قصة سليمان عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،،،،

فهو سليمان بن داود بن إيشا بن عويد ..  من سبط (يهوذا بن يعقوب) وينتهى نسبه إلى إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وورث سليمان داود وهى وراثة نبوة وملك وليس وراثة مال.  والدليل على ذلك قول النبى – صلى الله عليه وسلم:  (نحن معشر الأنبياء لا نُورث ما تركناه صدقة) ماتركه داود تحول إلى صدقة بعده.

كل ماتركه داود من المال أو النعم تحول إلى صدقة بعده وتُصرف على فقراء الأمة (الفقراء والمساكين) كل ما يتركه يكون لكل المؤمنين ولكن أكثر الأنبياء لم يتركوا شيئاً.

وقد أشترك سليمان مع أبيه فى كثير من مواطن القتال ومجالس القضاء وتعلم من أبيه (داود) فنون السياسة وتدبير شئون الناس ودرس على أبيه علوم الشريعة وحفظ الزبور.

معجــــزاته:

(1)            وآتاه الله الحكمة وزاده من لدنه علماً.

(2)            ومكنه من فهم لغة الطير.

(3)            وسخر له الريح تجرى بأمره.

(4)            وسخر له الجن يعملون بين يديه.

(5)            وأسال له عين القطر.

(6)            وأجرى على يديه كثيراً من خوارق العادات.

وردت قصته فى سورة الأنبياء – النمل – سبأ – ص.

وذكر اسم سليمان عليه السلام فى القرآن الكريم فى ستة عشرة آية وكان من معجزاته أنه كان يعرف لغة الطيور

مصداقاً لقوله تعالى فى سورة النمل الآية (15 – 16):

(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ(15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)(16).

العلم هو علماً بالدين والحكم ، وفى الآية دليل على شرف العلم وتقدم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجل النعم وأن من أوتيه فقد أوتى فضلاً على كثير من عباد الله المؤمنين (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة (11).

ومر بهدهد فوق شجرة ، وقد نصب له صبى فخاً فقال له سليمان: أحذر ياهدهد! فقال: يانبى الله هذا صبى لا عقل له فأنا أسخر به ثم رجع سليمان فوجده قد وقع فى يد الصبى – فقال سليمان:  هدهد ما هذا؟  قال: ما رأيتها حتى وقعت فيها يانبى الله – قال: ويحك فأنت ترى الماء تحت الأرض أما ترى الفخ! قال يانبى الله إذا نزل القضاء عمى البصر ..

وصاح عنده طاوس – فقال سليمان:  أتدرون ما يقول؟  قالوا: لا.   قال: إنه يقول كما تدين تدان.

وصاح عنده هدهد – قال:  فإنه يقول:  من لا يرحم لا يُرحم.

وهدرت حمامة عند سليمان فقال:  إنها تقول سبحان ربى الأعلى عدد ما فى سمواته وأرضه.

الببغاء تقول:  ويل لمن الدنيا همه.

الضفدع يقول:  سبحان ربى القدوس.

وقال الحسن:  قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (الديك إذا صاح قال:  أذكروا الله ياغافلين).

وقال الحسن البصري:  قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (النسر إذا صاح قال يا ابن آدم عش ما شئت فآخرك الموت).

جعله الله ملك ليس فى الدنيا كلها ملك أعظم من سليمان ليس فيما سبقه ولا فيما يأتى بعده إلى يوم القيامة يتحكم فى كل شئ.

قصة العصفور فوق القبة:

هناك حكاية ذكر مثلها ابن كثير….

فى يوم جلس سليمان تحت قبة كبيرة على كرسيه فكان عصفور مع عصفورة فوق القبة – ويقول العصفور لها تتزوجينى – فقالت له: لا ، فقال لها: إن تزوجتينى أنا مستعد أن أعمل كل شئ علشانك حتى لو قلت لى أهدم هذه القبة على سليمان ههدها.

الريح وصلت كلامه إلى سليمان – فأمر العصفور أن ينزل – وقال له:  ءأنت القائل هذا؟  قال:  نعم.  قال: وهل تقدر وترضى أن تهدم القبة عليَ – قال: يانبى الله إنى عاشق وليس للعاشقين عقول..

قصته مع النملة:

          يقول الله تعالى فى سورة النمل الآية (17 : 19):

(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ(18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)(19).

          وادى النمل وهو مكان يجتمع فيه بكثرة كاثرة فيسمع سليمان نملة تخاطب جماعة النمل فتأمرهم أن يدخلوا مساكنهم لوقاية أنفسهم من خطر هذا الزحف القادم عليهم – وكأنها ملكة عليهم يأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها – وإنها لنملة حكيمة لها من الحكمة مثل ما لسليمان وبالله عليكم من أخبرها أن هذا الجيش العظيم من الإنس والجن والطير هو جيش سليمان!  إنه الإلهام الإلهى الذى يتجلى فى أصغر المخلوقات.

ماذا أراد الله من هذا الموقف العجيب؟

          أن يصغر فى عينى سليمان هذا الملك العريض الذى بين يديه وذلك كى لا يدخل على نفسه شئ من العجب والزهو.   وسليمان عليه السلام قد وعى الدرس واستوعب العبرة فحاد بركبه عن وادى النمل.

          إن للنملة سلطاناً كسلطان سليمان ودولة كدولته وجنداً كجنده ، ثم إنها تقوم على هذه الدولة وترعاها رعاية الأم لابنائها وإنها لتضع عينيها دائماً على مواقع الخير ترتاده لرعيتها وإلى مواطن الشر تدفعه عنها وتحذر منه – فهل تجد رعية سليمان فى ظله مثل هذه الرعاية التى تجدها جماعة النمل فى ظل هذه النملة.

          فها هو سليمان عليه السلام تعلمه نملة فنون الحراسة والتدبير وتدارك الخطر قبل وقوعه وتقدير العواقب بنظر ثاقب ورأى صائب وكأنها توحى إليه أن مملكته هذه وإن رأها عظيمة فهناك ممالك كثيرة تدانيها أو تساويها أو تفوقها فى كثير من نواحى الأبهة ومناحة العظمة.

          والنمل حيوان فطن قوى شمام جداً يدخر ويتخذ القرى ويشق الحب بقطعتين لئلا ينبت – ويشق الكزبرة بأربع قطع لأنها تنبت إذا قسمت شقتين – ويأكل نصف ما جمع ويستبقي سائره عنده .

وجآءت قصة سليمان مع بلقيس:

          الهدهد له شأن عظيم فهو يتقدم الجند فى مسيرهم ليكشف لهم عن مواطن الماء فبحث عنه بعد التحرى والبحث لم يجده – فغضب سُليمان لفقده غضباً شديداً ويتوعده بالتعذيب أو الذبح إن لم يأته بحجة ظاهرة مقنعة تمهد له العذر فى غيبته.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة النمل الآية (20 – 21):

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ(20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)(21).

          تفقد سليمان جنده من الطير طالباً الهدهد لأمر ظهر وهو يتهيأ لرحلة هامة.

        لماذا تفقد سليمان الهدهد دون سائر الطير؟

          أحتاج إلى الماء ولم يعرف عمقه أو مسافته وكان الهدهد يعرف ذلك دون سائر الطير فتفقده.  عذاب الهدهد بنتف ريشه ويتركه (للشمس والحشرات) تأكله فلا يمتنع منها أو يترك الطيور تنقر فيه أو يقطع حلقومه أو يأتى بحجة واضحة على سبب غيبته.

          وأعلن سليمان هذا الحكم أمام الجند ، لكيلا يحدث أحد منهم نفسه بأن يخرج عن حشده و يغيب عن ناظريه بلا إذنه حسماً لنوازع الفوضى.

          جاء الهدهد ووقف قريباً من سليمان ليعلم سليمان انه غير قادر عليه – وإن كان بين يديه – إلا إذا أقدره الله – فالملك لله أولاً وآخراً ، والأمر كله بيده والخلق جميعاً فى قبضته.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة النمل الآية (22- 26):

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ(23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ(24) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ(25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(26).

          وهنا يتكلم الهدهد – فيقول بكل ثقة واعتزاز (أحطت بما لم تحط به) أطلعت على ما لم تطلع عليه – أوتيت من لاعلم ما لم تؤته عرفت شيئاً لم تعرفه وأنا طير صغير وأنت ملك عظيم سخر الله لك الجن يعملون بين يديك.

          (وجئتك من سبأ) وسبأ قبيلة من قبائل اليمن وهى قرية فى جنوب الجزيرة العربية على قرب من بلاط ملكك ولديك من الوسائل ما يقرب البعيد – الخبر الصادق الذى لا شك فيه ، ولها عرش عظيم بحسب مقاييس العصر الذى كان يعيش فيه سليمان عليه السلام.

