الحديث القدسي (نور الوجه)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فيقول الله – عز وجل – في الحديث القدسي الذى رواه الديلمي عن حارثة بن وهب – رضي الله عنه:  (ليس كل مُصل يُصلي!!  إنما أتقبلُ الصلاة ممن:  تواضع لعظمتي ..  وكف شهواته عن محارمي ، ولم يُصر على معصيتي ..  وآوى الغريب ..  كُلُ ذلك ، وعزتي وجلالي إن نُور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس ..  علي أن أجعل الجهالة لهُ علماً ، والظُلمة نوراً ..  يدعُوني فألبيه ، ويسألُني فأعطيه ، ويُقسمُ علي فأبرُه ..  أكلؤُهُ بقُوتي ، وأستحفظُهُ ملائكتي ..  مثلُهُ عندي كمثل الفردوس:  لا يتسنى تمرُها ، ولا يتغيرُ حالُها).

          يبين الحديث أهمية الصلاة ، وليس فقط الصلاة ، وإنما الصلاة المقبولة ..

          فنجد أن الله لم يقل:  (المُصلى) إلا في آية واحدة وهي:  في سورة الماعون الآية (4 ، 5) مصداقاً لقوله تعالى:

(فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)(5).

          ولا يأتي لفظ الصلاة في القرآن بمفرده ، وإنما يأتي مقروناً ، مصداقاً لقوله تعالى في سورة المؤمنون الآية (2) ، الآية (9):

(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)(2).

(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)(9).

          وهذا يعني أن الصلاة ليست مجرد حركات بلا روح ، لذا يقول بعض الشيوخ في شأن الصلاة:  إن تكبيرة الإحرام إستئذان للوقوف بين يدي الله ..  فإذا رفعت يدك بحذاء كتفيك وكان ذلك مصاحباً لقولك: (الله) – فأنت في هذه اللحظة تستشعر بطرح الدنيا خلف ظهرك ، لأنه لا شئ إلا الله.

          وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – جالساً في المسجد ، فرأى رجلاً يصلي ويعبث في لحيته ، فأشار إليه قائلاً:  (لو خشع قلبُ هذا لخشعت جوارحه).

          فالصلاة ليست حركات تؤدي والمرء غافل أو مشغول بأمور الدنيا – فقد نهى النبى – صلى الله عليه وسلم – (نهي كراهة) عن صلاة المحتقن (الحابس للبول ولفضلاته) وصلاة الجائع ، والشاعر بالبرد أو الحر الشديدين.

          مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (إذا حضُر العشاءُ والعشاءُ فابدءُا بالعشاء).

          وهذا يوضح معنى قوله تعالى في الحديث القدسي:  (ليس كل مُصل يُصلى).

          (إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي).

          التواضع لله بالصلاة أن تكون خالصة لوجهه ، وأن يعلم المرء أنها من فضل الله عليه ، وأنها نعمة تستحق الشكر ، وليس تفضلاً من العبد يستحق الأجر..

(2)     ولا يتطاول على غير المصلين بصلاته.

(3)     كما أنه لا يستقم أن يصلي المصلي ، ويأتي المعاصي ، فربنا تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز في سورة العنكبوت الآية (45):

          (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ).

          فإذا كانت الصلاة على الوجه الأكمل فإنها ولابد تنهي عن الفحشآء والمنكر ، لأن الله سبحانه وتعالى لا يقول إلا الصدق.

          فإذا نهت الصلاة العبد عن الفحشآء والمنكر فصلاته صحيحة ..  أما إذا لم يحدث فلابد وأن صلاته غير صحيحة وخرجت عن كونها صلاة.

فهل معنى ذلك أن المصلى لا يخطئ أبداً؟

          لا ، بل يُخطئ ويتوب لذا يقول الحديث القدسي: (ولم يُصر على معصيتي).

          فمن الممكن أن يقع المصلي في الخطيئة ، ولكنه لا يُصُر عليها ، بل يسارع بالإستغفار مصداقاً لقوله تعالى في سورة الاعراف الآية (201):

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ).

          وكذلك قول الله تعالى في سورة آل عمران الآية (135 ، 136):

(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)(136).

          (وآوى الغريب) الغريب:  كلمة تطلق على المسافر الذى لا يجد مأوى ، وتطلق على الوحيد الذى لا أحد له من أهل البلدة فهو منها ولكنه غريب فيها.

          وهذا لا يعنى أن الغريب مسلم في بلاد كفر ، وإنما قد يكون مسلماً في بلاد مسلمة لا تقيم الإسلام ، فيشعر بالغربة لكثرة المعاصي والفواحش من حوله فهو كالذى قال فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (القابضُ على دينه كالقابض على جمرة من النار).

          (كُلُ ذلك) كل ما ذكر ، يفعله العبد إبتغاء وجه الله وإبتغاء مرضاته.

          (وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأُ عندي من نور الشمس).

          يقسم الله بعزته وجلاله – وقسمه هذا عظيم تهتز له السموات والأرض – على أن لوجه هذا العبد نوراً أشد ضوءاً من نور الشمس ، وهذا النور موجود فعلاً ولا يراه الناس إنما يراه أهل الملأ الأعلى ..  وحين يُبعث يوم القيامة يكون له نور مصداقاً لقوله تعالى في سورة الحديد الآية (12):

(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

          باقي الحديث القدسي:  (علي أن أجعل الجهالة لهُ علماً).

          وعد من الله تبارك وتعالى بتحويل الجهل إلى علم ..  وأشرف العلوم على الإطلاق هو العلم بالله تبارك وتعالى.

          (والظُلمة نوراً).

          وعد آخر بأن يُنير الله طريقه ويسدد خطاه ، ويوفقه في كل أفعاله ..  فكل ما يفعله هذا العبد يكون بنور الله ..

          (يدعُوني فألبيه)  أى حنان هذا؟  يدعو فيُجاب ..

          (ويسألني فأُعطيه)  ويسأل فيُعطى ..  ليس هذا فقط!  ولكن هناك مقام آخر ليس لكل الناس:  (ويُقسمُ على فأبرُهُ):  لو أقسم على الله في شئ لم يُوقع يمينه بل جرت الأحداث وفق ما أقسم عليه مصداقاً لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم:

          (إن من العباد من لو أقسم على الله لأبرهُ).

باقي الحديث القدسي:   (أكلؤ بقُوتي)

          الكلاءة:  الحفظ والعناية ..  فهو محفوظ بحفظ الله له ، محاط بالعناية والرعاية ..

          (واستحفظُهُ ملائكتي) فلا يصيبه أذى أبداً إلا أن يشآء الله ، وتنصرف عنه الشياطين ويتلقى لمات الخير من الملائكة في ليله ونهاره.

          (مثلهُ عندي كمثل الفردوس:  لا يتسنى ثمرُها ، ولا يتغيرُ حالُها).

          لا يتسنى:  لا تؤثر فيه السنون ..  لا يتغيرُ حالُها:  لا يقل مقامه أو يضيع منه البور أبداً ، بل هو في رُقي دائم ، وكل أمره صائر إلى خير كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم:

          (عجباً لأمر المؤمن ، وأمر المؤمن كُلُه عجب:  إذا أصابته سراء شكر ، وإن أصابته ضراءُ صبر).

          نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من مُقيمي الصلاة ..  والخاشعين في أدائها والمحافظين عليها.

          وأن يجعلها نوراً لنا في الدنيا والآخرة.

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً