نبى الله شعيب(عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فلقد ذكر شعيب عيه السلام فى القرآن عشر مرات ، فى سور عديدة منها الأعراف،

وهود ، والشعراء ، والعنكبوت.

          شعيب نبى عربى ينتسب إلى مدين أبن مديان ابن إبراهيم ، فهو من ذرية مدين ، وخرج فى قرية تسمى مدين والقبيلة التى تسكنها تسمى مدين وكانت قرب مدينة معان فى الأردن اليوم قرب بحيرة قوم لوط. وو شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين ، أحد أولاد إبراهيم ، وأمه بنت لوط عليه السلام ، وقد كانت بعثته بعد (لوط) لقوله تعالى: (وما قوم لوط منكم ببعيد) سورة هود الآية (89).

          وقبل رسالة موسى لأن الله تعالى لما ذكر نوحاً ثم هوداً ثم صالحاً ثم لوطاً ثم شعيباً قال سبحانه وتعالى: (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه) سورة الأعراف الآية (103).

          ويعرفون أيضاً بـ (أصحاب الأيكة) مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الشعراء الآية (176 : 177):

(كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ(176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ)(177).

          والأيكة هى الغوطة التى يكثر فيها الشجر ، وأراضيهم كانت كثيرة الأشجار ، وافرة الثمار ، وفيها الحدائق والبساتين الغناء.

          وكانوا قوة كفرة فجرة ، يعبدون الأصنام ، ويقطعون الطريق (حرامية مجرمين) ، يأخذون الجمارك ظلماً من الناس ، وكان تجار غشاشين.

          ونجد الأنبياء بالإضافة إلى مهمتهم الدعوية هى إرجاع الناس إلى العقيدة الصحيحة وعبادة الله وكان لهم أيضاً مهام سياسية وإقتصادية وإجتماعية.  وشعيب (عليه السلام) يواجه قضية إقتصادية وهى قضية الغش فى الأسواق بين التجار.

          قوم شعيب يطففون فى المكاييل والموازين ن فكانوا يبخسون الناس أشياءهم ، ويفسدون فى الأرض ولا يصلحون.

          ويقعدون على الطرق يرصدون الناس الذين يأتون إلى شعيب ليصدوهم عن الدين ، ويمنعوهم عن الإيمان برسالته ، كما قال القرآن الكريم على لسان شعيب (عليه السلام).

          قال تعالى فى سورة الأعراف الآية (86):

(وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).

          ينهاهم عليه السلام عن أبشع الإجرام وهو أنهم يجلسون فى مداخل البلاد وعلى فواه السكك ، يتوعدون المارة بالعذاب إن هم اتصلوا بالنبى شعيب ، كما أنه يقطعون الطرق ويسلبون الناس ثيابهم وأمتعتهم أو يدفعون إليهم ضريبة خاصة.

دعوة شعيب لقومه:

          ثم قال لهم شعيب بصيغة الأمر (فاتقوا الله وأطيعون) سوة الشعراء الآية (179). اتقوه بترك ما أنتم فيه من مفاسد ، ومعاصى وأمرهم أيضاً بإصلاح أخلاقهم ، وأطيعون فيما جئتكم به من عند الله عز وجل فإن فيه صلاحكم وفلاحكم ، مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الشعراء الآية (177):

(إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ).

          والتقوى هى الخوف من الله تعالى ، وبدون الخوف من الله عز وجل يذهب كل معنى مقدس من قلب الإنسان ، فيتجرأ على خالقه ، ويموت ضميره ، ويمضى فى سبيل الشر ولا تردعه قوة ، ولا يخيفه سلطان من قانون أو غيره.

          ولذلك فقد جعل الإسلام التقوى أساساً متيناً فى شئون الدين ، وفى شئون الدنيا ، وفى أعمال القلوب وأعمال العقول.  وقد عرف الإمام (على) رضى الله عنه التقوى أحسن تعريف يقول: (التقوى هى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والإستعداد ليوم الرحيل).

          والتقوى هى ميزان التفاضل بين البشر مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الحجرات الآية (13):

          (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

          لقد رفضوا أن يكون لله فى حياتهم نصيب ، أو أن يتدخل الدين فى دنياهم ، أو أن تحكم الأخلاق سلوكهم وتنظم حياتهم ، ومن هذا نتبين أن فصل الدين والأخلاق عن الحياة وعن الدولة وعن إدارة شئون المجتمع دعوة قديمة جهر بها هؤلاء الذين قست قلوبهم ، وآثروا الحياة الدنيا وزينتها على الدار الآخرة ونعيمها.

          كما أنبأنا الله تعالى فى سورة هود الآية (91):

(قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ).

          ثم هددوه وتوعدوه بالإخراج والطرد من القرية ، هو والذين آمنوا معه إلا أن يعودوا فى ملتهم.

          قال أشراف القوم متوعدين مقسمين وهكذا سنة الطغاة الظلمة إذا غلبوا بالحجج والبراهين يفزعون إلى القوة ، فلما أفحمهم شعيب (خطيب الأنبياء عليهم السلام) وقطع الطريق عليهم شهروا السلاح فى وجهه وهو النفى والإخراج من البلاد أو العودة إلى دينهم الباطل.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الأعراف الآية (88):

(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ).

          ورد شعيب على هذا التهديد (أولو كنا كارهين).

          ومتى كان شعيب (عليه السلام) على ملتهم حتى يعود إليها؟

          فالأنبياء لا يجوز عليهم الكفر أبداً ، هل تجبروننا على ذلك (الكفر) وتسلبوننا حرية الإرادة والإختيار بينما لم نجبركم على الإيمان.

هلاك قوم مدين:

          ولقد كان من شدة حماقتهم أن يطلبوا إلى (شعيب) أن يسقط عليهم كسفاً (قطعاً) من السمآء ، إن كان من الصادقين فى دعوته ، فأخذهم عذاب (يوم الظلة) ما معنى يوم الظلة؟

          بأن سلط الله عليهم الحر سبع أيام غلت مياههم ففروا من الحر الشديد (من قضاء الله وقدره إلى قضاء الله وقدره (السحابة) ، ثم ساق إليهم غمامة فاجتمعوا تحتها للإستظلال فراراً من شدة الحر ، فلما تكامل عددهم فى ظلها تزلزلت بهم الأرض ، وجآءتهم الصيحة وأمطرت عليهم السمآء ناراً فاحترقوا وصدق الله حيث يقول فى سورة الشعراء الآية (189):

(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

وفاة شعيب عليه السلام:

          وقد عاش شعيب بعد هلاك قومه مدة من الزمن إلى أن توفاه الله تعالى ، وذلك فى الفترة الواقعة بين وفاة يوسف ونشأة موسى عليه الصلاة والسلام.  كما قال الشيخ محمد على الصابونى فى كتابه النبوة والأنبياء.

          ولقد ترك شعيب عليه السلام من بعده زاداً طيباً للدعاة والمصلحين والمحاورين ، ينتفعون به فى الدعوة إلى الله.

 

(  والحمدلله رب العالمين )

 

اترك تعليقاً