يحيى عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          فيحيى عليه السلام نبى مرسل أرسله الله إلى بنى إسرائيل فى حياة أبيه عليه السلام ، وكان بنو إسرائيل يحبوا يحيى أكثر من أبيه مع أنه كان يأمرهم بأشياء وينهاهم عن أشياء.

          وقد ذكر اسم يحيى عليه السلام فى القرآن الكريم فى أربع آيات فى كل من السور الآتية (آل عمران ، الأنعام ، مريم ، الأنبياء).

(1)            كان حكيماً أوتى الحكمة فى صباه وزاده بركة وتقى.

(2)            جعله سيداً على أهل زمانه ، وحصر همته فى طاعة الله وعبادته.

(3)            زوده الله بالعلم فحفظ التوراة عن ظهر قلب وعمل بكل ما فيها على وجه التمام.

وجآءت بقية أوصافه فى سورة مريم الآية (12 : 15):

(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا(13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا(14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)(15).

وقد أثنى عليه الله بالثناء العاطر ، ووصفه بالبر والتقوى ، والصلاح والإستقامة – الكتاب هو التوراة يأخذه بجد واجتهاد ، العلم به والحفظ له ، والعمل به وهو الإلتزام لأوامره والكف عن نواهيه.

(وءاتيناه الحكم صبياً).

وروى معمر أن الصبيان قالوا ليحيى:  إذهب بنا نلعب ، فقال: (ما للعب خلقت وكان عمره ثلاث سنوات).

وقال ابن عباس:  من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتى الحكم صبياً.

(1)            وبما معه من الحكمة لا يلهو كما يلهو الصبيان ، ولا يلعب كما يلعبون ، ولكنه صحب أباه فى صغره وكبره وحنا عليه وأحسن إليه وكان باراً به وبأمه براً صار مضرب الأمثال.

(2)            ولم يكن يوماً يتظاهر بما يتظاهر به أمثاله فى الحسب والنسب ، بل كان مثال التواضع الجم.

(3)            ولم يكن يعصى لأبويه أمراً فى ليل أو نهار ، وقد ترك ذكراه فى النفوس المؤمنة.  وقد وافته النبوة والرسالة قبل أن يبلغ من العمر ثلاثين سنة).

(وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً).

          وقال قتادة:  إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا كبيرة ولا هم بامرأة.

          الشرف فى أن سلم الله عليه وحياه فى المواطن التى يكون الإنسان فيها فى غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر إلى الله تعالى ، والسلام من الله رضا وحفاوة وتكريم وإجلال وتعظيم.

نسبة عليه السلام:

          هو يحيى بن زكريا بن دان بن مسلم بن صدوق بن حشبان إلى أن يصل نسبه إلى نبى الله (سليمان بن داود) عليه السلام.

ولادة يحيى عليه السلام:

          ولد يحيى عليه السلام قبل مولد المسيح عليسى بن مريم بثلاثة أشهر وعاش معه عيسى فترة طويلة من الزمن.

روى عن خيثمة أنه قال:

          كان عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ابنى خالة ، وكان عيسى يلبس الصوف ، وكان يحيى يلبس الوبر (الجمل) ولم يكن لواحد منهما دينار ولا درهم ، ولا أمة ولا عبد ، ولا مأوى يأويان إليه ، أينما جنهما الليل أويا.

          لما بلغ يحيى فكان الأبوين يبحثوا عنه حين يغيب فيجدونه جالساً على نهر ، قالا: يابُنى ماذا أكلت؟  يقول:  من أوراق الشجر ، ومن هذا النهر شربت ، ويتغذى بالجراد فى بعض الأحيان وكان يخاطب نفسه فيقول: (من أنعم منك يا يحيى).

          ويسمى يحيى عند علماء النصارى (يوحنا) ويلقبونه (المعمدان) لماذا؟  لأنه كان قد تولى التعميد المعروف عند النصارى وهو التبرك بالغسل بالماء للتوبة من الخطايا.

          وقد ظهر يحيى فى ناحية الأردن ينذر الناس بالتوبة ، فخرج إليه أهل القدس والقرى القريبة من الأردن فكان يعمدهم فى النهر ، وينذرهم بإقتراب ملكوت السموات.

          وقد عمد يحيى (المسيح عيسى) فى نهر الأردن وبرك عليه وهو ابن ثلاثين سنة.

