You are currently viewing حديث كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل

حديث كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،،

          فعن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال:  أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمنكبي فقال:  (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) ، وكان ابن عمر يقول:  (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك).

الغربة في الدنيا:

          لا يغيب عن ذهنك أيها الإنسان أنك راجع إلى ربك كما يرجع الغريب إلى بلده ، مع الفارق بين رجوع ورجوع ، فيسأل نفسه بماذا يرجع إلى ربه (1) أيعمل صالح يقربه منه ويدنيه من حضرة قدسه ويجعله محشوراً مع عباده المكرمين في يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، (2) أم يرجع إليه بغير ذلك فيكون مصيره مصير من هو على شاكلته من الفجار الأشقياء؟.

          فإن كان عمله صالحاً ونفسه مطمئنة بذكر الله عز وجل – ناداه ربه ونادته ملائكته بأعظم نداء ، كقوله تعالي في سورة الفجر الآية (27 : 30):

          (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30))

          وإن كان من الأشقياء ندم ندماً شديداً ، ولا يزداد به إلا عذاباً فوق عذاب ويكون ممن قال الله فيهم في سورة المؤمنين الآية (99 : 100):

          (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا

تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100))

أيها الأخوة:    مغادرة الدنيا سريعة وقد تكون فجائية.

مثال1:   أحد أصدقائنا أصيب والده بمرض عُضال ألزمه الفراش وهو في حالة سبات فزاره زوج إبنته في المستشفى نظر إلى عمه وجده ملقي على السرير لا حركة فقال مسكين على هذه النومة وفي اليوم التالي مات.  من الذى مات؟  الذى زار المريض ولا يشكو شيئاً المغادرة قد تكون سريعة جداً وتكون فجائية فلابد من أن تستعد لها والعاقل من يستعد لهذه المغادرة التى لا عودة فيها ، فمن بعض بلاد النفط عندهم عبارة إلى وضعت على الجواز إنخلع قلب المقيم.

العبارة:  (مغادرة بلا عودة) إذا معه إقامة يغادر يأتي إلى بلده ويعود ، أما إذا كتب على الجواز مغادرة بلا عودة فهذا شئ مزعج جداً ، وجميعاً نحن لابد من يوم تغادر بلا عودة.

          إذا الإنسان توفى دفن وانتهى الأمر ، هل ينتظرون عودته أبداً. 

(كأنك غريب أو عابر سبيل).

أو  =  بمعنى :  فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء.

هناك عالم من أحد علماء مصر رحمه الله تعالى أشترى قبر قبل أن يموت بخمس سنوات ، وكتب اسمه عليه ، وكان يزور هذا القبر كل يوم ويقول لمن حوله:  هنا المصير.

          موضوع إدخال الموت في الحسابات اليومية مهم جداً وهذا الحساب لا يعني التشاؤم بل يعني الإنضباط.  بمعنى:  أن كل كلمة تقولها تحاسب عنها وكل عمل تفعله ، وكل شئ تنفقه ، وكل مبلغ تأخذه محاسب عليه ، فالتفكر في الموت وإدخال الموت في الحسابات اليومية حركاتك وسكناتك ، مواقفك ، وعطاؤك ومنعك ، وصلتك وغضبك ورضاك يجب أن يكون ضمن حسابات دقيقة لأن الله سوف يسألك عن هذا الشئ كله.

          الشئ الدقيق في هذا الحديث (وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) أن الحياة لا تخلو من صحة أو مرض ، والإنسان إذا كان صحيح واجتهد إلى الله ، والمرض لابد من أن يأتي وكل إنسان لابد من أن يموت وموته له سبب.

          فالإنسان إذا كان في صحته لا يعمل عملاً صالحاً وجآءه المرض يتألم ألم لا يوصف أما إذا أستغل صحته وهو يمشي على رجلين بإمكانه أن يأتي بيوت الله وبإمكانه أن يصلي وبإمكانه أن يفعل الخير.

