ، ولكن المسألة كانت أشد من ذلك.
كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يقوم من الليل لكى يتهجد فيسمع بكاء بعض الأطفال فيذهب إلى أمهاتهم ويقول: اسكت يا أم الطفل طفلك. فتقول: لا يريد أن يسكت. فيقول: لماذا؟ تقول: من الجوع لأنه لا يوجد فى ثدى لبن لأننى لم أذق طعاماً ولا شراباً منذ ثلاث أيام. يقول النبى: (لماذا آتيت أنت كافرة ، إحنا آتينا هنا من أجل البلاء الذى يمتحنا الله به) أنتم كفرة…). تقول: والله ما دخلنا فى هذا الشعب لدينك وإنما دخلنا حمية وعصبية لأننا من بنى هاشم ودخلنا لأننا خآئفين عليك. فكان بلاء النبى بلاءً مضاعفاً – بلائه بالمؤمنين وبلائه بالأطفال الصغار الذين ليس لهم ذنب وهم مشرفين على الموت.
وبلغ من هذا العنت فى هذه الفترة العصيبة ثلاث أعوام. أن خرج ذات يوم سعد بن أبى وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة ، الذى كان يدعى بخال النبى – كان النبى يقول بفخر: (هذا خالى سعد فليرانى امرواً منك خاله) خرج من أجل أن يتبول. بينما هو يتبول فى الظلام إذ سمع قعقعة لبوله – فتحسسه فوجد جلد خاص بجمل ميت ، ولما كان سعد فى شدة المجاعة فأخذ الجلد وطهرهُ من البول الذى عليه ثم وضعه فى النار وحرقه ثم سحقه حتى صار كالدقيق وقال سعد: (لقد تقويت به ثلاث أيام) وقد أباح الله للمضطر أن يأكل الميتة.
كل هذا حتى تعلموا إخوانى أى متاعب صبت على هؤلاء الناس ، وأى مصائب واجهوها فى سبيل تدعيم هذه القضية قضية الإسلام.
وكانوا فى سعةً وفسحة أن يستريحوا من هذا العناء وأن تأتيهم الدنيا راغمة وأن تصب عليهم الكنوز والأموال والمتع والشهوات إن هم استغنوا عن عقيدتهم – ولكن عقيدتهم كانت عندهم أغلى من المتع والشهوات ، وأغلى من المال والعيال ، بل كانت أغلى من الحياة نفسها.
فلما استمر الحال على هذا ألقى الله بعض الشك والوسوسة عند بعض الكفرة والأعيان العظمآء من جهة الصحيفة.
أقبل الزهير بن أبى أُمية ثم قال: ياأهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثيات وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون ولا يُبتاع منهم والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة!!
قال أبوجهل: كذبت والله لا تشق. قال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب ، لم نرضى بها حين كتبت !! قال البحترى بن هشام: صدق والله زمعة لا نرضى بما كُتب فيها ، قال المطعم بن عدى: صدقتما وكذب من قال غير ذلك !!
قال قائل منهم بنى فلان وفلان يتمتعون بالطعام والشراب وبنى هاشم وبنى عبدالمطلب وهو أعلى قوم فى قريش يحرمون من الطعام والشراب هل هذه عدالة؟ – هذا ظلم – الدين ماله ومال الأكل والشرب – هذا حرام الناس دول عندهم أطفال .. وبدأ هناك خلاف بين من كتب الصحيفة نفسها – ألقى الله العداء والبغضاء فيما بينهم – لازم نمزق هذه الصحيفة ! وكان أبوطالب فى غاية التعب – وذات يوم جآء أبوطالب يزور النبى – صلى الله عليه وسلم – والرسول يقول له: (كيف الحال ياعمى). قال أبوطالب: يجوز أن يكون هناك فرج – اختلفوا فيجوز اختلافهم رحمة – قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (إذا كان هذا فعل الله فى أرضه فأنا أخبرك بفعل الله فى سمائه).
قال: أخبرنى ربى أن الصحيفة المعلقة التى فيها الظلم وقطع الأرحام قد أكلتها القردة (العتة) كل الصحيفة وكل ما فيها من قطع رحم والظلم إلا اسم الله).
فقال أبوطالب: هذا صحيح – هذه صحيفة مكتوبة على جلد غزال ومعلقة فى أعلى مكان – قال النبى: (بلغ الكفرة وأنا أتحداهم.)…..
فذهب أبوطالب وقال فى نفسه أنا أريد أن أستريح إن كان كاذباً فليذهبوا ليقتلوه ، وإن كان صادقاً ربنا يفرج عنه. فجمع عظمآء قريش وقال لهم يا أخوانى محمد بلغنى خبر (1) فإن كان كاذباً أنا سوف أُسلمهُ لكم بيدى لتقتلوه ، وليس عندى إعتراض. (2) وإن كان صادق فاتقوا الله وارحموا محمد ومن معه . أبلغنى ابن أخى أن القردة قد أكلت ما فى الصحيفة من ظلم وقطيعة الرحم إلا اسم الله. قالوا له: هذا كلام فارغ – فقام الشبان على مرأى ومسمع من جميع أهل مكة وزعمائها فأنزلوا الصحيفة فوجدوها بيضاء ليس فيها إلا اسم الله .. وكان هذا فرجاً كبيراً جداً .. (باسمك اللهم ….).
(1)وكان يسراً من الله مع العسر الشديد ، (2) وكان هذا سبباً فى دخول بعض هؤلاء الذين كانوا على صلابة ضد الإسلام ، (3) وفرج الله الكرب ، (4) ورُفع الحصار الإقتصادى.
ولما رفع الحصار الإقتصادى هنا ظن المسلمون أن الأمر يستفرجه الله. ولكن البلاء لم ينتهى بعد فخرج الرسول – صلى الله عليه وسلم – من الشعب قريش لم تسكت أصحاب المصالح بدأوا يفكروا وأبوطالب يحميه ويبعدهم عنه.
( والحمدلله رب العالمين )