عمرة القضاء

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فلما رجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من خيبر أقام بالمدينة وبعث سراياه حتى أستهل ذو القعدة من السنة السابعة ، فنادى في الناس أن يتجهزوا للعمرة – فتجهزوا وخرجوا إلى مكة.

سميت عمرة القضاء:  قضاءً عما كان أُحصر عام الحُديبية.

سميت عمر القصاص:  قال ابن عباس:  فأنزل الله تعالى في ذلك (والحرماتُ قصاص).

سميت عمرة القضية:  من المقاضاة التى كانت قاضاهم عليها – (1) على أن يرجع عنهم عامه هذا ، ثم يأتي في العام القابل. (2) ولا يدخُل مكة إلا في بسلاح الراكب والسيوف في القرب.   (3) وأن  لا يُقيم أكثر من ثلاث أيام.

          وهذه العُمرة هي المذكُورة في قوله تعالى في سورة الفتح المبارك الآية (27):

(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ).

          هذا تأويل الرؤيا التى كان رأها رسول الله ، جآءت مثل فلق الصبح.

          وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحُديبية.  فخرجوا إلا من استشهد وخرج معه آخرين معتمرين ، فكانت عدتهم 2000 سوى النسآء والصبيان.

          واستخلف على المدينة (عويف أبا رهم العفاري) ، وساق ستين بدنة.

(1)وعند دخول النبى – صلى الله عليه وسلم – أشاع أهل مكة أن المسلمين مصابين بحمى الصفراء (مُعدية).

          فأمر أبوسفيان بخروج أهل مكة ويجلسون على رُؤوس الجبال والذين لم يخرجوا لما سمعوا هذه الإشاعة خافوا من المرض وخرجوا من مكة.  وما بقى في مكة إلا سادة قريش أمثال: (1) صفوان بن أُمية ، (2) عكرمة بن أبي جهل.

          هذه أول مرة يدخل النبى – صلى الله عليه وسلم – منذ 7 سنوات ، وكان المسلمون فى منتهى الفرح لسعيهم ولطوافهم وتلبيتهم وعمرتهم هذه.

          عندما نظرت قريش إلى تسليح النبى والمسلمين – وبعثت قريش مكرز بن حفص في نفر من قريش.  حتى لقوه ببطن بأجج – ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أصحابه والهدى (60 بدنة) والسلاح ، قالوا:  يامحمد ، ما عُرفت صغيراً ولا كبيراً بالغدر تدخل بالسلاح الحرم على قومك.

          وقد شرطت لك قريش أن لا تدخُل إلا بسلاح المسافر ، والسيوف في القرب؟

          فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (إني لا أُدخلُ عليهم السلاح).

          خرج النبى – صلى الله عليه وسلم – مستعداً بالسلاح والمقاتلة ،خشية أن يقع من قريش غدر ، فلما بلغ بأجج وضع الأداة كلها والنبل والرماح وخلف عليها (أوس بن خولى الأنصارى) في 200 رجل حراسة.

          ودخل بسلاح الراكب والسيوف في القرب.

          وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند الدخول راكباً على ناقته القصواء – والمسلمون متوشحوا السيوف ، ينظرون برسول الله – صلى الله عليه وسلم يلبون.

          وعبدالله بن رواحه آخذ بخطام الناقة ويقول الشعر:

          خلُو بنى الكفار عن سبيله                        اليوم نضربكم على تأويله

          كما ضربناكم على تنزيله.

المعنى:

          نحن نزيل رءوسكم وقاتلناكم وضربناكم ، فخاف عمر بن الخطاب أن يثير هذا الكلام نفوس الكفار ويقاتلوا المسلمون وهم بدون سلاح.

          فقال عمر:  ياابن رواحة بين يدي رسول الله وفي حرم الله تعالى تقول الشعر.

          فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  قل يابن رواحه بصوت عال:

          لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.

          فأخذ عبدالله بن رواحه يقولها في صوت عالي.

          فأصبح هذا الدعاء سُنة – فعلى المعتمر أو الحاج يقول هذا الدعاء على الصفا والمروة.

          عن عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما قال:  صفُوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه.

          فلما دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسجد – أضطبع بردائه وأخرج عضُده اليمني ثم قال:  (رحم الله أمرأ أراهم اليوم من نفسه قوة) ، ورمل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمسلمون ثلاثة أشواط ، فلما رأهم المشركون قالوا:  هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتم ، هؤلاء أجلد من كذا وكذا (رواه الترمذي).

          ولما فرغ من الطواف ، والسعي بين الصفا والمروة – فلما فرغ من السعي ، وقد وقف الهدى عند المروة – قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (هذا منحر وكل فجاج مكة منحر)  فنحر عند المروة وحلق هناك.

          أمرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يرمُلوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاءُ عليها.

          بعد ما اعتمر النبى – صلى الله عليه وسلم – نحر – والنحر في العمرة سُنة وليس بواجب وله أجر عظيم.

          نحر النبى ثم نحر أصحابه.

          ثم أرسل النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى زعماء مكة أن يفتحوا له الكعبة ليدخل ولكنهم رفضوا!  وقال:  (لم نتفق على هذا في بنود الصلح – وهذا ليس في العهد ، فلما رأى النبى – صلى الله عليه وسلم – ذلك قال لبلال:  أصعد على الكعبة وأذن ، فصعد بلال وأخذ يؤذن وقريش تنظر آذان الإسلام اللهُ أكبر اللهُ أكبر أشهدُ الا إله إلا الله ….).

          وهنا قال عكرمة بن أبي جهل وكان مازال على الكفر:  (قد أكرم الله أبا الحكم إذ لم يرى هذا العبد يؤذن فوق الكعبة) من غروره.

          وكان آذان بلال في منتهى الأذى بالنسبة لهم.

كيف يؤذن بآذان الإسلام فوق الكعبة؟؟    كان أشد من دخول الكعبة..

          كان هناك جماعة من السفهاء من أهل قريش قالوا:

          (الآن العمرة انتهت والإتفاق الذى بيننا وبينهم أنهم يعتمرون ، فالآن انتهى العهد – فبدأوا يعدون العدة للهجوم على المسلمين ، ولكن العهد ليس العمرة فقط ولكنه مدته عشر سنوات ليس هناك حرب).

          ولكن هؤلاء السفهاء أرادوا أن يستفذوا المسلمين بهذه الطريقة ويبدأوا القتال – فلما رأهم النبى – صلى الله عليه وسلم – فأرسل إليهم واحد قال لهم:

          إن شئتم القتال جئنا بالسلاح من خارج مكة ونقاتلكم هؤلاء السفهآء ما كانوا يدرون أن هناك سلاح- وعندما علموا بهذا خافوا وفروا.

          ثم بعث ناساً إلى يأجج ، فيقيموا على السلاح ، ويأتي الآخرون فيقضون نسكهم ففعلوا.

          فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمكة ثلاث ليال ، وكان يريد أن يمكث أكثر وما أن أصبح من اليوم الرابع أتاه سُهيلُ بنُ عمرو – وجُويطبُ بن عبدالعُزى ، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مجلس الأنصار يتحدث مع سعدُ بن عبادة.  فصاح حُويطبُ نُناشدُك الله والعقد لماذا لم تخرج من أرضنا فقد مضت الثلاث – فقال سعد بن عبادة:  كذبت لا أم لك ، ليس بأرضك ولا بأرض آبائك ، والله لا يخرج.

          ثم نادى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سُهيلاً وحُويطياً فقال:

          (إني قد نكحتُ فيكم امرأة ، فما يضركم أن أمكث حتى أدخل بها ونصنع الطعام فنأكُلُ وتأكلون معنا؟؟).

فقالوا:  نُناشدُك الله والعقد إلا خرجت عنا – لا حاجة لنا في طعامك ، فأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أبا رافع فأذن بالرحيل.

قصة تزويجه عليه الصلاة والسلام بميمونة بعد عمرة القضاء

          أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تزوج ميمونة بنت الحارث وكانت جعلتُ أمرها إلى أُختها أم الفضل – فجعلت أم الفضل أمرها إلى زوجها العباس فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:  أنه لما انتهت إلى خطبهُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهى راكبة بعيراً قالت:  الجملُ وما عليه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم.

          قال السُهيلي:  وفيها نزلت الآية رقم (50) سورة الأحزاب:

(وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

          حديث إسناد حسن أخرجه ابن هشام في السيرة.

          وقيل أن ميمونة بنت الحارث – هي من الموهبات للنبى – صلى الله عليه وسلم – وامرأة مؤمنة لا كافرة إن وهبت نفسها للنبى بدون مهر وأراد النبى أن يستنكحها حال كون هذه الموهبة خلاصة لك دون المؤمنين ، فالمؤمن له وهبت له امرأة نفسها بدون مهر لم تحل له بل ولابد من المهر والولى والشهود.

          وأحللنا لك النسآء المؤمنات الصالحات اللواتي وهبن أنفسهن لك حباً في الله ورسوله وتقرباً لك – إن أردت يامحمد أن تتزوج من شئت منهن بدون مهر – خاصة لك يامحمد دون سائر المؤمنين.

وأخيراً:

          خرج النبى – صلى الله عليه وسلم – من مكة وخيم خارج مكة وأقام النبى – صلى الله عليه وسلم – بسرف حتى قدمت عليه ميمونة.  فبنى بها ثم دخل عليها.

          ثم سار حتى قدم المدينة – وقدر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد ذلك بحين – فماتت هناك.

                                                                  ( والحمد لله رب العالمين)

         

 

 

 

 


اترك تعليقاً