مثال:   النبي عليه الصلاة والسلام كان مع أصحابه فمروا على قبر قال:  (صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم أنفع له من كل دنياكم).

          الدنيا فيها شركات ، وفيها ملايين ، فيها قصور ، وفيها نسآء وفيها شئ جميل.

          والإنسان يجب أن يشعر بغربة وطنه الحقيقي ، هو الآخرة وطن ومصير ، الدار الآخرة مصير وجزاء.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة الغاشية الآية (25 ، 26):

          (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26))

          فالدار الآخرة مصير كل إنسان وجزاء فالعاقل هو الذى يهيئ جواب إلى كل ما يفعله في الدنيا لأن الله عز وجل لو سألك لماذا أخذت هذا البيت؟  لماذا منعت هذا الحق؟  لماذا لم تنصح المسلمين؟  ماذا جوابك؟

          قال الله تعالى في سورة الأنعام الآية (94):

   (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ(94))

          الإنسان في الدنيا له جماعة ، وله أصدقاء وأقرباء ومعارف وله إتصالات بأشخاص أقوياء يستعين بهم أحياناً ، أما في الآخرة جئتمونا فرادى…..).

          “فكن في الدنيا غريب”  والغريب مؤونته خفيفة ومشاعره في وطنه ، فالإنسان إذا (وطن) نفسه على أن هذه الحياة سريعاً ما تنقضي.

مثال1:  لنا قريب عنده محل مفروشات قال:  جاءني رجل من أندر الرجال يريد غرفة نوم – أعطيناه كتلوجات وأخذ يختار تصميم الغرفة ستة أشهر هذه أحلى بل هذه أحلى ، هذه لونها غامق ، المهم أستقر على نوع – بدأنا بتصنيع الغرفة ، وهو يراقب إتقان التصنيع ويأتي فجأة ، وبعد شتة أشهر دخلنا في متاهه المسكات أخذ كتلوجات وشاهد ، شهر شهرين حتى أستقر ، وقال الآن:  أدهن ستة وجوه معجون وستة وجوه دهان أيضاً ، فقال له صاحب المحل:  إذا لم تأخذها سوف أبيعها – قال له:  سوف أخذها وأعطاه وعد الخميس ، ولم يأتي إتصل به صاحب المحل وسمع ضجيج في البيت ، جآءت الزوجة فقالت له:  مات صاحبها ، لم ينم عليها ولا ليلة.

          هناك نوعين من البشر:  النوع الأول:  “أنت إذا آمنت واستقمت على أمر الله عزوجل ماذا يحدث؟.

          الموت إذا جآء ترحب به لأنه موعدك مع الله وهذا مصير كل حي ، والموت عرس المؤمن ، وهو تحفة المؤمن.

النموذج الثاني:  الإنسان كلما عمق جذوره في الدنيا تصبح المغادرة صعبة وكل ما أهمل طاعة الله عز وجل الندم أشد.

مثال1:   لاحظ إذا أب توفى وعنده ولدين من يبكي أكثر؟   الذى قصر بحقه يبكي بكاء يكاد يموت من البكاء ، أما الذى لم يقصر يقول لك هذا أجله ، يتأثر لكن حزنه معتدل.

          إذا جآء الموت للإنسان وهو مقصر في جنب الله يصيح صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا مصداقاً لقوله تعالى في سورة الكهف الآية (103 ، 104):

          (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104))

بمعنى:  ” كل آية وردت في الكفار تجر بذيلها على عصاة المؤمنين “

          قل يا محمد لهؤلاء الكافرين هل نخبركم بأخسر الناس عند الله؟

          الذين بُطل عملهم وضاع في هذه الحياة الدنيا لأن الكفر لا ينفع معه طاعةوقال الضحاك:   هم القسيسون والرهبان يتعبدون ويظنون أن عبادتهم تنفعهم وهي لا تقبل منهم ، ويظنون أنهم محسنون بأفعالهم.

مثال1:  إنسان ذهب إلى بلد أجنبي وضاقت به الأمور فباع سيارته ومحله التجاري وكل ممتلكاته وأرسلها إلى بلده ووضعها باسم صديقه ، والصديق قال له:  ليس لك عندي شئ.

          تخيلوا إنسان يفقد كل شئ يملكه في ثانية واحدة ، الموت أشد من ذلك.

          كل شئ جمعناه في الحياة عندما القلب يقف عظم الله أجركم لا يملك (1) القلم الذى في جيبه ، (2) ولا السن الذهب الذى في أسنانه كل شئ فقده ، وهذه هي المغادرة سريعة والمغادرة صاعقة ، والإنسان إذا ما حضر نفسه إلى هذه الساعة يكون ليس عاقلاً.

          أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ، أرجحكم عقلاً أكثركم لهذه الساعة إستعداداً.

          الله عز وجل ما حرمك الأساسيات تتزوج وتسكن في بيت وتنجب أولاد ، وتربي أولادك وكن مطبق لمنهج الله عز وجل وأدي عبادتك.

          ولا يوجد تناقض بين الحياة الواقعية والحياة التى وعدنا الله في الآخرة ، بالعكس المؤمن عنده حالة نادرة ماهي؟

          أن نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة ، وهذه حالة نادرة جداً ، وأكثر الناس حظه البياني صاعد صعود حاد ثم يسقط سقوط مريع ، المؤمن صعود مستمر حتى لو مات ، لأن الموت نقطة على هذا الخط الصاعد والصعود مستمر ، وهذه قضية ينخلع لها القلب.

          والإنسان إذا لم يجلس مع نفسه ودرس أموره ودرس بيته يوجد مخالفات بناته زوجته وأولاده وعمله ، فإذا أستقام أمره في بيته وعمله واتصل بالله عز وجل ، وأدى حقه وأدى العبادات وأنفق من ماله وعمل لآخرته ، مثل إنسان حول أمواله إلى بلد آخر ، ما الذى يحصل معه يسره اللحاق بها ، وإن كل أمواله في بلد آخر يتمني ساعة المغادرة لأنه سيذهب إلى هناك ويوجد عنده ملايين كثيرة في البنك وينزل في أجمل فندق ويقتني أجمل مركبة ويسكن أجمل بيت لأن أمواله أمامه.

          إذا إنسان كل مكتسباته أمامه في الدنيا وجآءت المغادرة الإجبارية ينخلع قلبه ، إما إذا كل مكتسباته دفعها أمامه إلى الآخرة أعمال صالحة:  (1) إستقامة ، (2) دعوة إلى الله ، (3)عبادات ، جعل حياته قائمة على خدمة الخلق ، وكل مكتسباته أمامه يبقى أجمل شئ أ، يلحق بها ، لذلك الشئ الذى لا يصدق أقرأ تاريخ أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تجدي كل واحداً منهم وهو يفارق الحياة وهو في أسعد لحظات حياته كلهم جميعاً.

قالت فاطمة:   (واكربتاه يا أبت) ، قال:  (لا كرب على أبيك بعد اليوم) ، قال بلال:  (غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه).

          تصور إنسان الموت الذى يعده مُصيبة المصائب عنده تحفة وعنده عرس وإذا كانت إستقامتك جيدة ، وعملك طيب وعلاقتك بالله متينة ورباني ، الموت صار مسعداً لأنه قطف الثمرة ، والإنسان بالموت يعرف مقامه عند الله.

قاعدة في الإسلام

          لو أن واحد يريد أن يتزوج ويؤسس البيت ويحتاج إلى عمل يعيش منه هل هذا من حب الدنيا؟  الجواب:  لا.

