حديث (تفسحُوا يفسح اللهُ لكم)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فعن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُقيمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ، ثم يجلس فيه ، ولكن توسعُوا وتفسحُوا يفسح الله لكم).

          من الآداب السامية التى يُراعيها المسلمُ ويعمل على نشرها بين إخوانه حيث كان أدب المجالس.

          وما ورد في هذا الأدب من الأحاديث فإنما هي بيان وتفصيل لقوله تعالي في سورة المجادلة الآية (11):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

          (يا أيها الذين ءامنوا) نداء من الله تعالى للمؤمنين بأكرم وصف وألطف عبارة يا من صدقتم الله ورسوله وتحليتم بالإيمان الذى هو زينة الإنسان فالمؤمنون هم الذين يمتثلون أوامر الله ، ويجتنبون نواهيه ، ويقتدون بالرسول – صلى الله عليه وسلم – في عاداته ، وشأنه كله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

          وقد نزلت هذه الآية في مجالس الذكر كما قال قتادة ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلاً ضنوا بمجالسهم عند رسول الله    صلى الله عليه وسلم     فأمرهــم الله أن يفسح بعضهم لبعض .

          وقد كان العرب في الجاهلية لا يعرفون هذه الآداب ، ولو عرفوها ما ألتزموها لأن الإلتزام يفرضه الإيمان ولهذا خاطبهم الله عز وجل بقوله: (يا أيها الذين ءامنوا).

          إذا قيل لكم توسعوا في مجالسكم لتسع أكبر قدر من إخوانكم فامتثلوا واستجيبوا ، لأن فعلكم هذا يؤدي إلى أن يفسح الله تعالى لكم في رحمته وفي منازلكم في الجنة ، وفي كل شئ تحبونه.

          وفي هذا الحديث دعوة لأصحاب المروءات أن يُجل بعضهم بعضاً في المجالس ، فلا يقيم أحدهم أخاه من مجلسه الذى أحرزه لنفسه بالجلوس فيه ثم يجلس مكانه ، فإن ذلك عدوان عليه ، وإحراج له ، وفيه من الأثرة ما لا يحبه الله ورسوله.

          وكان من الأولى أن يؤثر أخاه بمجلسه فيقوم ويجلسه لا أن يقيمه من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن من الممكن أن يفسح الجالس لأخيه إذا رآه واقفاً ويوسع له حتى يتمكن من الجلوس بجواره إن وجد لذلك سبيلاً.

          فإن فعل ذلك أفسح الله له في الدنيا والآخرة ، فإنه من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة.

          ووسع لكم أيضاً في المكان ، والرزق ، والصدر ، والقبر والجنة.

          وإن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (لا يزال الله في عون العبد مازال العبدُ في عون أخيه).

          ولاشك أن ذلك سيسعده ويدخل السرور عليه ، ويشعر أن أخاه الذى أفسح له رجل ذو مروءة وإحسان ، فيحبه ويضمر في نفسه أن يفعل معه مثلما فعل إذا أقبل على مجلس هو فيه.

          وقد جآء رجل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقام له رجل آخر من مجلسه ، فذهب ليجلس فيه ، فنهاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم قائلاً:  (لا يقمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه…).

          وروى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به).

          وروى أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أمية عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُجلس بين رجلين إلا بإذنهما).

          ومن الآية والأحاديث نستطيع أن نستخلص قواعد خمسة هي:

1.    التفسح في المجالس واجب مالم تكن هناك ضرورة.

2.    توقير الصغير للكبير واجب.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا).  رواه الترمذي

وكذلك أولو العلم يجب على الناس توقيرهم وإجلالُهم وإيثارُهم بالمجالس الأمامية.

3.    صاحبُ المجلس أحقُ به إن عاد إليه.

4.    إذا أمر أمير القوم رجلاً بالقيام لرجل آخر وجب عليه أن يقوم.

بمعنى:  أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف.

5.    يجلس الرجل حيث انتهى به المجلس لا يزاحم الناس.

ولقد كان أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – يبالغون في مراعاة هذه الآداب ولاسيما مع كبارهم وعلمائهم.

