هل من حق الزوجة على زوجها المحافظة على مالها؟ (5)

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،،،

          فلقد تكلمنا عن حقوق الزوجة على زوجها وذكرنا منها تسع حقوق (1) المهر ، (2) الإنفاق عليها ، (3) العدل ، (4) الإرشاد والتعليم ، (5) ومشاورتها ، (6) إعفافها ، (7) المحافظة على شعورها ، (8) الغيرة عليها ومراقبة سلوكها ، (9) تحمل أذاها – وإن شاء الله نتحدث عن الحق العاشر للزوجة على زوجها وهو:  المحافظة على مالها.

لقد كانت المرأة فى الجاهلية ليست أهلاً للتملك ولا للميراث ، بل كانت هى نفسها تُورث ، طمعاً فيما قد يكون زوجها خلفه من مال ، أو طمعاً فى إفتداء نفسها من وليها بما يطلب من مال.

زمان كان الرجل يرث زوجة قريبه إن توفى عنها – وذلك بإلقاء ثوب عليها أوعلى خبائها ، فيصير أحقُ بها ، إن شآء تزوجها بغير مهر – لماذا؟  لأن مورثه أصدقها (أعطاها مهراً من قبل).

وإن شاء زوجها من غيره وأخذ المهر كله ، أو عضلها لتفتدى بما ورثته ، أو تموت هى حتى يرثها.

وذلك كله إذا لم تسرع هى باللحاق بأهلها قبل إلقاء الثوب عليها.

مثال (1): 

توفى أبو قيس بن الأسلت الأنصارى – وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية ، فقام ابن له من غيرها اسمه حصن – وقيل قيس فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ، ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها ، يضارها بذلك لتفتدى بما ورثت عن أبيه – فأتت كبيشة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقصت عليه هذا الخبر ، فنزلت الآية المذكورة فى سورة النسآء الآية (19):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ).

          كُرهاً:  بدون رضاهن

(1)ولا يحل لكم أن تمنعوهن من الزواج أو تُضيقوا عليهن لتذهبوا ببعض ما دفعتموه لهن من الصداق – إلا فى حالة إيتانهن بفاحشة الزنى – (2) فهذا حكم آخر وهو أنه يحرم على الزوج إذا كره زوجته أن يضايقها ويضارها حتى تفتدى منه ببعض مهرها – إذ من معانى العضل المضايقة والمضارة.

          وقد أُوجب الإسلام على الزوج أن يحافظ على مال زوجته ، وحرم عليه أن تمتد إليه يده مهما كان مصدر تملكها له – لماذا؟

أولاً:  تقرير مبدأ الحرية لها فى التملك والتصرف،  (2) ووقف الأطماع والحيل الأثيمة التى كان الزوج يعملها ليستولى على ثروتها ، كما كان يفعله في الجاهلية.

          وكان من مظاهر هذه الحيل (العضل) وهو إمساك المرأة على هون لتفتدى نفسها منه – فإن أبت طلقها رجعياً ، حتى إذا أوشكت عدتها على الإنتهاء راجعها ثم طلقها وهكذا وقد نهى الله عنه بقوله فى سورة البقرة الآية (231):

(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).

بمعنى

          وإذا بلغن أجلهن:   انتهت عدتهن

فلا تعضلوهن:  لا تمنعوهن من التزوج مرة أخرى بالعودة إلى الرجل الذى طلقها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها.

          أو رسرحوهن:  تركها بلا مراجعة لها حتى تنقضى عدتها وتبين من زوجها.

          ضراراً:  مضارة لها وإضراراً بها.

          لتعتدوا:  لتتجاوز حد الإحسان إلى الإساءة.

          يأمر الله تعالى عباده المؤمنين إذا طلق أحدهم امرأته وقاربت نهاية عدتها أن يراجعها فيمسكها بمعروف (هو حسن عشرتها أو يتركها حتى تنقضى عدتها ويسرحها بمعروف فيعطيها كامل حقوقها ولا يذكرها إلا بالخير ويتركها تذهب حيث شآءت).  وحرم على أحدهم أن يراجع امرأته من أجل أن يضر بها فلا هو يحسن إليها ولا هو يطلقها فتستريح منه – أن من يفعل هذا الإضرار فقد عرض نفسه للعذاب الأخروى.

ثانياًالغرض من تحريم  مال الزوجة على الزوج:

          رفع قيمة هذا الزوج وتكيل رجولته وتحقيق قوامته عليها – فإن الله قد جعله سيداً والإنسان عبد عند الإحسان ، إن امتدت يده إلى مالها منت عليه ، وحاوت أن تعوض ما أخذه منها فى تدلل – ومعارضة آرائه.

          فإن بعض الصحابة كان فى حالة فقر شديد يستحق معها أن يأخذ من الزكاة ، وكانت زوجته ذات ثراء وجبت فيه الزكاة ، والرجل مع ذلك عفت النفس لم يحتل أبداً ، ولم يطمع يوماً أن يلوث يده ونفسه بشئ من مال زوجته.

          وقد عرضت عليه زوجته أن يذهب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليسأله عن حكم صدقة الزوجة على زوجها ، فأبى كل الإباء أن يسعى فى طريق فيه نفع له خوفاً على كرامته العربية التى زادها الإسلام قوة وقال لها:  إذهبى أنت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم وأسأليه.

          هذا الرجل هو عبدالله بن مسعود مع زوجته زينب.

          روى البخارى ومسلم عن زينب الثقفية امرأة عبدالله بن مسعود – رضى الله عنها قالت:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (تصدقن يا معشر النسآء ولو من حليكن) قالت: فرجعت إلى عبدالله بن مسعود فقلت له:  إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد أمرنا الصدقة ، فأته فأسأله ، فإن كان ذلك يجزئ عنى وإلا صرفتها إلى غيركم.

          فقال عبدالله:  بل ائتيه أنت – فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حاجتى حاجتها – فخرج علينا بلال ، فقلنا له:  أئت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك:  أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام فى حجورهما؟  فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          (ولهما أجران ، أجر القرابة وأجر الصدقة).      رياض الصالحين ص 156.

          وهذه التربية الإسلامية

          وضع أساسها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة وبعدها.

          قبل البعثة:  عندما كان تاجر فى مال خديجة – ولكن تلك التجارة لم تكن استغلالاً فيه منه – بل كان على وجه القراض أو المضاربة ، وهى العمل فى مال الغير على نسبة معينة من الربح ، وفيه تظهر الذكاء والأمانة ، وكان الرسول خير مثال فى ذلك.

الحق الحادى عشر من حقوق الزوجة على زوجها الوفاء لها:

          من أهم المواثيق الدنيوية الميثاق بين الزوج وزوجته ، كما يقول الله تعالى فى سورة النسآء الآية (21):                   (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).     

بمعــنى:  أخذن منكم عهداً وثيقاً مؤكداً هو عقد النكاح.

          الميثاق الغليظ:  هو كتب الكتاب – (عقد النكاح)  وفى الحديث:

          (اتقوا الله فى النسآء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)  أخرجه مسلم.

          وهذا الميثاق يقتضى أن يخلص الزوج لزوجته فى معاشرتها بالمعروف كما أمر الله ، وهو ما أعنيه هنا بالوفاء..

          ما معنى الوفاء – وفاء الزوج لزوجته؟؟   من داخل الإنسان

          الوفاء فهو مظهر لحركة باطنية وهى حركة القلب بالتقدير والإحترام والمكافأة على جميل حياة سعيدة قضاها مع زوجته الوفية التى كانت له ‘ سكناً وعوناً ، وعلامته أن يستمر حتى بعد وفاتها.

          وقد ضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى هذه الناحية مثلاً أعلى ، وهذا الخلق (الوفاء) له عدة مظاهر منها:

أولاً دفع ما يوجه إليها من نقد يراه الزوج غير مبرر للسكوت عليه:

          ومن أمثلة ذلك فى حياة النبى – صلى الله عليه وسلم:

(1)     دفاعه عن صفية عندما عابتها عائشة بأنها قصيرة وغضبه على زينب حتى هجرها مدة يئست منه بعدها لأنها عابت صفية أيضاً.

          وكذلك عندما رأت عائشة صفية فى أول زواجها سألها (ماذا رأيت ياعائشة؟) قالت: رأيت يهودية.  فقال:  (لا تقولى ذلك فإنها أسلمت وحسن إسلامها) (رواه عطاء بن يسار)

مثال (2): 

وقد أخرج الترمذى عن صفية قالت:  دخل على النبى – صلى الله عليه وسلم – وأنا أبكى ، وقد بلغنى أن عائشة وحفصة قالتا:  نحن أكرم على رسول الله منها ، نحن أزواجه وبنات عمه – فقال:  (ألا قلت:  وكيف تكونان خيراً منى وأبى هارون وعمى موسى ، وزوجى محمد).

مثال (3): 

وكذلك أخرج ابن سعد فى الطبقات ، عن زيد بن أسلم قال:  (اجتمع نسآء النبى – صلى الله عليه وسلم – عنده فى مرضه الذى توفى فيه ، فقالت صفية:  إنى والله يانبى الله لوددت أن الذى بك بى ، فغمز بها أزواجه.  فبصر بهن فقال:  (مضمضن؟) قلن:  من أى شئ؟  قال:  (من تغامزكن بها ، والله إنها لصادقة).

مثال (4):  

وقد تقدم نهيه – صلى الله عليه وسلم – نسآءه عن إيذائه فى حب عائشة بقوله:  (لا تُؤذُونى فى عائشة ، فإنه والله ما نزل على الوحى وأنا فى لحاف امرأة منكن غيرها).    رواه البخارى

(2)     ومن مظاهر الوفاء عدم تطليقها بغير سبب معقول:  ككبر سنها أو مرضها أو فقرها – أو تغير مركزه الإجتماعى فليس من الوفاء أن تقطف زهرتها يانعة نضرة ثم تتركها هشيماً تذره الرياح ..  لأن البعض يقول:  إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – هم بطلاق سودة بنت زمعة لكبر سنها.

