هل المحافظة على شعور الزوجة حق من حقوقها (4)

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          فلقد تكلمنا فى الدروس السابقة عن بعض حقوق الزوجة على زوجها ومنها:  المهر – الإنفاق عليها – العدل – الإرشاد والتعليم – مشاورتها وأخذ رأيها ، وإعفافها ، ونتكلم بإذن الله فى الحق السابع للزوجة على زوجها وهو المحافظة على شعورها.

(1)على الزوج أن يصون لسانه عن رميها بالعيوب التى تكره أن تعاب بها سواء أكانت خلقية لا تملك من أمر تغييرها شيئاً قُصر ودمامة أم كانت خُلقية – عدم إتقان العمل – ثرثرة – كسلانه.

(2)عدم إظهار النفور والإشمئزاز منها خصوصاً إذا وجد فيها صفات هى من صنع الله وحده مثل عقمها أو مرضها – وهذا مظهر للمحافظة على شعورها ، وكيف تبيح لنفسك النفور منها وهى الحريصة على إرضائك والفوز بحبك وتقديريها لك .

          ذكر الإمام الغزالى فى كتابه (الإحياء) جزء 3 – ص 89:

          أن بعض المريدين تزوج امرأة ذات جمال ، فلما قرب زفافها أصابها الجدرى ، وأشتد حزن أهلها لذلك ، خوفاً من أن يستقبحها زوجها ، فأراهم أنه قد أصابه رمد ، ثم أراهم أن بصره قد ذهب حتى زفت إليه – فزال عنهم الهم – وبقيت عنده عشرين سنة ثم توفيت ففتح عينيه – فقيل له فى هذا – فقال:  تعمدت لأجل أهلها حتى لا يحزنوا ، وهذا من نوادر المجاهدين لأنفسهم.

(3)من مظاهر المحافظة على شعور الزوجة عدم ذكر محاسن غيرها من النسآء أمامها بقصد إغاظتها فليس أقتل للمرأة من جرح شعورها – وخصوصاً إذا كان الخصم هو الضرة التى تنازعها قلب زوجها وماله وجسده.

          المفروض أن الزوج لا يقع فى هذا ، اللهم إلا إذا كان وسيلة لتأديبها أو الحد من كبريائها.

مثال (1): 

ثبت عن عائشة – رضى الله عنها – قالت:  ما غرت على أحد من نسآء النبى – صلى الله عليه وسلم – ما غرت على خديجة وما رأيتها قط – ولكن كان يكثر ذكرها – وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ، ثم يبعثها فى صدائق خديجة – فقلت له:  كأن لم يكن فى الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول:  (إنها كانت وكانت ….وكان لى منها ولد)  رواه البخارى ومسلم.

(4)من مظاهر المحافظة على شعورها حفظ سرها ، وخصوصاً ما كان متعلقاً بالناحية الجنسية ، فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – تحدث عن ذلك بقوله:  (إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها).  رواه مسلم عن أبى سعيد الخدرى.

          ويقول النووى فى تعليقه على هذا الحديث:

          فيه تحريم إفشاء الرجل ما يجرى بينه وبين امرأته من أمور الإستمتاع – ووصف ما يجرى من المرأة فيه من قول أو فعل.

الدليل على ستر الأمور الجنسية:

          حديث اسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النسآء- فقد ورد أنها كانت عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والرجال والنسآء قعود عنده فقال:  (لعل رجلاً يقول ما فعله بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها) فسكت القوم – فقالت أسماء:  أى والله يارسول الله.  إنهم ليفعلون ، وإنهن ليفعلن قال:  (فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقى شيطانة فغشيها والناس ينظرون). رواه أحمد.

(5)ومن المحافظة على شعورها أن يلقى الزوج السلام عليها عند دخول البيت ليؤنسها – أو ليطمئنها على أن ما تعرض له من مضايقات خارج المنزل لا يؤثر على حبه لها أو إحترامه لشعورها.

الدليل من السنة:

          عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – عن النبى – صلى الله عليه وسلم قال:  (يابُنى ، إذا دخلت على أهلك فسلم يكن سلامك بركة عليك وعلى أهل بيتك). رواه الترمذى

(6)وكذلك من المحافظة على شعورها سُلوكه الحسن ، سواء فى النواحى المادية أو المعنوية – فإن الزوجة تحس بإرتياح وإعتزاز عندما ترى زوجها على ما تحبه له – وتتألم عندما لا يكون كذلك.

          قال ابن عباس:  أحب أن أتزين لزوجتى ، كما أحب أن تتزين لى

          قال عمر بن الخطاب: تصنعوا لنسائكم ، فإنهن يحببن منكم ما تحبون منهن.

          كان الإمام محمد المتوفى سنة 189 هجرية:

          يلبس الثياب النفيسة ويقول:  (إن لى نسآء وجوارى ، فأُزين نفسى كيلا ينظرن إلى غيرى).

(8)من حقوق الزوجة على زوجها تحمل أذاها ، وهذا الخلق أعظم مظهر لحسن عشرتها بالمعروف والأذى الذى أشار إليه الشرع هو ما لا يمس الدين أو يخدش الكرامة فهما أعز ما يحرص عليه الرجل فى هذه الحياة.   وإذا كان الإسلام ينهى عن جرح شعورها فإنه ينهى عن ضربها بالأولى.

مثال (1):  

لقد كان نسآء النبى – صلى الله عليه وسلم – يتحزبن ضد رغبته فى حبه لعائشة أو مكثه عند زينب بنت جحش قليلاً ليشرب العسل – واجتمعن على شكل مؤتمر قررن فيه محاولة صرفه – صلى الله عليه وسلم – عن حبه الشديد لعائشة وحملن قرارهن فاطمة بنته لعله ينزل على مقتضاه وبعد عدة سفارات بين فاطمة وأبيها عليه السلام – قال النبى – صلى  الله عليه وسلم –( ينهاهُن عن إيذائه فى حب عائشة)

مثال (2):  

وكانت السيدة عائشة – رضى الله عنها – إذا غضبت منه هجرت اسمه – حتى إذا حلفت قالت: ورب إبراهيم ، بدل أن تقول:  ورب محمد.  وقد تنبه النبى – صلى الله عليه وسلم – لهذا – ولما أخبرها أقرته.    (رواه البخارى ومسلم).

مثال (3)

إن أبابكر وعمر – رضى الله عنهما – دخلا على النبى – صلى الله عليه وسلم – وحوله نسآؤه وهو واجم ساكت – فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (هن حولى كما ترى يسألننى النفقة)  فقام أبوبكر إلى عائشة يجأ عنقها – وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول: (تسألن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما ليس عنده؟  فقلن: (والله لا نسأل رسول الله شيئاً ليس عنده) ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين.  ثم نزلت هذه الآية فى سورة الأحزاب الآية (28):

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا).

بمعــــنى:    قل لزوجاتك اللاتى تأذيت منهن بسبب سؤالهن إياك الزيادة فى النفقة إن رغبتُن فى سعة الدنيا ونعيمها – فتعالين حتى أدفع لكن متعة الطلاق ، وأطلقكُن طلاقاً من غير ضرار.

          وفى رواية لمسلم:

          أن عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – قال:  فبينما أنا فى أمر ءأتمره إذ قالت لى امرأتى:  لو صنعت كذا وكذا !!  فقلت لها:  ومالك أنت وما تكلفك فى أمر أريده؟  فقالت لى: عجباً لك يابن الخطاب.  ما تريد أن تراجع أنت وإن ابنتك – حفصة – لتراجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى يظل يومه غضبان.

          قال عمر: فلبست ردائى ثم أخرج مكانى حتى أدخل على حفصة – فقلت يابنيه إنك تراجعين رسول الله حتى يظل يومه غضبان؟  فقالت:  (والله إنا لنراجعه) ، فقلت: (1)تعلمين أنى أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله – (2) يابنية لا تغرنك هذه التى قد أعجبها حسنها وحب رسول الله إياه (عائشة) ، وقال: (3) والله لقد علمت أن رسول الله لا يحبك ولولا أنا لطلقك.

مثال (4):   

وقد ذهب رجل إلى عمر يشكو خلق امرأته ، فوقف ببابه ينتظر خروجه فسمع امرأته تستطيل عليه بلسانها وهو ساكت، فانصرف الرجل قائلاً:  إن كان هذا أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالى؟  فخرج عمر فرآه مولياً ، فناداه وقال:  (يا هذا ما حاجتك؟؟  فقص عليه الرجل ما كان.  فقال له عمر ناصحاً:  يا هذا إنى أحتملها لحقوق لها علىٌ، (1) إنها طباخة لطعامى ، (2) خبازة لخبزى ، (3) مرضعة لولدى ، (4) ويسكن بها قلبى عن الحرام.  فقال الرجل:  وكذلك زوجتى يا أمير المؤمنين ، فقال عمر:  إذاً فاحتملها فإنها مدة يسيرة (يريد مدة الحياة).