          قال ابن عباس:  كان طول عرشها  80  ذراع   =  60  متر

          وعرضه:  أربعين      =   30  متر

          وأرتفاعه:  30  ذراع      =   22,5  متر

          عرش:  سرير كبير ومرتفع ومزين باللؤلؤ والزبرجر الأخضر والدر والياقوت الأحمر ، فيقول:  وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وهى مخلوق مثلهم وعلل ذلك بأن الشيطان قد لعب برءوسهم وأفسد عليهم فطرتهم وزين لهم سوء أعمالهم وصدهم عن السبيل المستقيم.

          وكان الأولى بهؤلاء أن يسجدوا لله الذى يخرج الخبء فى السموات.

          خبُء السماء:  مطرها وخُبْ الأرض كنوزها ونباتها ….

          ويُعلم سبحانه وتعالى ما يخفون فى نفوسهم وما يعلنون عنه بألسنتهم الله لا إله هو رب العرش العظيم.  وصف الرب تعالى بالعرش العظيم ليقابل وصف بلقيس به وأين عرش مخلوقه وإن كانت ملكة بنت ملك من عرش الله الخالق لكل شئ والمالك لكل شئ.

          وقد لقن الهدهُد سليمان فى هذا النبأ أربع دروس:

الدرس الأول:  إن هؤلاء القوم قد بدلوا فطرتهم وضلوا سواء السبيل فأين كان سليمان عليه السلام منهم؟

الدرس الثانى:  إن الشيطان دائماً ما يكون وراء كل ضلال فى المعتقد وفساد فى الأرض فهو عدو الإنسان أينما كان ، وعلى كل نبى أن يحارب الشيطان ويرد كيده عن نفسه وعن رعتيه.

الدرس الثالث:  إن الله هو الذى يعلمُ الغيب ويُخرج الخبء فلا الهدهُد ولا سليمان ولا غيرهما بقادر على ذلك.

الدرس الرابع:  أن الهدهُد وإن كان طيراً صغيراً لا عقل له إلا أنه يدرك بالإلهام كما يدرك سليمان بالفطرة ، والعلم والوحى– أن المعبود بحق هو الله.

          فأى هدهد هذا بالله عليكم؟  ولله فى خلقه شئون .     

قال الله تعالى على لسان سُليمان فى سورة النمل الآية (27 – 28):

(قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(27) اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ

ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)(28).

          وإذا كان الأمر كما وصف والحق كما صورت فهذا كتابى أذهب به فألقه إليهم ثم تنح إلى مكان تنتظر رأيهم وترتقب جوابهم.

          فعلاً ذهب الهدهُد بالكتاب ودخل القصر من كوة فيه وألقى الكتاب فى حجرالملكة بلقيس فارتاعت له.

وقال بعض العلماء:  كانت لها كُوة مستقبلة مطلع الشمس فإذا طلعت سجدت فسدها الهدهد بجناحها فأرتفعت الشمس ولم تعلم فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى الصحيفة إليها فلما رأت الخاتم ارتعت وخضعت – فقرأته فجمعت الملأ من قومها (أشراف قومها) ولكى تعتصم بحكمهم.

          قومها كانوا ضعاف العقول أقوياء فى الجسم وهى كانت عاقلة لذلك حكمتهم …   أهل المشورة عندها 313  كل رجل منهم على عشرة آلاف.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة النمل الآية (29 – 31):

(قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ(29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(31).

          عجبها أسلوبه المهذب واستشفت منه ان كاتبه أهل للملك والنبوة وأنه حكيم قد جمع مقاصده فى جملة واحدة مكونة من نهى وأمر( ألا تعلوا علىَ وأتونى مسلمين).

          ومعنى إنه من سليمان أى صادر منه وأنه مكتوب ومرسل بسم الله الرحمن الرحيم أى بإذنه وشرعه ألا تعلو على أى لا تتكبروا على الحق فإنى بسم الله أطلبكم وائتونى مسلمين أى خاضعين منقادين.          

          قالت الملكة لرجالها:

          اشيروا علي بما ترونه صالحاً لا أقضى فى أمر حتى تحضرونى وتبدوا فيه وجهة نظركم – فقالوا نحن أولوا قوة عسكرية من سلاح وعتاد وخبرة وأولوا بأس شديد عند خوضنا المعارك فالأمر لكى فأمرى ننفذ إنا طوع يديك – ورهن كلامك قالت لهم إن الملوك إذا دخلوا قرية عنوة بقوة بدون صلح (أفسدوها) خربوا معالمها وبدلوا وغيروا فيها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، بضربهم وإهانتهم وخلعهم من مناصبهم (وكذلك) أصحاب هذا الكتاب (يفعلون).فإني مرسلة له بهدية .

فإن قبلها سليمان فهذا ما كانت تبغي ،ولا شك أن هذا القبول سيترتب عليه من الأمور ما تحمد عاقبته ،وإن لم يقبلها يكون الأمر جد لا هزل فيه ،وعندئذ يكون من الخير لها ولقومها أن تستجيب له وتدخل في دينه إيثاراً للسلامة والعافية.

قال قتادة -رضى الله عنه:يرحمها الله إن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها قد علمت أن الهدية تقع موقعاً من الناس (لها تإثيركبير) .

إن قبلوا الهدية المالية فهم أصحاب دنيا ، وإن رفضوها فهم أصحاب دين – وعندها نتخذ ما يلزم حيالهم …

الهديــــة:  مائة وصيف ومائة وصيفة وقد خولف بينهم فى اللباس.

وقالت للغلمان:  إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام فيه تأنيث يشبه كلام النسآء.

وقالت للجوارى:  كلمنه بكلام فيه غلظ يشبه الرجال – وقيل:  إن الله أخبر سليمان بذلك.

وقالت لرسولها:  إن نظر إليك نظر مغضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك منظره فأنا أعز منه.

          وإن رأيت الرجل بشاً لطيفاً فأعلم أنه نبى مرسل فتفهم قوله ورد الجواب ، فأخبر الهدهد سليمان بذلك.

          وكانت عمدت إلى حُقه من ذهب فجعلت فيها دُرة يتيمة غير مثقوبة وخرزة معوجة الثقب وكتبت كتاباً مع رسولها تقول فيه: إن كنت نبياً فميز بين الوصفاء الوصائف وأخبر بما فى الحُقه – وعرفنى راس العصا من أسفلها – وأثقب الدُرة ثقباً مستوياً – وأدخل خيط الخرزة – وأملأ القدح ماء من ندى ليس من الأرض ولا من السماء.        

فلما وصل الرسول ووقف بين يدى سليمان أعطاه كتاب الملكة فنظر فيه وقال:  أين الحُقة؟  فاتى بها فحركها فأخبره جبريل بما فيها ثم أخبرهم سليمان.  فقال له الرسول: صدقت.  فأثقب الدُرة وأدخل الخيط فى الخرزة.

          فسأل سليمان الجن والإنس عن ثقُبها فعجزوا – فقال للشياطين ما الرأى فيها فقالوا:  ترسل إلى الأرضة.  فجآءت الأرضة فأخذت شعرة فى فيها حتى خرجت من الجانب الآخر.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة سبأ الآية (14):

(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).

          ثم قال سليمان: من لهذه الخرزة يسلكها الخيط؟  فقالت دودة بيضاء:  أنا لها يانبى الله – فأخذت الدودة الخيط فى فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر – ثم ميز بين الغُلمان والجوارى كيف …  فأمرهم فتوضئوا فمن توضأ منهم فبدا بمرفقه قبل كفه قال:  هو من الإناث – ومن بدأ بكفه قبل مرفقه قال:  هو من الذكور ثم أرسل العصا فى الهواء فقال: أى الرأسين سبق إلى الأرض فهو رأسها.

          وأمر بالخيل فأُجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقها ثم رد سليمان الهدية (واملأ القدح ماء من ندى ليس من الأرض ولا من السماء) فروى أنه لما صرف الهدية إليها وأخبرها رسولها بما شاهد – قالت لقومها:  هذا أمرُ من السماء.

        يرد سليمان الهدية

          ويوحى إليهم بأنه قادم لحربهم بجنود لا قبل لهم بها ، ولا طاقة لهم على قتالهم – وأنه عازم عزماً مؤكداً على إخراجهم من قريتهم أذلة صاغرين يخاضعون منقادون.

          وعلم سليمان عليه السلام بعزمها على المجئ إليه عن طريق الوحى أو الإلهام فأستشار الملأ فى الإتيان بعرشها – وقال لهم: (أيكم يأتينى بعرشها فى اقرب وقت وأحسن حال).

          فقام عفريت من الجن وقال:  أنا آتيك به قبل أن ينفض مجلسك (مجلس القضاء) ، (كان سليمان يجلس فى هذا المجلس من الفجر إلى الظهر).

          وأنا قادر على حمله والإتيان به وأمين على ما فيه من جواهر وذهب لا يضيع منه شئ – (قال الذى عنده علم من الكتاب).

