بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،
كان أول أحداث العام الثالث الهجرى مقل كعب بن الأشرف لعنة الله عليه. كان كعب في الأصل عربي من قبيل طئ – من بني نبهان ، وأمه من بني النضير.
وكان غنياً مترفاً معروفاً بجماله في العرب – وكان رجل نسآء كل يوم يتزوج واحدة وكان لا يفيق من السكر.
القى الله في قلبه كراهية الرسول – صلى الله عليه وسلم – وحاول الرسول – صلى الله عليه وسلم – معه ولكن إزداد بغضا وكراهية بعد غزوة بدر الكبرى.
ولما بلغه أول خبر عن إنتصار المسلمين ، وقتل صناديد قريش في بدر قال: (أحق هذا؟ هؤلاء أشراف العرب وملوك الناس – والله إن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها).
ولما تأكد ممن الخبر أخذ يهجو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين ويمدح عدوهم ويحرضهم على المسلمين. وذهب إلى مكة وبين لهم أنه حزين من أجل 70 الذين قُتلوا وقال: (يا مُصيبتاه وياحزناه على الفارس أبو جهل) ، وأخذ يعدد مثل الندابة. (2)وجعل ينشد الأشعار يبكي فيها على أصحاب القُليب من قتلى المشركين ، (3) ويدعو قريش إلى حرب النبى – صلى الله عليه وسلم ، (4) ويقول أشعار ضد الإسلام وضد رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله عز وجل سلط عليه حسان بن ثابت – شاعر الرسول – صلى الله عليه وسلم ، قال قصيدة ضد كعب جعل أهل مكة يقولون له لقد غلبك شاعر المسلمين.
وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يدعو لحسان بن ثابت:
(قل وروحُ القُدُس معك يُأيُدك ، إن شعرك أنكى عليهم من السلاح).
ورجع كعب إلى المدينة بعد أن شيب بنسآء المسلمين (تكلم في أعراضهم) ويؤذيهم بسلاطه لسانه أشد الإيذاء.
قال كبار الصحابة:
يارسول الله دعنا نقتله. قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (دعوه الآن حتى يقدر الله أمراً).
فالرسول – صلى الله عليه وسلم – صابر وثابت ، وهو جالس في المسجد قال: (من لي بكعب بن الأشرف).
بمعنى: من الذى يخلصنا من شره – لقد أتهم نسآءنا الشريفات العفيفات المؤمنات الصالحات – ودعى قريش لمحاربتنا.
والله سبحانه وتعالى يقول في سورة المائدة الآية (33):
(إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
الشرح:
قال بعض العلماء: الإمام بالخيار إن شآء قتل ، وإن شآء صلب ، وإن شآء قطع الأيدى والأرجل ، وإن شآء نفى وهو مذهب مالك – وقال ابن عباس:
فمن قتل قُتل – ومن قتل وأخذ المال قُتل وصُلب – ومن اقتصر على أخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ، ومن أخاف الناس فقط نُفي من الأرض ، وهذا قول الجمهور.
فقام محمد بن مُسلمة – رضي الله عنه – (رئيس الفدائيين فرقة الصاعقة) قال: أنا يارسول الله ، ولكن لما ذهب إلى بيته مكث ثلاث أيام لا يأكل ولا يشرب – زوجته أشتكت للرسول.
فقال الرسول: مالك يامحمد؟ قال: يارسول الله حملتني أمانة وأخشى أن أفرط فيها – قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (إن الله سيُعينك).
هنا قوى قلب محمد بن مسلمة – وقال يارسول الله أستعان بمن أشآء؟ قال النبى- صلى الله عليه وسلم: (خذ من تشآء من إخوانك).
الفرقة مكونة من محمد بن مسلمة – وعباد بن بشر – وأبونائلة ، وأسمه سلكان بن سلامة – وهو أخو كعب بن الأشرف من الرضاعة ، والحارس بن أوس – وأبو عبس بن حبر وكان القائد: محمد بن مسلمة.
كان كعب بن الأشرف يعيش في جبل بعيد في المدينة وكان كل يوم يتزوج واحدة كان رجل جبار زعيم عنده خدم وحشم وحرس – نسآء – ومال كثير من الذى يصل إليه؟
تُفيد الروايات: أن محمد بن مسلمة قال: فأذن لي أن أقول شيئاً. قال النبى – صلى الله عليه وسلم: قل ..
بمعنى: أنه سيحتاج إلى بعض الكلام وأُبين أنى منضم إليه وسوف أضطر أن أشتم فيك وفي الإسلام وفي ربنا – قال النبى: (قل ما شئت).
فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل (النبى) قد سألنا صدقة ، قال كعب: والله لتملنه.
قال محمد: فإنا قد اتبعناه ، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أى شئ يصير شأنه؟ وقد أردنا أن تسلفنا وسقاً أو وسقين.
قال كعب: نعم أرهنوني – قال محمد: أي شئ تريد؟
قال كعب: أرهنوني نسآءكم. قال محمد: كيف نرهنك نسآءنا وأنت أجمل العرب.
قال كعب: أرهنوني أبناءكم. قال محمد: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال: رُهن بوسق أو وسقين. هذا عار علينا ولكن نرهنك اللامة – بمعنى السلاح .. فواعده أن يأتيه..
وصنع أبونائلة مثل ما صنع محمد بن مسلمة ، قال أبونائلة: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء ، عادتنا العرب – وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال. وقال أبونائلة أثناء حديثه: (إن معي أصحاباً لي على مثل رأيي ، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك).
وقد نجح ابن مسلمة وأبونائلة في هذا الحوار إلى ما قصدا ، فإن كعب لن ينكر معهما السلاح. السلاح الذى سوف يقتلونه به بدون أن يشك.
… المؤمن لابد أن يكون واعي – ويخطط لعدوه.
وفي ليلة 14 من شهر ربيع الأول سنة 3 هجرية اجتمعت هذه المجموعة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فشيعهم إلى بقيع الفرقد – ثم قال: (انطلقوا على اسم الله ، اللهم أعنهم) ثم رجع إلى بيته ، وطفق يصلي ويناجي ربه.
نادي عليه أبونائلة: فقام لينزل إليهم ، فقالت له امرأته – أين تخرج هذه الساعة؟ اسمع صوتاً كأنه يقطر منه الدم ، والله إني أرى في صوته الشر.
قال كعب: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ، ورضيعي أبونائلة ، ثم خرج إليهم وهو متطيب ينفخ رأسه.
الخطة: أبونائلة يمسك رأسه ليشمه فاضربوه. فلما نزل كعب إليهم تحدث معهم ساعة ، ثم قال أبونائلة: (هل لك ياابن الأشرف أن نتماش إلى شعب العجوز فنتحدث بقية ليلتنا؟ قال كعب: إن شئتم ، فخرجوا يتماشون ، فقال أبونائلة وهو في الطريق: ما رأيت كاليلة طيباً أعطر – وزهى كعب بما سمع ، قال أبونائلة: أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال كعب: نعم فأدخل أبونائلة يده في رأسه فشمه وأشم أصحابه.
ثم مشى ساعة ثم قال أبونائلة: أعود؟ قال كعب: نعم حتى أطمأن ، فأدخل يده في رأسه ، فلما أستمكن منه قال: دونكم عدو الله ، فأختلفت عليه أسيافهم لكنها لم تغني شيئاً فأخذ محمد بن مسلمة سكيناً فوضعه بين صدره ثم تحامل عليه حتى بلغ أسفل بطنه – فوقع عدو الله قتيلاً.
وقد صرخ صرخة شديدة أفزعت من حوله – فلم يبق حصن إلا أوقدت فيه الأنوار..
ورجعت المجموعة وقد أُصيب الحارس بن أوس فجرح ونزف الدم ، وصلوا إلى حرة العريض – رأت أن الحارث ليس معهم فوقفت ساعة فاحتملوه حتى إذا بلغوا بقيع الغرقد كبروا وسمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تكبيرهم – فعرف أنهم قد قتلوه – ورموا برأس الطاغية بين أيديه ، فحمدالله على قتله – وتفل على حرج الحارث.
وقال: (باسم الله – اللهم رب الناس أذهب البأس – أشفى أنت الشافعي – لا شفاء إلا شفاؤك – شفاءً لا يغادر سقماً).
فقام الحارث يصلى الصبح كأنه لم يُصيب.
وبهذا استراح الإسلام من هذا المجرم كعب بن الأشرف وعندما علمت اليهود بمصرع كعب دب الرعب في قلوبهم العنيدة وعلموا أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لن يتوانى في إستخدام القوة لمن يريد العبث بالأمن وإثارة الإضطرابات وعدم إحترام المواثيق ، فلم يحركوا ساكناً لمقتل طاغيتهم – بل لزموا الهدوء – وتظاهروا بإيفاء العهود واستكانوا وأسرعت الأفاعي إلى جحورها تختبئ فيها.
وكان هذا أول حدث في العام الثالث الهجرى….
(( والحمدلله رب العالمين ))