قصة سيدنا عيسى عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فهو عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.

          وهو آخر أنبياء الله ورسله من بنى إسرائيل.

          ذكر اسمه فى القرآن بلفظ (المسيح) (لأنه كان يسيحُ فى الأرض ما كان عنده بيت يسكنه أو مدينة أو قرية يسكنها – كل أرض الله له موطن) تارة وهو لقب له ، ويلفظ (عيسى) وهو أسمه وهوبالعبرية (يشوع) المخلص – لماذا؟  لأنه كان سبباً لتخليص كثيرين من ضلالهم وذنوبهم – وبكنيته (ابن مريم) تارة أخرى.

          وقد ذكر المسيح فى ثلاث عشرة سورة فى القرآن الكريم ومنها:

(1)            سورة البقرة الآية (87):

(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ).

(2)            سورة الزخرف الآية (63):

(وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ).

(3)            سورة المؤمنون الآية (50):

(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)

          أما مريم عليه االسلام فقد ذكرت فى القرآن الكريم 19 مرة (مريم – التوبة – الأحزاب – المؤمنون – الصف – التحريم).

          نرجع إلى الحالة التى كان عليها اليهود بعد عُزير ابن الله ويقدسنه ومرت الأيام وجآء قوم صالحون من ذرية يعقوب عليه السلام وهم آل عمران مصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (33):

(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ).

(1)     وعمران أبو مريم ، (2) صاحب صلاة بنى إسرائيل فى زمانه من كبار رجال الدين فى بيت المقدس وهو من ذرية داود عليه السلام ، (3) حبر من أحبار اليهود وإمام من أئمتهم.

ميلاد مريم عليها السلام:

          مات عمران وزوجته حاملاً بمريم ، وبدأت القصة بأم مريم كانت لا تحمل وفى يوم من الأيام رأت عصفوراً يضع الطعام فى فم صغارها فأشتاقت للولد – فدعت الله وقالت إذا أنا حملت فسوف أضع الولد فى بيت المقدس للعبادة.

          أم مريم:  جنةُ بنت فاقود بن قبيل وكانت من العابدات.

(إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى)(36).

          فنذرت أن تجعل ما فى بطنها من الحمل لخدمة الهيكل وكان من سننهم ينذرون الأولاد لخدمة بيت المقدس يسلموه للأحبار ورجال الدين يتولونه ويعلموه التوراة ويكبر فى العبادة ويكون من العلماء ويخدم بيت المقدس.

          محرراً:  عتيقاً خالصاً لله تعالى وخادماً للكنيسة

          فلما وضعت تبينت أن الجنين أنثى وكانت ترجو أن يكون ذكراً ليخدم فى بيت الله فتوجهت إلى الله تعالى كالمعتذرة أو الآسفة قائلة:  (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى) يعنى أن الأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة لما يصيبها من الحيض والأذى.

          وقال ابن عباس:  إنما قالت هذا لأنه لم يكن يُقبل فى النذر إلا الذكور فخاطبت ربها على سبيل التحسر على ما فاتها من رجائها وخلاف ما قدرت لأنها كانت ترجو أن تلد ذكراً يصلح للخدمة ولذلك نذرته محرراً.  ثم لفتها فى خرقتها وأرسلت بها إلى المسجد بعد أن استغنت عن ثديها…

          ولكن الله تعالى وهبها أُنثى أفضل من الذكر الذى تريده (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ).

          استدل به على تسمية المولود يوم يولد وكما ثبت فى الصحيحين عن أنس فى ذهابه بأخيه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فحنك أخاه وسماه عبدالله ..

          قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

          (كل غُلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ، ويسمى ويحلق رأسه).

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (44):

(ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).

          قصة زكريا ويحيى ومريم عليهم السلام من أخبار الغيب نوحيه إليك يا محمد (وما كنت لديهم) أى بحضرتهم (يلقون أقلامهم) أقلامهم التى يكتبون بها التوراة (أيهم يكفلُ مريم) فقال زكريا: أنا احق بها خالتها زوجتى أشياع بنت فاقود – وقال بنو إسرائيل: نحن أحق بها بنت عالمنا – قال النبى – صلى الله عليه وسلم:

          (فجرت الأقلام وعال قلم زكريا)  وكانت آية لزكريا ، لأنه نبى تجرى الآيات على يديه.

          استدل بعض علمائنا بهذه الآية على إثبات القُرعة – وهى أصل فى شرعنا لكل من أراد العدل فى القسمة.

          وقد عمل بالقرعة ثلاث من الأنبياء:  يونس ، وزكريا ، ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم ، وحديث عائشة رضى الله عنها قالت:

          (كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها).

          ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام أفضل من موسى وأن محمداً – صلى الله عليه وسلم – أفضل منهما ، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها وأكثر عدداً ، وأفضل علماً من بنى إسرائيل وغيرهم (أمة محمد).

هل السيدة مريم نبيه أم لا؟؟

          ولكن أهل السنة والجماعة قالوا صديقة لأنه لا يوجد نبيه من النسآء.

ما معنى صديقة؟  أعلى مقامات مريم هى صادقة الوعد مع الله قوية الإيمان بالله ، وهى درجة تفوق درجة المؤمن العادى ، مصداقاً لقوله تعالى فى سورة المائدة الآية (75):

          (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ).

قال المفسرون:

          اتخذ لها زكريا مكاناً شريقاً من المسجد لا يدخله سواها فكانت تعبد الله فيه ، (2)وتقوم بما يجب عليها من سدانة البيت إذا جآءت نوبتها؟  يعنى:  المحافظة على نظافة وصيانة بيت المقدس (الإشراف العام عليه) ، وتقوم بالعبادة ليلها ونهارها حتى صارت يضرب المثل بعبادتها فى بنى إسرائيل واشتهرت بما ظهرت عليها من الأحوال الكريمة.

          وكبرت بسرعة وبلغت قبل البنات وربنا سبحانه وتعالى تقبل التكفل فى التربية والقيام بشأنها – مصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (37):

(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)

          المحراب:  غرفة عبادتها فى بيت المقدس – كان زكريا يصعد إليها بُسلم.

          بغير حساب:  بلا نهاية.

