بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
بسم الله مقلب القلوب وغفار الذنوب ، وستار العيوب ومفرج الكروب ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وجامع شمل الدين وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعـد:
فنتحدث بحمد الله وفضله عن الإرهاصات والعلامات والآيات التى أطلقها الله فى الجو العالمى قبل ميلاد النبى – صلى الله عليه وسلم – حتى يُهئ الجو للإصلاح الجديد على يد المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وسماها العلمآء بالإرهاصات لأنها لا تسمى معجزات لماذا ؟ لأن المعجزة لابد أن تكون على يد نبى – ولا تسمى كرامات لماذا ؟ لأن الكرامات لابد أن تكون على يد ولى.
أما الإرهاصات: فهى عجائب الله التى يُحدثها فى الكون قبل مجئ النبى تهيئة لجو نبوته.
ونتكلم أيضاً عن كثير من النماذج من هذه الإرهاصات:
(1)رؤية عبدالمطلب جده. (2) إبرهه وهلاك جيشه. (3) رؤية أمه ءَامنة بنت وهب. (4) إرتجاج إيوان كسرى وسقوط 14 شرفة من شرفات القصر. (5) خمود نيران فارس. (6) تنبأ اليهودى بميلاد نبى آخر الزمان. (7) القابلة(الممرضة) التى نزل على يدها. (8)رؤيا ملك الروم هرقل. (9) تنكيس أصنام الكعبة فى ليلة بالميلاد. (10)رؤيا كسرى ملك الفرس. (11) جفت بحيرة ساوة. (12) منع الجن من الصعود إلى السمآء.
رؤيا جده:
(1) أول إرهاص أو مقدمة قبل ولادة النبى –صلى الله عليه وسلم – أن
عبدالمطلب رأى فى النوم بأن سلسلة من الفضة خرجت من ظهره لها طرف فى السمآء وطرف فى الأرض وطرف فى الشرق وطرف فى الغرب، ثم تحولت هذه السلسلة فجأة إلى شجرة ، ونظر عبدالمطلب فوجد من ضمن أوراق الشجرة ورقة غريبة الشكل لها نور ساطع. وما شعر إلا كأن الدنيا كلها والبشر الذين فى الدنيا مدوا أيديهم إلى هذه الورقة وتعلقوا بها. قام عبدالمطلب معجباً بهذه الرؤيا وقصها على الحنفاء زيد بن عمرو بن نوفل وورقة بن نوفل (معنى حنفاء: لا غيروا ولا بدلوا ولا سجدوا لصنم ، وكانوا معتزلين الجاهلية ومافيها) ، ومحافظين على شريعة السمآء قبل بعثة النبى – صلى الله عليه وسلم.
تفسير الرؤيا:
قالوا: ليخرجن من صلبك رجل يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض (“وقد كان”) حتى لما قالوا الناس لعبدالمطلب لماذا سميته محمداً ؟. قال: عندى رجآء أن يُحمد فى الأرض والسمآء. وفعلاً فى الليل والنهار حمده أهل السمآء والأرض وتبعه أهل الشرق والغرب.
أما الورقة المنورة التى فى الشجرة ، الله سبحانه وتعالى يقول فى سورة المائدة(15):
“قدَجَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌَيهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ”.
(2) مقدمات أو إرهاصات قبل ولادة النبى –صلى الله عليه وسلم:
حملة إبرهة:قبل ما يولد النبى – صلى الله عليه وسلم – بخمسين ليلة بالضبط ، وقبل أن تتشرف به الأرض ، وقبل أن يوضع على يد القابلة (الشفاء أم عبدالرحمن بن عوف) رضى الله عنها جآء إرهاص الفيل مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الفيل:
“أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِأَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍوَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ….”.
الدولة الرومانية المسيحية كانت بسطة نفوذها على كثير من الدول كانت الشام كلها مسيحية فأرادت أن تبسط نفوذها على اليمن فأرسلت إلى النجاشي فى الحبشة أن يرسل لليمن أن يدخلوا فى دين المسيحية.
