بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.
أما بعد ،،،
فمن هذه الفوائد:
(للإنسان ستر بينه وبين الله وستر بينه وبين الناس).
المعنى: للعبد ستر بينه وبين الله ، أي هناك خطوط حمراء ، خطوط ممنوع تجاوزها ، لا يكذب ، لا يحتال ، لا يخون ، لا يستهزئ ، لا يستعلى ، لا يستكبر ، لا يفتك ، لا يغش ، لا ينتقم ، لا يقسو ، لا يكيل الصاع صاعين.
والله عز وجل قال في سورة الشورى الآية (40):
(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا (40)
هذا هو الحكم الشرعي.
جزاء المسئ العقوبة بما أوجب الله تعالى له في كتابه أو على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم.
(2)وجزاء العدوان أن ينتصر ممن ظلمه من غيرأن يعتدي عليه بالزيادة.
(3)قالت عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
“من دعا على من ظلمه فقد أنتصر” أخرجه البزار والترمذي
(والستر بينه وبين الناس)
بمعنى: له مكانة – الناس يهابونه ، يحترمونه ، يظنون به خيراً ، فمن هتك الستر الذى بينه وبين الله هتك الستر الذى بينه وبين الناس.
لمجرد أن تسوء علاقتك بالله ، الله عز وجل يعاقبك بأن يفسد العلاقة بينك وبين الناس.
(من أصلح علاقته مع الله أصلح الله علاقته مع الناس)
لذلك الأصل أن تكون علاقتك بالله طيبة مصداقاً لقوله تعالي في سورة الأنفال (1):
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ (1)
اتقوا الله في أقوالكم ، وأفعالكم ، وأصلحوا ذات بينكم ، فاتقوا الله تعالى بترك النزاع والشقاق وأصلحوا بينكم بتوثيق عرى المحبة بينكم ، وتصفية قلوبكم من كل ضغينة وحقد وحسد ، وأصلحوا الحال التى بينكم بالإئتلاف وعدم الإختلاف.
فمن هتك الستر الذى بينه وبين الله هتك الله الستر الذى بينه وبين الناس.
تذهب مكانتك ، يذهب تألقك ، تذهب هيبتك ، فلذلك الأصل أن تحسن العلاقة مع الله.
“ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شئ”
أي علاقتك مع الله إن صحت تصلح علاقتك مع زوجك ومع أولادك ، ومع جيرانك ، ومع إخوانك ، ومع من حولك ، ومع من فوق ، ومع من تحتك.
فائــدة أخـري
(للعبد رب هو يلاقيه وبيت في الدار الآخرة هو ساكنه)
مثل أضعه بين أيديكم ، لو أن بلداً نظام الإيجار فيه عجيب ، أي مستأجر في أية ثانية يامره بها صاحب البيت يخرجه من البيت ، ولا يستطيع أن يأخذ معه شيئاً ، فرش البيت ، السجاد ، الأثاث الفاخر ، الأجهزة الكهربائية ، يأمره صاحب البيت أن يخرج فيخرج في ثيابه فقط.
فإذا الإنسان مستأجر ، هذا المؤجر معه أموال جيدة ، هل من المعقول أن ينفقها كلها في هذا البيت الذى سيغادره بأية لحظة ولا يبقى له منه شئ؟ مستحيل..
هذا الواقع تماماً: كل شئ تُحصله في الدنيا تخسره في ثانية واحدة ، دقق إنسان يسكن في بيت أربعمئة متر ثمنه يزيد عن ثلاث مليون جنية ، فيه أثاث بمليون – فيه أجهزة كهربائية ، خمس سيارات أمام الباب له ولأولاده ، إذا توقف قلبه مصيره إلى القبر أو تجمد الدم في أوعيته مصيره إلى القبر ، نمت خلاياه نمواً عشوائياً مصيره إلى القبر.
كل مكانتك وهيبتك وسيطرتك ، وحجمك المالي ، وحجمك الإجتماعي ، ومرتبتك العلمية ، والشهادات التى حصلتها ، كل هذا المجد متوقف على ضربات القلب أو على سيولة الدم أو على نمو الخلايا – ففي أية لحظة تجد أنك فقدت كل شئ.
وليت الأمر ينتهي عند هذا بل دخلت في حساب عسير.
مصداقاً لقوله تعالى في سورة المدثر الآية (8 – 9):
(فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)
بمعنى: النقر: في كلام العرب معناه الصوت – الناقور: البوق الذى ينفخ إسرافيل والمراد به النفخة الثانية نفخة البعث والجزاء.
