بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد ،،،،
فسورة النور هي السورة التى نسب الله تعالى النور إلى ذاته المقدسة.كأن الله سبحانه وتعالى يقول :
(يا أُمة الإسلام إذا أحببتم أن تعيشوا في أنواري ، إذا أحببتم أن تسيروا في نور وأن تتكلموا في نور ، وتعملوا في نورثم تعيشوا على نور وتموتوا على نور فعليكم بسورة النور.
لماذا سميت هذه السورة بسورة النور؟
لما فيها من إشعاعات النور ، بتشريع الأحكام والأداب السامية التي تحافظ على الإنسان والأعراض .
مصداقاً لقوله تعالى في سورة النور الآية (35):
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ).
والله سبحانه وتعالى أفاض على الوجود وأنار قلوب عباده المؤمنين بكتابه المبين الذى هو النور والضياء مصداقاً لقوله تعالى في سورة النسآء الآية (174):
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزسَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا).ينادي الرب تبارك وتعالى سائر الناس مشركين ويهود ونصارى بأنه أرسل إليهم محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو البرهان الساطع والدليل القاطع على وجود الله ووجوب الإيمان به وأنه أنزل عليه كتاباً شافياًكافياً هادياً .
(الله نور السموات والأرض) ، وفي هذه السورة أحكام عامة تتعلق بالأسرة والآداب الإجتماعية التى يجب أن يتمسك بها المؤمنون والمؤمنات فيها تطهير المجتمع الإسلامي من الزنا وآثاره ، والزنا هو المصيبة الكبرى التى حلت بالبشرية فأبعدتها عن طريق الله القويم – ثم تطهيره من إشاعة القول الفاسد بالفاحشة وهو الذى سمته السورة بالإفك ثم جآءت هذه السورة من أجل أن تنبأ الرأي العام على التثبت أمام مقولة السوء وألا يتسرع الرأي العام بتصديق أى إشاعة عن رجل مؤمن أو امرأة مؤمنة.
وفيها أيضاً: الإستئذان عند الدخول – وغض البصر وحفظ الفروج وحرمة الإختلاط – وذكرت ما ينبغي أن تكون عليه الأسرة المسلمة من العفاف والستر ، والطهارة والنزاهة.—امتازت هذه السورة عن سور القرآن الكريم بحكم وآداب اجتماعية وأخلاق ومنهج وقرارات إلهية لو رعاها المسلمون لسعدوا في دنياهم وفي آُخراهم .
وقد ذكرت في هذه السورة بعض الحدود الشرعية: (حد الزنا – حد القذف ، وأحكام اللعان).
هذه الأخلاق التى ذكرتها السورة في فطرة كل مسلم حتى لو أنصرف عن الدين ، لكانت الفطرة السليمة تدل صاحبها على ما حشد الله في هذه السورة من آداب وأخلاق وحدود وعقوبات.
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (علموهن الغزل ، المغزل في يد المرأة كالرمح في يد المجاهد) وتعليم المرأة سورة النور سواء تعلمتها حفظاً أو تلاوة من المصحف كله خير وبركه – لماذا؟ لأن المرأة إذا إطلعت على هذه السورة واستوعبت أحكامها فإنها تعرف حفظ العرض وحقوق الزوج والجيران ، حتى تعيش المرأة مصونة كالدرة المكنونة . سورة النور من جهة التعليم والمغزل من جهة العمل ، وبذلك لا تخرج من بيتها ولا تتعرض للفتن . في هذه السورة بيين الله فيها الحدود للملك المعبود.
وإننا نرى الواقع المرير من يوم أن أعرض المسلمون عن أحكام هذه السورة وأهملوا نسآءهم وبناتهم وأصبحت المرأة والأنثى تعرض نفسها في الشارع كما يُعرض اللحم الخبيث يراه الغالي والرخيص.
قال تعالى في سورة النور الآية (1 ، 2 ، 3):
(سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(3).
هذه سورة من جوامع سور القرآن أنزلتها عليكم أيها المؤمنون لتطبقوا أحكامها وتتأدبوا بما فيها من آداب. ولم أنزلها عليكم لمجرد التلاوة وإنما فرضتها عليكم وألزمتكم أن تعملوا بما فيها لتكون لكم قبساً ونبراساً ، ولتعتبروا بما فيها من الآيات البينات ، والدلائل المحكمات والشواهد الكثيرة على رحمة الله ،فإن جريمة الزنى أخطر وأعظم من أن تستدر العطف أو تدفع إلى العفو عن مرتكب هذه الجريمة ، فإن من عرف آثارها وأضرارها من تدنيس للعرض والشرف ، وضياع للأنساب ، واعتداء على كرامة الناس ، وتعريض للأولاد للتشرد والضياع.
حيث يولد (اللقيط) وهو لا يدرى أباه ، ولايعرف حسبه ونسبه ، ومن عرف ذلك أدرك حكمة الله تعالى في تشريع هذا العقاب ، وليس هذا فحسب بل لابد أن تشهدوا على هذه العقوبة فتحصل العظة والعبرة. مصداقاً لقوله تعالى في الآية (2) من سورة النور:
(وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ).
عدد لا يقل عن ثلاثة أنفار من المسلمين ، وكلما زاد العدد مان أولى وأفضل .
وقوله تعالي في الآية (3) من سورة النور:
(الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
سبب نزول هذه الآية ، يروى أن رجلاً يقال له (مرثد الغنوي) كان يحمل الأسارى من مكة يأتي بهم المدينة ، وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها (عناق) كانت صديقة له ، وأنه وعد رجلاً من أسارى مكة أن يحمله إلى المدينة قال مرثد: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ، فجآءت عناق فأبصرت سواد ظلى تحت الحائط ، فلما انتهت إلى عرفتني فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد – فقالت: مرحباً وأهلاً فبت عندنا الليلة، فقلتُ ياعناق: قد حرم الله تعالى الزنا ، فنادت يا أهل الخيام: هذا الرجل يحمل أسراكم ، قال: فتبعني منهم ثمانية. فنتهيتُ إلى غار فجآءوا حتى قاموا على رأسى وبالوا، حتى ظل بولهم على رأسي ، وأعماهم الله تعالى عني ، ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته حتى قدمت المدينة ، فأتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلت: يارسول الله: أانكح عناقاً؟ فلم يرد ، فأنزل الله تعالى هذه الآية:
(الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ).
فقرآها على الرسول ، ثم قال يامرثد: لا تنكحها.
رواه الحاكم والترمذي عن (عمرو بن شعيب عن جده).
ما السر في تقديم الله عز وجل الزانية عن الزاني؟
قال في (التفسير الواضح) إن الزنى ينشأ غالباً وللمرأة فيه الضلع الأكبر لماذا؟ لخروجها سافرة متبرجة متزينة داعية لنفسها بشتى الوسائل المغرية من أصباغ وعطور وملابس ضيقة ، ونظرات كلها إغراء للشباب وفتنة فهذه كلها حبائل الشيطان.
وليس معنى هذا أن الرجال بريئون بل عليهم قسط كبير في الجرم وقسط المرأة أكبر. ثانياً : لان الزنى في النسآء أعر وهو لاجل الحبل أضر .
جنبنا الله السوء والفاحشة بمنه وكرمه آمين.
كيف كانت عقوبة الزنى في أول الإسلام؟
كانت عقوبة الزنى في أول الإسلام عقوبة خفيفة مؤقتة لأن الناس كانوا حديثي عهد بحياة الجاهلية. ومن سنة الله عز وجل في تشريع الأحكام ، أن يسير بالأُمة في طريق (التدرج) ليكون أنجح في العلاج ، وأسهل على النفوس لتتقبل شريعة الله عن رضى واطمئنان. كما رأينا ذلك في تحريم الخمر والربا.
وكانت عقوبة الزنى في أول الإسلام هي ما قصة الله علينا في سورة النسآء الآية (15 ، 16):
(وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)(16).
بمعنى: عقوبة المرأة الحبس في البيت وعدم الإذن لها بالخروج وعقوبة الرجل التأنيب والتوبيخ) بالقول ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)
الجلد للبكر والرجم للزاني المحصن (المتزوج).
لماذا المحصن يرجم حتى الموت؟
لأن جريمة الزنى بعد الإحصان (التزوج) أشد وأغلظ فالجريمة التى يرتكبها رجل محصن من امرأة محصنة عن طريق الفاحشة أشنع وأقبح من الجريمة التى يرتكبها مع البكر لأنه أفسد نسب غيره ودنس فراشه.
لماذا تجلد الأمة (الجارية) المتزوجة خمسين جلدة وليس مائة؟
السر في هذا التخفيف على الأمة لأن البنت الحرة الزنى منها أفظع وأشنع لكون الحرة في مأمن من الفتنة ، وهى أبعد عن داعية الفاحشة ، والأمة (الجارية) ضعيفة عن مقاومتها فرحم الله ضعفها وخفف العقاب عنها.
مصداقاً لقوله تعالى في سورة النسآء الآية (25):
(فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ).
… الجلد للبكر الذى لم يتزوج (مائة جلدة).
والرجم للمحصن (المتزوج) يرجم بالحجارة حتى الموت.
الجلد ثابت بالنص القرآني مصداقاً لقوله تعالى في سورة النور الآية (2):
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).
الرجم ثابت بالسنة النبوية المتواترة
فقد ثبت بالروايات الصحيحة وبطريق التواتر أن النبى – صلى الله عليه وسلم – أقام (حد الرجم) على بعض الصحابة كما عز والغامدية ، وأن الخلفاء الراشدين من بعده قد اقاموا هذا الحد في عهودهم وأعلنوا مراراً أن الرجم هو الحد للزنى بعد الإحصان (التزوج).
ثم ظل فقهاء الإسلام في كل عصر وفي كل مصر (بلد) مجتمعين على كونه حكماً ثابتاً وسنة متبعة. وبقى هذا الحكم إلى عصرنا هذا ولم يخالف فيه أحد إلا فئة شاذة من المنحرفين عن الإسلام وهم الخوارج.
قال العلامة الألوسي في تفسيره (روح المعاني):
وقد أجمع الصحابة – رضى الله عنهم وعلماء الأمة وأئمة المسلمين على أن المحصن يرجم بالحجارة حتى الموت – ولكن جآء الخوارج وقالوا: لا يوجد في كتاب الله رجم نحن نحكم بالجلد فقط ، ولكن الفاروق عمر بن الخطاب الذى جعل الله الحق على لسانه وقلبه وقد ألهم أمر هؤلاء الخوارج فكشف نواياهم.
وأطلع الناس على خبث عقيدتهم فخطب على المنبر حيث قال:
(إن الله بعث محمداً – صلى الله عليه وسلم – بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم وكنا نقرؤها: (الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما ألبته نكالاً من الله والله عزيز حكيم).
ثم نسخها الله تلاوة وأبقاها حكماً فرفعت تلاوتها من المصحف ولكن بقى حكمها سائراً إلى يوم القيامة. ثم قال: (يأتي على الناس زمان ينكر أُناس الشفاعة والرجم وعذاب القبر وخروج قوم من النار بعد أن أمتحشوا).
وقال عمر: رجم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورجمنا بعده وأخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله تعالى فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل في كتابه.
ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أُحصن من الرجال أو النساء وقامت البينة أو كان حمل أو إعتراف ، (والله لولا أن يقول الناس زاد في كتاب الله لكتبتها على هامش المصحف). أخرجه الستة ، تفسير الألوسى جـ 18 ، ص 79.
وفي عصرنا الحالي هناك بعض الناس ينكرون الرجم ومنهم رئيس ليبيا الراحل (معمر القذافي) قال: إن اي زاني متزوج أو غير متزوج ليس عندنا غير الجلد – وبذلك نترك السنة ونترك رُواية البخاري وما فعله الرسول مراراً وتكراراً والخلفاء الراشدين من بعده.
كيف تثبت جريمة الزنى ؟
لما كان الزنى جريمة منكرة وكانت عقوبته عقوبة صارمة وهى الجلد أو الرجم لذلك فقد شرطت الشريعة الإسلامية
شروطاً شديدة من أجل إقامة الحد . أولاً : أن يكون الشهود أربعة . الدليل : ( فاستشهدوا عليهن أربعة منكم)