حديث (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فعن ابن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي).           رواه الترمذي في مسنده.

          كثرة الكلام من غير ذكر الله تعالى – يعتبر لغو لا مبرر له ، ولا خير فيه ، ولا طائل تحته ، فهو تبعة من التبعات التى يتحملها المرء ويبوء بإثمها ، ويكون سبباً في تعثره في مناحي الحياة كلها.

          وقد قالوا:  من قل كلامه ، حمدت عاقبته.

          وقالوا:  من كثر لغطه ، كثر غلطه.

          وقالوا:  إن كان الكلام من فضة ، فالسكوت من ذهب.

          وقال عمرو بن العاص:

          (الكلام كالدواء ، إن قللت منه نفع ، وإن أكثرت منه ضر).

          وقال لقمان الحكيم:

          (إن من الصمت لحكماً وقليل فاعله).

          وخير الكلام ما قل ودل.

          فإذا أراد الإنسان أن يتكلم ، فليجعل لسانه وراء قلبه ، لا يتكلم بالكلمة إلا إذا عرف معناها ومرماها ، لأن الكلمة محسوبة عليه ، إذا خرجت من فيه لا يستطيع لها رداً وإعتذاره منها قد لا يجدي نفعاً.

          ورحم الله إنساناً تكلم فغنم أو سكت فسلم.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية (70 – 71):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)(71).

بمعنى:

          ياأيها الذين آمنوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولا راقبوا الله في جميع أقوالكم وأفعالكم ، وقولوا قولاً مستقيماً مرضياً لله – النتيجة يوفقكم الله لصالح الأعمال ويتقبلها منكم ، قال ابن عباس:  يتقبل حسناتكم ، وكذلك يمحو عنكم الذنوب والأوزار وبذلك تكونوا نلتم غاية مطلوبكم بطاعة الله ورسوله .

          فمن قال قولاً سديدا – أصلح الله عمله ، وبصلاح عمله يكتب له الفوز العظيم في الدنيا والآخرة ، فتدبروا آيات القرآن لتفقهوا معانيها ومراميها.

          والنهي عن كثرة الكلام في هذه الوصية ، إنما هو منصب على الكلام الذى يخلو على كثرته من ذكر الله عز وجل.

الكلام أربعة أنواع:

(1)            الموجز البليغ:  وهو ما كان قليل الألفاظ كثير المعاني.

(2)            المساوي:  وهو الذى تتساوى ألفاظه مع معانيه.

(3)            المطنب:  وهو الكلام الطويل الذى لا يخلو من فائدة.

(4)            المسهب:  وهو الكلام الطويل الخالي عن الفائدة.

وأبلغ الأنواع هو الموجز.

          والقرآن كله مبني على الإيجاز.

          وكلام الرسول – صلى الله عليه وسلم – أيضاً مبني على الإيجاز ، فقد أُوتي جوامع الكلم فكان أسلوبه في البلاغة دون أسلوب القرآن وفوق أساليب البلغاء مجتمعين.

          والرسول- صلى الله عليه وسلم – في هذه الوصية يحذرنا من خلو كلامنا من ذكر الله سواء قل كلامنا أو كثر.

ماهي فوائد ذكر الله في الكلام؟

(1)     فذكر الله عز وجل يعطي الكلام رونقاً وجمالاً ، ويضفي عليه هيبة وجلالاً.

(2)     يزيد المتكلمين خشوعاً وإمتثالاً لله عز وجل ، ويجعل من كلامهم خيراً وبركة.

(3)     ويكون الذكر مكفراً لما بدر منهم أثناء كلامهم من خطايا.

(4)     الذكر يرفق القلوب القاسية ، ويشرح الصدور الضيقة.

(5)     إن ذكر  الله عز وجل يعمق جذور الإيمان في القلوب المؤمنة ويثبتها تثبيتاً لا يزعزعه شك.

(6)     إن ذكر الله عز وجل هو النعيم الأبدى الذى لا يعدله نعيم دنيوي ولا أُخروي.

          قال عالم من العلماء العاملين:

          (عجبت لمن يخرج من الدنيا ولم يستمتع بنعيمها!).

          قالوا:  أو في الدنيا نعيم يارجل؟

          قال: نعم فيها نعيم يعدل نعيم الجنة.

          قالوا:  وما هو؟

          قال:  ذكر الله.

          وقد صدق كل الصدق فيما قال ، ومن ذاق عرف ومن حُرم انحرف.

          وأهل الجنة في الجنة لا يتمتعون بشئ إلا وهم يذكرون الله ، فذكر الله هو المتعة في الحقيقة وما سواه من النعيم تابع له ومنضم إليه ، وموجب لشكر الله عليه.

          فإن أهل الجنة إذا أرادوا متعة سبحوا بحمدالله وإذا انتهوا منها إلى غيرها حمدوا الله.  مصداقاً لقوله تعالى في  سورة يونس الآية (10):

(دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

والكلام إذا خلا من ذكر الله كان على المتكلم وبالاً وخذلاناً وإفساداً لقلبه وإطفاء لنور بصيرته ، ولاسيما إذا طال وكثر الغلط واللغط واللغو والغيبة والنميمة وما إلى ذلك من الأوزار.

إن القلب يلين بذكر الله مصداقاً لقوله تعالى في سورة الرعد الآية (28):

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

وبذكر الله وحده تطمئن القلوب وتستنير بنور الإيمان والويل كل الويل لمن غفل عن ذكر الله عز وجل ، فإنه يظل في غفلته حتى يأتيه الموت فينتبه حيث لا يفيده الإنتباه ، ويندم حيث لا يفيده الندم مصداقاً لقوله تعالى في سورة الفجر الآية (23 – 24):

(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23)يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)).

وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي – وهو الذى لا يتفتح للموعظة ولا يستجيب للنصح ، فهو قلب أصم أعمى محجوب عن نور الله وهداه.  مصداقاً لقوله تعالى في سورة الزمر الآية (22):

(أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

ويؤخذ من هذه الوصية أن المسلم الذى يخشي الله ويتقيه هو الذى يكثر من ذكر الله ، فيكون كلامه كله أو معظمه ذكر لله.

وقد جلست مع امرأة في المسجد الحرام فحدثتني ساعة فما كف لسانها من ذكر الله فكل كلمة تقولها تبدأها وتختمها بالتسبيح أو الحمد أو الصلاة على النبى – صلى الله عليه وسلم – ثم تقول إن شاء الله أفعل كذا وكذا ، وبإذن الله يكون كذا وكذا ، مع الإستمرار في الدعاء لي ولها حتى انفض المجلس وقمنا ذاكرات كما جلسنا ذاكرات ، وقد أقتديت بها في هذه الطريقة المثلى والسنة الحسنة ، ولكني لم أستطع أن أكون مثلها كما ينبغي.

وأخيراً:

          يجب علينا أن نصحح النية ونؤكد القصد ، ونعقد العزم على الإكثار من ذكر الله في جميع أوقاتنا ما أستطعنا إلى ذلك سبيلا.

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً