كيف أسلم أهل المدينة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فكان النبى – صلى الله عليه وسلم – يذهب إلى القبائل في موسم الحج فمر على أشخاص من أهل المدينة من الخزرج وكان فيهم واحد اسمه أسعد بن زرارة – والبراء بن معرور – الرسول – صلى الله عليه وسلم قال:  ممكن أتحدث معكم؟  قالوا:  تفضل.  قال النبى:  أنا رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة.  فقال البراء وأسعد:  ياأخونا ممكن يكون هذا هو النبى الذى تهددنا به اليهود.حيث قالوا  ( سوف يبعث نبي وينضم إلينا ونقتلوكم معه قبل عاد وإرم). قالوا: لا يوجد نبي بعدك في هذا المكان (مكة – المدينة – الطائف).

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  لا أبداً ولا بعدي فأنا خاتم النبيين.

          قال:  أنا النبى الذى تقول عنه اليهود (هذه هى نواة الإسلام كله لولا الستة هولاْء لم نعرف ربنا) ، ولا نعلم أى شئ عن الإسلام.

          لما شرح الله صدر الرسول وبدأ يبلغ دعوته.  أول واحد وضع يده في يد النبى – صلى الله عليه وسلم – ونطق بالشهادتين وبايعه على الإسلام وقال:  أنا معك هو البرآء بن معرور.

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم: أكتموا عني لماذا؟  لأن هناك حصار شديد جداً جداً وقريش لو علمت أنكم أسلمتم سوف يقتلوكم – (1) وموتكم يعمل دعاية ضدي ، (2)ويعطل الدعوة الإسلامية فهل تكتمون عني؟؟.

          قالوا:  نحن نرجوك أن لا تتكلم عنا– قال النبى:  لماذا؟

          قالوا:  أنت لم تسمع عن (أبي الحيصر) الذى جآء من المدينة من أجل أن يعمل حلف مع قريش وضرب إياس بن مُعاذ (أبى الحيصر) – كانوا بيحضروا في الأحلاف من أجل موقعة تُسمى بُعاث – أبو الحيصر لما رجع إلى المدينة – قامت معركة بين أولاد العم (الأوس والخزرج) تسمى فيما بعد يوم بُعاث من أيام الجاهلية – يعتبر هذا اليوم من أشأم يوم على العرب – ومن أشأم يوم على الأوس والخزرج (أنصار المدينة) قُتل منهم 6 آلاف.

          لما قامت المعركة كان النصر في أولها للخزرج ، أو الحيصر رئيس الأوس هرب بقومه إلى ناحية نجد وجرح نفسه في فخده بالسيف ، كأنه يريد أن ينتحر لأن العربي عنده الهزيمة حاجة صعبة جداً وشتم الأوس ، وقال:  الخزرج يطردونا مثل الغنم أمامهم وقال لهم:  (أنا سوف أقتل نفسي إذا لم تدفعوا عنا هذا العار) (الكلمة حمست الأوس).

          فالجماعة الأوسيين انقضوا على أولاد عمهم الخزرج ورجعوا تاني وقتل حُضير سيد الأوس وقُتل النعمان بن عمر رئيس الكتائب للخزرج.

          (رئيس الأوس مات ورئيس الخزرج مات) وأوشكوا الأوسيين أن يخلصوا على الخزرج تماماً لولا أن تدخل (سعد بن معاذ – وأبوقيس بن السلت) ، وقالوا: أنتم ولاد عم– والله الذى فعل فيكم هذا هم اليهود الذين معنا في المدينة ، وقال سعد:  مجاورة ابن العم خير من مجاورة الثعالب وأهل المدينة يسمون اليهود الثعالب – وهذا تعبير تاريخي.  ولكن كانت مجازر.

          فلما الستة الذين ءاتوا من المدينة إلى مكة في موسم الحج وقابلوا الرسول – صلى الله عليه وسلم – وكان فيهم أسعد بن زرارة والبرآء بن معرور.

          والستة أسلموا ، وقالوا:  يارسول الله لو آتيت اليوم عندنا سوف تكون ضيف وليس نبي لماذا؟

          لأن السنة الماضية كانت معركة بُعاث لا يوجد بيت إلا فيه عدد من الموتى حتى الآن والأوس والخزرج متفرقين عن بعض لن يجتمع القوم عليك –، وإذا جمع الله الفريقين ولاد العم على يدك ضد اليهود لن يكون أحد أقوى منك جانباً.

          والإسلام سوف ينتصر – قال النبى:  الله معكم ….

          رجعوا الستة إلى المدينة طوال السنة يشتغلوا في الدعوة إلى الله وأهل المدينة يسمعوا لأن هناك التجار الذين يذهبوا إلى مكة يسمعوا الأخبار ، قالوا:  هناك واحد اسمه محمد – لا يجعل قبيلة تذهب إلى مكة ولا أحد إلا وهو يبلغ دعوته ، وعمه وراءه.

          وفى السنة التالية الذين أسلموا جآءوا مكة وعددهم 12 ، جآء معهم أسعد بن زرارة – (10 من الخزرج و2 من الأوس).

          قال الرسول:  بايعوني.  قالوا:  على أي شئ نبايعك؟؟.

          روى البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: (تعالوا ، بايعوني على (1) أن لا تشركوا بالله شيئاً ، (2) ولا تسرقوا ، (3) ولا تزنوا ، (4) ولا تقتلوا أولادكم ، (5) ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، (6) ولا تعصوني في معروف ، فمن وفى منكم فهو كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله ، فأمره إلى الله ، إن شآء عاقبه ، وإن شآء عفا عنه).

          قال عبادة:  (فبايعناه على ذلك) ..  (صحيح البخاري).

          ولقد بايع الرسول النسآء على هذه الأمور الستة كما ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الممتحنة الآية (12):

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

          نجد في مقدمة هذه الأمور الستة عدم الإشراك بالله جل وعلا ، (2) ولا يرتكبين جريمة السرقة ، (3) ولا جريمة الزني التى هي من أفحش الفواحش ، (4) وقتل البنات كما كان يفعله أهل الجاهلية خوف العار ، وكذلك قتل الأولاد خشية الإملاق (الفقر) ، (5)ولا تنسب إلى زوجها ولداً لقيطاً ليس منه – وكما قال ابن عباس:  (ولا تُلحق بزوجها ولدا ليس منه) ، (6) ولا يخالفن أمرك فيما أمرتهن به من معروف أو نهيتهن عنه من منكر بل يسمعن ويطعن.

          فبايعهن يامحمد على ماتقدم من الشروط – واطلب لهن من الله الصفح والغفران لما سلف من الذنوب – (إن الله غفور رحيم) واسع المغفرة عظيم الرحمة.

          وقد سميت بيعة العقبة الأولى سنة 12 من النبوة قبل الهجرة.

          فلما رجعوا إلى المدينة قالوا:  الرسول – صلى الله عليه وسلم – ممنوع من صلاة الجمعة لأنه مضطهد في مكة بلده لا يستطيع أن يتجمع.  لما يحب أن يبلغ المسلمين الآيات التى تنزل من القرآن – يترك مكة ويذهب إلى منى على بعد 5 ك من مكة.  لكي يبلغ أصحابه في السر الآية ، قالوا:  نحن في بلادنا المدينة والإسلام بدأ ينتشر فيها – فجآ رئيسهم أسعد بن زرارة – يرضى الله عنه ويرحمه ..  فى مكان اسمه نقيع الخضمات بجانب المدينة – 12 الذين بايعوا الرسول أنضم إليها 28 أصبحوا 40 رجل مسلم – قالوا: هيا نصلي الجمعة – وهذا الذى جعل الشافعية يقول:  (إن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلاً)، أول جُمعة  أُقيمت في المدينة قبل هجرة الرسول بحوالي سنة بواسطة أسعد بن زرارة.

          ولذلك كان كعب بن مالك أعمى يسحبه ابنه (هوأحد الثلاثة الذين خُلفُوا الذين تاب الله عليهم) – بعد أن مات الرسول – كان كل ما يسمع آذان يقول: (رحمك الله يا أسعد يابن زرارة) ، قال له ابنه:  لماذا تقول عندما تسمع صلاة الجمعة رحمك الله ياأسعد بن زرارة؟؟

          قال كعب..  يابني (1) أول من أذن لنا ، (2) وأقام الجمعة هو أسعد بن زرارة.  فى نقيع الخصمات:  (أول من جمع بنا هو أسعد بن زرارة).