          فقد ورد في الصحيح أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يقدم عبدالله بن عباس على الصحابة ، فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه ، وسألهم عن تفسير:  (إذا جآء نصر الله والفتح) فسكتوا ، فقال ابن عباس:  هو أجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعلمه اللهُ إياه.  فقال عمر:  ما أعلم منها إلا ما تعلم.

أسباب نزول هذه الآية:   (يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحُوا ..).

          روى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان – أنها نزلت يوم جمعة وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومئذ في الصُفة وفي المكان ضيق ، وكان يُكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجآء أناس من أهل بدر وقد سُبقُوا إلى المجالس ، فقالوا:  السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ، فرد النبى – صلى الله عليه وسلم – عليهم ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك ، فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون إن يوسع لهم ، فعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – ما يحملهم على القيام ، فلم يُفسح لهم ، فشق ذلك على النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال لمن حوله:  (قم يافلان ، وأنت يافلان) فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – الكراهة في وجوههم.

          فقال المنافقون:  ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟

          فبلغنا أن رسول الله – صلى الله علي وسلم – قال:  (رحم الله رجلاً فسح لأخيه).

          فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعاً ، فتفسح القوم لإخوانهم.

وقال إبن كثير:

          كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يجلس حيث انتهى به المجلس ، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس ، وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يجلسون منه على مراتبهم ، فالصديق يجلسه عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وبين يديه غالباً عثمان وعلي ، لأنهما كانا ممن يكتب الوحي ، وكان يأمرهم بذلك ….  والله أعلى وأعلم.

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فعن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُقيمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ، ثم يجلس فيه ، ولكن توسعُوا وتفسحُوا يفسح الله لكم).

          من الآداب السامية التى يُراعيها المسلمُ ويعمل على نشرها بين إخوانه حيث كان أدب المجالس.

          وما ورد في هذا الأدب من الأحاديث فإنما هي بيان وتفصيل لقوله تعالي في سورة المجادلة الآية (11):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

          (يا أيها الذين ءامنوا) نداء من الله تعالى للمؤمنين بأكرم وصف وألطف عبارة يا من صدقتم الله ورسوله وتحليتم بالإيمان الذى هو زينة الإنسان فالمؤمنون هم الذين يمتثلون أوامر الله ، ويجتنبون نواهيه ، ويقتدون بالرسول – صلى الله عليه وسلم – في عاداته ، وشأنه كله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

          وقد نزلت هذه الآية في مجالس الذكر كما قال قتادة ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلاً ضنوا بمجالسهم عند رسول الله    صلى الله عليه وسلم     فأمرهــم الله أن

يفسح بعضهم لبعض كما قال الدكتور محمد بكر إسماعيل.

          وقد كان العرب في الجاهلية لا يعرفون هذه الآداب ، ولو عرفوها ما ألتزموها لأن الإلتزام يفرضه الإيمان ولهذا خاطبهم الله عز وجل بقوله: (يا أيها الذين ءامنوا).

          إذا قيل لكم توسعوا في مجالسكم لتسع أكبر قدر من إخوانكم فامتثلوا واستجيبوا ، لأن فعكلم هذا يؤدي إلى أن يفسح الله تعالى لكم في رحمته وفي منازلكم في الجنة ، وفي كل شئ تحبونه.

          وفي هذا الحديث دعوة لأصحاب المروءات أن يُجل بعضهم بعضاً في المجالس ، فلا يقيم أحدهم أخاه من مجلسه الذى أحرزه لنفسه بالجلوس فيه ثم يجلس مكانه ، فإن ذلك عدوان عليه ، وإحراج له ، وفيه من الأثرة ما لا يحبه الله ورسوله.

          وكان من الأولى أن يؤثر أخاه بمجلسه فيقوم ويجلسه لا أن يقيمه من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن من الممكن أن يفسح الجالس لأخيه إذا رآه واقفاً ويوسع له حتى يتمكن من الجلوس بجواره إن وجد لذلك سبيلاً.

          فإن فعل ذلك أفسح الله له في الدنيا والآخرة ، فإنه من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة.

          ووسع لكم أيضاً في المكان ، والرزق ، والصدر ، والقبر والجنة.

          وإن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (لا يزال الله في عون العبد مازال العبدُ في عون أخيه).

          ولاشك أن ذلك سيسعده ويدخل السرور عليه ، ويشعر أن أخاه الذى أفسح له رجل ذو مروءة وإحسان ، فيحبه ويضمر في نفسه أن يفعل معه مثلما فعل إذا أقبل على مجلس هو فيه.

          وقد جآء رجل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقام له رجل آخر من مجلسه ، فذهب ليجلس فيه ، فنهاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم قائلاً:  (لا يقمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه…).

          وروى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به).

          وروى أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أمية عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُجلس بين رجلين إلا بإذنهما).

          ومن الآية والأحاديث نستطيع أن نستخلص قواعد خمسة هي:

1.    التفسح في المجالس واجب مالم تكن هناك ضرورة.

2.    توقير الصغير للكبير واجب.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا).  رواه الترمذي

وكذلك أولو العلم يجب على الناس توقيرهم وإجلالُهم وإيثارُهم بالمجالس الأمامية.

3.    صاحبُ المجلس أحقُ به إن عاد إليه.

4.    إذا أمر أمير القوم رجلاً بالقيام لرجل آخر وجب عليه أن يقوم.

بمعنى:  أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف.

5.    يجلس الرجل حيث انتهى به المجلس لا يزاحم الناس.

ولقد كان أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – يبالغون في مراعاة هذه الآداب ولاسيما مع كبارهم وعلمائهم.

          فقد ورد في الصحيح أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يقدم عبدالله بن عباس على الصحابة ، فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه ، وسألهم عن تفسير:  (إذا جآء نصر الله والفتح) فسكتوا ، فقال ابن عباس:  هو أجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعلمه اللهُ إياه.  فقال عمر:  ما أعلم منها إلا ما تعلم.

أسباب نزول هذه الآية:   (يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحُوا ..).

          روى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان – أنها نزلت يوم جمعة وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومئذ في الصفة وفي المكان ضيق ، وكان يُكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجآء أناس من أهل بدر وقد سُبقُوا إلى المجالس ، فقالوا:  السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ، فرد النبى – صلى الله عليه وسلم – عليهم ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك ، فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون إن يوسع لهم ، فعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – ما يحملهم على القيام ، فلم يُفسح لهم ، فشق ذلك على النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال لمن حوله:  (قم يافلان ، وأنت يافلان) فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – الكراهة في وجوههم.

          فقال المنافقون:  ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟

          فبلغنا أن رسول الله – صلى الله علي وسلم – قال:  (رحم الله رجلاً فسح لأخيه).

          فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعاً ، فتفسح القوم لإخوانهم.

وقال إبن كثير:

          كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يجلس حيث انتهى به المجلس ، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس ، وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يجلسون منه على مراتبهم ، فالصديق يجلسه عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وبين يديه غالباً عثمان وعلي ، لأنهما كانا ممن يكتب الوحي ، وكان يأمرهم بذلك ….  والله أعلى وأعلم.

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فعن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُقيمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ، ثم يجلس فيه ، ولكن توسعُوا وتفسحُوا يفسح الله لكم).

          من الآداب السامية التى يُراعيها المسلمُ ويعمل على نشرها بين إخوانه حيث كان أدب المجالس.

          وما ورد في هذا الأدب من الأحاديث فإنما هي بيان وتفصيل لقوله تعالي في سورة المجادلة الآية (11):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

          (يا أيها الذين ءامنوا) نداء من الله تعالى للمؤمنين بأكرم وصف وألطف عبارة يا من صدقتم الله ورسوله وتحليتم بالإيمان الذى هو زينة الإنسان فالمؤمنون هم الذين يمتثلون أوامر الله ، ويجتنبون نواهيه ، ويقتدون بالرسول – صلى الله عليه وسلم – في عاداته ، وشأنه كله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

          وقد نزلت هذه الآية في مجالس الذكر كما قال قتادة ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلاً ضنوا بمجالسهم عند رسول الله    صلى الله عليه وسلم     فأمرهــم الله أن

يفسح بعضهم لبعض كما قال الدكتور محمد بكر إسماعيل.