          الدنيا التى لا تُشغلك عن الله ليست من حب الدنيا ، إذا كانت عبادتك صحية ومنهجك صحيح وأنت ملتزم هذه ليس من الدنيا ، هذه مطية للآخرة. (تكون نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة).

          طبعاً المأوى ضروري والزواج ضروري ، وتأمين دخل شهري ضروري ، هذه الأمور ليس من حب الدنيا ، لكن تستعين بها على الدنيا ، أما الدنيا التى تشغلك عن فريضة ، تشغلك عن طلب العلم ، تشغلك عن عمل صالح هي الدنيا.

مثال2:  إذا شُغلت بالخسيس عن النفيس فهذا خطأ كبير.

قال عالم من العلماء:  مرة كنت في ضيافة أصدقاء لنا أخذوني إلى شارع يعد من أرقى الشوارع فيها قصور ، والقصور حالاتها نادرة لا يصدق من أناقتها وفخامتها وشاهدناها من الخارج – صاحب هذا القصر عمره إثنتان وأربعون سنة ، توفى وهو طويل القامة والقبر كان قصير فالحفار وضعه في القبر ودفعه في صدره – هكذا هذا هو المصير.

(1) عش ماشئت فإنك ميت ، (2) وأحبب من شئت فإنك مفارق ، (3) واعمل ما شئت فإنك مجزى به.

          إذاً الموت ينهي غنى الغني ، وينهي فقر الفقير ، وينهي قوة القوى ، وينهي وسامة الوسيم ، وينهي دمامة الدميم ، وينهي صحة الصحيح ، الموت ينهي مرض المريض ، الموت يُنهي كل شئ ويبقى العمل الصالح.

الحياة عبارة عن:      إما عمل صالح وإما عمل سيئ

          إجلس في مسجد وقول اسم ، أو كلمة تقال في حق فلان الله يوفقه ، الله يرحمه هذا معناه أن عمله طيب.

          الثاني الله لا يوفقه ، الله لا يرحمه معناه عمله سيئ.

          إذاً إبحث عن عمل يرضي الله عز وجل.

          وهذا الحديث عن ابن عمر – وهو من الأحاديث ا لأربعين ا لنووية هي أصول الدين:  (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).

عابر سبيل:  ليس لك مأوى ،  والغريب:  وأنت حقق مهمتك وأرجع إلى نبيك.

قصة:  هناك مدير مدرسة ثانوية جلس مع صديقة ساعة من الزمن حدثته عن مشاريع إلى عشرين سنة ، يريد أن يسافر إلى أوروبا ويريد أن يقيم خمس سنوات (سنة في أسبانيا وسنة في ألمانيا ، وسنة في فرنسا ، وسنة في إيطاليا ، وسنة في إنجلترا) ، ويتأمل هذه البلاد وريقتها وتراثها ومتاحفها وحياتها الإجتماعية ، وبعد خمس سنوات يريد أن يتقاعد ويفتح محل تحف ويكبرون أولاده ويسلمهم المحل ويصير المحل منتدى لأصدقائه ، وقال صديقه:  ولو إستمرت الجلسة عنده مشاريع لأربعين سنة ، وإنتهى اللقاء وإنصرف الصديق إلى عمله ، وفي المساء ذهبت إلى بيتي سيراً على الأقدام والله الذى لا إله إلا هو رأيت نعوته على الجدران في اليوم نفسه.

          هذه هي الدنيا مغادرة سريعة هيئ نفسك مصداقاً لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية(102):

          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102))

بمعنى:

(1)            التقوى تكون بإجتناب جميع المعاصي.

(2)            قال إبن مسعود – رضي الله عنه:   ” هو أن يطاع فلا يعصى ، وأن يُذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر “.

(3)            وتمسكوا بالإسلام وعضوا عليه بالنواجذ حتى يدرككم الموت وأنتم على تلك الحالة فتموتون على الإسلام.

 

((والحمدلله رب العالمين))

اترك تعليقاً