حاكم اليمن عزت عليه نفسه أن تأتى إليه أوامر تفرض عليه عقيدة خارجة عن إرادته فرد على ملك الحبشة رداً عنيفاً. فأمر هرقل ملك الحبشة أن يخرج بجيش لكى يضم اليمن للحبشة ، فرح النجاشى وأرسل أبرهه قائد الجيش ودخل اليمن بالقوة. وأخيراً استولى أبرهه على اليمن، وبنى كنيسة ضخمة جداً اسمها القُليس.
سخر العمال اليمنيين وأستعان بأعظم الخبراء والمهندسين من الحبشة ، وبالأحجار المزخرفة التى نقلها من أحجار قصر بلقيس (الملكة التى اسلمت على يد سليمان لله رب العالمين).
وأذل اليمنيين إذلالاً:
(1) مرتبات بسيطة جداً.
(2) ولابد قبل طلوع الشمس يحضر العامل اليمنى إلى مكان عمله ، واذا
تخلف واحد منهم تقطع يده ومع قطع اليد يشتغل باليد الأخرى.
ووضع فى الكنيسة صُلباناً من ذهب وفضة وجعل فيها منابر من عاج وأبنوس وجعل ارتفاعها عظيماً واتساعها.
لماذا بنى أبرهة كنيسة القليس ؟؟
طلب أبرهه من النجاشى أن يحضر أفتتاح هذه الكنيسة العظيمة وقال الغرض من بنائها:
(1) أن تُنصر العرب وتدخل اليمن فى دين النصرانية.
(2) تحويل الحجاج إليها وبذلك تحول التجارة إلى اليمن بدل مكة.
ماذا فعل العرب عندما سمعوا بهذا ؟
فعز عليهم ذلك قبل مجئ النجاشى وقبل إفتتاح الكنيسة – صعد رجل عربى عنده حماس وغيرة على الكعبة فوق الكنيسة وقضى حاجته فيها (قذرها). بعض الحراس لمحوه وهو يجرى فى الجبل وعرفوا أنه عربى لما اكتشفوا القذارة. قالوا: هو الذى فعل ذلك.
فأقسم أبرهه أن يهد الكعبة حجر حجر. وأرسل للنجاشى وقال: لابد أن نثبت للعرب الهمج بأننا دولة لها هيبة. فأرسل النجاشى جيش ضخم وكان عندهم الفيل الأعظم. وتحرك الجيش اليمنى من اليمن بالذلة وكذلك جيش أبرهة.
وتحركت الجيوش شمالاً فى الصحرا فى طريقهم إلى مكة.
وصلت الأخبار لأهل مكة وعبدالمطلب كما تعلمون رئيسهم فقال: ننتظر حتى يأتوا فإذا كانت المسألة فى طاقتنا ندافع وإذا كانت أكبر من طاقتنا نتركها لله.
فلما تحروا وجدوا المسألة اكبر من طاقتهم 60 ألف (ثلاث جيوش) وكان عدد العرب ثلاث ألاف.
ولقد أمر عبدالمطلب النساء والأولاد أن يصعدوا أعلى الجبل ووضعهم فى أماكن حصينة وقال لهم: خذوا معكم طعامكم وشرابكم وكان لعبدالمطلب 400 ناقة يرعوا فى الجبل مع الرعاة ، كل راعى معه 10 أو 20 ناقة ، وجآء رجال أبرهة وأخذوا 200 ناقة منهم.
لما جآء أبرهه بجيشه ودخل مكة فلم يجد مقاومة ، سأل أبرهه عن رئيس مكة ، وأرسل فى طلبه ، وكان عبدالمطلب أوسم الناس وأعظمهم وأجملهم. فلما رأه أبرهه أجله وأعظمه ونزل عن سريره فجلس على بساطة وأجلسه معه إلى جانبه قال لترجمانه: ما هى حاجتك ؟ قال عبدالمطلب: أن يرد علىَ الملك 200 ناقة أصابها لى.
