بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،
معنى النذر فى اللغة:
النذر هو ما ينذره الإنسان على نفسه فيجعله واجباً وجمعه نذور.
ومنها: أن النذر معناه ما يوجبه الإنسان على نفسه تبرعاً وتقرباً إلى الله سبحانه من عبادة أو صدقة أو غير ذلك.
معنى النذر فى إصطلاح الفقهاء:
وهو إلزام الإنسان نفسه بقربة من القرب والعبادات أو طاعة لله تعالى غير واجبة عليه.
القربة: معناها أن النذر قربة ألزم الإنسان بها على نفسه بغير إلزام من الشرع وأن القصد من هذه القربة هو التقرب إلى الله تعالى على سبيل الطاعة والبر ، من أجل الحصول على الأجر والثواب.
قال الله تعالى فى سورة البقرة الآية (270):
(وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ).
حكم النذر فى الإسلام:
بمعنى هل النذر مشروع مرغوب فيه فى الشرع أم لا وما الدليل؟
الفقهاء لم يتفقوا على أن النذر هو الوسيلة المثلى التى يجب أن يتقرب بها العبد إلى الله.
وبذلك نرى أن النذر محصور فى نوعين:
(1) نوع تقرب إلى الله غير مشروط – وهذا مباح (أن الصوم لله أسبوعاً تقرباً إليه)
(2) أما النذر الفاسد هو أن يشترط على الله أن أعطاه كذا ، أعطى الله كذا نوع مشروط وهو ما يسمى بنذر المجازاة وهذا حرام.
والمقصود بنذر المجازاة أن العبد يجعل الطاعة فى نظير ما أكرمه الله تعالى به مما طلبه من ربه – وصورة هذا النذر أن يقول العبد إن شفى الله تعالى مريض فسوف أصوم ثلاثة أيام مثلاً كأنه أجر لله.
إذ كيف يشترط العبد على الله سبحانه أنه لن يقدم الطاعة إلا بعد شفاء المريض.
حكم النـــذر:
المذهب الأول:
وهو مذهب الجمهور لأنه يضم جمعاً من الفقهاء ومن كل مذهب. يرون أن النذر مباح وأنه نوع من أنواع القرب التى يتقرب بها العبد إلى ربه.
إستدال المذهب الأول: من الكتاب
أما الكتاب فيقول سبحانه وتعالى فى سورة الإنسان الآية (7):
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا).
كانوا فى دار الدنيا يوفون بالنذر وهو ما يلتزمونه من طاعات لربهم كالصلاة والصيام والحج والعمرة والصدقات تقرباً إلى ربهم ليحرزوا رضاه عنهم وتلك غاية مناهم. وكانوا فى حياتهم يخافون يوم الحساب يوم العقاب يوماً كان شره منتشراً.
الدليل الثانى:
قال الله تعالى فى سورة الحج الآية (29):
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ).
بإزالة الشعث والوسخ الذى لازمهم طيلة فترة الإحرام وإن من كان منهم قد نذر هدياً بذبحه فى الحرم فليوف بذلك إذ هذا أوان الوفاء بما نذر.
(أعمال نسكهم التى ألزموها أنفسهم بإحرامهم بالحج).
دليلهم من السُنة النبوية:
الحديث الأول:
عن عمران بن حصين عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (خيركم قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. ثم يجئ قوم ينذرون ولايوفون ويخوفون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ويظهر فيهم السمن). رواه الجماعة
ويخوفون: يخافون الناس ولا يخافون الله.
ولا يؤتمنون: ولا تأمنهم الناس على شئ.
ولا يستشهدون: ولا أحد يندبهم للشهادة.
ويظهر فيهم السمن: تقول ثمنه كذا ولا يشترى. نوع من المماطلة فى المعاملة.
وهذا الحديث يدل على جواز النذر عموماً وذلك من خلال ذم الذين لا يوفون بالنذر ولأن النذر من جملة العقود والعهود المأمور بالوفاء بها..
المذهب الثانى:
وأصحاب هذا المذهب يرون أن النذر أنواع وأن المباح منها ما كان براً وتقرباً إلى الله تعالى مثل: أن يقول الناذر: 1-لله على أن أتصدق بكذا
2- أو أن أصوم كذا
3- أو أن أصلى لله عشر ركعات (مباح).
أما النوع الذى لا يجوز عند أصحاب هذا المذهب هو نذر المجازاة.
ونذر المجازاة: هو الذى يقدمه العبد جزاء لأمر طلبه من الله تعالى كأن يقول مثلاً: (1) إن شفى الله مريضى فسوف أتصدق بكذا ، إن نجح ولدى فى الإختبار أصوم لله خمسة أيام.
ويقول العلماء: إن المجازاة هنا تعد من باب الإشتراط على الله سبحانه وأن العبد لا يقدم الطاعة إلى الله إلا إذا قدم الله سبحانه له ما يريد.
وأستدلوا بأحاديث:
(1)وما روى عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال: (لاتنذورا فإن النذر لا يعنى من القدر شيئاً وإنما يستخرج به من البخيل).
المعـــنى: إن النذر لا يقرب من ابن آدم لم يكن الله قدره له ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج …
… النذر المجازاة مكروه ومحرم.
أما نذر التقرب إلى الله فهو مباح..
المذهب الأول هو القول الراجح الذى نأخذ به
أركان النـذر
ناذر منذور صيغة
تتفق كلمة الفقهاء على أركان النذر ثلاثة ، ولكننى وجدت أن الفقهاء تركوا ركناً مهماً من أركان النذر ألا هو المنذور له..
