بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى, والصلاة والسلام علي النبي المصطفي .
أما بعد:
فإن إبليس بدأ يوسوس لآدم وحواء في الجنة وليست في الأرض بعد أن سكن آدم وحواء الجنة مصداقاً لقوله تعالي في سور ة البقرة الآية 35 (” وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ“)
لا خلاف أن الله تعالي أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة وبعد إخراجه قال الله تعالي لآدم : أسكن (إتخذها مسكناً), وكلا من ثمار الجنة أكلاً واسعاً كثيراً ومن أي مكان في الجنة , ولكن لا تأكلا من هذه الشجرة فتصبح من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله.
وقبل أن يوسوس إبليس لآدم وزوجه, قال له الله يا آدم انتبه هذا عدو مصداقاً لقوله تعالي في سورة طه الآية 117, 118 (“فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَاعَدُوٌّلَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117) إِنَّ لَكَأَ لاَّتَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) ”
لاتطيع إبليس فيكون سبباً لإخراجكما من الجنة, لأنك إذا خرجت منها فتتعب وتشقي في طلب رزقك, أما في الجنة فلا ينالك الجوع ولا العري, إنما قرن بين الجوع لأن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر ” لأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى” فالظمأ حر الباطن وهو العطش, والضحى حر الظاهر.
ولك ألا يصيبك العطش فيها ولا حر الشمس, لأن الجنة دار السرور والحبور, لا تعب فيها ولا نصب, ولا حر ولا ظمأ بخلاف دار الدنيا, ليس في الجنة شمس, إنما هو ظل ممدود, كما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس.
وهنا في هذه الآيات حكم شرعي, خص الله سبحانه وتعالي آدم بذكر الشقاء (فشقى) ولم يقل فتشقيان : يعلمنا الله سبحانه وتعالي أن نفقة الزوجة علي الزوج, فمن يومئذ جرت نفقه النسآء علي الأزواج, فلما كانت نفقة حواء على آدم كذلك نفقات بناتها علي بني آدم بحق الزوجية, وأعلمنا في هذه الآية أن النفقة التي تجب للمرأة علي زوجها هذه الأربعة: الطعام والشراب والكسوة والمسكن……
ثم أخبرنا الله عز وجل أن الشيطان أغرى آدم وزوجه بالأكل من الشجرة في سورة الأعراف الآية 20, 21 , 22 “فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْتَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ.) كلما أكلا منها ظهرت لهما سوآتهما (عوراتهما, وسمي الفرج عورة لأن إظهاره يسوء صاحبه) كان عليهما نور لا ترى عوراتهما فزال النور – حيث انحسر النور الذي كان يغطيهما, فجعلا يشدان من ورق الجنة علي أنفسهما ليستر عواتهما.
وهنا أستحيت حواء واستح آدم وهذا في أصل خلقة الإنسان الحياء, لا يحبون التعري.
ملحوظة: أول من أكل من الشجرة حواء, وهي التي شجعت آدم أن يأكل من الشجرة, وجآء ذلك في الحديث الصحيح في البخاري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: “( لولا حواء لم تخن أنثي زوجها)”
ولما سقطا في المعصية وناداهما الله عز وجل “فنادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ“) 22
فناداه الله: ياآدم أمنى تفر؟ قال آدم: لا, ولكن استحييك يارب, قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك؟
قال: بلي يارب, ولكن وعزتك ماحسبت أن أحداً يحلف بك كذباً.
موقف آدم وحواء :
“قَالَا رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْالْخَاسِرِينَ” 23 الأعراف
هذا دعاء العاصي إعتراف بالخطيئة وتابا من الذنب وطلبا من الله المغفرة والرحمة ثم جآء الأمر العظيم من الله سبحانه وتعالي “( قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖوَلَكُمْ فِيالْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ“)
الخطاب هنا لآدم وحواء وإبليس ولهذا جآء بصيغة الجمع.
