الحياء من الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فقد كتب الله التغيير على كل شئ فهو يتردد بين الزيادة والنقصان والصحة والمرض والفرح والحزن والفرج والضيق وهكذا….

          فمثلا جسد الإنسان تارة صحيحاً وتارة يكون سقيماً ، وربما أصاب الإنسان المرض ولم يدر بمرضه ، فإذا طُلب منه تحليل طبي لسبب ما فوجئ بما عنده من أمراض عضال وكان من قبل يزعم أنه صحيح البدن.

          وما يصيب جسد العبد من الصحة والمرض يصيب إيمانه ، فالإيمان يزيد وينقص ، ولربما مرض العبد في إيمانه ونقص نقصاً شديد وهو لا يدري ويدعي كذباً أنه كامل الإيمان قريب من الرحمن ، فلا يستطيع أن يكشف ضعف إيمانه إلا إذا تعرض للمختبر الإيمان الذى لا يكذب ولا يجامل في النتائج عندها يطمئن الإنسان على حالة إيمانه فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه وليبادر بالتوبة وعلاج إيمانه قبل فوات الأوان.

هل المختبر الإيماني مثل معامل التحاليل العادية؟

          المختبر الإيماني يختلف عن معامل التحاليل العادية من عدة جهات:

أولاً:  نتائجه سرية للغاية فلا يعلم بها بعد الله جلا وعلا إلا صاحب الإختبار لأن الله (حيي ستير يحب الحياء والستر).

ثانياً:  إذا كانت معامل التحاليل العادية تركز على معرفة نسب بعض العناصر في الجسم من خلالها تصدر النتائج بأن الإنسان سليم أو سقيم كوظائف الكبد ونسبة السكر وغير ذلك فإن المختبر الإيماني أيضاً يركز على عناصر من شأنها أنها تثبت صحة إيمان العبد أو إعتلاله.

          من هذه العناصر على سبيل المثال لا  الحصر السمع والطاعة والحياء والغيرة.

          واليوم إن شآء الله نتحدث عن عنصر من أهم وأخطر هذه العناصر ألا وهو الحياء.

ما معنى الحياء؟

الحياء:         مشتق من الحياة وهو خلق يبعث على ترك الرذائل.

والحياء نوعان:

(1)نفسي:  وهو الذى خلقه الله تعالى في جميع النفوس كحياء كل شخص من كشف عورته والجماع بين الناس.

(2)إيمانى:  وهي خصلة تمنع المؤمن من إرتكاب المعاصي خوفاً من الله تعالى وهذا القسم من الحياء فضيلة يكتسبها المؤمن ويحيى بها وهي أُم كل الفضائل.

لماذا أخترنا الحياء للكشف عن الإيمان؟؟

          لأنه من أبرز وأقوى الصفات التى تبعد الإنسان عن الرذائل وتحجزه عن السقوط إلى سفاسف الأخلاق ، (2)كما أن الحياء من أقوى الأشياء على الفضائل ورسول اللهصلى الله عليه وسلم ربط بينه وبين الإيمان برباط وثيق حتى أعلمنا أن الإيمان واليحاء وجهان لعملة واحدة مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:

          عن عمران بن حُصين قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          (الحياءُ لا يأتي غلا بخير)  (الحياء كله خير).

(2)وجعله النبي في طليعة خصائص الإسلام الأخلاقية فعن زيد بن طلحة أنه قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء) رواه مالك في المؤطا.

(3)وبين صلى الله عليه وسلم أن الحياء لم يزل مستحسناً في شرائع الأنبياء السابقين وإنه لم يرفع ولم ينسخ في جملة ما نسخ الله من شرائعهم فعن أبي مسعود البدري – قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فأفعل ما شئت) رواه البخاري.

(4)ثم يرتفع النبى – صلى الله عليه وسلم – بالحياء حتى جعله شعبة من شُعب الإيمان مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:  (الإيمان بضع وستون شُعبة أو بضع وسبعون شُعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الاذى عن الطريق والحياُ شُعبة من شُعب الإيمان).