          وكان يُغلق عليها باباً ، وكان لايدخل عليها إلا زكريا حتى كبرت فكانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله فتكون عند خالتها – وكانت إذا طهرت من حيضها واغتسلت ردها إلى المحراب – وكان كلما دخل عليها يجد عندها فاكهة الشتاء فى الصيف وفاكهة الصيف فى الشتاء – رزق الله يأتها به الله ولا وجود له عند الناس فى ذلك الوقت ، وهى فى وقت ليس فيه وسائل للحفظ ولا ثلاجات – فتعجب زكريا عليه السلام فقال لها: (يامريم من أين لك هذا؟  قالت:  هو من عند الله) – ينزل لها الرزق من السمآء لعبادتها ومكانتها وفضلها ، ويقول الله تعالى عنها فى سورة المائدة الآية (75):

          (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).

          (وأُمُه صديقة)  لكثرة تصديقها بآيات ربها وتصديقها ولدها فيما أخبرها به مصدقة بالله وظهرت عليه الكرامات وهى فى هذا السن الصغير ويقول الله تعالى فى سورة آل عمران الآية (42):

(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ).

          رواه عنه أبو هريرة:  (خير نسآء العالمين أربع:  مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد) رواه أحمد ابن حنبل.

          أفضل نسآء العالمين على الإطلاق:  (1) مريم ثم (2) فاطمة ثم (3) خديجة ثم (4)آسيا ، وهذا فضلها.

          مظاهر القرآن والأحاديث تقتضى أن مريم أفضل من جميع نسآء العالم من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة.

          ثم بعدها فى الفضيلة فاطمة ثم خديجة ثم آسية – وقد خص الله مريم وذلك (1) أن روح القدس كلمها وظهر لها ونفخ فى درعها ودنا منها للنفخة فليس هذا لأحد من النسآء ، (2) وصدقت بكلمات ربها ولم تسأل آية عندما بُشرت كما سأل زكريا.

          فلما قالت مريم:  (هو من عند الله) ، فعند ذلك طمع زكريا فى وجود ولد من صلبه وإن كان قد أسن وكبر ، وقال:  (يا من يرزق مريم الثمر فى غير أوانه هب لي ولداً وإن كان فى غير أوانه).

          وكان عمره 100 سنة وزوجته 99 سنة فشتاق إلى الولد وأخذ يدعو الله عز وجل فى دعاء عظيم مصداقاً لقوله تعالى فى سورة مريم الآية (3 : 7):

(إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا(3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)(7).

          نادى سيدنا زكريا ربه فى الصلاة فاستجاب له فى صلاته ، لقد ضعف كل عظام جسمه – قال:  لقد شخت يارب لم تكن تخيب دعائى إذا دعوتك – سيدنا زكريا متعود أن الله يستجيب دعاءُه وهنا جآءت الإستجابة بقول الله تعالى:

          (فستجبنا له وأصلحنا له زوجه)  الفاء تفيد السرعة).

          كانت عاقر فاصبحت تلد – عمرها 99 سنة وحاضت.

         وسمى يحيي ، هذا الاسم غريب لم يسمى به من قبل – ما فى أحد اسمه يحيى من قبل:

(قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا).

          اجعل علامة لى أن زوجتى حملت واجعل علامة لى أن هذا المولود يظهر على بنى إسرائيل ويعرف بنى إسرائيل فضله ، يتحدث بشفتيه ولم يحدث صوتاً.

          كان يسبح يذكر الله وإذا إلتفت يتكلم فلا يستطيع يكلم نفسه ويسبح يستطيع – ويكلم الناس فلا يستطيع بد أن أتاها فحملت فوراً فخرج على قومه وأوحى إليهم أن يسبحوا الله بالصبح وبالليل.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة مريم الآية (10):

(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا).

          ومصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (39):

(فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ).

          وكان يحيى مصدقاً بعيسى وسمى عيسى كلمة الله لأنه كان بكلمة الله تعالى التى هى (كن) فكان من أم وغير أب – ويحيى أول من آمن بعيسى عليهما السلام وصدقه ، وكان يحيى أكبر من عيسى بثلاث شهور وقيل أكبر منه 6 شهور.

          السيد:  هو الذى يفوق أقرانه فى كل شئ فى (1) الخير ، (2) العلم، (3) العبادة (4) التقى ، (5) ولا يغلبه الغضب.

          وحصُوراً:  لا يأتى النسآء مع القدرة على إتياهن تعففاً وزُهداً وهذا مدح وثناء عليه.

          أنه يبعد نفسه عن الشهوات ولعل هذا كان شرعه فأما شرعنا فالنكاح كما تقدم.

خذ التوراة:  بجد وإجتهاد (1) والعلم به ، (2) والحفظ له ، (3) والعمل به ، (وقد كان حكيماً) ، وجآء فى الحديث:  (قال الصبيانُ ليحيى ابن زكريا اذهب بنا نلعب فقال:  ما للعب خُلقت) – 3 سنوات.

          عن عبدالله بن عمر عن النبى – صلى الله عليه وسلم:

          قال:  (كل بنى آدم يأتى يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا).    ذكره السيوطى.

          قالوا:  (إن يحيى عليه السلام لم يعصى الله قط بصغيره ولا كبيرة ولا هم بامرأة.  وكان طعام يحيى عليه السلام العشب وكان للدمع فى خديه مجارى ثابتة).

          وذكر الطبرى عن الحسن البصرى:

          (أن عيسى ويحيى ألتقيا – وهما ابنا الخالة – فقال يحيى لعيسى:  ادع الله لى فأنت خير منى ، فقال له عيسى:  بل أنت أُدع الله لى فأنت خير منى سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسى).

          يقول الله تعالى عن يحيى:  (وسلامُ عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حياً).

          وعيسى عليه السلام يقول عن نفسه: 

(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).

حمل عيسى عليه السلام وولادته:

          ودخلت مريم فى المكان الذى تخلو فيه للعبادة – فدخل عليها جبريل عليه السلام فى الناحية الشرقية من المسجد الأقصى – ولما رأت رجلاً حسن الصورة فى صورة البشر قد خرق عليها الحجاب فتعجبت من الذى دخل عليها فى هذا المكان المحجوب؟

(واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا(16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا)(17).

          الذى ليس فيه عيب ولا نقص.

          اذكر يا محمد – صلى الله عليه وسلم – القصة إلى آواخرها ليعرفوا كمال قدرتنا.

(قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا(18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا)(19).

