آداب الاستئذان والزيارة

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فإن أهداف الإسلام ألا يلجأ إلى العقوبة للناس إلا بعد أن يستنفد وسائل الوقاية لهم، فليس للإسلام هدف فى إنزال العقوبات والعذاب بالناس في هذه الحدود التى يشرعها.

          والله عز وجل بالناس لرءوف رحيم والله يريد اليسر دائماً مصداقاً لقوله: (وما جعلنا عليهم من حرج) ولكن الله عز وجل شرع هذه الحدود والعقوبات كروادع لمن شذ عن طريق الله ولا تنفعه الموعظة ولا التوجيه.

          وسورة النور تمشي على هذا النمط وهذا الخط الذى رسمه الإسلام في أهدافه العليا.

          يقول الله تعالى في سورة النور الآية (27 : 29):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(28) لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ(29).

قال الطبري:  تستأنسوا هو ان تستأذنوا أهل البيت في الدخول عليهم ، ويؤذنهم أنه داخل عليهم فيأنس إلى إذنهم ويأنسوا إلى استئذانه.

ما هو سبب نزول هذه الآيات؟

          إن امرأة أتت النبى – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يارسول الله:  إني أكون في بيتي على الحالة التى لا أحب أن يراني عليها أحد ولا والد ولا ولد فيأتيني آت فيدخل عليً فيكف أصنع؟  فنزلت الآية الكريمة (لاتدخلوا بيوتاً ….) ، يؤدب المولى تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالآداب الجليلة ويدعوهم إلى التخلق بكل أدب رفيع فيأمرهم (1)بالإستئذان عند إرادة الدخول إلى بيوت الناس ، (2) وبالتلطف عند طلب الإستئذان ، (3)وبالسلام على أهل البيت لأن ذلك مما يدعو إلى المحبة والوئام ، (4) وينهاهم عن الدخول بغير إذن لئلا تقع أعينهم على ما يسوءهم فيطلعوا على عورات الناس.

          وإذا لم يؤذن له بعليه بالرجوع فذلك خير له من الوقوف على الأبواب أو الإثقال على أهل المنزل فقد يكون أهل البيت في شغل شاغل عن أستقبال أحد من الزائرين.

          وإذا لم يكن في البيوت أحد فلا يجوز الدخول لأن البيوت حرمة، ولا يحل دخولها إلا بإذن أصحابها ، وربما كان أهل البيت لا يرغبون أن يطلع أحد على ما عندهم في المنزل من مال أو متاع وربما أدى الدخول إلى فقدان شئ أو ضياعه ووقعت التهمة على ذلك الإنسان.

          أما البيوت التى بها ساكن أو التى فيها للإنسان منفعة أو مصلحة (المحلات – الفنادق – المطاعم ….الحمامات) فلا مانع من دخولها بغير إذن ، ذلك هو أدب الإسلام وتربيته الحميدة الرشيدة التى أدب بها المؤمنين.

          وقد تأدب الصحابة بالأدب العالي في هذا الأمر بالذات (الاستئذان) بعد أن كانوا حمقى مندفعين لا يعرفون أدباً ولا ذوقاً ولا مروءة ، وجعلهم الإسلام خير أمة أُخرجت للناس.

          لقد كانوا في الجاهلية يهجمون هجوماً فيدخل الزائر البيت وكان يكون صاحب البيت مع أهله في الحالة التى لا يجوز أن يراهما عليها أحد ، وبعض الأحيان تكون المرأة عارية أو مكشوفة العورة هي أو الرجل ، وكان ذلك يؤذي ويجرح.

هل السلام قبل الإستئذان أم بعده؟

          يجب أن يكون السلام قبل الإستئذان مصداقاً للحديث (السلام قبل الكلام).   (رواه الترمذي عن جابر بن عبدالله).

والدليل على أن السلام قبل الإستئذان:

          حديث رواه أحمد والبخاري في الأدب:  أن رجلاً من بني عامر أستأذن على النبى – صلى الله عليه وسلم – وهو في البيت فقال:  أألج (أدخل) فقال النبى – صلى الله عليه وسلم – لخادمه:  (أخرج إلى هذا فعلمه الإستئذان).  فقال له:  (السلام عليكم أأدخل؟).

الدليل الثاني:

          روى زيد بن أسلم قال:  أرسلني أبي إلى ابن عمر – رضى الله عنهما – فجئت فقلت:  أأدخل؟  فقال:  أدخل فلما دخلت قال مرحباً يا ابن أخي ،  تقل أأدخل ولكن قل:  السلام عليكم فإذا قيل:  وعليك فقل أأدخل؟  فإذا قالوا:  أدخل فأدخل.   (أخرجه ابن أبي شيبة).

          أما الآن يجب علينا أن:

          نطرق الباب أو نقرع الجرس فهذا نوع من الإستئذان مشروع لأن البيوت في عصر الصحابة لم يكن لها هذه والأبواب فيكفي للقادم أن يقرع الجرس ليدل على طلبه الإستئذان.