وهو الله: لأن بعض الناس فسدت عقيدتهم فأصبحوا يقدمون النذر إلى غير الله تقرباً وهذا حرام…
لماذا ترك الفقهاء هذا الركن مع أهميته؟
ممكن يكون السبب فى ذلك أن المنذور له معلوم مؤكد لكل مسلم وهو ألا يكون النذر لغير الله سبحانه.
ولكن هناك من عامة الناس أو من البسطاء منهم من يخالف ذلك عن جهل أو عن تعمد جهالة – ويقول وهو ينذر سوف أقدم للشيخ فلان أو اللوالى فلان أو للصالح فلان كذا نذراً.
فهذا شرك صريح لأنه تقرب بالطاعة إلى غير الله سبحانه والله تعالى يقول: (ومآ أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).سورة البينة (5
الركن الأول:
الناذر: وهو من يتقدم بالنذر ويتقرب به ، أو هو الذى يلزم نفسه بالقربى إلى الله تعالى.
شروط الناذر:
(1)البلوغ ، (2) العقل ، (3) مختاراً غير مكره ، (4) الإسلام ، (5) ألا يكون الناذر محجوراً عليه.
أولاً: البلوغ: فالصبى غير مكلف فلا يصح نذره لأنه ليس من أهل وجوب الطاعات. الصبى لا يقبل نذره ولا يصح أن يكون ناذراً.
ثانياً: العقل: فالمجنون فاقد الأهلية وفاقد التصرف فلا تصح منه العبادات والطاعات وسائر الأعمال.
والصبى والمجنون قد رفع النبى – صلى الله عليه وسلم – التكليف عنهم فى قوله: (رفع القلم عن ثلاثة – عن الصبى حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق).
هل يصح نذر السكران؟
لا يصح نذر السكران ، والرأى الراجح هو رأى أبو حنيفة: تصرفات السكران غير محسوبة وكأنه مجنون وكيف نحاسب من فقد عقله.
فإن نذر السكران على ذلك – فلا نطالبه بالوفاء بنذره لأنه كالمجنون والمجنون لا يسأل عن فعله.
ثالثاً: مختاراً غير مكره: فإن أكره على النذر فلا يصح هذا النذر – والنذر فى هذا يقاس على سائر الأعمال والعبادات حيث يلزم فيها أن يكون الإنسان مختاراً غير مكره.
رابعاً: الإسلام: هل يجوز أن يكون الناذر غير مسلم؟
أو لابد للناذر أن يكون من المسلمين؟
نعم لأن النذر طاعة وتقرب إلى الله وهذا لا يُقبل إلا من المسلم. ولا يجوز النذر من الكافر لأنه لن يقبل منه.
خامساً: ألا يكون الناذر محجوراً عليه: (سفيه لا يحسن التصرف) ، إذا كان النذر يحتاج إلى مال أنه لا يصح من المحجور عليه ، لأن جميع أمواله ليست تحت يده – ولا تصرف له فيها وبالتالى فإنه فى حكم الذى لا يملك شيئاً فلا يصح نذره.
الركن الثانى:
المنــذور: وهو ما يقدمه الناذر من قربه أو طاعة لله سبحانه.
فمن الشروط التى أتفق أهل العلم عليها فى المنذور:
(1) أن يكون المنذور طاعة لله سبحانه.
(2) ألا يكون النذر فى معصية الله سبحانه.
كمن نذر أن يشرب الخمر أو يسرق أو يقطع رحماً فكل هذه معاصى لا يجوز نذرها لأنها محرمة فى الأصل (أن ترقص فى فرح أبنتها).
عن عائشة – رضى الله عنها – أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصه فلا يعصه). البخارى.
هل يجوز أن ينذر الناذر ترك هذه الأعمال المباحة أو فعلها.
كأن يقول لله على أن أجلس فلا أقوم ، أو أقوم فلا أجلس ، أو لله على أن أترك الطعام هذه الأشياء المباحة لا يجوز النذر فيها.
الدليل: حديث النبى – صلى الله عليه وسلم: وقد نهى النبى – صلى الله عليه وسلم – عن نذر المُباحات فقد روى البخارى عن ابن عباس – رضى الله عنهما قال: بينما النبى – صلى الله عليه وسلم – يخطب ، إذ هو برجل قائم فسأل عنه ، فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: (مُره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه).
وهذا يعنى أن نذر هذه المباحات ليس من الطاعة فى شئ بل هو نوع من أنواع العقاب للنفس – وهذا شئ لا يرضى الله تعالى عنه.
ولذلك نهى عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
فتوى الإمام الغزالى – رحمه الله – أن نذر المباحات غير جائز حتى ولو حكم به حاكم …
الركن الثالث:
الصيغة: وهى العبارة الدالة على النذر سواء كانت لفظاً أو كتابة أو إشارة مفهومة أو إعطاءً مصحوباً بنية النذر … (عطية – صدقة).
ملحوظــــة:
أن النذر الذى يقع للأموات من أكثر العوام – وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها – إلى ضرائح الأولياء الكرام تقرباً إليهم.
كأن يقول: ياسيدى فلان إن رُد غائبى أو عُوفى مريضى أو قضيت حاجتى فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا. فهو بالإجماع باطل وحرام.
لماذا هو حرام ….؟ لأنه نذر لغير الله.
(والحمد لله رب العالمين)