وكما جآء في الحديث: “كيف أنعم وصاحب القرن قد ألتقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ؟”.
فذلك يوم صعب شديد لا يحتمل ولا يطاق.
وكذلك في سورة الحجر الآية (92 – 93):
(فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)
بمعنى: قال ابن مسعود – رضي الله عنه:
والذى لا إله غيره ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذى رواه معاذ بن جبل: “يا معاذ إن المرء يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه ، وعن فتات الطينة بأصبعه”.
والله عز وجل لا يسألهم هل عملتم كذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يقول لم عملتم كذا وكذا؟
فأقسم بربك يا محمد لنسألن الخلائق أجمعين ومحاسبتهم عما كانوا يعملون في الدنيا.
من هو الغبي؟
هو الذى لا يُدخل الآخرة في حسابه.
والله الذى لا إله إلا هو ما سمن على وجه الأرض من غبي أشد غباءً من الطغاة ، لأنهم لم يدخلوا في حسابهم أن الله سيحاسبهم ، (2) والله ما من قطرة دم تراق على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا وسيسأل عنها الإنسان.
مصداقاً لقوله تعالى في سورة القيامة الآية (36):
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا؟
أفظننتم أيها الناس أنما خلقناكم باطلاً وهملاً بلا ثواب ولا عقاب كما خلقت البهائم.
وكما قال الله تعالى في سورة القيامة الآية (36):
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) = هملاً
قال عمر بن عبدالعزيز في آخر خُطبة خطبها:
“أما بعد أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثاً ، ولن تتركوا سدى وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر وشقى عبد أخرجه الله من رحمته ، وحُرم جنة عرضها السماوات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يؤمن عذاب الله غداً إلا من حذر هذا اليوم وخافه وباع قليلاً بكثير ، وخوفاً بأمان ثم إنكم في كل يوم تشيعون عُادياً ورائحاً إلى الله عز وجل قد قضى نحبه ، وانقضى أجله ، حتى تغيبوه في صدع من الأرض قد فارق الأحباب وباشر التراب ، وواجه الحساب ، مرتهن بعمله ، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت بكم ، ثم جعل طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله” أخرجه ابن أبي حاتم
على كل إنسان أن يسترضى ربه قبل لقائه ويعمر بيته قبل الإنتقال إليه.
مثال1: الموظفون الأذكياء في وزارة ما إذا إستقالت الوزارة يسألون من الوزير القادم؟ لماذا؟ حتى يقيموا معه علاقة طيبة ، لأن أمرهم بيده في المستقبل ، الأذكياء في الدنيا هكذا يفعلون.
والله عز وجل في سورة الغاشية الآية 25 – 26) يقول:
(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)
مثال2: قصة قديمة ، إنسان مضطر إلى ثلاثمئة ألف وعنده مزرعة فيها حمام سباحة ، وفيها بيت جميل ، وهو مضطر لهذا المبلغ ، عرض أن تكون هذه المزرعة رهناً لهذا المبلغ ، فإذا تم تسديده يسترجع المزرعة ، هناك إنسان دفع المبلغ وقال له: سجلها بإسمي كرهن ، فسجلها وبعد سنتين قدم له المبلغ قال له: لا يوجد داع لهذا كل واحد عنده حقه المزرعة ثمنها مليونين ، وهو أخذها بثلاثمئة ألف ، صاحب المزرعة من شدة الألم أصابته أزمة قلبية ، وشارف على الموت ، ومات ، قبل أن يموت أوصى إبنه الأكبر فقال له: سر بالجنازة إلى باب محله التجاري وقدم له هذه الرسالة: قال له: (أنا ذاهب إلى ديار الحق وسأحاسبك هناك وإن كنت بطلاً لا تلحقني).
سمعت أن هذا الإنسان رد المزرعة للورثة.
وكما قال إبن القيم – رحمه الله: للعبد رب هو ملاقيه ، وبيت في الآخرة هو ساكنه ، فينبغي له أن يسترضى ربه قبل لقائه وأن يعمر بيته قبل الإنتقال إليه.
يا أيتها الأخوات الفضليات:
الموت شئ مخيف جداً من كل شئ إلى قبر ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
“أكثروا من ذكر (1) هادم اللذات ، (2) مفرق الأحباب ، (3) مشتت الجماعات“. عن أبي هريرة – الترمذي والنسآئي.
والحديث الثاني: عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه:
“عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، وأعمل ما شئت فإنك مجزى به“. البيهقي في شعب الإيمان
((والحمدلله رب العالمين))