          إن كنت تقياً:  تخاف الله.

          أنا جئت من عند الله لأهب لك غلام ذكى =  غلام طاهر مطهر ومبارك.  قالت: غلام؟   وأنا فتاة عابدة قانتة وأنا بكر لم يمسسنى بشر وليس لي زوج وأنا أيضاً ليستُ من البغايا.  (فكيف يكون لى غلام؟).

          قال:  كذلك قال ربك ليس لى دخل وأنت ليس لك رأى.

          هذا أمر الله والله إذا قضى أمراً فإنما يقول له يكن فيكون وأمر القدر لا يتدخل فيه البشر.

          نفس الكلام لسيدنا زكريا قال كيف يكون لى غلام وامرأتى عاقر؟

          قال:  كذلك قال ربك –  وقال لمريم:  كذلك قال ربك هو علىَ هين ولنجعله آية للناس ورحمة) ، وجودهُ يكون فيه معجزات كثيرة وكذلك سيكون وجوده رحمة للناس ثم الأمر انتهى (وكان أمراً مقضياً).

          أمر قضاه الله فلا كلام لنا فيه نحن خاضعون لله ليس لنا فى الأمور شئ على الأطلاق – سعادتنا أن نستكين لربنا وأن نخضع له ونعيش فى منتهى السعادة.

          هى استقر أمُرها واطمئن قلبها ورضيت بما قضى الله وقدره.

ماذا فعل جبريل عليه السلام؟

          نفخ فيها – النفخة هذه نزلت من فتحة الصدر ودخلت فرجها وهذه النفخة هى الروح – وهذه الروح لم تؤثر عليها فظلت كما هى فحملت فلما أحست أن بطنها تنتفخ فبتعدت حتى لا يراها أحد (فنبذت به مكاناً قصياً).

          وعيسى عليه السلام وهو فى بطنها إذا جلست وحدها كان يكلمها من بطنها وكان حين لا يكلمها كانت تسمع تسبيحه وتقديسه لله فى بطنها.

          حملت به وسنها كانت ثلاث عشرة سنة كما قال البيضاوى فى تفسيره وأنها حاضت قبل الحمل حيضتين قط.

          (ولنجعلهُ آية للناس فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى – وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر ، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى).

فلما حملت ظلت فى المحراب لا يشعرون بها إلى أن شعرت إلى أن تلد فابتعدت وسارت إلى بيت لحم مسافة أربعة أميال (5000 متر).

          فلما آن موعد ولادتها وجآءها المخاض ألجأها الطلق إلى جذع نخلة كانت هناك (ألجأها:  اضطرها – المخاض:  الطلق وشدة الولادة وأوجاعها) طلبت شيئاً تستند إليه وتتعلق به كما تتعلق الحامل لشدة وجع الطلق والجذع ساق النخلة اليابسة فى الصحراء الذى لا سعف عليه ولا غصن ولهذا لم يقل الله تعالى:  إلى النخلة ، فأمسكت بالجذع حتى وضعت حملها فتمنت يومها أن تكون فى عداد الأموات ينساها الناس فلا يذكرونها أبداً لأنها خافت من الفضيحة.

          ذلك أنه علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبوها حين يأتيهم بالغلام.

مصداقاً لقوله تعالى فى سورة مريم الآية (23):

(فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا).

          ياليتنى متُ قبل هذا:  فيه دليل على جواز تمنى الموت عند الفتن.

          وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبوها حتى يأتيهم بالغلام.

          مدة الحمل قال البعض 7 شهور ، وقيل 8 شهور والبعض قال 9 شهور على عادة النسآء.

          فسمعت نداءً يناديها من تحتها قيل أنه عيسى عليه السلام أو جبريل – الأصح أن الذى نادها هو جبريل ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.

          وقال الجمهور:  أشار لها إلى الجدول الذى كان قريب  من جذع النخلة.

          وقال ابن عباس:  كان ذلك نهراً قد انقطع ماؤها فأجراه الله تعالى لمريم – والنهر سرباً لأن الماء يسرى فيه سرباً (نهر صغير).

          وكان جبريل عليه السلام فى بقعة من الأرض أخفض من البقعة التى كانت هى عليها.

          ثم أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى فى إحياء موات الجذع – (وهذا يوحى بضرورة العمل من أجل الحصول على القوت) – التى تلد ليس فيها نفس.

          قال ابن عباس:  كان جذعاً نخراً فلما هزت نظرت إلى أعلى الجذع فإذا السعف قد طلع ، ثم نظرت إلى الطلع قد خرج من بين السعف ، ثم أخضر فصار بلحاً ثم أحمر فصار زهوا ثم رطباً – كل ذلك فى طرفة عين ، فجعل الرطب يقع بين يديها لا ينشرح منه شئ) فكلى من الجنى واشربى من السرى (النهر).

          حضها (حثها على الأكل والشرب والنوم).

          فقال لها جبريل:  لا تحزنى مادام الله معك ، (1) ولا تخشى على نفسك من القيل والقال ، (2) واجمعى أمرك وأرعى ولدك ، (3) واطمئنى واثبتى فإن الله سيدافع عنك بحجة وبرهان لا يقبل الشك ، (4) وأوصاها ألا تتكلم إذا سألها سائل أو سبها جاهل وتعتذر لهذا وذاك بأنها نذرت لله صوماً فلا تكلم أحداً من الإنس مدة صومها .. (وبذلك هدأ بالُها ومكثت حتى استجمعت قواها ثم عزمت على الرحيل من بيت لحم إلى ديار قومها ويا لها من رحلة فيها مواجهة لم تشهد امرأة سواها مثلها.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة مريم الآية (24 : 26):

(فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا(24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا(25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)(26).

          وعلى هذا كان نذر الصمت فى تلك الشريعة لا فى شريعتنا (كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام).

سؤال:  لم كان رزقها رطباً؟

          أن مريم لم يكن لها فى ذلك الحين من يهتم بأمرها ولا تقدر وهى نفساء أن تجهز لنفسها الطعام.

          الرطب:  أوفق طعام للوالدة.

          ليس شئ خيراً للنفساء من التمر والرطب مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم.

          وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (أطعموا نسآءكم الولد الرطب فإن لم يكن رُطبُ فتمر ، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران)

لطيفة من اللطائف:

          ذكر أن قسيساً أراد أن ينال من المسلمين بالطعن فى أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها وأرضاها ، فقال:  إن الناس رموها بالإفك ولا ندرى أهى بريئة أم متهمة؟

فأجابه بعض الحاضرين:

          اسمع يا هذا ، هناك امراتان اتهمتا بالزنى وقد برأهما القرآن الكريم ، إحداهما ليس لها زوج وقد جآءت بولد ، والأخرى لها زوج ولم يأتها ولد (مريم وعائشة) فأيتهما أحرى بالتهمة؟   فخرص القسيس.

          ذكر ابن كثير وعدد من السلف منهم وهب بن منبه:

          أنها لما ظهرت عليها مخايل الحمل كان أول من فطن لها رجل من عُباد بنى إسرائيل يقال له يوسف النجار (يوسف بن يعقوب النجار) وكان ابن خالها يتعجب من ذلك عجباً شديداً وذلك لما يعلم من ديانتها ونزاهتها وعبادتها وهو مع ذلك يراها حُبلى وليس لها زوج فعرض ذات يوم من الكلام فقال:  يا مريم هل يكون زرع من غير بذر؟ قالت:  نعم فمن خلق الزرع الأول.  ثم قال: فهل يكون شجر من غير ماء ولا مطر؟ قالت:  نعم ، فمن خلق الشجر الأول؟  ثم قال: فهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت:  نعم إن الله خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى.  قال لها:  فأخبرينى خبرك؟ فقالت:  إن الله بشرنى بكلمة منه.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (45 : 46):

(إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)(46).

كيف واجهت مريم قومها؟

          فأتت به تحمله بين يديها – فلما رأوها سلقوها بألسنة حداد – وقالوا ما وسعهم أن يقولوا وسخروا منها وهى صامتة لا تتكلم …

          قالوا:  يا مريم يا بتول أنت كنت تخدمى فى بيت المقدس – مع من عملتيها مع يوسف النجار ، اليهود إلى الآن يتهيمون مريم ويصفونها أنها بغى (زانية) أنت طالعة لمن؟ لا أبوك فاسق ولا زانى ولا فاجر ولا أمك تعرف ذلك.

          (يا أخت هارون) الرأى الأول (وهذا هو الرأى الراجح والله أعلم) أنها كان لها أخ اسمه هارون وهذا ثابت بالروايات عندما أرسل النبى – صلى الله عليه وسلم – أحد من الصحابة إلى نصارى نجران تلى عليهم الآيات الخاصة بعيسى ، فقالوا: كيف تقول يا أخت هارون مع أن هارون بينهما زمن سحيق (600 سنة).

          فرجع وسئل النبى – صلى الله عليه وسلم.  قال النبى: ألم تعلم أنهم كانوا يسمون بأسمآء الأنبياء اسم أخوها هارون على اسم النبى.

          والرأى الثانى:  يقول بعض المفسرين يا أخت هارون فى العبادة والورع والتقوى والطيبة وكان هارون مشهور بالعبادة وكانت هى مشهورة أيضاً بالعبادة وقيل الأمرين محتمل.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة مريم الآية (27 ، 28):

(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا(27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)(28).

          فلم ترد وأخذت تشير إلى الغلام الرضيع الذى لم يصل إلى سن الكلام وهنا جآءت المعجزة العظيمة.

          ويروى أنها لما أشارت إلى الطفل قالوا:  (استخفافها بنا أشد علينا من زناها).

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة مريم الآية (29):

(فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا).

          ثم قالوا لها على جهة التقرير:  اتهموها (بعض المنافقين) بابن خالها يوسف النجار ، مصداقاً لقوله فى سورة مريم الآية (30):

(قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).

          فسكتوا وأخذوا يسكتوا بعضهم بعضاً وأعاد عليهم (قال إنى عبدُالله) وهنا نطق الصبى عندما تجمعوا كلهم – هناك الذين تكلموا فى المهد صبى جريج = قال له من أبوك؟ قال أبويا فلان الراعى ، واكتفى بذلك ..  أما عيسى عليه السلام تكلم كثيراً ..  (ءاتانى الكتاب)  إن الله قرر أن ينزل عليه كتاب.

(1)     ها هو عيسى بن مريم قد تكلم فى المهد صبياً وعرف نفسه لقومه فقال:  (إنى عبدالله) ولم يقل:  (إنى ابن الله ، ولا أنا وأمى آلهان من دون الله – ولا أنا واحد من ثلاثة الأب والابن وروح القدس).

(2)     (آتانى الكتاب) وهو الإنجيل مع أنه لا يزال فى المهد – ليؤكد أمراً سيقع لا محالة ، لأنه مقدر فى علم الله ، وما قُدر فى علم الله أن يكون فلابد أن يكون.

(3)     لم يجعلنى إلهاً – ولكن نبأنى بأمر أمرنى بتبليغه.

(4)     (وجعلنى مباركاً أينما كنتُ)

          يشعر قومه بأنه سيكون رسول خير وسلام لهم ويبرئ الأكمة والأبرص – ويحيى الموتى بإذن الله – وينبأهم بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتهم ، ويتبعه الخير حيث كان.

          (1)ويكون ذا بركات ، (2) ومنافع فى الدين والدعاء إليه ومعلماً له وجعلنى آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر – وأرشد الضال – وأنصر المظلوم وأغيث الملهوف.

(5)     (وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حياً)

          يشعر قومه بأنه على الملة السمحة سيجدد لهم دينهم ويعيد إليهم كل ما فيه صلة بالله ونفع للناس.

          ولا يخفى ما فى ما فى هذا القول من حث لهم على تأدية هاتين الفريضتين العظيمتين ، إذ الصلاة عماد الدين وركنه الركين ، والزكاة برهان على صحة الإيمان وصدق اليقين ، وفيها من التكافل الاجتماعى ما فيها.

          وقوله فى سورة مريم الآية (32):

(وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا).

          والله سبحانه وتعالى يشير إلى أن بر الوالدين يأتى فى المرتبة الثانية بعد عبادة الله عز وجل – وأنه أصل عظيم من أصول الدين ، وأن عقوق الوالدين لا يصدر إلا من جبار شقى خاسر وحاشاه أن يكون المسيح كذلك ، لأنه عبدالله ، ومن كان عبداً لله كان مثالاً للخلق الفاضل والسلوك النبيل.

