هل المؤمن يعيش في صحبة النبيين والصديقين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين إلى يوم الدين.

أما بعد،،،،

          فإن المؤمن لا يشعر أنه فى عزلة عن أخوانه المؤمنين ، إنه إن لم يكونوا معه في عمله أو مسجده أو مسكنه فهم يعيشون دائماً في ضميره ، ويحيون في فكره ووجدانه – فهو إذا صلى ولو منفرد يتحدث بإسمهم.

الدليل:   (( إياك نعبدوا وإياك نستعين ))

المعنى:

          نخصك يا الله بالعبادة ، ونخصك بطلب الإعانة ، فلا نعبد أحداً سواك ، لك وحدك نذلُ ونخضع ونستكين – لك وحدك نخشع – (نعبد) نطيع – العبادة:  الطاعة والتذلل ، والإستعانة:  نطلب من الله عز وجل العون والتأييد والتوفيق.

          إن العبادة:  طاعة طواعية ، ممزوجة بمحبة قلبية – أساسها معرفة يقينية ، تقضي إلى سعادة أبدية.

          وإياك ربنا نستعين على طاعتك ومرضاتك ، فإنك المستحق لكل إجلال وتعظيم ، ولا يملك القدرة على عوننا أحدُ سواك.

          وإذا دعيت الله عز وجل في صلاتك تدعى باسمهم.

          ((  إهدنا الصراط المستقيم  ))

المعنى:

          دلنا ياربنا وأرشدنا إلى طريقك الحق (هو الطريق الواضح الذى لا إعوجاج فيه) ودينك المستقيم ، وثبتنا على الإسلام الذى بعثت به أنبيائك ورسلك ، وأرسلت به خاتم المرسلين واجعلنا ممن سلك طريق المقربين.

ســــؤال:

          فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وهو متصف بذلك؟

الجواب:  إن الإنسان مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية واستمراره عليها – فأرشده الله تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق ، فقد أمر تعالى الذين ءامنوا بالإيمان (يا أيها الذين ءامُنوا ءامنُوا بالله ورسوله)

والمراد:  الثباتُ والمداومةُ على الأعمال المعينة على ذلك..

وإذا ذكر المؤمن نفسه ذكر المؤمنين والمؤمنات معه في كل عصر وآوان.

          التشهد (( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين )) وهذا في حديث طويل.

          عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – في البخاري ومسلم.

          ولتعلم أخي المؤمن أنك لا تعيش مع مؤمن عصرك لا ، بل تتخطى الأجيال ، وتخترق العصور والمسافات وتحيى مع المؤمنين وإن باعدت بينك وبينهم السنون والأعوام وتقول ما قال الصالحون في القرآن الكريم في سورة الحشر الآية (10):

          (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ).      

            المؤمن يشعر بأنه يعيش بإيمانه وعمله الصالح مع أنبيآء الله ورسله المقربين، و مع كل صديق وكل شهيد وكل صالح من كل أمة وفي كل عصر – ماهو الدليل؟

          في سورة النسآء الآية (69):

(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا).

بمعنى:

          ومن يعمل بما أمره الله به ورسوله وتجنب ما نهى الله عنه ورسوله ، فإن الله عز وجل (1) يسكنه دار كرامته في دار الخلد مع المقربين ، من أصحاب المنازل العالية في الآخرة ، وهم الأنبياء الأطهار والصديقون الأبرار (هم أفاضل أصحاب الأنبياء) والشهداء الأخيار (الذين استشهدوا في سبيل الله ثم مع بقية عباد الله الصالحين (وحُسن أولئك رفيقا).

          ونعمت رفقة هؤلاء وصحبتهم وحسن رفيق أُولئك الأبرار.

          عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:

          سمعت النبى – صلى الله عليه وسلم – في شكواه التى قُبض فيها يقول:  (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) فعلمت أنه خير…

الحديث الثاني:

          عن عائشة – رضي الله عنها قالت:  جآء رجل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال يارسول الله:  إنك لأحب إلي من نفسي وأحبُ إلى من أهلي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفتُ أنك إذا دخلت الجنةُ رفعت مع النبيين وإن دخلتُ الجنة خشيتُ أن لا أراك فلم يرد عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى أنزل الله هذه الآية:

          (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم …).

قصة عن القناعة عند المؤمن:  (( قصة وفد اليمن ))

          أيتها الأخوة الكرام :  قدم على النبى – صلى الله عليه وسلم – وفد من اليمن وهم ثلاثة عشر رجلاً – ساقوا معهم صدقات أموالهم التى فرض الله عليهم (الزكاة) فسر النبى – صلى الله عليه وسلم – بهم وأكرمهم وأكرم منزلهم.

          قالوا:  يارسول الله سقنا إليك حق الله في أموالنا.

          فقال عليه الصلاة والسلام:  (ردوها على فقرائكم).

          فقالوا:  يارسول الله ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا.

فقال أبوبكر الصديق – رضي الله عنه:  يارسول الله ما وفد من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من اليمن.

          فقال عليه الصلاة والسلام:  (إن الهدى بيدى الله عز وجل فمن أراد به خيراً شرح صدره للإيمان).

          وسألوا النبى – صلى الله عليه وسلم – عن أشياء فكتبت لهم – فجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن – فازدد النبى عليه الصلاة والسلام بهم رغبة – وأمر بلال أن يُحسن ضيافتهم ، فأقاموا أياماً ولم يُطيلوا المكث ، فقيل لهم:  ما يعجلكم؟  فقالوا:  نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكلامنا إياه – وما رد علينا.

          ثم جآءوا إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – يودعونه – فأرسل إليهم بلالاً فأجازهم بأرفع ما كان يُجيز به الوفود ثم قال:  (هل بقى منكم أحد؟).

فقالوا:  نعم غلام خلفناه على رحالنا – وهو أحدثنا سناً.

          فقال عليه الصلاة والسلام:  (أرسلوه إلي) ، فلما رجعوا إلى رحالهم ، قالوا للغلام:  انطلق إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأقضى حاجتك منه ، فإنا قضينا حوائجنا منه وودعناه.

          فأقبل الغلام حتى أتى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال:  يارسول الله إني امرؤ من بنى أبذى – وقد قضيت حوائجهم ، فأقضى اجتي يارسول الله؟.

          فقال:  (وما حاجتك؟).  قال:  إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي وإن كانوا قد قدموا راغبين في الإسلام وساقوا ما ساقوا إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني وأن يجعل غناى في قلبي.  فقال عليه الصلاة والسلام وقد أقبل على الغلام:  (اللهم إغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه) ، ثم أمر له بمثل ما أمر لرجل من أصحابه.

          فانطلقوا راجعين إلى اليمن إلى أهليهم – ثم جآءوا مرة والرسول – صلى الله عليه وسلم – في الموسم بمنى سنة 10 هـ.

          فقالوا:  نحن بنوا أبذى  يارسول الله – فقال عليه الصلاة والسلام:  (ما فعل الغلام الذى أتانى معكم؟).

          قالوا:  ما رأينا مثله قط ولا سمعنا بأقنع منه بما رزقه الله تعالى ، لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها – وما ألتفت إليها.

          فقال عليه الصلاة والسلام:  (إني لأرجو أن يموت جميعاً) ، فقال أحدهم:  (يارسول الله أو ليس يموت الرجل جميعاً).

          فقال عليه الصلاة والسلام:  (تتشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا فلعل أجله يدركه في بعض الأودية فلا يبالي الله عز وجل في أي أوديتها هلك).

          قالوا:  فعاش ذلك الغلام فينا على أفضل حال ..  وأزهده في الدنيا وأقنعة بما رُزق – فلما توفى النبى عليه الصلاة والسلام ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام – فقام هذا الغلام في قومه فذكرهم بالله وبالإسلام – فلم يرجع منهم أحد.

          وجعل أبوبكر – رضي الله عنه – يذكرهُ ويسأل عنه حتى بلغه حاله ، وما قام به ، فكتب إلى زياد بن لبيب يوصيه به خيراً.

((  والحمدلله رب العالمين  ))

اترك تعليقاً