من هو؟  فى كثير من التفاسير هو: سليمان عليه السلام ، وسأل ربه باسمه الأعظم الذى ما دعى به إلا أجاب وإذا العرشُ بين يديه – فقال (أأشكر) نعمته علي أم أكفرها… (ومن شكر) فلنفسه أى عائد الشكر يعود عليه بحفظ النعمة ونمائها ، ومن كفر بالنعمة (فإن ربى غنى) عن شكره إليه.

وقد قالوا:  الذى عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا ، وكان يعرف اسم الله أعظم (وهو أحد علماء بنى إسرائيل).

وقد قالوا جبريل:  عليه السلام باللغة العبرية (أهيا شر هيا) ، وقالت عائشة – رضى الله عنها – قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (إن اسم الله الأعظم الذى دعا به آصف بن برخيا ياحي ياقيوم).(والله أعلى وأعلم)

وقال الزهرى:  دعاء الذى عنده اسم الله الأعظم:  ياإلهنا وإله كل شئ إلهاً واحداً لا إله إلا أنت اتينى بعرشها فمثُل بين يديه.

الدليل على أنه سليمان:

(1)            إنه لا يعقل أن يكون فى أمة سليمان من هو أعلمُ بالكتاب منه – فهو نبى مُرسل مشهود له بالعلم والحكمة فكيف يأتى بالعرش واحد من جنده بعلم من الكتاب لا يعلمه سليمان.

(2)            إن سليمان عليه السلام حين قال له العفريت:  أنا آتيك به لم يقبل هذا التحدى – فأراد أن يُلقن العفريت درساً ليكون عبرة له وللجن والإنس جميعاً (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) ليكون إتيان هذا العرش معجزة أخرى تضاف إلى معجزاتى الدالة على صدقى فيما أدعوكم إليه.

(3)            إنه قال:  (فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربى) إنه نسب الفضل إلى الله وحده ، ولم يشر من قريب أو من بعيد إلى آصف بن برخياء ولا إلى غيره.

قال الله تعالى على لسان سليمان عليه السلام فى سورة النمل الآية (41 – 43):

(قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ(41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ(42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ)(43).

          لقد خرجت هى فى موكبها الملكى بعد أن أحتاطت لعرشها أيما احتياط.  إلا أن العرش وصل قبلها بدعوة الذى عنده علم من الكتاب ، وقبل وصولها أراد سليمان أن يختبر عقلها من حيث الحصافة أو الضعف لماذا؟

          قيل:  خافت الجن أن يتزوج بها سليمان فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبدا – فقالوا لسليمان:  إنها ضعيفة العقل ورجلها كرجل الحمار.

          فأراد سليمان أن يختبرها (عقلها) فقال: (نكروا لها عرشها) لنعرف عقلها – فلما جآءت (قيل لها أهكذا عرشُك).  (فقالت كأنه هو) إذ لو قالت:  هو لقالوا كيف يكون هو المسافة مسيرة شهرين ولو قالت ليس هو لقيل لها كيف تجهلين سريرك فكانت ذات ذكاء ودهاء ….

الرأى الثانى:

          هو من قول سليمان أى أُوتينا العلم بقدرة الله على ما يشآء من قبل هذه المرأة.

          وقوله (وصدها ما كانت تعبد من دُون الله) إتباعاً لقومها إذ كانوا يعبدون الشمس من دون الله.  (إنها كانت من قوم كافرين) فهذا سبب عدم إيمانها وتوحيدها وهو ما كان عليه قومها..

          وجلس سليمان فى بهو صرحه وكان البهو تحته بركة ماء عظيمة فيها أسماك كثيرة وللماء موج وسقف البركة مملس من زجاج ومع سليمان جنوده من الإنس والجن يحوطون به ويحفونه من كل جانب وأمرت أن تدخل الصرح لأن سليمان الملك يدعوها.

          مصداقاً لقول الله تعالى فى سورة النمل الآية (44):

(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

          قالت:  رب إنى ملت حينا عن عبادتك وضللت بعض الزمن عن رحمتك فظلمت نفسى وحبستها عن نورك والآن قد أسلمت مع سليمان خالصة لك متوجهة إلى طاعتك وأنت أرحم الراحمين.

لماذا عمل سليمان هذه اللجة؟

          ليختبر قول الجن فيها إن أمها من الجن ورجلها رجل حمار.  قال وهب:  فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد بها الغرق، وتعجبت من كون كرسيه على الماء ورأت ما هالها ولم يكن لها بد من امتثال الأمر (وكشفت عن ساقيها) فإذا هى أحسن الناس ساقاً سليمة مما قالت الجن.  (إنه صرح ممرد من قوارير).