          (والسلام علىَ يوم وُلدُت ويوم أموتُ ويوم أُبعثُ حياً).

          أن عيسى عليه السلام فى كنف الله تعالى دائماً من مولده إلى آخر الدهر وإلى الأبد فهو عند ربه مرضى السيرة ، محمودُ السريرة ليس للشيطان عليه سبيل ، وأنه بشر يولد ويموت ويبعث كسائر البشر وليس ألهاً يعبد.

          السلامة علىَ من الله تعالى فى الدنيا من همز الشيطان وفى القبر وفى الآخرة ، لأن له أحوالاً ثلاثة:  فى الدنيا حياً وفى القبر ميتاً وفى الآخرة مبعوثاً ، فسلم فى أحواله كلها.

          وذكر قتادة:

          (ذُكر لنا أن عيسى عليه السلام رأته امراة يُحيى الموتى ويُبرئ الأكمة والأبرص فى سائر آياته فقالت:  طوبى للبطن الذى حملك والثدى الذى أرضعك ، فقال لها عيسى عليه السلام:  (طوبى:  الثواب الكبير) (طوبى لمن تلا كتاب الله تعالى واتبع ما فيه وعمل به).

          وقد ذكر ابن كثير عن اسحاق بن بشر قال:  عن أبى هريرة – رضى الله عنه قال:  (إن عيسى بن مريم أول ما أطلق الله لسانه بعد الكلام الذى تكلم به وهو طفل مجد الله تمجيداً لم تسمع الآذان بمثله ، لم تدع شمساً ولا قمراً ولا جبلاً ولا نهراً ولا عيناً إلا ذكره فى تمجيده فقال:  (اللهم أنت القريب فى علوك – المتعالى فى دنُوك – الرفيع على كل شئ من خلقك ..)

          إن عيسى عليه السلام أمسك عن الكلام حتى بلغ ما يبلغ الغلمان – ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان – فى سن سبع سنوات ..

هل بنو إسرئيل صدقوا؟

          المؤمنون صدقوا ولكن المعاندون قال:  لا أنت ساحرة والولد ده هو السحر بتاعك وانفضوا وقالوا:  كانت ماشية مع فلان وفلان الكلمة تبقى كلمتين وهذا الشائعات أعراض تنتهك ونفوس تظلم بناء على الشائعات وهذه هى من عادة الناس – وهذه الخصلة تجدونها عند البشر فقط – وليس عند الحيوانات.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة مريم الآية (37):

(فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

          فاختلف أهل ذلك الزمان ومن بعدهم فيه:

(1)            فمن قائل من اليهود:  إنه ولد زنية واستمروا على كفرهم وعنادهم.

(2)            النصارى:  فقالوا هو الله           اليعقوبية

(3)            ابن الله هم  النسطورية.

(4)            وقال المؤمنون:  هو عبدالله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروحُ منه وهؤلاء هم الناجون المثابون المؤيدون المنصورون.

ومن خالفهم فهم الكافرون الظالمون الضالون الجاهلون.

وقد توعدهم العلى العظيم الحكيم العليم بقوله:

(فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم).

وكما قال البخارى:

عن عبادة بن الصامت عن النبى – صلى الله عليه وسلم قال:

(من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)  ولو كان العمل قليل.

ما معنى ذلك؟  صدق مع قليل من العمل يدخل الجنة – بعد الوضوء نقول هذا.

          (فويلُ للذين كفروا…)  تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى وزعم أن له ولداً ولكن أنظرهم الله إلى يوم القيامة ويقال أن قسطنطين جمعهم فى حفل كبير فكان جماعة الأساقفة 2170 أسقفاً فاختلفوا فى عيسى ابن مريم عليه السلام وهناك مجموعة 308  اتفقوا على قول وصمموا عليه فمال إليهم الملك فقدهم ونصرهم وطرد عداهم (إن الله ثالث ثلاثة) ، و(1) ووضعوا له كتب القوانين ، (2) وشرعوا له أشياء ، (3) وابتدعوا بدعاً كثيرة – وحرفوا دين المسيح وغيروه فبنى لهم الكنائس الكبار فى مملكته كلها (بلاد الشام والروم) ، وكان عدد الكنائس ما يقارب 12 ألف كنيسة …

          اجتمع 50 على رأى – 20 على رأى (وكل منهم يكفر الفرقة الأخرى ونحن نكفر الثلاثة).

          يبين الله تعالى:  لا ينبغى له الولد لماذا؟  لأنه خالق كل شئ ومالكه وكل شئ فقير إليه – خاضع ذليل لديه وجميع سكان السموات والأرض عبيده وهو ربهم لا إله إلا هو ولا رب سواه – فكيف يكون له ولد والولد لا يكون إلا بين شيئين متناسبين والله تعالى لا نظير له ولا شبيه له ولا عديل له ولا صاحبة له فلا يكون له ولد كما قال تعالى فى سورة الأخلاص الآية (1 : 4):

(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1) اللَّهُ الصَّمَدُ(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)(4).

          الأحد:  الذى لا نظير له فى ذاته وصفاته وأفعاله.

الصمد:  وهو السيد الذى كمل فى (1) علمه ، (2) حكمته ، (3) رحمته ،

            (4)وجميع صفاته.

لم يلد:  لو يوجد منه ولد.

ولم يولد:  ولم يتولد عن شئ قبله  (ليس له أم أو أب)

ولم يكن له كفواً أحد:  ليس له عدلُ ولا مكافئ ولا مساو.

يقول الله تعالى فى سورة النسآء الآية (171):

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً).

فالنصارى لعنهم الله – غلوا فى أطروا فى المسيح حتى جاوزوا الحد فكان الواجب عليهم أن يعتقدوا أنه عبدالله ورسوله وابن أمته العذراء البتول التى أحصنت فرجها فبعث الله الملك جبريل إليها ، فنفخ فيها عن أمر الله نفخة حملت منها بولدها عيسى ، عليه السلام.

وكما قال الله تعالى فى سورة آل عمران الآية (59):

(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ).

وقال تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون).

فهذه الآيات المكيات الكريمات تشمل الرد على سائر فرق الكفرة من الفلاسفة ومشركى العرب واليهود والنصارى الذين أدعوا وزعموا.