          فلما وصل عددهم إلى 40 قالوا لازم يكون حلقة أتصال بيننا وبين المصطفى – صلى الله عليه وسلم.

          المدينة (1) قلوبها بدأت انفتحت ، (2) وبدأت الخصومة التى بيننا وبين أولاد عمنا تزول تدريجياً – فابعث لنا من يفقنا في أمر ديننا – فالرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يكرمهم.

          أرسل إليهم مصعب بن عُمير البدري – رضي الله عنه – صحابي جليل فقيه –

          هذا الشاب المدلل المعطر – لما سمع عن الإسلام أسلم وعلمت أمه فطردته لدرجة أن جلده جف من الأنيميا وفقر الدم ولبس الثياب الخشنة (الرسول عندما يراه يقول:  رحمك الله يامصعب ويبكي) ، الصحابة لماذا تبكي يارسول الله؟؟

          يقول النبى: (أبكي للحال الذى كان عليه وهو كافر وللحال الذى صار إليه وهو مسلم). لما كان كافر ضد الله كان في نعيم وعطر وأمه تغير ملابسه في كل لحظة – ولما أسلم يدفع ضريبة الإيمان ثم قال النبي:  (أيها الناس من أحبني فيعد للبلاء جلباباً ، فإن البلاء أسرعُ إلى من يُحبني من سرعة الماء إلى منحدر).

المعنى:

          الذى يُحب الرسول ويحب الله يُحضر بدلة الشقاء ، إن البلاء سوف ينزل على أحباب الله أكثر إنحداراً من سرعة الماء إذا كانت في الجبل وتنحدر.  – تمحيص لهم يدفعوا ثمن الزعامة والرياسة والخير الذى سوف يحصلوا عليه – أنت الآن لما تسمع عن الشهداء الذين ماتوا ، إذا كان على الموت فكلنا سوف نموت – والشهيد عندما تأتي له الضربة لا يشعر بها مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          (لا يجدُ الشهيد من ألم القتل إلا كما يجد أحدكم من ألم القرصة)

(1)تبقى الموتة نفسها خفيفة ، (2) وهم أحياء عند ربهم يرزقون ، (3) وأهلهم يتكرموا.

فالواقع:  أن هذا المجد له ثمن – مادام أنت تريد العظمة في الآخر عند الله أدفع الثمن – (من أراد رفع الدرجات وزيادة الحسنات ومحو السيئات فليصبر على بلاء سيد الكائنات).

          الرسول أعرف الرجال بمقام الرجال – الرسول قال له:  أذهب يامصعب إلى هؤلاء القوم في المدينة وعلمهم وفقهم في الدين ، (1) ولما القرآن ينزل ، (2) وتعليمات من الله تأتي سوف أرسلها لك سراً لكي يكونوا على مستوى العلم والوعي – حتى لا تنفصل القيادة عن القاعدة (وهذه مهمة جداً) أن القيادة العليا لازم تكون متصلة باستمرار بالقاعدة.

          يرسل الرسول الآيات إلى مصعب في المدينة في السر مع بعض الناس على هيئة تجار – مع العلم أن المسافة بين مكة والمدينة 500 ك.

          فلقد فهم (مصعب) رسالته تماماً ووقف عند حدودها ..  عرف أنه مستقيم ..  وأنه كرسول الذى آمن به ، ليس عليه إلا البلاغ.

          نزل مصعب عند أسعد بن زرارة – كان من ضمن السابقين إلى الإسلام ، مصعب يقول لأسعد:  اللقمة الضرورية (حسب ابن آدم لُقيمات يُقمن صلبه) تعليمات الإسلام هكذا.

          أسعد بن زرارة مخلص كان عنده من الحرارة ومن الغيرة على الإسلام ما لا ينقص عن مصعب فنعم صاحب البيت ونعم النزيل عنده.