          وقد كان العرب في الجاهلية لا يعرفون هذه الآداب ، ولو عرفوها ما ألتزموها لأن الإلتزام يفرضه الإيمان ولهذا خاطبهم الله عز وجل بقوله: (يا أيها الذين ءامنوا).

          إذا قيل لكم توسعوا في مجالسكم لتسع أكبر قدر من إخوانكم فامتثلوا واستجيبوا ، لأن فعكلم هذا يؤدي إلى أن يفسح الله تعالى لكم في رحمته وفي منازلكم في الجنة ، وفي كل شئ تحبونه.

          وفي هذا الحديث دعوة لأصحاب المروءات أن يُجل بعضهم بعضاً في المجالس ، فلا يقيم أحدهم أخاه من مجلسه الذى أحرزه لنفسه بالجلوس فيه ثم يجلس مكانه ، فإن ذلك عدوان عليه ، وإحراج له ، وفيه من الأثرة ما لا يحبه الله ورسوله.

          وكان من الأولى أن يؤثر أخاه بمجلسه فيقوم ويجلسه لا أن يقيمه من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن من الممكن أن يفسح الجالس لأخيه إذا رآه واقفاً ويوسع له حتى يتمكن من الجلوس بجواره إن وجد لذلك سبيلاً.

          فإن فعل ذلك أفسح الله له في الدنيا والآخرة ، فإنه من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة.

          ووسع لكم أيضاً في المكان ، والرزق ، والصدر ، والقبر والجنة.

          وإن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (لا يزال الله في عون العبد مازال العبدُ في عون أخيه).

          ولاشك أن ذلك سيسعده ويدخل السرور عليه ، ويشعر أن أخاه الذى أفسح له رجل ذو مروءة وإحسان ، فيحبه ويضمر في نفسه أن يفعل معه مثلما فعل إذا أقبل على مجلس هو فيه.

          وقد جآء رجل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقام له رجل آخر من مجلسه ، فذهب ليجلس فيه ، فنهاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم قائلاً:  (لا يقمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه…).

          وروى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به).

          وروى أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أمية عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُجلس بين رجلين إلا بإذنهما).

          ومن الآية والأحاديث نستطيع أن نستخلص قواعد خمسة هي:

1.    التفسح في المجالس واجب مالم تكن هناك ضرورة.

2.    توقير الصغير للكبير واجب.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا).  رواه الترمذي

وكذلك أولو العلم يجب على الناس توقيرهم وإجلالُهم وإيثارُهم بالمجالس الأمامية.

3.    صاحبُ المجلس أحقُ به إن عاد إليه.

4.    إذا أمر أمير القوم رجلاً بالقيام لرجل آخر وجب عليه أن يقوم.

بمعنى:  أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف.

5.    يجلس الرجل حيث انتهى به المجلس لا يزاحم الناس.

ولقد كان أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – يبالغون في مراعاة هذه الآداب ولاسيما مع كبارهم وعلمائهم.

          فقد ورد في الصحيح أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يقدم عبدالله بن عباس على الصحابة ، فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه ، وسألهم عن تفسير:  (إذا جآء نصر الله والفتح) فسكتوا ، فقال ابن عباس:  هو أجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعلمه اللهُ إياه.  فقال عمر:  ما أعلم منها إلا ما تعلم.

أسباب نزول هذه الآية:   (يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحُوا ..).

          روى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان – أنها نزلت يوم جمعة وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومئذ في الصفة وفي المكان ضيق ، وكان يُكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجآء أناس من أهل بدر وقد سُبقُوا إلى المجالس ، فقالوا:  السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ، فرد النبى – صلى الله عليه وسلم – عليهم ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك ، فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون إن يوسع لهم ، فعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – ما يحملهم على القيام ، فلم يُفسح لهم ، فشق ذلك على النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال لمن حوله:  (قم يافلان ، وأنت يافلان) فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – الكراهة في وجوههم.

          فقال المنافقون:  ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟

          فبلغنا أن رسول الله – صلى الله علي وسلم – قال:  (رحم الله رجلاً فسح لأخيه).

          فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعاً ، فتفسح القوم لإخوانهم.

وقال إبن كثير:

          كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يجلس حيث انتهى به المجلس ، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس ، وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يجلسون منه على مراتبهم ، فالصديق يجلسه عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وبين يديه غالباً عثمان وعلي ، لأنهما كانا ممن يكتب الوحي ، وكان يأمرهم بذلك ….  والله أعلى وأعلم.

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فعن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُقيمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ، ثم يجلس فيه ، ولكن توسعُوا وتفسحُوا يفسح الله لكم).

          من الآداب السامية التى يُراعيها المسلمُ ويعمل على نشرها بين إخوانه حيث كان أدب المجالس.

          وما ورد في هذا الأدب من الأحاديث فإنما هي بيان وتفصيل لقوله تعالي في سورة المجادلة الآية (11):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

          (يا أيها الذين ءامنوا) نداء من الله تعالى للمؤمنين بأكرم وصف وألطف عبارة يا من صدقتم الله ورسوله وتحليتم بالإيمان الذى هو زينة الإنسان فالمؤمنون هم الذين يمتثلون أوامر الله ، ويجتنبون نواهيه ، ويقتدون بالرسول – صلى الله عليه وسلم – في عاداته ، وشأنه كله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

          وقد نزلت هذه الآية في مجالس الذكر كما قال قتادة ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلاً ضنوا بمجالسهم عند رسول الله    صلى الله عليه وسلم     فأمرهــم الله أن

يفسح بعضهم لبعض كما قال الدكتور محمد بكر إسماعيل.

          وقد كان العرب في الجاهلية لا يعرفون هذه الآداب ، ولو عرفوها ما ألتزموها لأن الإلتزام يفرضه الإيمان ولهذا خاطبهم الله عز وجل بقوله: (يا أيها الذين ءامنوا).

          إذا قيل لكم توسعوا في مجالسكم لتسع أكبر قدر من إخوانكم فامتثلوا واستجيبوا ، لأن فعكلم هذا يؤدي إلى أن يفسح الله تعالى لكم في رحمته وفي منازلكم في الجنة ، وفي كل شئ تحبونه.

          وفي هذا الحديث دعوة لأصحاب المروءات أن يُجل بعضهم بعضاً في المجالس ، فلا يقيم أحدهم أخاه من مجلسه الذى أحرزه لنفسه بالجلوس فيه ثم يجلس مكانه ، فإن ذلك عدوان عليه ، وإحراج له ، وفيه من الأثرة ما لا يحبه الله ورسوله.

          وكان من الأولى أن يؤثر أخاه بمجلسه فيقوم ويجلسه لا أن يقيمه من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن من الممكن أن يفسح الجالس لأخيه إذا رآه واقفاً ويوسع له حتى يتمكن من الجلوس بجواره إن وجد لذلك سبيلاً.

          فإن فعل ذلك أفسح الله له في الدنيا والآخرة ، فإنه من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة.

          ووسع لكم أيضاً في المكان ، والرزق ، والصدر ، والقبر والجنة.

          وإن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (لا يزال الله في عون العبد مازال العبدُ في عون أخيه).

          ولاشك أن ذلك سيسعده ويدخل السرور عليه ، ويشعر أن أخاه الذى أفسح له رجل ذو مروءة وإحسان ، فيحبه ويضمر في نفسه أن يفعل معه مثلما فعل إذا أقبل على مجلس هو فيه.

          وقد جآء رجل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقام له رجل آخر من مجلسه ، فذهب ليجلس فيه ، فنهاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم قائلاً:  (لا يقمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه…).

          وروى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به).

          وروى أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أمية عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُجلس بين رجلين إلا بإذنهما).