          فإن الرواية الصحيحة:  أنه لم يطلقها ولم يهم بطلاقها ، بل إنها هى التى خشيت أن يطلقها ، فعرضت عليه التنازل عن ليلتها لتعيش سعيدة وتموت سعيدة بالإنتساب إلى النبى – صلى الله عليه وسلم.

(3)     ومن الوفاء امتداد الحب أو التقدير للزوجة إلى ما بعد موتها

مثال (1): 

كما حزن النبى – صلى الله عليه وسلم – على خديجة وسمى عام وفاتها بعام الحزن – فكان يكرم صديقاتها.

          فقد ورد أن النبى – صلى الله عليه وسلم – أكرم عجوزاً – دخلت عليه فقيل له فى ذلك؟  فقال:  (إنها كانت تأتينا أيام خديجة ، وإن كرم العهد من الدين).

مثال (2): 

وورد فى الصحيح عن عائشة:  كان – صلى الله عليه وسلم – إذا ذبح الشاة يقول:  (أرسلوا إلى أصدقاء خديجة).

(ب) إكرام صلة رحمها وإكرام أقاربها.

مثال (1):  

عن عائشة:  قدم ابن لخديجة يقال له:  هالة ، والنبى صلى الله عليه وسلم قائل – مستريح وقت القيلولة ما بين الظهر والعصر – فسمعه فقال: (هالة هالة).

          والحقيقة أن الشخص إذا أحب إنساناً أحب كل شئ يتصل به ، فهو يهش لذكر اسمه أو رؤية شبهه أو صديقة – أو أى شئ له أدنى علاقة بحبيبه).

(ج) ومن الوفاء للزوجة الثناء عليها والدعاء والإستغفار لها:

مثال (1): 

فقد كان – صلى الله عليه وسلم – يكثر من ذكر خديجة حتى غارت عائشة كما غارت حين كان يُسر لرؤية هالة.

(د) من مظاهر الوفاء للزوجة الثناء عليها والدعاء والإستغفار لها:

مثال (1): 

كما روى عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه بعد فتح مكة كان يذهب إلى قبر خديجة ، بالخجون ليلاً ، ويمكث هناك طويلاً.

          (نسآء النبى لبنت الشاطئ).

هناك بعض الأشياء تعتبر زعم باطل لا أساس لها فى الدين:

(1)إن من الوفاء للزوجة إلا يتزوج الرجل بعدها – وهذا شل لحركة الإنتاج ، ويبطله عمل الرسول – صلى الله عليه وسلم والصحابة.

(2)وزعم آخرون أن على الرجل أن يمكث مدة تساوى عدة الوفاة الواجبة على الزوجة وهى أربع أشهر وعشرا (لا يصح له ، بل يحرم عليه وهذا زعم باطل لا أساس له فى الدين).

مثال (1)

(1)فقد عقد النبى – صلى الله عليه وسلم – على سودة وعائشة فى شهر شوال بعد وفاة السيدة خديجة فى 10 رمضان.

(2)تزوج على بن أبى طالب بعد وفاة فاطمة بسبع ليال.

(3)تزوج أحمد بن حنبل فى اليوم الثانى من وفاة أم ولده عبدالله ، وقال:  (أكره أن أبيت عزباً)   فى كتاب أعلام النسآء.

(4)وسعيد بن المسيب زوج تلميذه عبدالله بن أبى أوفى ابنته وذلك ثانى يوم توفيت فيه زوجته.

الحق الثانى عشر من حقوق الزوجة على زوجها:  الإحسان فى تطليقها

          كان من الوفاء عند افتراقها من صاحبها أن يكون ذلك فى جو إنسانى مؤدب ، وهو ما يشير إليه قوله تعالى فى سورة الطلاق الآية (2):

(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).

          قال المفسرون:  الإمساك بالمعروف هو (1) إحسان العشرة ، (2) وتوفية النفقة .

والفراق بالمعروف:  (1) هو أداء الصداق ، (2) والمتعة عند الطلاق ، (3) والوفاء بالشروط مع إعطائها جميع حقوقها.

          ذكر الأصبهانى فى محاضراته – حيث يقول:  طلق رجل زوجته لما أرادت الإرتحال قال لها:  اسمعى وليسمع من حضر ، إنى والله اعتمدتك رغبة – وعاشرتك محبة ، ولم يوجد مكانى منك زلة – ولم يدخلنى منك ملة – ولكن القضاء كان غالباً. (مكتوب علينا الفراق).  فقالت المرأة:  جوزيت من صحوب خيراً ، فما شككت حبرك (النعمة) ولا شكوت خيرك – ولا تمنيت غيرك – وليس لقضاء الله مدفع ثم تفرقا.

(2)سُئل أحد المتصوفة:  لم طلقت امرأتك؟

          لقد كانت زوجتى ولم أفشى سرها ، فكيف وقد صارت زوجة غيرى؟

          هناك عيوب مستورة لا يعرفها الناس إلا عند التنازع فلا ينبغى لاحدهما أن يكشف ستر غيره.

                                                   (الحمد لله رب العالمين)

 

اترك تعليقاً