(5)بل إرتفع النبى – صلى الله عليه وسلم – بالحياء حتى جعله هو الإيمان مرتبطان برباط واحد لا فكاك لأحدهما عن الآخر فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال:  (الحياءُ والإيمان فرناء جميعاً فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر)  رواه الحاكم من المستدرك.

الحياء النموذجي

          كل منا يرفع التهمة عن نفسه ويقول أنا عندي حياء والحمدلله إذاً فأنا صحيح الإيمان ، والعملية ليست نسبية بمعنى أنا أقيس حيائي على حياء من هو دوني ، ولكن إن أردت أن تتعرف على حيائك فقارن بينه وبين الحياء النموذجي الصافي الذى نتعلمه (1) من كتاب الله ، (2) وسنة نبينا – صلى الله عليه وسلم – ، (3) ومنهج سلفنا الصالح رضوان الله عنهم.

أما في القرآن:

          فقد بين الله تعالى خلق الحياء فى بنتي الرجل الصالح اللتين انحدرتا من بيت كريم

كله عفة وطهارة وحسن تربية مصداقاً لقوله تعالى في سورة القصص الآية (25):

          (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)

(1)لما سقى لهما موسى ، فذهبتا إلى أبيهما سريعتين ، وكان من عادتهما الإبطاء فحدثناه بما كان من أمر الرجل ، فأمر أحداهما أن تدعوه له فجآءته تمشي ، مشية الحرائر بحياء وخجل وقد سترت وجهها بثوبها قالت:  إن أبي يطلبك ليعوضك عن أجر السقاية لغنمنا وهذا تأدب في العبارة.

(2)قال عمر بن الخطاب في تفسير هذه الآية:  (ليست بسلفع من الناس خراجة ولاجة ، ولكن جآءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها إستحياء ، إنظري إلى جمال قول الله تعالى: (تمشي على إستحياء) كأن الحياء غطاها من رأسها وفاض منها حتى أصبح كالبساط تحت قدميها تمشي عليه.

(3)(قالت إحداهما يا أبت أستأجره إن خير من أستأجرت القوي الأمين) إن أفضل من تستأجره من كان قوياً ، أميناً ، رُوى أن شعيباً قال لها:  وما أعلمك بقوته وأمانته؟  فقالت:  إنه رفع الصخرة التى لا يطيق حملها إلا عشرة رجال ، وإني لما جئت معه تقدمتُ أمامه فقال لي:  (1) كوني من ورائي ودليني على الطريق ، (2) ولما أتيته خفض بصره فلم ينظر إلى فرغب شعيب في مصاهرته وتزويجه بإحدى بناته.

(2)الحياء النموذجي في السنة:

          فقد كانت شدة الحياء من أخلاق النبى – صلى الله عليه وسلم – وهو المثل الأعلى لكل مسلم ومسلمة ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:  (كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأي شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه).

          وروي الإمام مسلم بسنده عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:  (سألت امرأة النبى – صلى الله عليه وسلم – كيف تغتسل من حيضتها فذكرت أنه علمها كيف تغتسل ثم تأخذي فرصة من مسك فتطهر بها قالت كيف أطهر بها؟  قال صلى الله عليه وسلم:  تطهرى بها.  سبحان الله واستتر.  قالت عائشة واجتذبتها تتبعي بها أثر الدم).  فلينظر أصحاب الفطرة المنتكسة كيف كان حياء النبي حتى أنه ما أستطاع أن يقول لأمرأة ما قالته عائشة وهي الآن في اعتقادنا جميعاً كلمة بسيطة حتى أن الدعاة يقولون الحديث بتمامه وبما قالته عائشة في مكبرات الصوت في المساجد دون أدنى إحراج لكنه (1) معلم البشرية ، (2) والمثل الأعلى صلوات ربي وسلامه عليه.

