بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدي.
أما بعد ،،،
فالزمن كما قال الإمام الجليل والتابعي الكبير الحسن البصري:
(الزمن بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه).
فأنت أيها الإنسان زمن ، رأس مالك هو الزمن ، هذا الزمن إما أن تنفقه إنفاقاً إستهلاكياً كشأن معظم سكان الأرض ، أن تأكل وأن تشرب وأن تجلس في البيت وأن تكسب المال ، وأن تنفق المال ، وأن تمضي الأيام والسنون وأن يأتي الأجل أو أن تنفق هذا الزمن الذى هو أنت وهو رأس مالك ، إنفاقاً إستثمارياً بأن تؤمن ، وأن تطلب العلم وأن تحضر مجالس العلم ، وأن تتفكر في الكون ، وأن تتدبر كلام الله عز وجل ، وبين أن تنظر في أفعال الله عز وجل ، وبين أن تحمل نفسك على منهج الله.
وملخص الإنفاق الإستثماري أن تفعل في الزمن الذى سينقضي عملاً ينفعك بعد إنقضاء العمر.
وقد أقسم الله بمطلق الزمن فقال: (وَالْعَصْرِ (1))
نحن أمام سورة قصرت كلماتُها ولكن عظمت معانيها.
قال الشافعي في سورة العصر: (لو أن الناس فهموا (فقهوا) معناها لكفتهم عن غيرها).
تتكون السورة من ثلاث آيات ولكن هي الدين كله.
عمرو بن العاص عندما كان كافر ذهب إلى مسيلمة الكذاب وقال له: إن محمداً قد نزل عليه آخر سورة وهي العصر وتلاها عليه – أني قرآتك لكي نحارب محمد وننشر قرآنك ، فقال
مسيلمة الكذاب: (ياوبر ياوبر إنما أنت أُذنان وصدر وبقية جسمك حُفر ونُقر). ثم قال ما رأيك ياعمرو؟ قال عمرو بن العاص: (أشهد بالله أنك تعلم أنني أعلم أنك كذاب) وكان هذا من دواعي إسلام عمرو بن العاص.
العصر – الزمن – الدهر الذى يرفعُ الله فيه قوماً ويخفض آخرين ويعطي ويمنع ، ويعز ويذل ، ويمرض ويصح.
وقد أقسم الله عز وجل بمطلق الزمن فقال: (وَالْعَصْرِ (1))
جواب القسم: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)).
بمعنى: الإنسان في نقصان وهلكه وخسران إذ يعيش في كبد ويموت إلى جهنم فيخسر كل شئ حتى نفسه التى بين جنبيه. خاسر ،لماذا يارب هو خاسر؟
العلماء قالوا: لأن مُضي الزمن وحده يستهلك الإنسان سبت – أحد – اثنين – ثلاثاء – أربعاء – خميس – جمعة ، مضى أسبوع ، أسبوع ثاني ، ثالث ، رابع مضي شهر ، شهر ثاني ، ثالث ، رابع مضى فصل ، أربعة فصول مضى عام ، عشرة أعوام عقد ، حياة الإنسان بضعة عقود ثم يتفاجأ الإنسان أنه صار على مشارف الموت.
… ما دامت الأيام تمضي فأنت في خسارة ، مادامت الأسابيع والشهور والسنين تمضي فأنت في خسارة هذا ليس كلامي ، هذا كلام خالق الكون.
مُضى الزمن خسارة محققة لنا ، مُضى الزمن إقتراب الإنسان من ساعة الصفر ، من نهايته.
من هذا الذى يستطيع أن يتلافى هذه الخسارة؟
من هذا الذى يستطيع أن ينجو من هذه الخسارة المحققة؟
من هذا الذى يستطيع أن لا يكون خاسراً بل يكون رابحاً؟
الله عز وجل استثني…..
الإستثناء من الخسارة لمن؟
(إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3).
إلا من اتصف بالصفات الأربعة ، والله لو جمعت الدنيا تحت يدك ولم يكن معك الأربعة الأوصاف لتكون خاسر هالك لأن هذا حكم الله لن تسعد بمال ولا عيال ولا وظيفة ولا مهنة ولا مركز إجتماعي أبداً ، إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات.
الإيمان يشدك إلى الله ، الإيمان هو أصل الوجود ، الإيمان هذا ليس كلام إنما هو عقيدة.
الإيمان بالله ورسُوله وكتبه وما جآء به رسول الله من الهدي ودين الحق.
الإيمان: عقيدة (من تعبد لله وحده – توحيد يجب أن يكون خالصاً لرب العالمين).
الإيمان يولد الثقة والقوة والكرامة – هو هذا الإيمان الذى جعل العرب الذين ليس لهم كلمة ولا عقيدة وكانوا في ضلال مُبين عندما جآءهم الإسلام جعلهم خير أمة.
فإذا هم عادوا إلى الجاهلية وتخلوا عن عظمة الإسلام عادوا للهلفة والصعلقة وأحاط الناس بهم من كل جانب ورموهم عن قوس واحدة.
وكلما بعد العرب عن الله أذاقهم لباس الجوع والخوف.
(إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (3).
عندما يكون إيمان سليم لابد من وجود عمل صالح.
تجدي أنه لوحدهُ يصلى ويصوم ويترحم على المساكين.
إذا سلم الإيمان سلم وراءه العمل.
كيف يكون مؤمن بالآخرة ولا يصلى ويزني؟
ولهذا جآء الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).
… هي عبادة ومعاملة مع الخلق والخالق. إقامة الفرائض والسُنن والنوافل وكل أعمال الخير ، لقد جمعوا بين الإيمان وصالح الأعمال فهؤلاء هم الفائزون.
(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ (3).
لابد أن تكون الجماعة المسلمة متواصية مع بعضها – أخت لك غارقة في المعاصي.. هل نتركها؟ لا ، أو نترك واحد يغرق وأنا قادر على إنقاذه.
(المؤمنون متناصحون بعضهم لبعض نصحه وإن تباعدت منازلهم ، والمنافقون غششه وإن تقاربت منازلهم)
المنافقون يغشوا بعض ، ويأكل خيره ويشكر غيره ، ويدبر له المكايد لأنهم خونة – ولكن الإسلام نظيف – لك أخ فى أقصى الأرض في أفغانستان وأنت هنا تحمل همه – وتتبرع له وتدعو له…
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3).
تواصوا بالصبر على الشدائد والمصائب ، وعلى فعل الطاعات وترك المحرمات.
حكم الله تعالى بالخسارة على جميع الناس إلا من أتي بهذه الأشياء الأربعة وهي: الإيمان ، العمل الصالح ، التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
فإن نجاة الإنسان لا تكون إلا إذا كمل الإنسان نفسه بالإيمان والعمل الصالح ، وكمل غيره بالنصح والإرشاد فيكون قد جمع بين حق الله وحق العباد.
أخرج البيهقي في الشعب عن أبي حذيفة قال:
(كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا إلتقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر).
(والحمدلله رب العالمين)