قال أبرهه: أتكلمنى فى 200 ناقة أخذتهم وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه؟ قال عبدالمطلب: إنى أنا رب الإبل وإن للبيت رباً سيمنعه.
أخذ عبدالمطلب النوق ووضعهم فى أماكن حصينة فى الجبل ثم ذهب إلى الكعبة ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهه وجنده فقال عبدالمطلب:
اللهم إن العبـد يمنــع … رحلهُ فامنع رحالك
وأنصر على أهل الصليب … اليوم وعابديه آلك
أن يدخلوا البلد الحـرام … فامر ما بدا لــك
بمعـنى:
أى إنسان يدافع ويغير على حريمه وبيته وأولاده وهذا بيتك فدافع عنه ، وأنصر العرب على أهل الصليب (الدولة الرومانية الظالمة ومن معها من الحبشة وأبرهة). وأما إذا رأيت أننا لا نصلح لهذا النصر فافعل ما بدا لك.
ترك عبدالمطلب حلقة باب الكعبة ثم انطلق هو ومن معه من قريش إلى مرتفعات الجبال.
وصل أبرهة إلى مكة ، والفيل الأعظم يسير فى أول الصف ، فلما حرك تجاه الكعبة حُبس (لا يتحرك) ، إذا وجهه ناحية الحبشة يتوجه ، ناحية اليمن ، يتوجه ويسير شرق غرب إلا الجهة الشمالية البحرية (الكعبة) ضُرب بكل وسائل الأذى ، ثم وجههُ إلى ناحية الكعبة برك.
فلما لم يعتبروا بصد الفيل ماذا صنع الله عز وجل ؟؟
مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى فى سورة الفيل الآية (3)،(4):
“وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)“.
قالــوا:
إن هذه الأحجار هى جراثيم الحصبة والجدرى حتى عمت الجيش كله، ولم يبق منهم أحد. الجنود والفرسان والفيل نفسه حتى الذى هرب منهم لم ينجو ضل فى الطريق وما ولم يبق إلا رجل اسمه (أبو رغال):
هو الذى سلمه الله لكى يوصل الرسالة بأن الجيش كله انتهى وهذا الرجل دليل أبرهه للطريق إلى مكة.
وبعد أن بلغ أبو رغال الرسالة ، الطائر يسير فوق رأسه فضربه بحجارة من سجيل (بقنبلة).
وكما قال الله تعالى فى سورة الفيل:
“وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)”.
وأرسل الله تعالى على جنود أبرهه جماعات كانت تشاهد وهى تخرج من البحر يشاهدها رجال مكة المعتصمون بقمم الجبال إذ تمر فوقهم وهى تحمل حجارة من سجيل (حجارة من طين ، طبخت بنار جهنم). كل طائر يحمل ثلاثة أحجار كالحمصة وأكبر من العدسة واحدة بمنقاره واثنتين برجليه فتتفتت لحومهم وتتناثر فجعلهم كعصف مأكول. مثل الزرع دخلته ماشية فأكلت عصفه أى ورقه وكسرت ساقه وهشمته.
ويروى أن الحجر كان يقع على أحدهم فيخرج كل ما فى جوفه ، فيبقى كقشرة القمح إذا خرجت منه الحبة.
ولما رد الله الحبشة عن مكة ، عظمت العرب قريشاً وقالوا: أهل الله ، قاتل عنهم ، وكفاهم مئونة عدوهم. فكان ذلك نعمة من الله عليهم.
وذكروا أن أبرهة رجع إلى بلده وهو يتساقط أُنملة أُنملة ، فلما وصل إلى اليمن انصدع صدره فمات ، لعنه الله.
(3) مقدمات أو إرهاصات قبل مولد النبى-صلى الله عليه وسلم:
وروى الإمام مُعمر عن الزُهرى قال:
“أرسلنى هشام بن عبدالملك إلى الشام ، فلما كنت فى البلقان وجدت حجراً مكتوب عليه بالخط العبرى فطلبت من يقرأه فأرشدنى إلى شيخ فانطلقت به إلى الحجر فقرأه وضحك. فقلت ممن تضحك ؟.
قال: أمر غريب وعجيب أتدرى ما كُتب على الحجر ؟
قلت: لا. قال: مكتوب: الحق باسمك اللهم جآء الحقُ من ربك لسانُ عربى مُبين لا إله إلا الله ومحمداً رسول الله. كتبه موسى بن عمران بخط يديه”.
عليك الصلاة والسلام ياموسى يابن عمران ، حب أن يسجل نبوة محمد عليه الصلاة والسلام – أنظر الحب والإخلاص بين الأنبياء بعضهم ببعض – موسى عليه السلام يدرك تماماً أن اليهود والنصارى سوف ينكروا نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم – فكتب بيده ونقشه على الحجر.
(4) مقدمات قبل ولادته – صلى الله عليه وسلم:
جآء رجل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – بورقة عن أبيه عن جده وذكر أن سلفهُ كانوا يتوارثون هذه الورقة على وجه الدهر كله (طول العمر) وقد جآء فيها:
“اسم الله قوله الحق ، قول الظالمين فى تبار ، وهذا ذكر لإمة تأتى فى آخر الزمان يأتزرون على أوساطهم ، ويغسلون أطرافهم (الوضوء) ويخضون البحر إلى أعدائهم (طارق بن زياد) فيهم صلاة لو كانت فى قوم نوح ما هلكوا بالطوفان أو فى ثمود ما هلكوا بالصيحة”.
فقرأ الورقة على الناس ، وأمر النبى – صلى الله عليه وسلم – بحفظها.
(5) ومن المقدمات أيضاً التى ظهرت قبل مولده-صلى الله عليه وسلم:
ورُوى أن أمير المؤمنين علىَ – كرم الله وجهه نزل بدلخ بجنب دير للنصارى ، فأتاه قيم الدير (القسيس) قال: يا أمير المؤمنين عندى كتاب ورثتُهُ عن أبآئى كتبه أصحابُ عيسى الحواريون ، فإن شئت قرأته عليك. فقال علىُ: هات كتابك أيها القس. فجآء بكتاب فإذا به “الحمدلله الذى قضى ما قضى وسطر ما سطر ، إنه باعث فى الأُميين رسولاً ونبياً عظيماً هو أحمد ، الذى تكون أمته وارثة إلى آخر الدهر”.
فظل علىُ محتفظ بهذه الكلمات حتى رجع إلى المدينة وأخبر النبى – صلى الله عليه وسلم.
ماذا حدث يوم ميلاده ؟
يوم أن ولد – صلى الله عليه وسلم – كان لأبى لهب وهو عم النبى (عبد العزى) بن عبدالمطلب المذكور فى القرآن باللعنة:
“تبت يدا أبى لهب وتب” سورة المسد(1).
جارية أبو لهب تسمى ثويبة جآءت مسرعة إليه وقالت له: اليوم ولد لأبن أخيك عبدالله ولد جميل ، سماه جده عبدالمطلب محمداً. ومن شدة فرح أبو لهب أعتق الجارية وقال لها: اذهبى فأنت حرة. وكان فى هذا العتق عبرة إيجابية وعبرة سلبية.
العبرة الإيجابية: إن فى أول يوم لمولده اعتقت جارية من العبودية. وكان هذا بشرى من الله ، وكأن هذا رمز من الله يبين فيه أن هذا المولود سوف يحرر العبيد فيما بعد.
العبرة السلبية: إن ابا لهب عم النبى – صلى الله عليه وسلم – لم يستطع فيما بعد (بعد ما جآت النبوة) أن يعتق رقبته هو من النار فاستمر على كفره ومات فيه.
وإنه لما أخبرنا الحديث: “كل يوم اثنين يأخذ أجازة من العذاب. لماذا ؟لأنه يوم ميلاد النبى – صلى الله عليه وسلم – ويوم أن أعتق الجارية.
(والحمد لله رب العالمين)