          وفعلاً بحث مصعب بن عمير مع أسعد بن زرارة أين رءوس القوم قال: أنا عندي شخصين لو أسلما أسلمت المدينة كلها أولهم ابن خالتي (سعد بن معاذ) لو ربنا هداه على يدك سوف نستريح من قبيلة بني عبد الأشهل كلهم – والثاني (أُسيد بن حُضير) أبوه حُضير قُتل في معركة بُعاث – لو أسلما سعد وأُسيد – نرسل إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – ونقول له: (طاب الثمر على الشجر ياسيد البشر).

          وسئل مصعب أين يجلسا سعد وأُسيد؟

          قال أسعد:  في بستان بني ظُفر – بستان قبيلة بني ظُفر (عائلة سعد بن معاد).

          ذهبا أسعد ومصعب إلى البستان – فالشباب المسلم فرحنين بالإسلام وساعة ما سمعوا أن الواعظ الذى جآء من عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – موجود – البستان أمتلأ  الذى يصلى – يقرأ القرآن – صاروا مثل خلية النحل – نشاط – أُسيد وسعد لما بلغهم أن أسعد ومصعب دخل الحديقة الخاصة بهم .

          أُسيد أخذ الحربة – لا يمشوا من غير السلاح لأن هناك ثأر بينهم ودخل على أسعد بن زرارة وقال:  ياأسعد ليس عندي كلام مع هذا الرجل الغريب ولكن الكلام يكون معاك أنت.  كيف تدخل أملاكنا وتُدخل علينا ما نكره؟

          قال مصعب:  (1) يا أُسيد أنا ضيفك على كل حال – وعلمت وأنا هنا أنك سيد من سادات القوم – قال أُسيد:  صدق من بلغك ، قال مصعب:  ومن شأن السادة أن يسمع بنفسه لا يبلغه غيره ، قال أُسيد:  وهكذا أنا.

          قال مصعب:  أول مرة تقابلنا ودخلت علي بدون أن تُحى الضيف بتحية العرب – لا تحية الإسلام.  وهذا ليس من شأن العرب.  أنت خائف أن تقول لك نفطر – فإن أسعد بن زرارة لم يقصر في شئ – العرب كلمة البخل – يخافوا منها جداً –  قال مصعب:  أولا نجلس فتسمع – فإن رضيت أمرنا قبلته وإن كرهته كففنا عنك ما تكره.

          قال أُسيد:أنصفت أيها الضيف العزيز –  وألقى حربته إلى الأرض وجلس يصغى – فبدأ مصعب يقرأ القرآن.

          الواقع أن أُسيد قد كتب الله له السعادة جلس يقول له زد – زد هناك أمل – لأنه يطلب زيادة – بعد ما أنتهى – قال أُسيد:  ما أحسن هذا القول وأصدقه – كل قُرآنكم مثل هذا؟.  قال مصعب:  هذا قرآن الله –  قال أُسيد:  كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين؟  قال مصعب:  أمامك البئر إنزل استحم فيه – وأرسل الخدم يأتي لك بجلبابين من البيت – تُطهر ثوبك وبدنك وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله – وتصلي ركعتين.

          سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة منتظر أن يسمع أن أُسيد ضربهم وطردهم من حديقة بني ظفر.   وإذا بأسيد يأتي إليه ملابسه متغيرة ووجه منور – لا إله إلا الله، لما رأى سعد وجه أُسيد منور قال: والله لقد جآء أُسيد بوجه غير الوجه الذى ذهب به.

          فكر أسيد في فكرة تجعل سعد بن معاذ  يذهب إليهم ويسمع منهم القرآن ويسلم لأنه ذاق حلاوة الإيمان.

          هناك قبيلة بني حارثة كانت بينها وبين أسعد بن زرارة ثأر قديم في الجاهلية من أيام بعاث – والقبيلة ده سعد بن معاذ يكرها من أجل ابن خالته أسعد.