          ومن الآية والأحاديث نستطيع أن نستخلص قواعد خمسة هي:

1.    التفسح في المجالس واجب مالم تكن هناك ضرورة.

2.    توقير الصغير للكبير واجب.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا).  رواه الترمذي

وكذلك أولو العلم يجب على الناس توقيرهم وإجلالُهم وإيثارُهم بالمجالس الأمامية.

3.    صاحبُ المجلس أحقُ به إن عاد إليه.

4.    إذا أمر أمير القوم رجلاً بالقيام لرجل آخر وجب عليه أن يقوم.

بمعنى:  أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف.

5.    يجلس الرجل حيث انتهى به المجلس لا يزاحم الناس.

ولقد كان أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – يبالغون في مراعاة هذه الآداب ولاسيما مع كبارهم وعلمائهم.

          فقد ورد في الصحيح أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يقدم عبدالله بن عباس على الصحابة ، فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه ، وسألهم عن تفسير:  (إذا جآء نصر الله والفتح) فسكتوا ، فقال ابن عباس:  هو أجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعلمه اللهُ إياه.  فقال عمر:  ما أعلم منها إلا ما تعلم.

أسباب نزول هذه الآية:   (يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحُوا ..).

          روى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان – أنها نزلت يوم جمعة وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومئذ في الصفة وفي المكان ضيق ، وكان يُكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجآء أناس من أهل بدر وقد سُبقُوا إلى المجالس ، فقالوا:  السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ، فرد النبى – صلى الله عليه وسلم – عليهم ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك ، فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون إن يوسع لهم ، فعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – ما يحملهم على القيام ، فلم يُفسح لهم ، فشق ذلك على النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال لمن حوله:  (قم يافلان ، وأنت يافلان) فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – الكراهة في وجوههم.

          فقال المنافقون:  ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟

          فبلغنا أن رسول الله – صلى الله علي وسلم – قال:  (رحم الله رجلاً فسح لأخيه).

          فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعاً ، فتفسح القوم لإخوانهم.

وقال إبن كثير:

          كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يجلس حيث انتهى به المجلس ، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس ، وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يجلسون منه على مراتبهم ، فالصديق يجلسه عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وبين يديه غالباً عثمان وعلي ، لأنهما كانا ممن يكتب الوحي ، وكان يأمرهم بذلك ….  والله أعلى وأعلم.

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فعن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُقيمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ، ثم يجلس فيه ، ولكن توسعُوا وتفسحُوا يفسح الله لكم).

          من الآداب السامية التى يُراعيها المسلمُ ويعمل على نشرها بين إخوانه حيث كان أدب المجالس.

          وما ورد في هذا الأدب من الأحاديث فإنما هي بيان وتفصيل لقوله تعالي في سورة المجادلة الآية (11):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

          (يا أيها الذين ءامنوا) نداء من الله تعالى للمؤمنين بأكرم وصف وألطف عبارة يا من صدقتم الله ورسوله وتحليتم بالإيمان الذى هو زينة الإنسان فالمؤمنون هم الذين يمتثلون أوامر الله ، ويجتنبون نواهيه ، ويقتدون بالرسول – صلى الله عليه وسلم – في عاداته ، وشأنه كله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

          وقد نزلت هذه الآية في مجالس الذكر كما قال قتادة ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلاً ضنوا بمجالسهم عند رسول الله    صلى الله عليه وسلم     فأمرهــم الله أن

يفسح بعضهم لبعض كما قال الدكتور محمد بكر إسماعيل.

          وقد كان العرب في الجاهلية لا يعرفون هذه الآداب ، ولو عرفوها ما ألتزموها لأن الإلتزام يفرضه الإيمان ولهذا خاطبهم الله عز وجل بقوله: (يا أيها الذين ءامنوا).

          إذا قيل لكم توسعوا في مجالسكم لتسع أكبر قدر من إخوانكم فامتثلوا واستجيبوا ، لأن فعكلم هذا يؤدي إلى أن يفسح الله تعالى لكم في رحمته وفي منازلكم في الجنة ، وفي كل شئ تحبونه.