مثال (5):  

ونقل ابن العربى أن رجلاً من الصالحين اسمه أبومحمد بن أبى زيد كانت له زوجة سيئة العشرة ، (1) تقصر فى حقوقه ، (2) وتؤذيه بلسانها ، فيقال له فى أمرها ، فكان يقول:  أنا رجل قد أكمل الله علىٌ النعمة فى صحة بدنى ومعرفتى وما ملكت يمينى ، فلعلها بعثت عقوبة على ذنبى ، فأخاف إن فارقتها أن تنزل بى عقوبة هى أشد منها.

نصيحة:

          وأرى من الخير إذا رأى الزوج من زوجته ما يغضبه (1) أن يسارع إلى إغلاق باب المناقشة معها – حتى لا تتأزم الأمور ويساعد على ذلك هجر المكان إلى مكان آخر إلى حين (لبعض الوقت) – كما فعل النبى – صلى الله عليه وسلم – وأعتزل نسآئه فى المشربية لمدة شهر.

(2)وأخرج الشيخان خبر مغاضبة فاطمة لعلى وخروجه للقيلولة فى المسجد وإستعطاف النبى – صلى الله عليه وسلم – له (وتكنيته أبا تراب)    البخارى.

          وإذا كان الإسلام:

          يأمر الزوج بتحمل أذى زوجته فإنه ينهاه بالتالى عن ضربها لأسباب تافهة أو لأخطاء يمكن إصلاحها بغير وسيلة الضرب.

(1)والضرب ينفر الزوجة من الزوج ، وإذا عُرف به الرجل لا ترضى به النسآء زوجاً ، فعندما استشارت فاطمة بنت قيس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى خطبة معاوية وأبى جهم لها – قال عن أبى جهم:  (وأما أبو جهم فرجل ضراب للنسآء) رواه أبو داود.

          وتظهر الحكمة فى عدم ضربهن – من قوله – صلى الله عليه وسلم:  (يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد البعير ، فلعله يضاجعها من آخر يومه).      رواه البخارى عن عبدالله بن زمعة.

          ذلك أن الضرب ينفر القلوب ويباعد بين انسجام الزوج مع زوجته – وهو غير مستغن عنها وعن التمتع بها.

          فليبق لنفسه مكاناً يحتل به قلب زوجته ، فلا يسرف فى ضربها ، أو يتعسف فى مؤاخذتها.

(9)ومن حقوق الزوجة على زوجها الغيرة عليها مراقبة سلوكها ، وهذا واجب على الرجل تجاه زوجته ، وقد حذر الإسلام من التهاون فى هذا الواجب.  ففى الحديث الشريف الذى رواه أحمد عن عبدالله بن عمر – والنسائى – والبزار والحاكم:

          (ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة ، مدمن الخمر والعاق والديوث الذى يقر فى أهله الخبث).

معنى الديوث:  الذى لا يبالى من دخل على أهله.

          ومثل هذا الرجل موجود فى العصر الحديث بكثرة فى الأوساط التى يقال عنها راقية فإن من مظاهر رقيهم عدم الغيرة على الزوجة ، فلها أن تراقص غيره أمامه وبإذنه ، ولها ما هو أكثر من ذلك.

          وقد ذكر عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أنه قال:

          (كنا نسمع أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة ولا يعرفه فيقول له:  “مالك إلى ، وما بينى وبينك معرفة؟” ، فيقول له:  كنت ترانى على الخطأ وعلى المنكر ولا تنهانى).  فى الترغيب والترهيب.

          وإذا كان هذا فى الإجنبى فكيف بمن يكون الرجل قواماً عليها وراعياً لها؟.

مثال (1):   

وقد رأينا أن النبى – صلى الله عليه وسلم – مع حبه لنسآئه وحبهن له كان شديد الرقابة عليهن ، (1) فيصلح من خطئهن ، (2) ويؤدب على التقصير مهما كانت منزلة الواحدة منهن عنده.

          فقد اقتص من عائشة عندما كسرت صحفة إحدى ضراتها ، وكان بها طعام

مثال (2):   

وعندما اعتل بعير – صفية رضى الله عنها – وهى فى سفر مع النبى – صلى الله عليه وسلم – وفى إبل زينب بنت جحش فضل – طلب منها بعيراً لها فقالت:  أنا أعطى اليهودية؟  فتركها النبى – صلى الله عليه وسلم – ذا الحجة والمحرم وبعض صفر، ولا يأتيها حتى يئست منه ، كما قالت زينب.

          وعلى الرجل أن يراقب زوجته فى حقوق الله تعالى – فلا يقرها على ترك الصلاة والعبادات الأخرى – ولا يلتفت إلى تعللها بكثرة الأعمال المنزلية ، ومطالب التربية للأولاد فهى إن فرطت فى حق الله فستفرط فى باقى الحقوق من باب أولى ، فإن أقرها على هذا التهاون كان شريكاً لها فى الذنب.

          ومما يؤسف له أن كثيراً من الأزواج

          يفرطون فى أداء العبادات ، فكيف يطالبون بها الزوجات والأولاد؟

راقبها فى أخلاقها وشرفها:

          فذلك أعز ما يحرص عليه الرجل الكريم – والغيرة فى هذا المجال هى العرض والشرف وكذلك الخُلق يستحق الغيرة – والمرأة فى هذا المجال يجب عليها ألا تدع فرصة للزوج ليؤاخذها على سلوك غير مستقيم.

مثال للغيرة:  

إن الغيرة على العرض من شيم الكرام من الرجال من قديم الزمان ، عن أبى هريرة – رضى الله عنه قال:  (فقد ذكر النبى – صلى الله عليه وسلم – أن داود عليه السلام كانت فيه غيرة شديدة ، فكان إذا خرج أغلق الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع ، قال النبى – صلى الله عليه وسلم :(1) فخرج ذات يوم وغلقت الدار، (2) فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار ، (3) فإذا رجل قائم فى وسط الدار ، فقالت لمن فى البيت: (من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة ، والله لنفتضحن؟.

          فجآء داود فإذا بالرجل قائم وسط الدار ، فقال له داود:  (من أنت؟)  قال: أنا الذى لا أهاب الملوك ، ولا أُمنع من الحُجاب ، قال داود:  (أنت إذا والله ملك الموت ، مرحباً بأمر الله). (ثم مكث مكانه حتى قُبضت روحه).  رواه أحمد فى سنده بإسناد جيد عن أبى هريرة.

          وقد مثل الصحابة والتابعون والسلف الصالح أدوار طيبة فى الغيرة على النسآء.

مثال (1):  

سيدنا عمر بن الخطاب كان يُغار على نسآء النبى – صلى الله عليه وسلم – وقد نزل لذلك الحجاب ..

قال أبو رافع:  

كان عمر – رضى الله عنه – كثيراً ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب فى الصبح.  وكان إذا بلغ:

(يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا).

رفع بها صوته.  فقيل له فى ذلك؟  فقال:  (أذكرهن العهد) تفسير القرطبى.

وفى هذا المثل ضربة قاضية:

          لأولئك الذين وضعتهم مراكزهم موضع الإحترام من الناس ، ومع ذلك ماتت فيهم الغيرة – وخفت صوت الضمير ، فسمحوا لنسآئهم بمجالسة الأصدقاء وغير الأصدقاء ، وشرب الخمور والنزول إلى حلبة الرقص ، مستريحين لهذه الأوضاع الى تقضى بها المدنية الحديثة وتنادى بها المناصب العالية: (ألا قاتل الله كل ديوث).

مثال (2):   

وقد عرف النبى – صلى الله عليه وسلم – فى عمر هذه الغيرة ، ووقف منها موقف الإحترام حتى فى عالم الأحلام – فقد روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم قال:  (بينما أنا نائم رأيتنى فى الجنة ، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ، قلتُ:  لمن هذا القصر؟  قالوا: لعمر ، فذكرت غيرتك ، فوليت مدبراً).  فبكى عمر وقال:  أعليك أُغار يارسول الله؟  رواه مسلم ج 15 ص 163.

مثال (3):  

وضرب معاذ بن جبل امرأته لأنها نظرت إلى الطريق من كُوة فى بيتها ، ولأنها أعطت غلامها (خادمها – مملوكها) تفاحة أكلت منها.       كتاب الأحياء للغزالى جزء2 ص 43.

مثال (4):  

ويعجبى فى هذا المقام الموقف الرائع الذى مثله رجل قاضته زوجته إلى القاضى:  موسى بن إسحاق 286 هـ – مدعية عليه خمسمائة درهم مهراً ، فأنكر وأحضر شهوداً – فأمر القاضى باستدعائها لينظر إليها الشهود لمعرفتها.  فغضب الزوج وصاح: أشهد القاضى أن لها هذا المهر الذى تدعيه ولا تسفر عن وجهها ، فأخبرت المرأة بذلك ، فقالت:  إنى أشهد الله والقاضى أنى وهبت له هذا المهر ، وأبرأته منه فى الدنيا والآخرة.  فقال القاضى:  (يكتب هذا فى مكارم الأخلاق).

          وبلغ من غيرة السابقين على نسآئهم أنها امتدت إلى ما بعد الموت ، فإنه يقال عن (الحسن بن على) أنه كان يغار على امرأته فاطمة أن يتزوجها بعد موته عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فعند احتضار الحسن قال لبعض أهله:  (كأنى بعبدالله إذا سمع بموتى قد جآء يتهادى فى إزار له مورد يقول:  جئت أشهد ابن عمى – وليس يريد إلا النظر إلى فاطمة ، فإذا جآء فلا تدخلوه).  قال:  فوالله ما هو إلا أن أغمضوا الحسن فجآء عبدالله على تلك الصفة التى وصفها الحسن – فمنع ساعة – فقال بعض القوم:  لا يدخل – وقال بعضهم لا يرد.  فدخل – فلما سرنا إلى القبر بكت فاطمة وصكت وجهها ، فدعا عبدالله غلاماً له ، وأمره أن يذهب إليها فيقول:  إن ابن عمك يُقرئك السلام ويقول:  (كفى عن وجهك فإن لنا به حاجة ، فسكتت)  ثم تزوجها بعد.

وهناك غيرة يبغضها الله ورسوله:

          فإنه يجب أن لا نفرط فى الغيرة ، بل ينبغى أن تكون معتدلاً – مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (إن من المغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهى غيرة الرجل على أهله من غير ريبة)       رواه أبو داود والنسائى من حديث جابر بن عتيك (الإحياء) جزء 12ص42.

مثال (1):   

إن شدة الغيرة تجلب على المرأة سُبة الإتهام بالسوء ، فإن الناس سيقولون إن عاجلاً وإن آجلاً ، طوعاً أو كرهاً:  ما الذى دعى زوجها إلى سلوك هذا المسلك معها إلا علمه بأنها مريبة طبعة الإنزلاق إلى المهاوى – فيكون الرجل هو السبب فى إتهام الناس لزوجته بما يحرص بسلوكه معها – ويقول على كرم الله وجهه:  (لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك).

          إن من شدة الغيرة تجعل الرجل سيئ الظن بزوجته ، متشككاً فى تصرفاتها ولو كانت بريئة – وسوء الظن منهن عنه بقوله سبحانه فى سورة الحجرات الآية (12):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).

          والحديث يقول:  (إياكم والظن ، فإن الظن أكذبُ الحديث ، ولا تجسسوا ولا تحسسوا …)   رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة.

مثال (1): 

وقد نهى النبى – صلى الله عليه وسلم – عن التجسس فى أوقات حرجة.  كما نهى النبى – صلى الله عليه وسلم – عن دخول البيت ليلاً إذا قدم من سفر. 

فقد روى مسلم (جزء 13 صـ 42): (عن جابر أن النبى – صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً لئلا يخونهم أو يطلب عثراتهم).

          وروى أحمد بسند جيد عن ابن عمر – رضى الله عنهما – أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال:  قبل دخول المدينة – وقد كانوا فى سفر: (لا تطرقوا أهلكم ليلاً) فخالفه رجلان – فسعيا إلى منازلهما – فرأى كل فى بيته ما يكره.

          وقال النبى – صلى الله عليه وسلم:

          (إذا قدم احدكم ليلاً فلا يأتين أهله طوقاً ، حتى تستحد المغيبة تمتشط الشعثة)   رواه البخارى ومسلم عن جابر.

المغيبة:  هى التى غاب عنها زوجها.

الإستحداد:  حلق العانة بالحديدة أى الموس

وأخيراً:  

ومما يساعد الرجل على الإعتدال فى الغيرة أمور منها:

(1)            ألا يختار زوجته بارعة الجمال.

(2)            وأن تكون ذات خلق ودين.

(3)            عدم إختلاطها بالرجال بدون ضرورة.

مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم – لفاطمة:  (أى شئ خير للمرأة؟)  فقالت:  ألا ترى رجلاً ولايراها رجل.  فضمها إليه وقال:  (ذرية بعضُها من بعض).

 

(  والحمدلله رب العالمين )

 

اترك تعليقاً