قال أُسيد:  أنا انشغلت عن الموضوع الذى أرسلتني من أجله – جآء له من طريق العصبية موضوع الحمية سمعت من ابن خالتك كلام يمس كرامتك – قال سعد بن معاذ:  لماذا؟

قال أسيد:  بلغ أسعد بن زرارة الآن أن بني حارثة يريدوا أن يقتلوه لأنه في حمايتك وقالوا أنه قريب سعد بن معاذ بالذات.

وأسعد قال لي:  بني حارثة طمعت فى لما أنا مسلم وسعد كافر ونحن متفرقين – قال سعد بن معاذ:  يريدون أن يقتلوا ابن خالتي ، ثم قال أنا على دينه – وذهب إلى ابن خالته في الحديقة بني ظفر فوجد الوضع هادئ – وجد أسعد بن خالته يجلس مع مصعب ، فقال سعد بن معاذ لأسعد:  ماذا فعلت بني حارثة معك؟  قال أسعد:  بني حارثة من؟  فهم سعد بن معاذ أن أُسيد يريد له إسلاماً كريماً.

قال مصعب:  إجلس ياسعد بن معاذ أنت أولى من أسيد بن حُضير ، أنت أسبق منه في الزعامة.  أو تقعد فتسمع؟  فإن رضيت أمراً قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره.

قال سعد بن معاذ:  أدركت الأن ما صنع أسيد بن حُضير ..

          جلس فقرأ مصعب عليه القرآن – قراءة سبحان الله.

قال سعد بن معاذ:  (يحق ما نُزل هذا الكلام أن يُعبد).

          قال مصعب:  هذا هو الإسلام.          قال سعد بن معاذ:  أنتم أسمعتم أُسيد شئ مثل ذلك (قرآن) ، قالا:  أُسيد أسلم وأغتسل فأسلم سعد بن معاذ وأنتقل من جاهلية عمياء إلى إسلامية أصفى من الصفاء.

          وفي اليوم الذى أسلم فيه في الساعة والتو واللحظة جمع بني الأشهل كلهم وقال لهم:  كيف مقامي فيكم؟  قالوا:  سيدنا وابن سيدنا ورئيسنا وابن رئيسنا – أنت مطعمنا وتسقينا وتصلح بيننا.

          قال:  فعلموا من الآن أن كلام رجالكم ونسآءكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله – فنطقوا بالشهادتين في ساعتها.  إلا رجل واحد – تأخر إسلامه إلى يوم غزوة أُحد – فأسلم في ذلك اليوم وقاتل وقُتل ولم يسجد لله سجدة – فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (عمل قليل وأجر كثير).

          سعد بن معاذ أسلم رجلاً وعاش رجلاً ، ومات بعد غزوة الأحزاب رجلاً – الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان بيصلى ونزل عليه جبريل – وجبريل بيتكلم مع الرسول في شئ ، وما شعر إلا أن حاجة في السمآء تغيرت.

          قال جبريل:  يارسول الله هل هناك أحد من أصحابك مات؟

          قال النبى:  متى؟  قال جبريل:  الآن.  لقد أهتز عرش الرحمن لموت واحد من أصحابك – لماذا؟  فرحاً وطرباً بلقاء الروح.  فدخل النبى الخيمة التى كان يمرض فيها سعد بن معاذ فوجده قد فاضت روحه.

          من هذا العبد الصالح الذى أهتز له عرش الرحمن؟  هو سعد بن معاذ الذى أسلم وفي نفس اليوم أسلمت قبيلة بني عبد الأشهل كلهم …  بناءً على إسلامه وبناءً على دعوة مصعب بن عمير الداعي الواعظ الذى أختاره الرسول كالرجل المناسب في المكان المناسب.

           كيف يختار الرسول الدعاة؟؟  كان ممكن يرسل على بن أبي طالب بن عمه أقرب من مصعب ألف مرة – الرسول ليس عنده محسوبيات ولا قربات وأرسل مصعب …

 

 

وقبل حلول موسم الحج التالى – حج السنة الثالثة عشر من النبوة عاد مصعب إلى مكة يحمل إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – بشائر الفوز – ويقص عليه خبرإسلام قبائل يثرب.