قدم وفد على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نصارى من نجران 60 راكباً فيهم 14 رجل من أشرافهم – عليهم ثياب الحبرات – يقول من رآهم من أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم:  ما رأينا بعدهم وفداً مثلهم وهم من النصرانية على دين الملك مع إختلاف أمرهم.

يقولون:  هو الله – يقولون:  هو ولد الله ، هو ثالث ثلاثة ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

ما الذى جعل الفرقة الأولى تقول أنه الله؟

كان يحيى الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص والأسقام ويخبر بالغيوب يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً.

ويحتجون فى قولهم بأنه ابن الله ، لم يكن له أب يعلم – وقد تكلم فى المهد بشئ لم يصنعه أحد من بنى آدم قبله.

ويحتجون فى قولهم بأنه ثالث ثلاثة (أمرنا – خلقنا – قضينا).

فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله (أسلما) قالا:  قد أسلمنا ، قال النبى: (كذبتما يمنعكما من الإسلام إدعاؤكما لله ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير) قال: فمن أبوه يامحمد؟  فصمت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم يجبهما – فأنزل الله فى ذلك وأمر بما أمر به من ملاعتهم ..

مصداقاً لقوله فى سورة آل عمران الآية (61):

(فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ).

نبتهل:  ندعُ بالعنة على الكاذب منا.

تعالوا:  هلموا أقبلوا بالعزم والرأى

ويقول النبى – صلى الله عليه وسلم:

(والذى بعثنى بالحق لو قالا:  إلأمطر عليهم الوادى ناراً).

فقال أحدهم:  انصرفوا إلى بلادكم ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبياً قط فلأبقى كبيرهم ولا بنت صغيرهم – وإنه بلاستئصال منكم إن فعلتم.

الذين ادعوا وزعموا بلا علم أن لله ولداً سبحانه وتعالى.

وقال الله تعالى فى أول سورة المائدة الآية (17):

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا).

          ثم قال سبحانه وتعالى فى سورة المائدة الآية (73):

(لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ).

          ويقول الله تعالى فى سورة الزخرف الآية (81):

(قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ).

وقوله تعالى فى سورة الإسراء الآية (111):

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا).

          وقوله تعالى فى سورة الإخلاص الآية (1 : 4):

(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)(4).

          وثبت فى الصحيحين عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم أنه قال:

          (يقول الله تعالى:  شتمنى ابن آدم ولم يكن له ذلك ، يزعم أن لى ولداً ، وأنا الأحد الصمد ، الذى لم ألد ولم أولد ولم يكن لى كفواً أحد).

          فى البخارى أيضاً عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          (إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).

          يملى:  يمهل وينتظر طويلاً على الظالم حتى يزداد طغياناً وظلماً حتى يستحق اسوأ العقاب ثم إذا أمسكه الله بعد ظلمه وطغيانه – لا يتركه مرة ثانية ليظلم ويفترى.

          وقد ظهر على عيسى عليه السلام وهو صغير العلم ثم بدأ بنى إسرائيل يخافون منه وكانوا يقولون أن هلاك بنى إسرائيل على يديه ، وخافوا أن يكون هو الذى سيظهر فسادهم ، وكانوا يتحرشون به وكانت أمه تحرسهُ حراسة شديدة وكانت تخرج به خارج المدينة ، ولجأت به إلى بيت المقدس ، وبدا عليه السلام يكبر.

ذهاب يوسف النجار ومريم بالمسيح إلى مصر:

          لماذا ذهب يوسف النجار ومريم بالمسيح إلى مصر؟

          وذكر وهب بن منبه – بسند حسن.  وأنه ظهر نجم عظيم فى السماء وأن ملك الفرس أشفق من ظهوره فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا:  هذا لمولد عظيم فى الأرض: فبعث رسله ومعهم ذهب ومر ولبان هدية إلى عيسى ، فلما قدموا الشام سألهم ملكها لماذا أتيتم؟ فذكروا له ذلك – فى ذلك الوقت اشتهر أمر عيسى  بسبب كلامه فى المهد فأرسلهم الملك إليه بما معهم – ثم إذا انصرفوا عنه جاءوا ليقتلوه ، فقالوا لمريم:  إن رسل ملك الشام إنما جآءوا ليقتلوا ولدك فاحتملته فذهبت به إلى مصر فأقامت بها حتى بلغ عمره 12 سنة وظهرت عليه كرامات ومعجزات فى حال صغره.

المعجزة الأولى:

          نزلوا عند رجل غنى وله بيت كبير يضم الفقراء والضعفاء والمحاويج يأكلهم ويشربهم – وفى يوم فقد هذا الرجل مالاً من داره فلم يدري من أخذه ، فلما رأى عيسى عليه السلام ذلك عمد إلى رجل أعمى وآخر مقعد فقال للأعمى:  أحمل هذا المقعد وانهض به.  فقال:  إنى لا أستطيع ذلك.  فقال عيسى:  كما فعلت أنت وهو حين أخذتما هذا المال من تلك الكوة من الدار وأتيا بالمال فعظم عيسى فى أعين الناس وهو صغير جداً.

المعجزة الثانية:

          ابن هذا الرجل الغنى عمل ضيافة للناس بسبب طهور أولاده فلما اجتمع الناس وأطعمهم ثم أراد أن يسقيهم شراباً خمراً كما كان يصنعون فى ذلك الزمان ، لم يجد فى جراره شيئاً فشق ذلك عليه – فلما رأى عيسى ذلك قام فجعل يمرُ على تلك الجرار ويمرُ يده على أفواهها إلا امتلأت شراباً من خيار الشراب فتعجب الناس من ذلك وعظموه وعرضوا عليه وعلى أمُه مالا عظيماً فلم يقبلاه وارتحلا قاصدين بلاد بيت المقدس.

          إن عيسى عليه السلام أمسك عن الكلام بعد إذ كلمهم طفلاً حتى بلغ ما يبلغ الغلمان ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان.

          فلما بلغ سبع سنين اسلمته أمُه فى الكُتاب ، وكان المعلم اسمه أبا جاد فقال عيسى:  ما أبو جاد؟  قال المعلم:  لا أدرى فقال عيسى:  كيف تعلمنى ما لا تدرى؟

          فقال المعلم:  إذا فعلمنى.  فقال له عيسى فقم من مجلسك.  فقام فجلس عيسى مجلسه فقال:  سلنى – فما أبو جاد؟  فقال عيسى:  الألف اللام الله ، الباء بهاء الله ، الجيم:  بهجةُ الله وجماله.  فعجب المعلم من ذلك ، فكان أول من فسر أبا جاد.