مثال 3:         سعد بن عباده وهو أحد المبشرين بالجنة ذهب إليه النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال:  السلام عليكم.  سعد سمع سلام النبى – صلى الله عليه وسلم – وكان معه ابنه قيس فرد على النبى رداً خفياً بصوت منخفض ، فلما سلم النبى ثلاث مرات ولم يسمع الرد رجع فأسرع وراءه سعد وقال:  يارسول الله لما انصرفت والله ما سلمت عليً سلاماً إلا رددته عليك ، فقال:  سبحان الله لما لا تسمعني الرد؟  قال سعد:  أردت أن أستكثر من بركاتك حتى تُسلم على ثلاث مرات بالسلام والرحمة والبركة. فرجع النبى – صلى الله عليه وسلم  إلى بيت سعد فقدم له زبيب فأكله ، فلما أنتهى من الأكل رفع يديه وقال:  اللهم أجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد ثم قدم له مآء فغتسل وأعطاه قميص (ثوب فيه خطوط من الصوف) ودعى له ، وقال:  (أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة).

مثال 4:   قالت زينب بنت مسعود زوجة عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما:  كان عبدالله إذا جآء من الخارج تنحنح وبزق حتى يسمع أهل البيت صوته فيستعدوا ، وكانت تلك عادته لم يتركها مرة.

مثال 5:  وكان جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال:  آتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فطرقت الباب ، فقال:  من ، قلت:  السلام عليكم أنا.  قال:  أنا أنا كأنه كرها.

كم عدد الإستئذان؟

          لم توضح الآية الكريمة عدد الإستئذان ، ولكن السنة النبوية قد بينت أن الإستئذان ثلاثاً ، مصداقاً الحديث الذي رواه أبوهريرة – رضي الله عنه مرفوعاً:  (الإستئذان ثلاث:  بالأولى يستنصتون ، وبالثانية يستصلحون ، وبالثالثة يأذنون أو يردون).

الدليل الثاني:

        قصة أبي موسى الأشعري مع عمر بن الخطاب – رضي الله عنهم – عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال:  (كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار فجآء أبوموسى فزعاً ، فقلنا له ما أفزعك؟).

          فقال:  أمرني عمر أن آتيه فأتيته ، فأستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت فقال:  ما منعك أن تأتيني؟  فقلت:  قد جئت فأستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي وقد قال عليه الصلاة والسلام:  (إذا أستأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع) ، كما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين.   فقال عمر:  لتأتيني على هذه البينة أو لأعاقبنك ، فقال: (أُبي بن كعب) لا يقوم معك إلا أصغر القوم ، قال أبوسعيد الخدري:  كنت أصغرهم فقمتُ معه ، فأخبرت عمر أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال ذلك.

ما الحكمة في إيجاب الإستئذان؟

          لأن البيوت مسكونه ، فالذي يدخل بدون استئذان يرى عورات الناس ، وما لا يحل النظر إليه ، وربما كان الرجل مع امرأته في فراش واحد ، فيقع نظره عليهما ، وهذا بلا شك يتنافى مع الآداب الإجتماعية التى أرشد إليها الإسلام.

كيف يقف الزائر على الباب؟

          من الآداب الشرعية في الإستئذان ، ألا يستقبل الزائر الباب بوجهه ، بل يجعله عن يمينه أو شماله ، فقد صح أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أتى باب قوم ، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول:  السلام عليكم ، السلام عليكم ، وذلك لأن البيوت لم يكن عليها حينئذ ستور.  أخرجه ابن ابى حاتم.

          وهذا الأدب ينبغي أن يلتزم به المسلم في عصرنا هذا فإن البيوت ولو كانت مغلقة الأبواب فإن الطارق إذا أستقبلها فإنه قد يقع نظره عند فتح الباب على ما لا يجوز أو ما يكره أهل البيت إطلاعه عليه.

هل هناك حالات يباح فيها الدخول بدون إذن؟

          ظاهر الآية يدل على النهي عن دخول البيوت بغير إذن في جميع الأزمان والأحوال ولكن هناك حالات إضطرارية تبيح الدخول بدون إذن:  (1) إذا عرض أمر في دار من حريق ، (2) أو هجوم سارق ، أو ظهور منكر فاحش.

هل على الطفل الصغير أن يستأذن في الدخول؟

          أحكام الإستئذان خاصة بالبالغين من الرجال والنسآء ، وأما الأطفال فإنهم غير مكلفين بهذه التكاليف الشرعية ، وليس هناك محظور يخشى من جانبهم لأنهم لا يدركون أمور العورة ، ولا يعرفون العلاقات الجنسية فيجوز لهم الدخول بدون إذن إلا إذا بلغوا مبلغ الرجال مصداقاً لقوله تعالي في سورة النور الآية (59):

(وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ).

سؤال:  هل يجب الإستئذان على النسآء أو العميان؟

          ظاهر الآية الكريمة يدل على أنه يجب الإستئذان على كل طارق سواء كان رجلاً أو امرأة ، مبصراً أو أعمى وبهذا قال جمهور العلماء.

          حجتهم:  أن من العورات ما يدرك بالسمع ففي دخول الأعمى على أهل بيت بغير إذنهم ما يؤذيهم فقد يستمع الداخل إلى ما يجرى من الحديث بين الرجل وزوجته.

          أما قول النبى – صلى الله عليه وسلم:  (إنما جُعل الإستئذان من أجل النظر) فذلك محمول على الغالب.

ثانياً:

          ومما يدل على أن المرأة تستأذن كما يستأذن الرجل ما روى عن (أم إياس) قالت:

          (كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة – رضي الله عنها – فقلت:  ندخل؟  فقالت:  لا ، فقالت واحدة:  السلام عليكم.  قالت:  إدخلوا ، ثم قالت:  (يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها).

          فدل هذا على أن المرأة تستأذن كما يستأذن الرجل.

 (والحمد لله رب العالمين)

 

 

اترك تعليقاً