بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد ،،،
فهناك حديث مشهور ربما يكون قد سمعهُ منكم المئات والمئات إنما العبرة فى الحديث أو القرآن بما فُهمُ وما عُلم ولا بما سُمع.
قد يسمع الإنسان الآية أو الحديث مائة مرة ثم لا يبقى شئ من معانيه.
هذا الحديث: (جآء رجل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – وقال: يارسول الله – إنى رجل أصرفت على نفسى بالسيئات وأُريد منك أن تدلنى على شئ إذا فعلته تاب الله عليٌ وألحقنى بعباده الصالحين ، فقال له – صلى الله عليه وسلم: “إن أردت أن يتوب الله عليك وأن يلحقك الله بالصالحين فعليك بثلاث واحدة منهن لله لا شريك له والثانية لك أنت لا شريك لك منها والثالثة لعباد الله عليك”).
بمعـــنى: واحدة لله والثانية لك أنت والثالثة لعباد الله. لله – لك – للناس – (فقال الرجل: نعمة ما تدُلنى عليه يارسول الله – فقال صلى الله عليه وسلم: “أتق الله حيثما كنت – وأتبع السيئة الحسنة تمحوها ، وخالق الناس بخلق حسن”).
هم ثلاث كلمات وممكن الإنسان يكتبهم فى سطر واحد…..
الشـــرح: أغلبنا سمع هذا الحديث يقال فى كل خطبة جمعة .. أغلبنا لم يفهم الحديث – الرسول قاله : (1) لواحد المعاصى كثيرة عنده ، (2) والإصراف فى السيئات قلبت دماغه ، (3) ولم يبق إجراماً إلا قد فعله – ولما زهق من الإجرام والسيئات جآء يشتكى للنبى – صلى الله عليه وسلم – فقال له صلوات الله وسلامه: (اتق الله حيثما كنت).
هى جماع الأمر كله – حيثما كنت فى أى زمان وفى أى مكان.
فى أى زمان: بالليل بالنهار – فى الشتاء فى الصيف – فى الحر فى البرد.
فى أى مكان: فى بيتك – فى المسجد – فى الشارع – مع الناس – لوحدك من وراء الناس اتق الله حيثما كنت.
والتقوى: هى التى عبر عنها سيدنا عمر بن الخطاب – رضى الله عنه: مع واحد يسأله ما هى التقوى؟ قال عمر: أنت مشيت فى طريق به شوك؟ قال الرجل: قال فيه – نحن عرب والبادية مملوءة بالأشواك ، قال عمر: ماذا تفعل وأنت ماشى فى طريق الشوك؟ قال الرجل: أشمر هدومى وأتفادى الشوك. قال عمر: هذه هى التقوى – التقوى أنك تتق عضب الله – تبعد عن غضب الله ، وتبعد عن الأشياء الموجبة لغضبه.
شئ سوف يجيب غضب الله وسخطه نبعد عنه – مصداقاً لقوله تعالى فى سورة البروج الآية (12 ، 13):
(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ)(13).
وكذلك قال الله تعالى فى سورة هود الآية (102):
(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
كلام سيدنا عمر: كما تتق الأشواك – اتق غضب الله. أو كما قال الإمام علىٌ كرم الله وجهه: التقوى هى: (الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والإستعداد ليوم الرحيل).
التقوى هى: باب كل خير ويسر فى الحياة الدنيا والآخرة.
وكذلك يقول الله تعالى فى سورة الطلاق الآية (2 ، 3):
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(3).
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق الآية (4).
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) الطلاق الآية (5).
(َياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا) سورة الأحزاب الآية (70).
(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) سورة الأحزاب الآية (71).
(إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)سورة يوسف الآية(90).
(صلوا على خاتم النبيين).
(اتق الله حيثما كنت) هذا حق الله – والله معك فى البيت فى الغيط فى الشارع فى المسجد مع الناس – لوحدك …
(مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا). سورة المجادلة الآية (7).
يعلم الله سبحانه وتعالى ما يقولون سراً وجهراً ، ولا تخفى عليه خافية .. نزلت هذه الآية فى المنافقين … كما قال ابن عباس: هذا يقين بأن الله سبحانه يعلمُ كل شئ – ده علم اليقين بل عين اليقين بل حق اليقين مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الواقعة الآية(95 – 96):
(إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ(95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(96).
تنزه الله تعالى عن السوء.
ثانياً: واتبع السيئة الحسنة تمحوها:
إذا عملت سيئة أفعل وراءها حسنة – لأن الحسنة تمسح عشر سيئات مصداقاً لقوله تعالى فى سورة هود الآية (114):
(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ).
وقال النبى – صلى الله عليه وسلم: (ياويل من تغلبُ أحادُهُ عشراته) السيئة بواحدة – والحسنة بعشر حسنات – لما يأتى يوم القيامة ويجد الله تعالى إن سيئاته أكثر – معناه: كل السيئات تعمل حسنة واحدة – الحسنة الواحد تمحو عشر سيئات.
حكاية عن الحسنة تمحو السيئة:
كان هناك رجل تاجر فى المدينة المنورة اسمه عبدالله التمار جآءت له سيدة ذات جمال تشترى تمر فتشت فى البلح لم يعجبها ، فقال لها: عندنا فى المخزن أحسن من هذا؟ قالت: أشوفه ، فدخلت لكى ترى البلح فقبلها وعانقها (حضنها وفعل معها كما يفعل الرجل مع المرأة إلا أنه لم يجامعها). ثم أدركه الندم ، لم يذهب إلى بيته وذهب إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقال له: إنى أصبت حداً فأقمه عليٌ: (مائة جلدة أو الرجم) ، الرسول صلى الله عليه وسلم: كان نعمى المربى ونعمى الخُلُقُ ، قال للرجل: مامعنى أصبت جداً. فحكى الرجل للرسول ما حصل بينه وبين المرأة.
قال الرسول: وندمت؟ قال الرجل: نعم ، هذا الذى جعلنى آتى إليك .
قال الرسول: تبت؟ قال الرجل: تبت ، قال الرسول: أنت صليت معنا الظهر إذا كان الغد سوف أقول لك.
صلى الرجل مع الرسول العصر جماعة – والمغرب جماعة والعشآء جماعة وبات فى المسجد يتهجد طول الليل – خائف ، ثم جآء الفجر – وصلى مع الرسول الفجر – وبعد الصلاة قال النبى: أين الرجل صاحب الشكوى. قال: أنا يارسول الله.
قال: (1) لقد غفر الله لك ، (2) ومحى عنك ما فعلت ، (3) وأنزل فيك قُرآناً ، فى سورة هود الآية (114):
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).
سيدنا عمر كان جالس والصحابة كلهم – قال عمر: أهذا له خاصة أم عامة للأمة – قال النبى: هذا له خاصة وللأمة عامة ، من تاب تاب الله عليه… ووحدوا الله.
ثالثاً: وخالق الناسُ بخُلُق حسن:
مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم:
(أقرب الناسُ منى مجلساً يوم القيامة أحسنهم خُلقاً).
(المؤمن إلُفُ مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف).
وقد روى الإمام الحسن عن الإمام الحسن عن الإمام الحسن عن جد الحسن صلى الله عليه وسلم: (إن أحسن الحُسن الخُلُقُ الحسن).
الحسن الأول: الحسن بن سهل الحسن الثانى: هو الحسن بن معاوية
الحسن الثالث: الحسن بن على كرم الله وجهه.
( والحمدلله رب العالمين )