(ل الله – صلى الله عليه وسلم – خيبر

v

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام علي النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          فبعد صلح الحديبية والهدنة التى كانت بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبين قريش  والتى سوف تستمر عشر سنوات بذلك حيد رسول الله – صلى الله عليه وسلم قريش.

          بقى أمام المسلمين فريقان من الخصوم الألداء:

(1)            أعراب البادية.              (2)  بنو إسرائيل.

أولاً:  أعراب البادية:

          الذين يسيحون في عرض الصحراء فإذا لاح مغنم طاروا وراءه – وقلما يلتهم حديث الإيمان بالله واليوم الآخر (قبائل عطفان – جهينة – مزينة – واشجع …).

ثانياً:  بنو إسرائيل:

          الذين ظنوا أن النبوة حكراً عليهم – فجادلوا المسلمين جدالاً طويلاً بما عندهم من القشور التى ورثوها من التوراة.

(2)وحرصوا أشد الحرص إلا يعترفوا بالمسلمين – ,البوا عليهم القبائل كما في الأحزاب.

          وقد جمعت عداوة الإسلام بين

          الأعراب البله وأهل الكتاب اليهود – بعد فشل الأحزاب في إقتحام يثرب والقضاء على بني قريظة بالقتل والسبى – شرعوا يصلون حبالهم بغطفان ، ولكن النبى – صلى الله عليه وسلم – كان يقظ لهذه المؤامرات والمسلمين فما أن عادوا من صلح الحديبية آخر السنة السادسة حتى توجهوا في آخر المحرم من السنة السابعة إلى خيبر لكسر شوكة بني إسرائيل بها.

          وقد أعلن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال:

          (إن الله وعدني أنه سوف يفتح لي خيبر) وخيبر مملوءة بالخيرات.

          وقال:  (لا يخرج معي إلا أهل الحديبية).

          لما سمع الأعراب (1) أن خيبر سوف تفتح وعد أكيد.  (2) فطمعوا في الغنائم وقالوا:  يارسول الله دعنا نذهب معك نجاهد في سبيل الله – وأخذوا يلحون على رسول الله إنا نريد الشهادة في سبيل الله – لا تحرمنا من هذا الأجر – لا تحرمنا من هذا الثواب.

          قالوا كما جآء في القرآن سورة الفتح الآية (11):

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي …).

الشرح:

          لما خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى مكة يعتمر ، رأوا أنه يستقبل عدواً كثيراً من قريش وغيرهم فقعدوا عن الخروج معه – ولم يكن إيمانهم متمكناً فظنوا أنه لا يرجع هو والمؤمنون من ذلك السفر.

          ففضحهم الله في هذه السورة وأعلم تعالى رسوله – صلى الله عليه وسلم – بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم – وأعلمهم أنهم كاذبون في اعتذارهم قالوا: شُغلنا عن الخروج معك بالأموال والأولاد – فأطلب لنا من الله المغفرة – لأن تخلُفنا لم يكن بإختيار بل عن إضطرار.

          وهم يقولون خلاف ما يبطنون وهذا هو النفاق المحض (الخالص)

(يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)

          فهم كاذبون في الإعتذار وطلب المغفرة – لأنهم قالوه رياء من غير صدق ولا توبة.

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:

          (من أراد أن يخرج إلى خيبر من غير أهل الحديبية فليخرج وليس له نصيب فى الغنائم)…

          ولقد قلنا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعلن أنه يريد فتح خيبر لسبب رئيسي لماذا؟ هو أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أراد أن يؤدب القبائل التى أشتركت في غزوة الخندق.  الذين حزبوا الأحزاب رأس الكفر في هذه المسألة ورأس التآمر والمؤامرة هم (بنو النضير)  الذين طردوا من المدينة وتجمعوا في خيبر – وخيبر موطن المؤامرات وهى منها نطلقت الشرارة الأولى التى حزبت الأحزاب – فمن هنا كان قصد النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى خيبر.

          وكان على رأس خيبر في ذلك الوقت (كنانة بن أبي الحقيق) وكان ملكُهم وأبوالربيع وكان معهم من بني النضير(سلام بن مشكم) وصاروا ملوكاً على خيبر لمكانتهم في اليهود.

          توجه النبى – صلى الله عليه وسلم – نحو خيبر وهي فى شمال شرق المدينة على مسافة 70 ميلاً وأشترك في هذه الغزوة أهل الحديبية كما قلنا وما تخلف منهم إلا خمسة كانوا في شدة المرض ونزلت الآية الكريمة من سورة الفتح الآية (17):

          (ليْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)

          وكما قلنا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما سمح لغير أهل الحديبية إلا لمن أراد أن يشارك بدون أن يأخذ أي غنائم ، وما شارك الأعراب …

موقف يهود المدينة:

          بعض يهود بنو قينُقاع الذين لم يهاجروا – يهود فدك وتيماء – هؤلاء كرهوا أن يقاتل الرسول – صلى الله عليه وسلم – يهود خيبر فأرادوا أن يعطلوا المسلمين – وبدأوا يثيروا الإشاعات دأوا يثيروا الإشاعات بأن خيبر لن تفتحوأن خيبر سوف تذبح المسلمين ذبحاً.

          كان لهم عند بعض المسلمين دين فاشترطوا أن تُسدد دينهم قبل أن يخرجوا لفتح خيبر – مثال1:  أن أحد اليهود أبو الشحم كان يطالب أحد المسلمين ببعض الدراهم ويقول له:  لا تخرج حتى تدفع لي دراهمي.  فيقول المسلم:  اصبر علي أذهب إلى خيبر ونفتحها ونأتي بالغنائم ثم أعطيك دراهمك – وأصر اليهودي على عدم خروج المسلم فشكاه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال: إن هذا اليهودي يريد مني 5 دراهم أو لا أخرج إلى خيبر ويهددني بأن نخيبر بها 10.000 مقاتل.

          النبى – صلى الله عليه وسلم قال له:  أدفع دينك – فقام الرجل وباع ثيابه ودفع الدين ثم بعد فتح خيبر غنم امرأة قريبة لأبي الشحم قال المسلم:  هذه رقيقة عندنا أشتريها.  قال أبوالشحم:  نعم.

          قال ابن اسحاق في السير:

          بلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من خيبر جمعت له ، ثم خرجوا ليظاهروا يهود خيبر – حتى إذا ساروا مرحلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهلهم حساً فظنوا أن القوم خالفوهم فرجعوا وأقاموا في أهليهم وأموالهم ، وخلوا بين رسول الله وبين خيبر.

          وهكذا نجحت الخطة في عزل يهود خيبر عن حلفائهم المشركين.

          ولما بدأت الإستعدادات النبى – صلى الله عليه وسلم – في غزو خيبر – أخبر اليهود الموجودين في المدينة يهود خيبر – وأرسلوا واحد عربي من الأعراب من بنى أشجع – (2) وكذلك عبدالله بن أُبي فأرسل من يخبر اليهود ، النبى – صلى الله عليه وسلم كان مرسل عيونه فاستطاعوا أن يمسكوا العين التى أرسلتها اليهود – ولم يمسكوا العين التى أرسلها أُبي بن سلول فوصل الخبر إلى يهود خيبر.

          بدأ اليهود يستعدون للمواجهة.

          جهزوا أنفسهم بإعداد الماء وإعداد الطعام وجهزوا الحصون – رتبوا أمورهم – ووضعوا النسآء في أحسن حصن – وانتشر المحاربون في الحصون الأمامية.

          ما كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يهتم بهذا لماذا؟

          لأن الله وعده بفتح خيبر – كان فيه اطمئنان كبير في النفوس.

(1)ثم أرسلت خيبر وفد وعلى رأسه ملكهم كنانه بن أبى حُقيق لتستعين بالعرب ضد المسلمين – فتوجه الوفد إلى (1) بني مرة – وكانوا من الذين شاركوا في غزوة الخندق – فقال رئيس بني مرة:

          (لقد وجدت أن أمر محمد قد ظهر ورفض أن يشارك في الحرب) ثم ذهبوا إلى (2)عطفان رئيسهم عُيينة بن حصن كان رجلُ أحمق ولكنه مطاع في قومه – وأخبره أن محمد سوف يهاجم خيبر واشترطوا لهم نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا المسلمين.

          وبالفعل استعد هذا الأحمق بجيش 4.000 رجل.

          سار الجيش الإسلامي نحو خيبر – ثم سأل النبى – صلى الله عليه وسلم – من يأتي خيبر من شمالها (أريد أن أهجم على خيبر من شمالها) لماذا؟

          حتى لا يفروا يهود خيبر إلى الشام.

          وأثناء السير حدث حدث عظيم – رجل يصرخ من عطفان ويقول:  أدركوا أولادكم – إن عطفان هوجمت.

          فالجيش  4.000 رجل توجه إلى عطفان لكي ينقذوا أولادهم ونسآءهم وأموالهم وهكذا أنسحبت عطفان.

          وفي الطريق حدث أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال:  (من يحدوا لنا) والحداء هو النشيد ، حدى عامر بن الأكوع أخو سلمة بن الأكوع – وكان شاعراً – فأخذ يحدوا بحداء جميل جداً وكان النبى يُسر بهذا النشيد.

          اللهم لولا أنت ما اهتدينا             ولا تصدقنا ولا صلينا

          فاغفر فداء لك ما اتقينا               وثبت الأقدام إن لاقينا

          ومن جمال صوت هذا الرجل أخذت الإبل تتمايل – والنسآء في الهوادج 20 امرأة خرجنا للجهاد في هذه المعركة – وكادت النسآء يسقطنا من الهوادج من شدة تمايل الإبل.  فأرسلنا للنبى – صلى الله عليه وسلم – يشكين (إنا نسقط).

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (ياعامر رفقاً بالقوارير).

          وقال النبى – صلى الله عليه وسلم – من شدة سروره من عامر:  (يرحمك الله).

          قال عمر – رضي الله عنه:  (وجبت يارسول الله).

          وكانوا يعرفون أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يستغفر لإنسان يخصه إلا استشهد – وقد وقع في حرب خيبر – كأنها شهادة من الله بإستشهاد عامر بن الأكوع.

          لما اقتربوا من خيبر بدأت مزارع خيبر تبدوا من بعيد – بدأ التكبير والتهليل لله (الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله).

          فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (أربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إنكم تدعون سميعاً قريباً).

          أربعوا:  خففوا    وأخذ النبى – صلى الله عليه وسلم – يدعو والصحابة يدعون من وراء وهم سائرون نحو خيبر – وفي ليلة وصول النبى – صلى الله عليه وسلم – خيبر القى الله النوم على أهل خيبر – وما استيقظوا إلا والشمس قد طلعت – (1) فخرج المزارعون ليعملوا – وجيش المسلمين وراء المزارع – فصرخوا ، وقالوا:  محمدُ والخميس ، فقال النبى – صلى الله عليه وسلم – بصوت عالي:  (الله أكبر خربت خيبر ، الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فسآء صباحُ المنذرين).

          وهذه هي أول علامة على فتح خيبر.

          فالصحابة متحمسون يريدون الهجوم – فقال النبى – صلى الله عليه وسلم لهم:  (اصبروا وما ولا تتمنوا لقاء العدو – وإذا لقيتموه فاصبروا).

          ثم جمع النبى – صلى الله عليه وسلم – المسلمون وقال ادعوا:  (اللهم أنت ربُنا وربُهم ونواصينا ونواصيهم بيدك إنما تقتُلوهم أنت).

          الرسول – صلى الله عليه وسلم – يريد أن يعرف الصحابة إنكم لا تقتلوا أعدائكم ولكن الله هو الذى يقتلهم (إنما تقتلوهم أنت)  يؤكد لهم هذا المعنى لماذا؟

          لكي تصفوا نياتهم قبل الدخول إلى خيبر.

          ولما دنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال:  (قفوا) فوقف الجيش فقال:  (اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ، فإنا لنسألك خير هذه االقرية ، وخير أهلها ، وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شر هذه القرية ، وشر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله).  سيرة ابن هشام ج2– ص329.

          وكانت خيبر منقسمة إلى شطرين ، شطر فيها خمسة حصون – وشطر فيها ثلاث حصون.

أولا:  حصن ناعم – (2) حصن الصعب بن معاذ (3) حصن قلعة الزبير (4) حصن أبى (5) حصن النزار.

أما الشطر الثاني:  ويعرف بالكتيبة فيه ثلاث حصون فقط:

(1)حصن القموص (كان حصن بني أبي الحقيق من بني النضير).

(2)حصن الوطيح.              (3)  حصن السلالم.

          وفي خيبر حصون وقلاع غير هذه الثمانية ، إلا أنها كانت صغيرة لا تبلغ إلى درجة هذه القلاع في مناعتها وقوتها.  والقتال المرير إنما دار في الشطر الأول منها ، أما الشطر الثاني فحصونها الثلاثة مع كثرة المحاربين فيها سلمت دونما قتال.

بدء المعركة:

          ثم إن النبى – صلى الله عليه وسلم – أرسل إلى اليهود يدعوهم فيها إلى واحدة من ثلاث:  إما الإسلام:  فيأمنون على أنفسهم ويعيشوا مع المسلمين.

(2)وإما الجزية:  يدفعون الجزية ويخضعون لحكم المسلمين كل عام وتبقى لهم أموالهم وديارهم.

(3)وإما الحرب:  وصل رسول الرسول – صلى الله عليه وسلم – ودعاهم إلى هذه الأمور فقالوا:  سوف نرد عليكم بعد قليل.

          وإذ فجأة تفتح الحصون ويخرج جيش كاسح يهجم على المسلمين.

          هذا هو الرد وبدأ القتال ، ناس يريدون أن يدافعوا عن خيبر بكل ما أُتوا.  والمسلمون مستعدون حتى اضطر اليهود إلى الرجوع إلى حصونهم وقفل باب الحصن.

          عندها أمر النبى – صلى الله عليه وسلم – بقطع النخيل كما فعل من قبل في بنى النضير فقُطعت 400 نخلة ، وانخلعت قلوب اليهود وقالوا:  والله لو نتصرنا لا يبقى لنا مال – ندعونا ندفع الجزية أو نصالحه.  ولكن رُؤسائهم رفضوا وقالوا:  (لن تخضع خيبر).

          وعندها فتح حصن ناعم – وكان هذا الحصن هو حصن مرحب البطل اليهودي الذى كان بعد بالألف – خرج مرحب يخطر بسيفه يقول:

حكاية العبد الأسود:

          إن عبداً حبشياً أسود كان يرعى لسيده اليهودي غنمه فلما رأى أهل خيبر يحملون السلاح ويستعدون للحرب سألهم:  ما تريدون؟  قالوا:  نقاتل هذا الذى يزعم أنه نبي – فوقع في نفس الرجل ذكر النبوة – (1) فأقبل بغنمه على رسول الله – صلى الله عليه وسلم وقال:  أسلمتُ يانبي الله ، وقال:  اشهدُ أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله – إن هذه الغنم عندي أمانة فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (أخرجها من عندك وأرمها بالحصباه فإن الله سيؤدي عنك أمانتك).  ففعل فرجعت الغنم إلى صاحبها كأن معها راعي يسوقها – فعلم اليهودي أن غلامه أسلم.  (هذا كان صباحاً).

          (وعند الظهر) قام الرسول – صلى الله عليه وسلم – فوعظهم وحضهم على الجهاد وألتحم الفريقان.

          فقُتل العبدُ الأسود بين من قتل من المسلمين – وحُملت جثته إلى المعسكر ، أقبل النبى – صلى الله عليه وسلم – على أصحابه يقول:

          (من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة لم يصلى لله ركعة فلينظر إلى هذا – رأيت عند رأسه ثنتين من الحور العين).

          فكما في الحديث:  (إن الجنة لأقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار كذلك ، وهي يسيرة لمن يسره الله عليه).

ومازلنا في حصن ناعم وما جرى فيه:

        دعا مرحب إلى المبارزة – فبرز له علي بن أبي طالب – فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه وهذه هي رواية البخاري …

          خرج مرحب فقال: هل من مبارز؟  فقال له محمد بن مسلمه:  الثأُر عندي هو الذى قتل أخي محمود.

          فخرج له محمد بن مسلمه وبدأ قتال رهيب لم يره المسلمين مثله ، استمر القتال ساعة والناس تنظر حتى وصلوا إلى الإشجار وبدأو يتقاتلون حولها – وسارت بينهم شجرة – ومن كثرة ضربهم بدأت أغصان الشجرة تتقطع حتى قطعوا كل أغصان الشجرة – ولم يبق إلا الجذع تخيلي الجذع يقف بينهما كالرجل وهم يدرون حول هذا الجزع يتقاتلون والناس تنظر ما هذا القتال؟

          وظلوا على هذا الحال فترة – ثم إن محمد بن مسلمه يضرب مرحب على رجليه فيسقط فقال:  مرحب:  (اقتلني) ثم قطع محمد رجله الثانية وقال له:  ذق الموت – وتركه هكذا ينزف وهو يناديه اقتلني.

          فجآء على بن أبي طالب فضرب رأسه فقتله وأخذ سلاحه وعدته ، ورجع للنبى – صلى الله عليه وسلم – وقال له:  أنا قتلت مرحب.

          وهنا قال محمد بن مسلمه:  بل أنا الذى قتلته – قتلت بطل أبطال اليهود.

          وهذا شرف الثأر – فقال النبي – صلى الله عليه وسلم:  (نعم أنت الذى قتلته يامحمد بن مسلمة – أعطه سلبه).

          فأخذ محمد سلاح مرحب فكان مقتل مرحب على يد محمد بن مسلمة.

          وهنا خرج الحارث أخو مرحب وهو أيضاً بطل – كل هذه العائلة من الأبطال – يريد المبارزة – فخرج له أبو دُوجانة – رضي الله عنه – فقتله.

          خرج أخوهم الثالث ياسر – وأخذ يفتخر بنفسه.

          لقد علمت خيبر إني ياسر                               شاكي السلاح بطل مغامرُ

          فخرج له الزبير بن العوام – وكان ياسر هذا طويل عملاق طوله 2.5 متر ونظر إليه الرسول وتعجب وقال:  ما أطوله.

          صفية عبدالمطلب عمة الرسول أم الزبير خافت على أبنها – وقالت: ابني يقاتل عملاق أخشى أن يقتل ابني فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:(بل إبنك يقتله إن شآء الله).

          فخرج الزبير وأخذ ينشد – واستمر القتال بين ياسر والزبير ساعة ثم إن الزبير ضرب ياسر فقتله.  وهنا كبر النبى – صلى الله عليه وسلم وقال:  (لكل نبى حوارى وحوارى الزبير).

          وخرج أخوهم الرابع عامر فخرج له على بن أبي طالب – رضي الله عنه – فقتله.

          لما رأى اليهود أن كل من يخرج يُقتل قالوا: لا نريد مبارزة.

          عندما استمر القتال على شكل كتائب مدة 14 يوم لا يقدرون على فتح الحصن – ويؤخذ من المصادر أن هذا القتال دام أياماً لاقى فيها المسلمون مقاومة شديدة – وليلة 15 خرج يهودي متسلل من الحصن (ناعم) فقبض عليه عمر بن الخطاب وكان مسئول عن الحراسة – وأراد أن يقتله ولكن الرجل اليهودي قال لعمر:  (اصبر أريد أن أقابل نبيكم).

          فذهب به عمر إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – وقال:  (عند اليهود اليهود العتاد السلاح – رجال – وعندهم الماء والطعام يكفيهم سنوات).

          قال الرسول – صلى الله عليه وسلم:  (أنت جئت تخوفني؟)  قال الرجل: لا.

          قال الرسول – صلى الله عليه وسلم:  (لماذا جئت؟) قال الرجل:  جئت أطلب الأمان أنا عالم أنك ستفتح خيبر – ومكتوب عندنا في التوراة أنك سوف تفتح خيبر – وأنا أريد الأمان لي ولزوجتي وعلى أموالي.  وأنا لا أريد أن أُقاتلك – فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (لك الأمان). 

          وعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قد آن أوان الأنتصار ، لأن الخوف قد دب في قلب هذا اليهودي وفي قلوبهم أيضاً.

          في تلك الليلة جمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الناس وقال لهم:  (لأُعطن الراية غداً رجلاً يحبُ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) فبات الناس يذكرون أيهم يُعطاها؟

          فلما أصبحوا غدوا إليه متطلعين إلى أخذها – فنادى النبى – صلى الله عليه وسلم – علي بن أبي طالب:  فإذا به قد أرمد (أصابه الرمد في عينيه) فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: (ما لك ياعلي؟). قال يارسول الله:  لا أرى وادياً ولا جبلاً – ما أرى شئ عيني مقفولة – فمسح النبى – صلى الله عليه وسلم – بيده الشريفة على عين علي – كأنه ما أصابه شئ – وشفي – فلما شفي علي أعطاه الرسول الراية – علي بن أبي طالب جهز الجيش – ولما خرجت الكتيبة من الحصن – بدأ علي يتراجع أمام اليهود – فظن اليهود أن المسلمون انهزموا.

          وأخذ اليهود يتقدمون – وعلي يتراجع وهم يتقدمون والصحابة متعجبون ما هذا؟ وفي هذه اللحظة قد أعد علي كمينين على الميمنة والميسرة هجموا على الباب لكي يظل الباب مفتوح – ووصل اليهود مع المسلمين عند الباب وبدأ القتال عند باب الحصن – ماأستطاع اليهود أن يغلقوا الباب فبدأ المسلمون يدخلون عليهم – واليهود الذين داخل الحصن يفروا ويتركوا الحصن بما فيه (من طعام وسلاح) وفروا من على الأسوار إلى الحصن الثاني (حصن الصعب بن معاذ).

          وهكذا فتح الله على يد علي بن أبي طالب اول الحصون وهو حصن ناعم ، ثم بدأ الحصار على حصن الصعب قاموا بالهجوم عليه تحت قيادة (الخباب بن المنذر الأنصاري) ففرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام ، وفي اليوم الثالث ، دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لفتح هذا الحصن دعوة خاصة.  وروى ابن إسحاق:

          أن بنى سهم من أسلم أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا:  لقد جهدنا وما بأيدينا من شئ ، فقال:  (اللهم إنك قد عرفت حالهم ، وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيدي شئ أعطيهم إياه ، فأفتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء ، وأكثرها طعاماً وودكاً).

          فتح باب الحصن الصعب وخرج منه فارس من فرسان اليهود وطلب المبارزة وكان اسمه يوشع فخرج له الخباب بن المنذر فقتله.

          بدأ الهجوم الكاسح من اليهود بالنبال ، وإلى مسافات بعيدة – وفجأة فتح باب الحصن وخرج كتائب من اليهود والمسلمون مشغولون بصد النبال وأنكشف المسلمون مرة ثانية ووصل القتال إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفر الناس (المسلمون) وما ثبت إلا النبى – صلى الله عليه وسلم – وقليل من الصحابة.

          وإنهزم المسلمون أمام حصن الصعب بن معاذ – وهنا بدأ الرسول – صلى الله عليه وسلم – يصرخ:  (إلى عباد الله ، أين تفرون – يا أهل بيعة الرضوان يا أصحاب الشجرة) فلما سمع الصحابة هذا النداء رجعوا (أنهم قد بايعوا على الموت) وبدأوا يدافعون عن النبى – صلى الله عليه وسلم – حتى استطاعوا أن يردوا.

اترك تعليقاً