(3)الحياءُ النموذجي في حياة الصحابة:  (عثمان بن عفان)

          عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          (الحياءُ من الإيمان وأحيي أمتي عثمان).

          ومن فضائل عثمان ما روته أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لها:  (يا عائشة ألا استحي من رجل والله إن الملائكة تستحي منه).

(2) حياء أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه:

    قال:  (إني لأدخل البيت المظلم أغتسل فيه من الجنابة فأحني فيه صلبي حياء من ربي).

(3) حياء فاطمة بنت محمد – صلى الله عليه وسلم:

          قالت فاطمة بنت النبي يا أسماء إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها ، فقالت اسماء:  يابنت رسول الله ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً فقالت فاطمة:  ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل  فإذا مت أنا فأغسليني أنت وعلي ولا يدخل على أحد فلما توفيت غسلها علي وأسماء – رضي الله عنهما.

          فأنظري أختي المسلمة كيف كان حياء بنت النبي تستحي أن تدرج في خمسة إدراج من الكفن ويطرح عليها ثوب وهي على خشبة الموت تُشيع إلى قبرها فتستحي من أن ينظر الرجال إلى سوادها العام إن كانت طويلة أو قصيرة ممتلئة أو رفيعة.

          فماذا عن نسآء اليوم؟  وانظرى إلى شدة فرحها بالهدية التى أهدتها لها أسماء بأن صنعت لها ما يشبه النفق بحيث يطرح الغطاء من فوقه فلا يعرف أي شئ عن المرأة في نعشها.

(4) حياء عائشة – رضي الله عنها:

          قالت كنت أدخل البيت الذى دفن فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم وأبي – رضي الله عنه واضعة ثوبي وأقول:  إنما هو زوجي وأبي فلما دفن عمر – رضي الله عنه – والله ما دخلته إلا مشدودة على ثيابي حياءً من عمر – رضي الله عنه.        (رواه الحاكم)

          والآن بعد خروجنا من المختبر الإيماني وعرفنا الحياء النموذجي الصافي ومفاجأتنا بضياع حياء الأمة على كل المستويات ، ويحق لنا أن نكبر أربعاً على حياء الأمة الضائع ، (ونصلى صلاة جنازة على حياء الأمة الضائع).

          هل من الحياء أن يدع المسئولون الشباب يشاهدون مثل هذه البرامج التى يجتمع فيها الشباب والفتيات في مكان واحد فيه من القبلات والأحضان ما فيه؟

(2) هل من الحياء أن تترك زوجتك وفتياتك يخرجن متكشفات الشعور عاريات الصدور والسيقان؟

(3) أم أن من الحياء أن تجلس أنت وزوجتك تشاهدون الأفلام الخليعة والصور العارية.

 أين حياء حضرة النبي – صلى الله عليه وسلم – الذى كان أشد حياء من البكر في خدرها.

          ولكن نرى الآن صورة معكوسة للحياء.

        فى الوقت الذى نرى ونسمع فيه ما يُندى له الجبين من ضياع الحياء نرى سلوكيات

أخرى ممقوتة لا ترضي الله ولا يرضى عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفعلها البعض باسم الحياء فهو (1) إذا رأي منكراً لا يقوم بإنكاره ، (2) ولا تأخذه الغيرة على حرمات الله التى تنتهك بدعوى الحياء فمثلاً:  إذا كان الرجل في بيته وعنده ضيوف وأُذن للصلاة لا يأمرهم بالقيام إلى الصلاة بدعوى الحياء.

          ولقد رأينا عقاب الرجل الصالح الذى أمر الله ملائكته أن يبدءوا به عند هدم القرية لا لشئ إلا لأنه كان يستحي من الناس فلا يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن منكر والله أحق أن يُستحي منه.

          فقال الله لملائكته:

          (به فبدءوا فإنه لم يتمعر وجهه من أجلي قط).

          أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحياء منه حق الحياء.

 

(( والحمدلله رب العالمين ))

 

 

اترك تعليقاً