حديث (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فعن جُندب بن عبدالله – رضي الله عنه – قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة ، فلا يطلُبنكم الله من ذمته بشئ، فإنه من يطلُبه من ذمته بشئ يُدركه ثم يكُبُه على وجهه في نار جهنم).

          رواه مسلم (كتاب المساجد باب فضل صلاة العشاء والصبح)..

الصلوات الخمسة:

          تجديد للعهد الذى بين العبد وربه ، فإذا صلى العبد صلاة اطمأن قلبه بها وشعر بالوفاء قد ملأ أعماق قلبه ، وأحس بأنه أدى الأمانة وتحلل من الحق الذى قطعه على نفسه بالإسلام وطالبه الله به في هذا الوقت الذى حدده له ، ثم ينخرط في عمله ويُشغل بأمور دنياه فترة قصيرة من الزمن فإذا بالمنادي ينادي حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، فيعود إلى ساحة الصلاة ، ليتخفف من أوزاره ويتخلص من شواغله الدنيوية بعض الشئ ، ويدخل في حرم الله تعالى مرة أخرى فيؤدي ما وجب عليه في خشوع وخضوع وتمسكن وتواضع ، وهكذا يفعل في يومه وليلته ، فيظل على صلة وثيقة بينه وبين ربه عز وجل ، فيكون بذلك عبداً ربانياً يتقلب في رحاب العبودية حتى يلقاه.

          من واظب على الصلاة في أوقاتها وأداها بخشوع وخضوع ، فقد حصن نفسه من هواجس النفس ووساوس الشيطان ، وإذا اقترف من الصغائر شيئاً كفرتهُ الصلاة ، فهو مغفور له أبداً ما أجتنب الكبائر.

          قال الله تعالى في سورة هود الآية (114):

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).

          والمراد بالحسنات في الآية:  الصلوات الخمس على وجه الخصوص ، وسائر الأعمال الصالحة على وجه العموم.

          والمراد بالسيئات:  الصغائر – الدليل على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم:  (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغش الكبائر).        رواه مسلم.

          هذه الوصية تدعو كل مسلم إلى المحافظة التامة على الصلوات الخمس في أوقاتها أولاً ، والوفاء بعهد الله في سائر الطاعات ، والتطلع إلى ما عند الله من ثواب ، والبعد عن غضبه وعقابه.

          قال عليه الصلاة والسلام:  (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله) أي في العهد الذى قطعه على نفسه وهو في صلاته ، فإنه حين أستجاب للداعي (المؤذن) الذى دعاه إلى الصلاة وأداها فإنه يكون قد عاهد خالقه ومولاه على السمع والطاعة في سائر يومه ، فإذا جآءت صلاة الظهر ، تذكر العهد وجدده ، وهكذا في كل صلاة حتى يصبح في اليوم التالي فيفعل مثل ما يفعل.

          وقوله:  (فلا يطلُبنكُم الله من ذمته بشئ).

          نهي عن التفريط في عهد الله على الطاعة والإمتثال ، فإن لله حقوقاً لا ينبغي التفريط فيها أبداً مادام العبد قادراً على الوفاء.  (فإنه من يطلبه من ذمته بشئ يدركه ثم يكبه على وجهه).

بمعنى:  من طلبه الله للعقوبة في جهنم بسبب شئ قد قصر فيه من عهده الذى قطعه عليه وقطعه هو على نفسه ، فإنه لابد أن  يدرك ما أراده من عقوبته في الدنيا وهو العذاب الأصغر ، الذى لابد منه ، لأن العاصي يشعر بالعذاب من خلال المعصية نفسها ، والطائع يشعر بالثواب من خلال الطاعة نفسها.

يؤخذ من هذه الوصية الغالية ثلاث فوائد:

الأولى:  ضرورة المواظبة على صلاة الصبح في وقتها ، لأنها هي الوقت الذى يعاهد فيه ربه عز وجل على طاعته في يومه إلى غده ، ثم يجدد العهد معه في اليوم الذى بعده.

          ولأن صلاة الصبح صلاة تشهدها الملائكة:  ملائكة الليل وملائكة النهار ، فهؤلاء يلتقون في هذه الصلاة ، فيصعد ملائكة الليل بعد أن يتولى مهامهم ملائكة النهار ، فإذا صعدوا سألهم ربهم عن حال عبده الذى كانوا معه وهو أعلم به وبهم، ليشهدهم على أنه قد غفر له.  وفي إشهادهم تشريف له وتعظيم لشأنه.

          وكذلك يجتمعون في صلاة العصر ، فتكون صلاة العصر بداية لتجديد آخر لهذا العهد ، فإذا صعد ملائكة النهار بالليل والنهار عشرون ملكاً يتعاقبون على حفظه بأمر الله تبارك وتعالى.

          مصداقاً للحديث الذى رواه ابن خزيمة ، والبخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر ، فيجتمعون في صلاة الفجر ، فتصعد ملائكة الليل وتبيت ملائكة النهار ، ويجتمعون في صلاة العصر ، فتصعد ملائكة النهار ، وتبيت ملائكة الليل ، فيسألهم ربهم:  كيف تركتم عبادي؟

          فيقولون:  أتيناهم وهو يصلون وتركناهم وهم يصلون ، فأغفر لهم يوم الدين.

          ودعاء الملائكة مجاب ، وهم شهداء على عباده …

          ولهذا سميت صلاة الفجر وصلاة العصر بالصلاة الوسطى أى الفضلى لأنهما صلاتان تشهدهما الملائكة ، والأجر فيهما مضاعف.

          وروي مسلم في صحيحه عن أبي بكر بن عمارة قال:  سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:  (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني الفجر والعصر – فقال رجل من أهل البصيرة أنت سمعت هذا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟  قال:  نعم.  قال الرجل:  وأنا أشهد أني سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم.  سمعته أذناي ووعاه قلبي.

          يلج:  يدخل

الفائدة الثانية من هذا الحديث:

          أن في صلاة الصبح قهر للشيطان وطرد للكسل ، وتطيب للنفس ، وتنشيط للبدن.

الدليل:    روي البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (يعقد الشيطان على قافيه رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة:  عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ ، فذكر الله تعالى ، انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى أنحلت عُقده كلها ، فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان).

الفائدة الثالثة:

        إن من صلى الصبح فهو في أمان الله عز وجل وحفظه ، ليس للشيطان عليه سبيل كما يُفيد قوله – صلى الله عليه وسلم:  (فهو في ذمة الله).

          لأن الذمة تعني العهد والأمان معاً.

          ومن واظب على صلاة الصبح في جماعة يعرف ذلك من نفسه فهو من أكثر الناس ذكراً ، وأطيبهم نفساً ، أعظمهم نشاطاً ، وأسرعهم إلى فعل الخيرات ولزوم الطاعات ، وترى على وجهه سيما الصالحين وسماحة المتقين.

          وإنك لتبصر في وجوه هؤلاء المصلين المواظبين على الصلاة في أوقاتها مع الجماعة – نوراً لا تبصره فيمن يؤخر الصلاة عن وقتها أو ينام عن صلاة الصبح.


 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

 

 

 

اترك تعليقاً