          ولما رأى سليمان عليه السلام قدميها قال لناصحه من الشياطين كيف لى أن أقلع هذا الشعر من غير مضرة بالجسد؟

فيروى أن سليمان تزوجها عند ذلك وردها إلى ملكها باليمن ، وكان يأتيها على الريح كل شهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام فولدت له غلاماً سماه داود مات فى زمانه .. وأحبها حباً شديداً.

          يقال ان النبى – صلى الله عليه وسلم قال:

          (كانت بلقيس من أحسن نسآء العالمين ساقين وهى من أزواج سليمان عليه السلام فى الجنة) فقالت عائشة:  هى أحسن ساقين منى؟  فقال عليه الصلاة والسلام:  (أنت أحسن ساقين منها فى الجنة)  ذكره القُشيرى:

          (رب إنى ظلمت نفسى وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين).

          وبهذا أصبحت مسلمة صالحة.  ولم يذكر القرآن عنها بعد شيئاً فلنسكت عما سكت عنه القرآن.

سليمان ومعجزة الريح:

          ومن المعجزات التى أيده الله بها – وكانت من أجل النعم عليه – تسخير الريح تجرى بأمره حيث أراد.  وتسخير الريح أهم مظهر من مظاهر ملكه و مظهر فريد من نوعه وعجيب من عجائب صنع الله تبارك وتعالى ..  إنها ريح يركبها كما يركب الخيل فيوجهها الوجهة التى يبتغيها وعليها جنوده من الإنس والجن والطير – فيا له من ملك قد اجتمعت فيه آيات من بدائع قدرة الله تعالى – ليس لها مثال سابق ولا مثال لاحق.

صنع له الجن البساط:

          البساط عبارة عن خشب نشر ووضع بعضه بجانب بعض – يركب البساط ليحارب الأعداء – ويركب الجيش حوالى 60 ألف – عايزين يأكلوا الأغنام – جمال – أطعمة من الحبوب والفاكهة تمويل 60 ألف.

          سيدنا سليمان عامل عليهم رقيب ينظمهم – النسآء لها مكان – الخيول لها مكان – وبعد الإستقرار يأمر سليمان الريح فتحمل البساط وترتفع به لأعلى – أعلى من أى بناء فى ذلك الوقت وكان عندهم مبانى عالية وشاهقة – ممكن أن يشرب الشاى على هذا البساط ليس فيه مطبات هوائية كالطائرات الحديثة بسبب الريح الهادئة اللينة الرخاء.

          وتسير بهم وكانت الريح تقطع المسافة فى نصف يوم من الفجر إلى الظهر.

          مصداقاً لقول الله تعالى فى سورة الأنبياء الآية (81):

(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ)

          وسخر الله لسليمان الريح العاصفة (الشديدة الهبوب) وكانت تجرى به وبأصحابه إلى حيث أراد ثم ترده إلى الشام (يغزو أول النهار وفى آخره تعود به) ويشبه هذا البساط أكبر سفينة حربية اليوم (مثل سفينة الفضاء تماماً).

          وقال جل شأنه فى سورة (ص) الآية (36):

(فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ).

          ووصف الله سبحانه هذه الريح بوصفين: (1) عاصفة ، (2) رخوة.

          كان سيدنا سليمان عليه السلام يتحكم فى الريح ، أى مكان يريد أن ينزل المطر – يأمر السحاب تحرك الغيوم فينزل المطر فى هذا المكان ، رخاء: بالخير – الريح الهادى..

          وكان يتحكم فى الريح من مكانه فى القدس.

          وقد بين الله سرتها بقوله جل شأنه فى سورة سبأ الآية (12):

          (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ).

          وسخرنا لسليمان الريح غدوها سيرها من الغداة إلى منتصف النهار مسيرة شهر ورواحها من منتصف النهار إلى الليل شهر كذلك أى مسافة شهر.  فتقطع مسيرة شهرين فى يوم واحد.

ومن معجزات سليمان أيضاً:    (عين القطر)

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة سبأ الآية (12):

          و(وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ).

          عين تسيل منها القطر وهو النحاس المذاب – يخرج كالماء.

سليمان والخيل:

          وقد قص الله علينا فى سورة (ص) ما وقع له فى الآية (30 : 33):

(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ(30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ(31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ(32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ)(33).

          وظل سليمان عليه السلام يستعرض الخيل حتى توارت الشمس بالحجاب وهو الليل الذى سترها عن الأبصار – ثم طلب سليمان ردها إليه مرة أخرى فطفق = أخذ يمسح بيده الشريفة على سوقها وأعناقها إعجاباً بها وحنواً عليها لأنه وهبها لله عز وجل ووقفها على الجهاد فى سبيله.  وهذا هو الرأى الصحيح…

فتنة سليمان:

          سليمان عنده 1000 امرأة منهن 300 امرأة من النوع الحر – 700 من الجوارى. وكانت عنده الفحولة غير طبيعى ، وفى يوم أقسم سليمان عليه السلام كما جآء فى الحديث الصحيح:  فى صحيحى البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله. فقال له صاحبه:  قل إن شاء الله ، فلم يقل: إن شاء الله.  فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل إلا امرأة واحدة وجآءت بشق رجل ، والذى نفسى محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله فرساناً أجمعون).

          وهذا مصداقاً لقول الله تعالى فى سورة (ص) الآية (34 – 35):

(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ(34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)(35).

          ابتليناه – فوضعت واحدة بولد مشلول بالشلل النصفى فلما وضعته أمه أتوا به إلى سليمان ووضعوه على كرسيه – (ثم أناب) سليمان أناب إلى ربه فاستغفر وتاب فتاب الله عليه.

سليمان والجن:

          جعل الله سليمان عليه السلام ملك ليس فى الدنيا كلها ملك أعظم منه ليس فيما سبقه ولا فيما يأتى بعده إلى يوم القيامة – يتحكم فى كل شئ ومما سخر له ولم يسخر لاحد قبله ولا بعده (الجن)         

يقول الله عز وجل فى سورة سبأ الأية (12 – 13):

(وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ(12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)(13).

          وسخرنا من الجن من يعمل بين يديه = أمامه وتحت رقابته ، يعمل له ما يريد عمله من أمور الدنيا – وذلك بإذن الله تعالى القادر على تسخير ما يشآء لمن يشآء – (ومن يزغُ منهم) ومن يعدل من الجن (عن أمرنا) عما أمرناهم بعمله وكلفناهم به (نذقه من عذاب السعير) وذلك يوم القيامة.

          (ومن يعمل بين يديه) من محاريب قصور أو بيوت أو الحصون تكون ملاصقة للمسجد للتعبد فيها ، (2) تماثيل أى صورمن نحاس أو خشب إذ لم تكن محرمة فى شريعتهم ، (3) جفان جمع جفنة وهى القصعة الكبيرة تتسع لعشرة من الأكلة – (كالجواب) أى فى الكبر والجابية حوض لفرغ فيه ماء البئر ثم يسقى به الزرع أو قدور راسيات – أى ويعملون له قدوراً ضخمة لا تتحول بل تبقى دائماً موضوعة ويطبخ فيها وهى فى مكانها (راسيات:  ثابتات).

          أى أعملوا الصالحات شكراً لله تعالى على هذا الإفضال والإنعام أى أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واطيعوا ربكم فى أمره ونهيه يكن ذلك منك شكراً لله على نعمه ..

          واطلق له الحرية فى إعطاء من شاء وحرمان من شاء وهو نبى معصوم عن الظلم والمحاباة والأثرة – مشهود له بالعدل والإحسان والبذل الواسع والعطاء العظيم – وإنه لنبى مرسل له عندالله حُسنُ مكانه ومقام ..       

وكذلك فى سورة (ص) يقول الله عز وجل الآية (37 – 40):

(وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ(37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ(38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(39) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ)(40).

        حُسن مآب:  حسن مكانة ومُقام.

          وسخرنا له الشياطين وما سُخرت لأحد قبله (والشياطين لهم أعمال ووظائف) منها من يعمل فى البناء فهم يبنون له ما يشآء (غواص) يغوص فى البحر يستخرجون له الدر.

          فسليمان أول من استخرج له اللؤلؤ من البحر.

بناؤه لبيت المقدس:

          قام سليمان ببناء بيت المقدس بعد أربع سنين من توليه الملك ، وأنفق فى ذلك أموالاً كثيراً ، واستمر بناءه سبع سنين واقام السور حول مدينة القدس – (كما قال الشيخ محمد على الصابونى فى كتابه النبوة والأنبياء).

وكان عمره 12 سنة وكان من عادة داود عليه السلام أن يُحضر خصومته ابنهُ سليمان فكان سليمان ملازماً لأبيه فى مجلسه.