حكاية أخرى:

          كان عبدالله بن عمرو يقول:  كان عيسى ابن مريم وهو غلام يلعب مع الصبيان ، فكان يقول لأحدهم:  تريد أن أخبرك ما خبات لك أمك؟ فيقول:  نعم ، فيقول عيسى: خبأت لك كذا وكذا فيذهب الغلام منهم إلى أمه فيقول لها:  أطعمينى ما خبات لى فتقول له:  من أخبرك – فيقول:  عيسى ابن مريم.  فقالوا:  والله لئن تركتم هؤلاء الصبيان مع ابن مريم ليفسدنهم ، فجمعوهم فى بيت وأغلقوا عليهم.  فخرج عيسى يسأل عنهم فلم يجدهم فسمع ضوضاءهم فى بيت فسأل عنهم ، فقالوا:  إنما هؤلاء قردة وخنازير.  فقال:  اللهم كذلك – فكانوا كذلك..

          جآء الشيطان لعيسى عليه السلام:

          وقال أبوبكر ابن أبى الدنيا:  كان عيسى عليه السلام يصلى على رأس جبل فأتاه إبليسُ فقال:  أنت الذى تزعم أن كل شئ بقضاء وقدر؟  قال عيسى: نعم – قال: ألق نفسك من هذا الجبل وقل:  قُدر علىَ. فقال عيسى: يا لعين ، الله يختبر العباد وليس العباد يختبرون الله عز وجل.

          وبدأ عليه السلام يكبر وعليه علامات (1) الصلاح ، (2) والعلم ، (3) والحكمة – وبلغ وعنده 30 سنة أعطاه الله الرسالة الإنجيل:

          أنزل على عيسى عليه السلام فى 18 رمضان وهو مصدقاً لما بين يديه من التوراة ومجدداً للرسالة الكبرى رسالة موسى عليه السلام ومصححاً لما وقع فى التوراة والزبور من تحريف وتبديل.

          مصداقاً لقوله تعالى : (وإذا علمتُك الكتاب والحكمة) (التوراة والإنجيل).

          وظهرت له المعجزات العظيمة كما فى سورة آل عمران الآية (49):

(وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ).

          يأخذ الطين ويصور منه أشكال على هيئة الطير عن أمر الله له بذلك ثم ينفخ بفمه فيطير بأمر الله.

معجزات عيسى عليه السلام:

(1)     يصور من الطين شكل طير ، (2) ثم ينفخ فى فمه فيطير ويكذبون.

          (وأبرئ الأكمة والأبرص وأُحُى الموتى بإذن الله).

(2)     ومن معجزاته شفاء الأكمة وهو الذى يولد أعمى وكبر على العمى (ولا سبيل لأحد من الحكماء إلى مداواته) ، فيمسح على عينه فيبصر أمامهم.

          الأبرص:  البرص:  مرض معروف يبقع الجلد ويكون الجلد معه أبيض اللون.

(3)     ويأتى للبرص:  فيمسح جسمه فيكون سليم وكان الناس يهربون منه خوفاً من العدوى ويكفرون.

(4)     مرض الجُذام:  وهو مرض من الأمراض الفتاكة القديمة وهو يؤدى إلى تقطيع جلد الإنسان وتقرحه تقرحاً مستمراً منفراً وهو غالباً ما يقطع لحم وجلد أطراف الإنسان.   قال لهم:  الجزام أنا أُعالجه بإذن الله.

(5)     ومن أعظم الآيات هو إحياء الموتى وفى بعض الروايات أنه احياء من الموتى منفصلات

(وإذ تخرجُ الموتى)       من قبورهم أحياء بإذنى

(عن كعب الأحبار)  فكان أول ما أحيا من الموتى ، أنه مر ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهى تبكى فقال لها:  مالك أيتها المرأة؟  فقالت ماتت ابنة لى ، لم يكن لى ولد غيرها وإنى عاهدت ربى أن لا أذهب من موضعى هذا ، حتى أذوق ماذاقت من الموت، أو يحييها الله لى فأنظر إليها.  فقال لها عيسى:  أرأيت إن نظرت إليها أراجعةُ أنت؟

          قالت:  نعم.  قالوا:  فصلى ركعتين ، ثم جآء فجلس عند القبر فنادى: يافلانة ، قومى بإذن الرحمن فاخرجى؟.  قال: فتحرك القبر ، ثم نادى الثانية فانصدع القبر بإذن الله ثم نادى الثالثة ، فخرجت وهى تنفض رأسها من التراب فقال لها عيسى:  ما بطأ بك عنى؟ فقالت:  لما جآءتنى الصيحة الأولى بعث الله لى ملكاً فركب خلقى.  ثم جآءتنى الصيحة الثانية ، فرجع إلىَ روحى ، ثم جآءتنى الصيحة الثالثة فخفتُ أنه صيحة القيامة ، فشاب رأسى وحاجباى وأشفار عينى من مخافة القيامة ، ثم أقبلت على أُمها فقالت:  يا أمتاه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين؟  يا أمتاه اصبرى واحتسى فلا حاجة لى فى الدنيا – (1) ياروح الله وكلمته سل ربى ان يردنى إلى الآخرة ، وأن (2) يهون علىَ كرب الموت.  فدعا ربه فقبضها إليه ، واستوت عليها الأرض فبلغ ذلك اليهود ، فازدادوا عليه غضباً.

مثال 1:  هناك غلام مات ، صلى ودعا الله ومسح عليه فقام وانتفض ثم قال أشهدُ إنك رسول الله – قالوا له تعالى معنا على المقابر.

(6)     واحد مات منذ كذا سنة نريد أن تُحى من فى هذا القبر ويكلمنا فصلى ودعا الله ثم انشق القبر فقام الرجل وقال: (1) لما أزعجتمونى ، (2) لا أُُريدكم ولا أريد أن أعود إلى الدنيا وأنت يا روح الله كما أحييتنى أعدنى – أموت تأتى – الآخرة أفضل من هذه الدنيا فدعا الله فمات الرجل.

          قال عيسى عليه السلام لهم:  ءامنتم – قالوا:  (سوف نرى).

