v
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد،،،،
فعن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (لا يحقرن أحدُكم شيئاً من المعروف ، وإن لم يجد فليلق أخاه بوجه طليق ، وإذا اشتريت لحماً أو طبخت قدراً فأكثر مرقته ، وأغرف لجارك منه). رواه الترمذي في مسنده
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجود والسخاء كالريح المرسلة لا يرد سائلاً سأله ، ولا يرى محتاجاً إلا أعانه ، فهو الكريم ابن الكريم ، لم يدانيه أحد في الكرم.
لم يمنعه ضيق ذات اليد أن يؤثر أصحابه على نفسه بما هو في أشد الحاجة إليه ، حتى كان إيثاره مضرب الأمثال ، بل ليس لإيثاره بين الرجال مثال.
لهذا كان يوصي أصحابه بأن يقتدوا به في صنائع المعروف كلها ، كل بقدر طاقته وجُهده ، دون أن يقول في نفسه: ماذا يُغني عني ما أقدمه لأخي فهو لا يسد الرمق ولا يستر العورة ، فإن من أطاع نفسه في ذلك بخل بالقليل والكثير ، وتعودت نفسه الشح بما عنده ، وأغراه شيطانه بأن يأخذ ولا يعطى ، إذ يجعلُ فقره بين عينيه ، ويقول له الشيطان: من أنت حتى تعطى ، وما الذى تملكه حتى تجود به؟ وكيف تجود بهذا اليسير وفيحتقرك صديقك ، ويسخر منك ، وربما غضب عليك وردك بما أعطيته ، وربما يقول لك: ما يحتاجه بيتك أولى مما يحتاجه المسجد.
ولهذا أراد النبى – صلى الله عليه وسلم – أن يحمل الناس على الجود بما عندهم ولو كان نصف تمرة أو حبة عنب ونحو ذلك فيقول: (لا تحقرن أحدُكم شيئاً من المعروف). وهذا التوجيه الحكيم بياناً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (286):
(لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا).
وقوله تعالى في سورة الطلاق الآية (7):
(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).
وإحتقار الشئ: الإستخفاف به أو عدم النظر إليه لقلته أو تفاهته ، ولكن المراد به هنا معنى آخر يليق بهذا التوجيه الحكيم ، هو ألا يقلل المسلم من شأن صدقته عند الله – عز وجل – فإن الله يضاعفها أضعافاً كثيرة وينميها لصاحبها حتى لتكون التمرة كجبل أُحد كما جاء في الحديث.
فرُب لُقمة يضعُها الإنسان في بطن جائع تكون عند الله أكثر أجراً ممن بنى مسجداً ، فالتفاوت في الأجور ليس بقلة الشئ وكثرته ، ولكنه يتفاوت بقدر تفاوت العاملين في الإخلاص لله رب العالمين.
مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (245):
(مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
والمراد بهذه الآية: الحث على الصدقة وإنفاق المال على الفقراء والمحتاجين والتوسعة عليهم ، ويقول جل شأنه في سورة البقرة الآية (265):
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
وابل: مطر غزير – طل: هو المطر الخفيف أو الندى الكافي لإنبات الزرع لجودتها وكرم منبتها ولطافة هوائها فهي تنتج على كل حال.
وهذا المثل الذى ضربه الله لصدقة المتصدق تستحق منا وقفة تدبر وتأمل ، فالمسلم الذى ينفق ماله كله أو بعضه أو شيئاً منه مهما كان قليلاً ، يبتغي بذلك وجه الله تعالى ، ونفسه ثابتة على التوكل وحسن الثقة بالله تعالى ، ولا يخشى الفقر ، هذا المخلص ينمى الله له صدقاته حتى تكون الحبة جنة ، أي بستاناً على ربوة خصبة مرتفعة جيدة التربة تتعرض للشمس والهواء وينزل عليها الغيث ، وتؤتي أُكُلها ضعفين أى تؤتي أُكُلها على غير العادة المألوفة في مثلها من الأراضي الخصبة.
في قوله – صلى الله عليه وسلم: (لا يحقرن أحدُكُم شيئاً من المعروف).
والمعروف ضد المنكر ، وهو: كل ما اعتاده الناس مما لا يخالف الشرع ، ثم ، أُطلق على كل خير يبذل في سبيل الله.
مثال: صنع فلان في فلان معروفاً ، أي أسدى إليه شيئاً من المال ، أو أعانه على قضاء حاجة من حوائجه ، أو كلمه كلمة طيبة أسعدته.
إن الكلمة الطيبة حسنة من أعظم الحسنات التى ينبغي أن يحرص عليها الناس مع الله تعالى ، فالكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة.
مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذى أخرجه البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ، ما يُلقى لها بالاً ، يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ، لا يُلقى لها بالاً ، يهوى بها في جهنم).
ماذا يفعل المسلم إن لم يجد شيئاً يتصدق به؟
يكفيه أن يبش في وجهه ، فإن البشاشة نوع من الكرم ، وتعبير عن المحبة والمودة ، وفيها مواساة وإسترضاء ، ولها في النفوس سحر خاص.
ولهذا قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (وإن لم يجد فليلق أخاه بوجه طليق).
وطلاقة الوجه إشراقه بالبشر والإستحسان ، والعطف والحنان ، والسماحة التى تُعرف ولا توصف ، به يلتقى المحبون فينسون همومهم وأحزانهم ، وبه يتعاطفون فيما بينهم كما قال الدكتور محمد بكر إسماعيل في كتابه.
وكان النبى – صلى الله عليه وسلم – يبشُ في وجه من يبعضه تكرماً وتحلماً.
ويختم الحديث بوصية يظهر فيها مدى ما ينبغي أن يكون بين الناس من تراحم وتعاون وتكافل ، فيقول الرسول – صلى الله عليه وسلم: (وإذا اشتريت لحماً أو طبخت قدراً فأكثر مرقته ، وأغرف لجارك منه).
بمعنى: (طبخت قدراً) طبخت طبخة في حلة وبها لحم فأكثر المرق لتغرف منها لجارك ، فربما يكون في حاجة إليها ، تكون على سبيل الصدقة أو على سبيل الهدية.
(رزقنا الله وإياكم التوفيق في كل الأعمال).
(( والحمدلله رب العالمين ))