شروط الحج المقبول عند الله

بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمدلله رب العالمين ، رب الأولين والآخرين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وإمام المتقين والمبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد،،،،

              فمشروعية الحج فى القرآن الكريم والسُنة النبوية المشرفة مصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (96 ، 97):

(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ(96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(97).

              (هذه آية وجوب الحج عند الجمهور) ، اليهود تقول إن بيت المقدس هى أول قبلة شرع للناس أستقبالها فلما يعدل محمد وأصحابه عنها إلى أستقبال الكعبة؟  وهى متأخرة الوجود فأخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس هو الكعبة لا بيت المقدس – الدليل على ذلك حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  قال أبوذر:  سألتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن أول مسجد وضع فى الأرض قال: (المسجد الحرام) ثم أى؟ قال: (المسجد الأقصى) قلت:  كم بينهما؟  قال: (أربعون عاماً ثم الأرض لك مسجد ، فحيثما أدركتك الصلاة فصل).

              (للذى ببكة)

              بكة موضوع البيت – ومكة سائر البلد وقيل أيضاً:  بكة المسجد ومكة الحرم كله وتدخل فيه البيوت.

              (1)وأنه جعله مباركاً يدوم بدوام الدنيا والبركة لا تفارقه فكل من يلتمسها بزيارته وحجه والطواف به يجدها ويحظى بها (ينال هذه البركة) ، (2) كما جعله هدى للعالمين فالمؤمنون يأتون حجاجاً وعماراً فتحصل لهم بذلك أنواع من الهداية.

              والمصلون فى مشارق الأرض ومغاربها يستقبلون الكعبة فى صلاتهم (آيات بينات) (أ) مقام إبراهيم وهو الحجر الذى كان يقوم عليه أثناء بناء البيت حيث بقى أثر قدميه عليه مع أنه صخرة من الصخور (ب) زمزم – الحجر؟ (ج) الصفا والمروة ، (د)الحجر الأسود ، (هـ) والحطيم؟ ، (3) الامن التام لمن دخله فلا يخاف غير الله تعالى.

قول الحسن:

          لأن الناس كانوا يتخطفون من حوالى الحرم – ولا يصل إليه جبار مثال:  بختنصر وصل إلى بيت المقدس ودمره ولكن لم يصل إلى الحرم (2) وكذلك أبرهه الأشرم جآء لهدم الكعبة فدمره الله هو وجيشه مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الفيل:

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ(4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)(5).

          ثم هذا الأمن له والعرب يعيشون فى جاهلية جهلاء أو فوضى لا حد لها ولكن الله جعل فى قلوبهم حرمة الحرم وقدسيته ووجوب أمن كل من يدخله ليحجه أو يعتمره.

          (ولله على الناس حجُ البيت من استطاع إليه سبيلا).

بم تتحقق الإستطاعة:

(1)     توفر الصحة الكافية بحيث يقدر على الذهاب والإياب بلا مشقة.

(2)     وجود المال الكافى لذهابه ورجوعه فاضلاً عن قوته وقوت عياله من وقت سفره إلى وقت عودته.

(3)     وجود ما يحمله براً أو بحراً أو جواً وهو ما يسميه الفقهاء بالراحلة.

(4)     أمن الطريق:  فإذا لم تكن الطرق آمنة سقط عنه الحج حتى يتوفر الأمن.

          مصداقاً قوله تعالى فى سورة البقرة الآية (195):

          (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).

          ومصداقاً لقوله تعالى فى سورة النسآء الآية (29):

       (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).                                                 وقوله تعالى:

          (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).

          قال ابن عباس:  من كفر بفرض الحج لم يره واجباً ، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (من ملك زاداً وراحلة تُبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً وذلك أن الله يقول فى كتابه:  (ولله على الناس حجُ البيت من استطاع إليه سبيلاً).

          وقال ابن عباس: (قالت اليهود: فنحن مسلمون – فقال لهم النبىُ – صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) فقالوا: لم يكتب علينا الحج وأبوا أن يحجوا.

دليل مشروعيته من السنة النبوية المشرفة:

          قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فحجوا...)  فى خطبة الوداع.

الدليل الثانى:

          الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم:  (بنى الإسلام على خمس:  شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله – وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن أستطاع إليه سبيلا)  رواه البخارى ومسلم – النسائى – الترمذى.

دليل مشروعيته بالإجماع:

          وقد اجتمعت الأمة على أن من شك فى فرضيته على كل مكلف مستطيع فقد كفر..  لأنه علم شئ من الدين بالضرورة (كفر وارتد عن الإسلام).

تعريف الحج فى اللغة:

          القصد إلى عظيم – كثرة القصد إلى من تعظمه.

تعريف الحج فى الشرع:

          القصد إلى بيت الله الحرام لأداء أفعال مخصوصة نص عليها القرآن الكريم وبينتها السُنة المطهرة كالإحرام والطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة وغير ذلك.

الرأى المختار فى الحج:

          الحج فرض عين على المستطيع مرة واحدة فى العمر.

الدليل على ذلك:  لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – حج مرة واحدة.

الدليل الثانى:  لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن ابن عباس – رضى الله عنهما أن الأقرع بن حابس سأل النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال:  (الحجُ فى كل سنة أم مرة واحدة؟  فقال:  (بل مرة واحدة فمن زاد فتطوع)  أخرجه أحمد والبيهقى.

الدليل الثالث:  فعن أبى هريرة – رضى الله عنه قال:  خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال:  (يا أيها الناس ، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا) فقال رجل:  أكل عام يارسول الله؟ فسكت رسول الله حتى قالها ثلاثاً ثم قال صلى الله عليه وسلم:  (لو قُلتُ نعم، لوجبت ولما استطعتم ، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شئ فدعُوه)  رواه البخارى ومسلم.

هل وجوب الحج على الفور أو على التراخى؟       (سؤال مهم)

          قال الشافعى وغيره:  إن الحج واجب على التراخى فيؤدى فى أى وقت من العمر.

دليلهم:  بأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخر الحج إلى سنة عشرة من الهجرة وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه ، مع أنه شرع سنة ست من الهجرة.

وقال بعض أهل العلم:          الرأى الثانى:    (مالك وأبوحنيفة وأحمد)

          بوجوب الحج على الفور.

دليلهم:  حديث ابن عباس – رضى الله عنهما:  أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أن يحج فليحج ، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة).

          الرأى المختار هو التعجل بالحج مصداقاً لحديث رسول الله: (تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له).

          هو رأى الشافعى الحج على التراخى ، لأن الإستطاعة تعنى أن يكون الإنسان على استعداد تام من النواحى النفسية والوقتية والصحية والجسدية فقد يستطيع الإنسان بماله ولكن ظروف عمله لا تمكنه فلو قلنا أن الحج على الفور لان فيه مشقة وحرج على الناس والله يقول:  (وما جعل عليكم فى الدين من حرج).

          وقد حمل الشافعى هذين الحديثين على الإستحباب لا على الوجوب.

أحاديث فى فضل الحج:

(1)     عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال:  (جهاد الكبير والضعيف والمرأة:  الحج).

(2)     وعن أبى هريرة – رضى الله عنه قال:  سُئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (أى الأعمال أفضل؟) قال:  (إيمان بالله ورسوله).  قيل:  ثم ماذا؟  قال:  حج مبرور.   رواه البخارى ومسلم.

الحج المبرور ماهو؟

(1)     هو الحج الذى لا يخالطه إثم ولا لغو ولا رفث.

(2)     هو أن يحرص الحاج على أداء مناسك الحج على أكمل وجه.

(3)     هو ان يرجع زاهداً فى الدنيا وراغباً فى الآخرة.

          وكما قال عليه الصلاة والسلام الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

الحديث الثالث:

          وعن عمرو بن العاص – رضى الله عنه قال:  (لما جعل الله الإسلام فى قلبى أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلت:  أبسط يدك أبايعك.  قال:  فبسط فقبضت يدى.  قال:  (مالك ياعمرو؟).  قلت:  أشترط.  قال:  تشترط ماذا؟  قلت:  أن يغفر لى.  قال: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله – وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله)  رواه مسلم.

الحديث الرابع:

          فعن عبدالله بن مسعود – رضى الله عنه:  أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال:  تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة)  رواه النسائى.

          ومن فضل الحج أيضاً:

          أن الحسنة فى الحج بسبعمائة حسنة:  (والله يضاعف لمن يشآء) لماذا؟

          للمشقة فى السفر – 2- البعد عن الأهل والأقارب – الإنقطاع عن متع الجسد وشهوات النفس.

          وعن ابن عمر – رضى الله عنهما قال:  (كنت جالساً مع النبى – صلى الله عليه وسلم – فى مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسلما ثم قالا:  يارسول الله جئنا نسألك.  فقال:  إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألانى عنه فعلت وإن شئتما أن أمسك وتسألانى فعلت.  فقالا:  أخبرنا يارسول الله.  فقال:  جئتنى تسألُنى عن مخرجك من بيتك تؤم (تقصد) البيت الحرام ومالك فيه؟         وعن ركعتيك بعد الطواف ومالك فيها.   وعن طوافك بي الصفا والمروة وما لك فيه.  وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه.   وعن رميك بالجمار وما لك فيه.  وعن نحرك وما لك فيه مع الإفاضة.

          فقالا:  والذى بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك. 

قال:  (1) فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا عنك خطيئة.

(2)     وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بنى إسماعيل عليه السلام.

(3)     وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة.

(4)     وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله يهبط (تتنزل رحمته) إلى سماء الدنيا فيباهى بكم الملائكة يقول:  (عبادى جآءُونى شعثاً (شعورهم متلبدة عليهم علامات الزهد والورع) من كل فج عميق (الطرق البعيدة) يرجون جنتى ، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمال أو كقطر المطر أو كزبد البحر لغفرتها.  افيضوا عبادى مغفور لكم ولمن شفعتم له).

(5)     وأما رميك بالجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من المهليكات.

(6)     وأما نحرك:  فمدخور لك عند ربك.

(7)     وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحى عنك بها خطيئة.

(8)     وأما طوافك بالبيت بعد ذلك (الإفاضة) فإنك تطوف ولا ذنب لك يأتى ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول:  (اعمل فيما تستقبل فقد غُفر لك ما مضى).

          (نسأل الله القدير أن يعطى كل مشتاق حجاً مبروراً وعمرة مقبولة).

شروط وجوب الحج:

(1)الإسلام ، (2) العقل ، (3) البلوغ ، (4) الحرية ، (5) دخول الوقت ، (6) الإستطاعة.

أولاًالإســـــلام:

          فلا يجب الحجُ على كافر – لأن الحج يحتاج إلى نية والكافر ليس له نية – ولأنه غير مخاطب بأداء فروع الإسلام.

          مصداقاً لقول الله عز وجل سورة البينة الآية (5):

(وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).

          ولا يقبلُ اللهُ من الكافر حج – ولا يجب عليها حج ولو أتى به لا يصح منه

          مصداقاً لقوله تعالى:

          (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

ثانياًالعقــل:

          فلا يجب الحجُ على المجنون لأنه غير مكلف ولو أتى به لا يصح منه.

          مصداقاً لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث:  عن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبى حتى يبلغ)  رواه أحمد.

          وكذلك المعتوه وهو ناقص العقل.

ثالثاًالبلــوغ:

          فلا يجب الحج على الصبى حتى يبلغ كما أفاده الحديث ولو حج الصبى وأتى المناسك على وجهها صح حجة ولكن لا يسقط عنه حجة الإسلام إذا ما بلغ الحُلم.

          مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذى رواه ابن عباس:  (أيما صبى حج ثم بلغ الحُلم فعليه أن يحج حجة أخرى).

          ولا يشــترط:

          حضور الصبى أو المجنون فى وقت الإحرام لكن لابد من إحضاره المواقف فيطوف الولى به مع طهارتهما ويصلى عنه ركعتى الطواف ويسعى به ويناوله الأحجار ليرميها إن قدر وإلا رمى عنه – وهذا يكون بعد أن يرمى عن نفسه (الطفل الغير مميز).

تابع/حج الصبى إذا كان مميز:

          عن جابر – رضى الله عنه قال:  (حججنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومعنا النسآء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم).

          ولو بلغ قبل الوقوف بعرفة أو فيها أجزأ عن حجة الإسلام وكذلك العبد إذا أُعتق أجزأ عن حجة الإسلام.

          وذلك أن الإسلام والبلوغ والعقل شرط التكليف فى أى عبادة من العبادات.

رابعاًالحرية:

          شرط لوجوب الحج – لأنه عبادة تقتضى وقتاً ويشترط فيها الإستطاعة ، بينما العبدُ مشغول بحقوق سيده وغير مستطيع – وفى السفر إلى الحج تفويت لكثير من حقوق سيده.

          وقلنا أنه إذا حج فى حال رقه لا يكون مؤدياً لحجة الإسلام لأنه أداه وهو غير واجب عليه ، فإذا تحرر من رقه واستطاع الحج وجب عليه أن يحج.

خامساًدخول وقته:

          وأما الوقت بالنسبة للحج هو شوال وذو القعدة والأيام التسعة الأولى من ذى الحجة وليلة النحر إلى الفجر.

          فمن أحرم فى غير ذلك الوقت لم يصح إحرامه بالحج ولكن ينعقد عمرة.

سادساًالإستطاعة:

          فلا يجب الحج على غير المستطيع مصداقاً لقوله تعالى:

          (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).

          ولقوله جل وعلا:  (ولله على الناس حجُ البيت من استطاع إليه سبيلا).

الإستطاعة:  بالصحة – بالمال – بالراحلة – أمن الطريق.

(1)أن يكون المكلف صحيح البدن – فإن عجز عن الحج لشيخوخته أو مرض لا يرجى شفاؤه لزمه إحجاج غيره عنه إن كان له مال.  فصار كالميت فينوب عنه غيره.

الدليل:  حديث الفضل بن عباس:  أن امرأة من خثعم قالت:  يارسول الله إن فريضة الله على عباده فى الحج ، أدركت أبى شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه؟  قال:  (نعم) وذلك فى حجة الوداع.

          وفى الحديث دليل على أن المرأة يجوز لها أن تحج عن الرجل والمرأة والرجل يجوز له أن يحج عن الرجل والمرأة ولم يأت نص يخالف ذلك.

سـؤال:  هل إذا عوفى المريض الذى لا يرجى شفاؤه بعد أن حج عنه نائبه تسقط عنه الحجة أم عليه أن يحج مرة أخرى؟؟

          رأى ابن حزم الظاهرى:  فإنه يسقط الفرض عنه ولا تلزمه الإعادة وعندما أرسل من يحج بدل عنه فقد أدى الدين بلا شك وأجزأ عنه.

شروط حج المرأة:

          يشترط بالنسبة للمرأة زيادة على الإسلام والبلوغ – العقل – الحرية ، ودخول الوقت والإستطاعة (1) وجود الزوج أو المحرم:  ماهو المحرم:  هو الذى يحرم عليه نكاحها حرمة مؤبدة الأب – الأبن – الأخ – العم – الخال – الأخ من الرضاعة – ابن الأخ – ابن الأخت.

          ويشترط أن يكون هذا المحرم بالغاً عاقلاً ويُحسن التصرف.

الدليل:  فعن ابن عباس – رضى الله عنهما قال:

          سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول:  (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم – ولا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم) فقام رجل فقال:  يارسول الله إن امرأتى خرجت حاجة وإنى اكتبت فى غزوة كذا وكذا فقال:

          (انطلق فحُج مع امرأتك)   رواه البخارى ومسلم.

 

الدليل الثانى:  كتبت امرأة من أهل الرأى إلى إبراهيم النخعى:

          (إنى لم أحج حجة الإسلام ، وأنا موسرة وليس لى ذو محرم)  فكتب إليها:  (إنك ممن لم يجعل الله له سبيلاً).

          والمشهور عند الشافعى اشتراط:

(1)الزوج.     (2) المحرم.            (3) النسوة الثقات (تكفى واحدة).

دليل الشافعى:  بأن نسآء النبى – صلى الله عليه وسلم – حججن بعد أن أذن لهن عُمر فى آخر حجة حجها وبعث معهن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف – وكان عثمان ينادى: (لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن – وهن فى الهوادج على الإبل).

هل يجب إستئذان المرأة زوجها للحج؟

          يستحب للمرأة أن تستأذن زوجها فى الخروج إلى الحج الفرض – فإن أذن لها خرجت وإن لم يأذن لها خرجت بغير إذنه لأنه ليس للرجل منع امرأته من حج الفريضة لأنها عبادة وجبت عليها ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق – ولها أن تعجل به لتبرئ ذمتها – كما لها أن تصلى أول الوقت وليس له منعها.

          وأما حج التطوع فله منعها منه ، مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ابن عمر – رضى الله عنهما – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم فى امرأة كان لها زوج ولها مال فلا يأذن لها فى الحج قال: (ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها).

          وهذا فى حج التطوع وليس حج الفريضة وهى حجة الإسلام.

هل تحج المرأة المعتدة من طلاق أو من عدة وفاة؟

          فالمرأة إذا طلقت فى أشهر الحج أو مات زوجها لا ينبغى لها أن تخرج فى عامها هذا إلى الحج – لأن الله تبارك وتعالى قد أوجب عليها المكث فى بيتها إلى أن تنقضى عدتها.  لا تخرج إلا لقضاء حاجة ضرورية …

(1)فإذا خرجت المرأة إلى الحج وهى معتدة صح حجها (وعليها الإثم العظيم).

(2)وإذا خرجت المرأة مع زوجها ومات زوجها فى الطريق وجب عليها أن ترجع إلى بلدها إن كانت المسافة قريبة – فإن كانت قد بعدت فلها أن تمضى إلى الحج مع رفقة مأمونة.

ما هى شروط الحج المقبول عند الله؟

(1)أن يكون المال الذى يحج به المسلم من الحلال الطيب (فالله طيب لا يقبل إلا الطيب)، والله لا يقبل رجاء ولا دعاء إلا إذا كان مطعه حلالاً وملبسه حلالاً وغذى بالحلال.

الدليل:  فعن أبى هريرة – رضى الله عنه قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً – وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين).  فقال تعالى:  (يا أيها الرُسُل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً)، (يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء:  يارب يارب.  ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك).  رواه مسلم.

(2)أن ينوى المسلم بحجة وجه الله تبارك وتعالى:  لا يقصد به رياء ولا سمعه ، فإن الحج عبادة ينبغى أن تكون خالصة لوجهه الكريم.

(3)أن يتقى الله ما أستطاع فى حله وترحاله:  من وقت خروجه إلى أن يعود فلا يتكلم إلا بخير – (2) ولا يفعل من الأفعال ما يتنافى مع هذه العبادة الجليلة ، (3) أن يترك الرفث: (القبح فى الأقوال والأفعال والنظر إلى النسآء بشهوة والتفكير فى الجماع) ، (4) وأن لا يقتل صيداً ، (5) ولا يؤذى مسلماً ، (6) ولا يخاصم أحداً ، (7) ولا يجادل فى البيع والشراء.  مصداقاً لقوله تعالى فى سورة البقرة الآية (197):

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ …).           (والحمد لله رب العالمين)

اترك تعليقاً