          وفى مجلس من مجالس القضاء جلس النبىُ الملكُ داود وجلس بجانبه ابنه سليمان، فأتى خصمان قال أحدهما:  إن زرعاً له قد آتى ثمره ودانت قطوفه وانتشرت فيه غنم خصمه ولم يردها راد – بل سامت وانسابت فى الزرع ليلاً فأهلكتهُ حتى صار أثراً بعد عين.

          حكم داود بالغنم لصاحب الزرع (وهذا هو العدل فى أسمى صوره) يأخذها خالصة له فجزاء إهمال أصحابها الذين تركوها فنفشتا (رعيت ليلاً بلا راع) فى الزرع بالليل.

          ولكن ولده سليمان قد رأى فى القضية رأيا آخر هو أحسن منه وحكم بحكم هو أرفق من حكمه (من حكم داود فأثنى الله عليهما واستحسن حكم سليمان وارتضاه وهو الذى من به عليه وفهمه إياه).

          قال:  يا أبت حكمك حسن ولكن عندى ما هو أحسن منه إن شآء الله تعالى – فحكمك أقرب إلى العدل وحكمى الذى أعرضه عليك هو فى نظرى أقرب إلى الفضل ، وأرفق بصاحب الغنم ، أرى أن يأخذ صاحب الحرث الغنم فيرعاها لصاحبها وينتفع بولدها وألبانها وأصوافها ، ويأخذ صاحب الغنم الأرض فيبذرها لصاحبها ويتولى شئونها ، فإذا صار الزرع كما كان سلمه لصاحبه وأخذ غنمه ، فارتضى داود هذا الحكم وأقره.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الأنبياء الآية (78 : 79):

(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ(78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)(79).

قصة أخرى تدل على حكمة سليمان:

          جآءت امرأتين إلى داود ليحكم بينهما وكان كل واحدة عندها ولد رضيع فجآء الذئب وأكل ابن الكبرى فأخذت ابن الصغرى وقالت هذا ابنى – فحكم داود بالولد للكبرى لأنه ليس هناك دليل على أن الولد ابن الصغرى ..

          فقال سليمان لهما:  اعطونى الولد وائتونى بالسكين أشقه بينكما كل واحدة تأخذ نصف فصرخت الصغرى وقالت: دعه يحيا إعطيه إياها فعرف إنها أمه فأعطاها الولد..

          وكان سليمان من أعقل الناس فى القضاء والحكم ..

          ولكن داود قضى به للكبرى لأن الولد كان بيدها وعلم عجز الأخرى عن إقامة البينة، فقضى به لها إبقاء لما كان على ما كان – ولكن سليمان أحتال حيلة لطيفة ظهر له بسببها صدق الصغرى.

وفاة نبى الله سُليمان:

          توفى سليمان عن 52 سنة بطريقة عجيبة ، أراد الله أن يجعل موته عبرة وعظة لأن الناس فى زمن سليمان فتنوا بالجن حتى كانوا يظنون أن الجن يعلمون الغيب فأراد الله أن يريهم من خلال موت سليمان أن الجن لا يعلمون الغيب.

          وفى يوم سخر سليمان الجن تسخيراً شديداً وهو يراقبهم ومن لم يعمل يعذبه فى الدنيا قبل الآخرة – فوقف يراقبهم واخذوا يعملون أياماً ولا يرتحون ثم أنه أخذ عصاته ووضع كفيه على العصا وسند رأسه على كفيه واستند على العصا يشاهد وبينما هو على هذا الحال قبض الله روحه  وظلت عيناه مفتوحتان وظل الجن يعملون – وكان خليفته من بعده عرف أنه مات فكان يهمس فى أذنه ويرجع وظلت الجن فى السخرة وهو واقف سنة تامة وهم متعجبون سنة كاملة لا يأكل لا يتكلم ولكنه واقف مفتح العينين – الله سبحانه أرسل الأرضه فأخذت تأكل العصا فلما ضعفت العصا فخر سليمان عليه السلام فتبينت الجن أنه مات من سنة – وعرف الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة سبأ الآية (14):

(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).

          إن الجن كائنات محدودة القدرة ولكنهم كانوا يتعاونون على الإنس لقدرتهم (1)على التخفى و (2) والمسير إلى مسافات بعيدة فى وقت قصير.

          إن القرآن الكريم يثبت أن الجن أضعف من الإنسان وأقل منه ذكاءً ، وأحط منه شأناً، ولهذا لم يبعث الله منهم رسلاً – ولكن نرى الكثير من الناس يهابونهم ويخشون بأسهم ولا بأس لهم – ويعتقدون أنهم قادرون على نفع الإنسان وضره.

(  والحمدلله رب العالمين )

اترك تعليقاً