          وجآء في تلك السنة إلى مكة 75 شخص وهؤلاء ليس كل من أسلم ولكن كانوا وكلاء نواب عن قومهم – ولم يبقى بيت إلا دخله توحيد الله 73 رجلاً وامرأتان:  نسيبه بنت كعب – أم عمار – أسماء بنت عمر وأم منيع وهي التى تسمى (بيعة العقبة الكبرى).

          التى على آثارها هاجر الرسول – ولقد مهد الله له الجو – واجتمعوا عند العقبة حيث الجمرة الكبرى في نصف الليل.

          لقد اجتمع 75 رجلاً وامرأة  في الشُعب ينتظروا  رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى جآءهم ، ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب – وكان أول المتكلمين وشرح لهم خطورة المسئولية التى  ستلقى عليهم فقال:  (يامعشر الخزرج – إن محمداً منا حيث قد علمتم فهو في عز من قومه ومنعه في بلده ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفه.  وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعه من قومه وبلده).

          فقام البراء بن معرور وقال للعباس:  نحن نتعصب للرسول أكثر منك أنت (1) فنحن مسلمون وأنت غير مسلم ، (2) أنت عصبيتك عصبية قرابة وعصبيتنا عصبية إيمان نفديه بأولادنا وأرواحنا ونسآءنا.

          يارسول الله أشترط لنفسك ما شئت ولربك ما شئت؟

          قال:  اشترط لربي أن تُعبده ولا تشرك به شيئاً – قالوا:  وحدنا ولا نشرك لا أصنام وبشر ولا حجر ولا شجر – وأما اشترط لنفسي:  أن تمنعوني مما تمنعون منه نسآءكم وأبناءكم. قام البراء وقال: بيعناك على هذا فنحن والله أبناء الحرب ورثناها كابراً عن كابر.

          فأعترض القول – والبراء يكلم رسول الله – أبوالهيثم بن التيهان فقال:  يارسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها (اليهود) هناك تحالف بين الخزرج واليهود – وبين اليهود والأوس اليهود مقسمين أنفسهم – ويترتب على إيماننا بك إنقطاع تلك الحبال فهل لو نصرك الله وأكرمك بنا وأصبحت بنا قوي أقوى مما كنت في مكة  وأصبحت الكلمة لله – ترجع تحن لبلدك وتحن لمكة وتتركنا لليهود الثعالب.

          قال الرسول:  ياأبا الهيثم أصيبت فيما قلت والله لن أتخلى عنكم فديني هو الوفاء الدم الدم .

         ( المحيا محياكم – والمماتُ مماتكم – أُحارب من حاربتم ، وأُسالم من سالمتم.)

          هذه نبوة وليست خداع – سأظل معكم حتى الموت وسوف أدفن معكم ، قام أبوالهيثم ومد يده لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليبايعه ..

          قام سعد بن عبادة قال:  أنتظر – هناك كلمة أُخرى ونظر إلى 75 شخص الذين أتوا من المدينة 73 رجل – وأمرأتان ، وقال:  (ياجماعة أتدرون علام تُبيعون الرجل؟؟)

          قالوا:  قل يا سعد  قال:  إنكم تبايعنه على حرب الأحمر والأسود والأبيض (دعوته هذه يترتب عليها جهاد العالمين – ممكن نحارب في المدينة بعض أقاربنا إذا أصروا على الكفر وسوف نحارب غيرهم) – فهل لو ترتب على هذا الجهاد قتل أشرافكم وإصابة أموالكم أتتخلون عن نبيكم؟

بمعنى:  قبل أن تضعوا أيديكم في يد الرسول – تعرفوا أنه ممكن الزراعة تبور والأموال تنتهي والتجارة تتعطل – كل أولادكم يموتوا ونسآءكم – راضين أم ليس هناك مبايعة؟

          قالوا:  يارسول الله لا تسمع لسعد بن عُبادة ، والله ما بيعناك إلا ونحن على استعداد قبل القتال وهتك الأموال – وقتل اولادنا ونسآءنا في سبيل الله.  مالنا إذا فعلنا؟

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم: ( الجنة – الجنة – الجنة).

          ما الذى تم بعد هذه المبايعة؟؟؟

((  والحمدلله رب العالمين  ))

اترك تعليقاً