()-  (و أُنبئُكم بما تأكُلون وما تدجرُون فى بيُوتكُم)  أخبركم بما أكل أحدكم الآن – وما هو مدخر له فى بيته لغد.

          وهكذا عيسى ابن مريم بُعث فى زمن الحكماء والأطباء فأُرسل بمعجزات لا يستطيعونها ولا يهتدون إليها وكيف يتوصل أحد من الخلق إلى أن يقيم الميت من قبره.  هذا مما يعلم كل أحد أنه معجزة دالة على صدق من قام بها ، وهكذا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

          بُعث فى زمن الفضحاء البلغاء ، فأنزل الله عليه القرآن العظيم ، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد.  فلفظه معجزة تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور ممن مثله أو بسورة ، وقطع عليهم بأنهم لا يقدرون لأنه كلام الخالق عز وجل لا يشبهه شئ لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله.

          وكانت أمه (مريم) لا تفارقه تلازمه وكان عيسى ليس له دار فكان كل ما يذهب إلى مكان يجد المشلول جاى والأعمى والأعرج والأبرص ، (1) كان إذا أراد النوم  ينام على الحصى ويتغطى وإذا لم يجد يتغطى بالسمآء.

          وكان (2) يلبس الصوف ، (3) ويجلس يبكى كما كان يحيى يبكى تمام ، (4) وكان إذا ذُكر بالآخرة يصرخ كالطفل ، (5) ومكث فى بنى إسرائيل ثلاث سنوات 30 : 33 ، (1)يدعوهم إلى الله وإلى التوحيد ، (2) وإلى العودة إلى تشريع الله والعمل بما جآء فى التوراة.

كيف تآمر اليهود على عيسى عليه السلام؟

          فلما بدأت هذه المعجزات تظهر وبدأ الناسُ يتحدثون خاف اليهود (1) أن الناس تتبع عيسى عليه السلام ، (2) فخافوا على سلطانهم الدنيوى والدينى (ملوك اليهود وأحبار اليهود) فجتمعوا فى بيت المقدس ليروا فيه رأيهم الأخير – فأجمعوا على قتله – فاحتالوا لذلك – وجآءوا إلى الملك (ملك تلك المناطق وكان يتبع ملك الروم) الملك هيردوس يقولون له إن عيسى يقول (1) أنه ملك اليهود وسيأخذ منك الملُك فخاف الملك على ملُكه فأمر بالبحث عنه لكى يصلبوه بالمسامير وكان من عاداتهم أنهم لا يقتلون الرجل – كانوا يضربون المسامير على الصليب فى يديه وفى وسطه وفى رجليه فيموت الذى يموت على الصليب يموت اختناقاً الرائة تنزل فلا يستطيع أن يتنفس ويموت بعد يوم واحد ليس من النزيف فكان هذا تعذبهم لمن أراد أن يعذبوه.

          فكان أنصار عيسى عليه السلام (1) من المرضى الذين شفاهم ، (2) والفقراء والمساكين ، وذهب إلى بلدة الناصرة ووقف يخطب فيهم وهى مثل خطبة النبى – صلى الله عليه وسلم – فى الطائف لكى ينصروه أهل الطائف لم يستجيبوا للنبى – صلى الله عليه وسلم – ولكن أهل قرية الناصرة استجابوا لعيسى عليه السلام لما  دعاهم لذلك سُموا النصارى بنسبة لقرية الناصرة قال عيسى عليه السلام:

مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الصف الآية (14):

(قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ).

          الحواريون:  المخلصون  –  العُباد – الخُلص من بنى إسرائيل العدد (12).

          والله أخبره أنهم سوف يقتلونه – هناك روايتان:

الرواية الأولى:

          أنه كان جالس مع بعض الحواريين قال لابد أن أعدائى يقتلوننى من منكم يضحى بنفسه بدلا منى؟

          فقام شاب وقال أنا – فقال عيسى أجلس – فقال عيسى:  من يضحى؟  فقام نفس الشاب – وفى المرة الثالثة قال من يضحى من أجلى؟ فقام نفس الشاب – قال عيسى: إذا جآءوا فإنك سيلقى عليك شبهى فيأخذونك ثم يقتلونك ، أما أنا فلم يرونى.

الرواية الثانية:

          إن واحد من أنصاره خان الأمانة وهو الذى دلهم على مكان عيسى فلما جآءوا ألقى الله شبه عيسى عليه (يهوذا الأسخريوطى) فقالوا له: أنت عيسى ، قال:لا أنا ليس عيسى، فأخذوه وأوثقوه بالحبال واحتملوه إلى الوالى – فوقع فى الحفرة التى حفرها مصداقاً لقوله تعالى:  (ولا يحيقُ المكرُ السئُ إلا بأهله)

          أما عيسى عليه السلام فإن الله تعالى رفعه إلى السمآء.

          مصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (55):

(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

          إنى  رافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل من السمآء.

          (وجاعل الذين اتبعوك) الحواريون (فوق الذين كفروا) بالحجة وإقامة البرهان وبالعز والغلبة.

          وفى صحيح مسلم:

          عن أبى هريرة – قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً ، فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية.  ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد).

          ينزل عيسى عليه السلام فى آخر الزمان يحكم بشريعة محمد – صلى الله عليه وسلم – فإن شريعة محمد باقية لا تنسخ – يكسر الصليب ليظهر كذب النصارى حيث ادعوا أن اليهود صلبوا عيسى عليه السلام على خشب (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم).

          ثم يقتل الخنزير:  وقتله لحرمة اقتنائه وأكله لأنه بخس لا ينتفع به شرعاً.

          ثم يضع الجزية:  أى يسقطها عن أهل الكتاب ولا يقبل منهم إلا الإسلام وتبقى القلوب صافية (البشر) بعضهم لبعض لا يوجد حسد ولا كراهية ولا بغضاء ، ثم يفيض المال ويكثر وتنزل البركات وتكثر الخيرات ويخرجون بالزكاة فلا يجدون من يأخذها لأن الناس كلهم أصبحوا أغنياء لماذا؟ (1) بسبب العدل ، (2) وعدم الرغبات فى تحويش المال (3) ولقصر الآمال ، (4) وعلمهم بقرب الساعة.

( والحمد لله رب العالمين)

 

اترك تعليقاً