أهبطوا حال كون بعضكم عدواً لبعض (فالشيطان عدو الإنسان) , ولكم في الأرض موضع إستقرار وتمتع وانتفاع إلي حين إنقضاء آجالكم.
ونزل آدم إلي الأرض ونزلت معه حواء ونزل معهم إبليس
أين نزل؟
أختلف الرواه ولكن الأرجح رأي ابن عباس قال: “هبط آدم في الهند, ونزلت حواء في جدة, فجآء في طلبها فبدأ يبحث عنها في الأرض فأجتمعا وتعارفا بعرفات, وبذلك سمي عرفات .
ثم بث الله سبحانه وتعالي البشر مصداقاً لقوله تعالي في سورة النسآء 1 (” وبث منهما رجالاً كثيراً ونسآءً”)
ويري الطبري في جامع البيان: إن حواء ولدت لآدم أربعين في عشرين بطن.
كل مرة تلد توأم, في كل بطن ذكر وأنثي أولهما قابيل وسليمة وآخرهم عبد المغيث وأم المغيث.
وبدأ البشر يكثرون ويتناسلون, وكان نبيهم آدم الذي يعلموهم الدين وكانوا كلهم موحدين مصداقاً لقوله تعالي (“(كان الناس أمةٌ واحدةٌ “)
يقول ابن حبان في صحيحه يروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ” إن أبا ذر سأل النبي صلي الله عليه وسلم من كان أول الرسل ؟ قال: (آدم) فقال أبو ذر نبي مرسل؟ (فقال النبي : نعم) فآدم ليس نبي فقط وإنما أيضاً رسول.
الله سبحانه وتعالي كلم آدم بدون وحي , وبدون ترجمان, وبدون وساطة, وبدون جبريل كلام مباشر.
إذاً نزل آدم عالماً, نزل مكسياً, نزل يعرف طرق الصناعة( الحديد, النار , الخشب والمنسوجات, ثم تكاثر الخلق وبدأت أول معصية علي الأرض (قتل قابيل لهابيل”)
موت آدم:
ومات آدم عليه السلام ولقصة دفنه قصة ذلك أنه قبل أن يموت عهد إلي شيث هو ابن آدم – رزقه الله لآدم بعد موت هابيل ومعني شيث: نعمة من الله أو هبة الله.
وفي الحديث الذي يرويه الإمام أحمد: “رأيت شيخاً في المدينة يتكلم, هذا أُبي بن كعب من أعظم العلماء في القرآن والتفسير.. أبي يقول:” إن آدم لما حضر الموت قال لبنيه إني أشتهي ثمار الجنة (تفاح, رومان) فقال أُبي فذهبوا يطلبون له , فستقبلهم الملائكة ومعهم الأكفان والخيوط وأدوات الدفن وأدوات تجهيز الميت
فقالوا لهم: يابني آدم ماتريدون وماتطلبون؟ فقالوا: أبونا مريض ويشتهي من ثمار الجنة (وكانت الملائكة في صورة بشر) فقالوا لهم: أرجعوا فقد قضى أبوكم , مافي مجال أن يأكل فلما رأتهم حواء عرفتهم أنهم ملائكة فلاذت بآدم لاتريد أن يموت. فقال: إليك عني (أبتعدي عني) فإني إنما أتيت من قبلك ,أكلت من الشجرة بسببك والآن تريدي أن تفعلي شئ آخر – خلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل , فقبضه ملك الموت, وغسلته الملائكة عليه السلام, وكفنته وحفر له وألحدوه ودفنوه وصلوا عليه قبل أن يدفن ثم أدخلوه قبره وحثوا عليه التراب, ثم قالوا لبني آدم: يابني آدم هذه سنتكم في الدفن.
ومات آدم عليه السلام بعد حياة كلها طاعة لله عز وجل , ما عصى الله إلأ مرة واحدة (أكل من الشجرة ) 960 سنة لم يعصي الله فهو أسوة, وهو قدوة
ثم ماتت حواء بعده بعام واحد
( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)