          وفي هذا الحديث دعوة لأصحاب المروءات أن يُجل بعضهم بعضاً في المجالس ، فلا يقيم أحدهم أخاه من مجلسه الذى أحرزه لنفسه بالجلوس فيه ثم يجلس مكانه ، فإن ذلك عدوان عليه ، وإحراج له ، وفيه من الأثرة ما لا يحبه الله ورسوله.

          وكان من الأولى أن يؤثر أخاه بمجلسه فيقوم ويجلسه لا أن يقيمه من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن من الممكن أن يفسح الجالس لأخيه إذا رآه واقفاً ويوسع له حتى يتمكن من الجلوس بجواره إن وجد لذلك سبيلاً.

          فإن فعل ذلك أفسح الله له في الدنيا والآخرة ، فإنه من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة.

          ووسع لكم أيضاً في المكان ، والرزق ، والصدر ، والقبر والجنة.

          وإن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (لا يزال الله في عون العبد مازال العبدُ في عون أخيه).

          ولاشك أن ذلك سيسعده ويدخل السرور عليه ، ويشعر أن أخاه الذى أفسح له رجل ذو مروءة وإحسان ، فيحبه ويضمر في نفسه أن يفعل معه مثلما فعل إذا أقبل على مجلس هو فيه.

          وقد جآء رجل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقام له رجل آخر من مجلسه ، فذهب ليجلس فيه ، فنهاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم قائلاً:  (لا يقمن أحدُكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه…).

          وروى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به).

          وروى أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أمية عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا يُجلس بين رجلين إلا بإذنهما).

          ومن الآية والأحاديث نستطيع أن نستخلص قواعد خمسة هي:

1.    التفسح في المجالس واجب مالم تكن هناك ضرورة.

2.    توقير الصغير للكبير واجب.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا).  رواه الترمذي

وكذلك أولو العلم يجب على الناس توقيرهم وإجلالُهم وإيثارُهم بالمجالس الأمامية.

3.    صاحبُ المجلس أحقُ به إن عاد إليه.

4.    إذا أمر أمير القوم رجلاً بالقيام لرجل آخر وجب عليه أن يقوم.

بمعنى:  أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف.

5.    يجلس الرجل حيث انتهى به المجلس لا يزاحم الناس.

ولقد كان أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – يبالغون في مراعاة هذه الآداب ولاسيما مع كبارهم وعلمائهم.

          فقد ورد في الصحيح أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يقدم عبدالله بن عباس على الصحابة ، فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه ، وسألهم عن تفسير:  (إذا جآء نصر الله والفتح) فسكتوا ، فقال ابن عباس:  هو أجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعلمه اللهُ إياه.  فقال عمر:  ما أعلم منها إلا ما تعلم.

أسباب نزول هذه الآية:   (يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحُوا ..).

          روى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان – أنها نزلت يوم جمعة وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومئذ في الصفة وفي المكان ضيق ، وكان يُكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجآء أناس من أهل بدر وقد سُبقُوا إلى المجالس ، فقالوا:  السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ، فرد النبى – صلى الله عليه وسلم – عليهم ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك ، فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون إن يوسع لهم ، فعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – ما يحملهم على القيام ، فلم يُفسح لهم ، فشق ذلك على النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال لمن حوله:  (قم يافلان ، وأنت يافلان) فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبى – صلى الله عليه وسلم – الكراهة في وجوههم.

          فقال المنافقون:  ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟

          فبلغنا أن رسول الله – صلى الله علي وسلم – قال:  (رحم الله رجلاً فسح لأخيه).

          فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعاً ، فتفسح القوم لإخوانهم.

وقال إبن كثير:

          كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يجلس حيث انتهى به المجلس ، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس ، وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يجلسون منه على مراتبهم ، فالصديق يجلسه عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وبين يديه غالباً عثمان وعلي ، لأنهما كانا ممن يكتب الوحي ، وكان يأمرهم بذلك ….  والله أعلى وأعلم.

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

اترك تعليقاً