موت يحيى عليه السلام:

          وقد مات يحيى عليه السلام شهيداً فى حياة أبيه وقد جآء فى كتب التاريخ فى سبب قتله روايات الله أعلم بصحتها.  فمن هذه الروايات:

          نقلوا إلى يحيى يوماً أن هيرودوس حاكم فلسطين (وكان رجلاً شريراً فاسقاً) قد هوى بنت أخيه إذ كانت بين عينيه بارعة الشكل فتانة المحاسن – جميلة التكوين (هيروديا) وأنه قد عزم على زواجها والدخول بها فأعلن يحيى أن ذاك زواج باطل لا تقره شريعة وقال: إنى لا أعترف به.

          وشاع رأيه فى المدينة وبلغ العروس ما جهر به يحيى فسخطت عليه فى نفسها – ولكنها عزمت على أن تستعين بحسنها وجمالها.  فتجملت ما استطاعت أن تتجمل ودخلت على عمها وسيمة حسنة جميلة الهيئة – وكان لها كل يوم حاجة يقضيها لها الملك – فلما دخلت عليه وسألها: ما حاجتك؟  قالت:  أن تذبح يحيى بن زكريا ، فقال: سلى غير ذلك ، قالت: ما أسألك غيره فلما أبت دعا بيحيى ودعا بطست فذبحه ، فلما رأت الرأس قالت: اليوم قرت عينى ، فصعدت السطح فسقطت منه على الأرض ولها كلاب ضارية تحته فوثبت الكلاب عليها فأكلتها وهى تنظر وكان آخر ما أُكل منها عيناها لتعتبر.

          وهذه القصة تبين لنا مدى الظلم والطغيان الذى حل بحكام بنى إسرائيل ، حتى تجرؤا على قتل الأنبياء ، وسفك دماء الأبرياء.

          ولا عجب فإن بنى إسرائيل (اليهود) هم أول من سن هذه السنة السيئة وهى (قتل الأنبياء) فمن (يحيى) إلى (زكريا) إلى التآمر على (المسيح عيسى) إلى أنبياء لا يحصى عددهم إلا الله.

          اليهود أعداء الإنسانية فى كل حين وزمان ، وقد أخبرنا القرآن الكريم عن إجرام اليهود فى سورة المائدة الآية (64):

         (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).       

          وقال تعالى فى بيان قتلهم الأنبياء فى سورة البقرة الآية (87):

(أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ).

          عن الحسن البصرى كما ذكر الطبرى

          أن عيسى ويحيى التقيا – وهما ابنا الخالة – فقال يحيى لعيسى:

          أدع الله لى فأنت خير منى ، فقال له عيسى: بل أنت أدع الله لى فأنت خير منى سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسى …

          (وسلامُ عليه يوم ولد ويو يموتُ ويوم يُبعث حيا).

          (والسلامُ عليَ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا).

          ومن أوصاف يحيى أيضاً فى سورة آل عمران الآية (39):

          (فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ).

          سيداً:  فى العلم والعبادة والتقى – لا يغلبه الغضب يسود قومه بكماله.

          وحصوراً:  هو الذى يكف عن النسآء ولا يقربهن مع القدرة.

          عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:

          (إن الله سبحانه وتعالى أمر يحيى بن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بنى إسرائيل أن يعملوا بها فجمع يحيى الناس فى بيت المقدس فامتلأ المسجد قال: إن الله تبارك وتعالى أمرنى بخمس كلمات أن أعملهن وأمركم أن تعملوا بهن: أولهن: (1) أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو فضة فقال له: هذه دارى وهذا عملى فاعمل وأدس إلىَ – فكان يعمل ويؤدى إلى غيره – فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ، (2) وإن الله أمركم بالصلاة ، فإذا صليتم فلا تلتفتوا ، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده فى الصلاة ما لم يكن يلتفت.

(3)وأمركم بالصيام ، فإن مثل ذلك كمثل رجل فى جماعة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجبه ريحه وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك.

(4)وأمركم بالصدقة.

(5)وأمركم أن تذكروا الله تعالى – كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى.

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمس الله أمرنى بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة….

          فإنه من فارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه إلا أن يراجع …

          ربقة الإسلام:  عقدة الإسلام ورباطة

          أى رباط المؤمن بربه وإيمانه وإذا تفكت فقد كفر.

 (والحمد لله رب العالمين)

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً