(ق (0) والقرآن المجيد)(1)
أولاً: سورة ق مكية ، وأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار كالعيد والجمعة. لماذا؟ لإشتمالها على إبتداء الخلق ، والبعث والنشور والمعاد والقيام ، والحساب والجنة والنار ، والثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب.
هذه السورة رهيبة ، شديدة الوقع على الحس ، تهزُ القلب هزاً ، وترج النفس رجاً.
سأل عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الأضحى والفطر؟
فقال: كان يقرأ فيهما بـ (ق والقرآن المجيد)(وأقتربت الساعة…).
وعن جابر بن سمرة أن النبى – عليه الصلاة والسلام – كان يقرأ في الفجر بـ (ق والقرآن المجيد).
والسورة تدور حول موضوع (البعث والنشور).
وعن أم هشام بنت حارثة قالت: كان يقرؤها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس.
(ق والقرآن المجيد) (1)
ق من الحروف ، وهناك أراء كثيرة في تفسير الحروف.
الرأي الأول: الله أعلم بمراده.
الرأي الثاني: أنها أوائل أسماء الله الحق.
الرأي الثالث: أنها أوائل أسماء رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
الرابع الرابع: أن القرآن الكريم إنما كتب من جنس مواده الأولية بين أيدى الناس. وهي حروف اللغة العربية ، ولكن الله عز وجل تحدى الناس جميعاً أن يأتوا بمثل هذا القرآن فلن يأتوا ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
ربنا سبحانه وتعالى يقسم بالقرآن المجيد ذى المجد والشرف على سائر الكتب السماوية لتبعثن بعد الموت.
المجيد: العالي – الشريف ، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.
قسم حذف جوابه وكما قال ابن كثير: هو مضمون الكلام بعده وهو إثبات النبوة (إن محمداً لرسول أمين) وأن البعث لحق.
(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
ليس العجب أن الله عز وجل يُنزل على سيدنا محمد كتاباً بل العجب ألا ينزل ، العجب ألا يبين، العجب ألا يأتي برسول معه كتاب فيه تبيان لكل شئ.
تعجب المشركون من إرسال رسول إليهم من البشر يخوفهم من عذاب الله. فقال كفار مكة: هذا شئ في منتهى الغرابة والعجب.
والسببب في تعجبهم أنهم لا يؤمنون بالبعث الآخر – بيوم القيامة – اليوم الآخر.
الإيمان بالله مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالإيمان باليوم الآخر لماذا؟
لأنك إن آمنت باليوم الآخر صرت إنساناً آخر ، لأن كل عملك سوف تحاسب عليه ، كل دخلك سوف تحاسب عليه ، وكل إنفاقك سوف تحاسب عليه ، في اليـوم الآخـر تُســـــــــــــوى
الحسابات ، وتؤدي الحقوق ، وتؤدي المظالم لأصحابها.
فكل إنسان نسى أن يدخل في عقيدته اليوم الآخر فإنه عندئذ ينحرف ويقصر ويشقى.
قبل أن تعطى ، قبل أن أمنع ، قبل أن أُطلق بصرى ، قبل أن أغض بصرى ، قبل أن أرفض ، قبل أن أوافق ، قبل أن أغضب ، قبل أن أطلق ، يجب أن تعرف أن هناك يوم تُسأل فيه عن كل شئ ، وتحاسب فيه على كل شئ.
مصداقاً للحديث الذى رواه أبى برزه الأسلمى:
(لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه فيم فعل به؟ وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟. (رواه الترمذى)
ويجب أن تعلم أن أي إنحراف عن منهج الله أصله ضعف فى الإيمان بالله ، لذلك أكثر ركنين من أركان الإيمان وروداً معاً هما: (الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر).
الأدلة التى وردت عن اليوم الآخر:
أولاً: أدلة نقلية: مصداقاً لقوله تعالى في سورة الزلزلة الآية (7 ، 8):
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8))
ودليل نقلى آخر في سورة الأنبياء:
(وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).
ثانياً: الدليل العقلي: في الحياة الدنيا تفاوت كبير في الصحة ، في المال ، في الوسامة ، في الزكاة، في القدرات ، هناك ظالم ومظلوم ، غني وفقير.
فإذا إنتهت الحياة الدنيا هكذا من دون يوم آخر فإن هذا الوضع غير سوى لا يتناسب مع كمال الله عز وجل ، هناك ناس لا تكذب باليوم الآخر تكذيباً قولياً ولكن إذا دققت في سلوكه وفي عمله ، وفي كسبه للمال ، وفي علاقاته الإجتماعية ، وفي زواجه ، وفي طلاقه ، وفي عطائه ومنعه لا ترى أبداً أن هذا اليوم العظيم داخل في حساباته اليومية.
أين قوله تعالى في حساباته:
(فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)). سورة الحجر
وأين قول النبى – صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ……………).
نحن إذا أيقنا أن يوم القيامة فيه يقوم الناس لرب العالمين ويأخذون جزاءهم العادل ، فالمنطق والعقل والحكمة وحبك لنفسك وفطرتك كل ذلك يقتضى أن تستقيم على أمر الله …
المؤمن الذى يؤمن باليوم الآخر نجد عنده انضباط عجيب وسر انضباطه.
لحظة الوقوف بين يدي الله عز وجل لا تغادر ذهنه أبداً ، قبل أن يفعل شيئاً ، قبل أن يغش ، قبل أن يكذب ، قبل أن يأخذ ما ليس له ، قبل أن يفترى على الناس ، يقول: كيف أقول لله عز وجل؟ ماذا أقول له وأنا بين يديه يوم القيامة في اليوم الآخر.
(أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)
قال أهل الكفر: إذا متنا واستحالت أجسادنا إلى تراب هل سنحيا ونرجع كما كنا؟ ذلك رجوع بعيد غاية البعد مستحيل حصوله.
أهل الكفر ءامنوا بالدنيا فقط بأنها كل شئ ، المال فيها كل شئ ، القوة فيها كل شئ ، الجمال فيها كل شئ ، مالها ونساؤها وطعامها وشرابها ومتعها ومباهجها هي كل شئ عند الكافر.
من هو الكافر؟
هو الذى آمن بالدنيا فقط ، ثم يأتي الموت على كل شئ حصله في الدنيا ، ويخسره في ثانية واحدة ، لمجرد أن يقف قلبه كل أملاكه ليست له ، كل ثيابه ويُلف فى قماش أبيض رخيص ، ويوضع في التراب ، وينتهي الأمر لذلك فإن المؤمن يحسب حساباً دقيقاً لهذه الساعة ساعة مغادرة الدنيا.
وغير المؤمن لا يُدخل هذه الساعة في حساباته أبداً وكأن الموت قد كتب على غيرنا.
التفكر في الموت جزء من الدين – التفكر مع التساؤل:
ياترى كيف تنتهي حياتي؟ بأية طريقة؟ أين أموت؟ في البيت أم خارج البيت؟ أين أغسل؟ أفى البيت؟ أين أدفن؟
هذه الخواطر تدعوك أن تبعد عن المعصية.
تجربة: أنت مدعو وأنت حي ترزق أن تدخل إلى غرفة مظلمة وتجلس فيها ساعات طويلة ، كيف تشعر؟
بالضجر والملل والوحشة ، مع إنها غرفة كبيرة فيها سرير فيها نوافذ ، والقبر على طول الزمان لا نافذة له ولا سرير إنك تحت التراب.
قبل الموت تنام على سرير ، حوله زوجته وأولاده – هناك طعام وشراب ، هناك ثياب ، هناك بيت نظيف ، يوضع في القبر ويهال عليه التراب.
وقد قال سيدنا عمر – بن الخطاب – رضي الله عنه:
(كفى بالموت واعظاً ياعمر).
الآية الرابعة:
(قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4).
قال ابن عباس – رضي الله عنه:
أي ما تأكل من لحومهم وأبشارهم ، وعظامهم وأشعارهم الله يعلم أين تفرقت الأبدان ، وأين ذهبت وإلى أين صارت.
نحن كما نعلم أن التراب يأكل لحمهم في القبر فيتناقص الجسد شيئاً فشيئاً.
وقد ورد في الأثر أن الإنسان في أول يوم يوضع في قبره يقول الله له: (عبدي ، رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبق لك إلا أنا وأنا الحي الذى لا يموت).
(وعندنا كتابُ حفيظ)
ومع علمنا الواسع عندنا كتاب حافظ لعددهم وأسمائهم وما تأكله الأرض منهم ، وهو اللوح المحفوظ الذى يحصى تفصيل كل شئ ، وحفظه مادة وكمية وكيفية بمقتضاه يعود الخلق كما بدء لا ينقص منه شئ.
الآية الخامسة:
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5).
كذبوا بالقرآن حين جآءهم مع سطوع آياته ، ووضوح بيانه فهم في أمر مختلط مضطرب ، فتارة يقولون عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إنه ساحر ، تارة يقولون إنه شاعر ، وتارة يقولون إنه كاهن ، وتارة يقولون إنه مجنون.
كذبوا بالقرآن – وقيل الحق: الإسلام. وقيل الحق! محمد عليه الصلاة والسلام.
كذبوا بالقرآن قبل أن يدرسوه ، قبل أن يقرؤوه ، قبل أن يتدبروا آياته ، قبل أن يقفوا عند معاني آياته ، مثل إنسان أحمق وليس حكيم ، جآءته رسالة فسلمها إيه رجل البريد وقبل أن يفتحها مزقها – هذا إنسان غبي جداً. رفض الشئ قبل معرفته.
أمر مريج: أمر مضطرب ، هم فيما بينهم مختلفون ، لم يتفقوا على وصف موحد لأهل الحق.
هؤلاء الكفار الذين كذبوا بالحق وكذبوا بالقرآن وأنكروا اليوم الآخر وقالوا في سورة المؤمنون:
(إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين).
فكيف السبيل إلي إقناعهم بوجود خالق عظيم؟
فكيف السبيل إلى إقناعهم بأن هناك يوماً آخر تُوزن فيه الأعمال وتؤدي فيه الحقوق ، وتسوى فيه الظلمات.
السبيل: هذا الكون الذى تحت سمعنا وأبصارنا – الشئ الثابت الوحيد الذى يخضع له كل إنسان هذا الكون العظيم ، فالكون بسماواته وأرضه ، وبمجراته ، بكواكبه ، بنجومه ، بشمسه وقمره ، والأرض: بالبحار والجبال والصحارى والغابات والأسماك والأطيار والنباتات ، وخلق الإنسان هذا الكون هو الذى يدل على الله.
هو الذى ينطق بكمال الله ، هو الذى ينطق بوحدانية الله ، هذا الذى ينطق بحكمة الله ، برحمة الله ، بعلم الله ، وبقدرة الله ، هو الشئ الثابت.
وإذا اضطريت عقيدة الإنسان وتزلزت أفكاره فليدع كل شئ وليتجه إلى الكون ليتأمل فيه.
الآية السادسة:
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)
أفلم ينظروا نظر تفكر وإعتبار إلى السماء في إرتفاعها وإحكامها ، فيعلموا أن القادر على إيجادها قادر على إعادة الإنسان بعد موته؟
وينظروا كيف رفعناها بلا عمد وزيناها بالنجوم وما لها من شقوق وصدوع ، كقوله تبارك وتعالى في سورة الملك: الآية (3)
(مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3))
إذا نظرت إلى السماء لن تقع عينك على خلل ، العلماء قدروا أن في الكون قريباً من مليون مليون مجرة وأن في كل مجرة قريباً من مليون مليون نجم.
نجم صغير جداً أحمر اللون في برج العقرب اسمه قلب العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما ، وللعلم المسافة بين الأرض والشمس 156 مليون كيلومتر.
(صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) سورة النمل 88.
إن البحر أحياناً يرتفع إلى عشرين متراً ، هذا من جذب القمر للبحر وهناك أبحاث تؤكد أن القمر يجذب القشرة الأرضية ، لذلك يضطرب دم الإنسان في ايام مد القمر وهو بدر ، والنبى – صلى الله عليه وسلم – أمرنا أن نصوم هذه الأيام الثلاثة.
وهناك بحوث أخذت من ملفات القضاء وعيادات الأطباء أن معظم الجرائم ترتكب في هذه الأيام الثلاثة ، حينما يفور الدم.
الآية السابعة:
(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7).
جعل الله عز وجل الأرض كرة ، الشكل الوحيد الذى تمشي عليه الخطوط بلا توقف هو الكرة.
الله سبحانه وتعالى جعل الجبال رواسي (ثوابت) تمنعها من الاضطراب بسكانها (جبال هيمالايا أرتفاعها 12 ألف متر.
(2)وجعل الأرض مستودعات للمياة.
(3)النباتات ، وكل نبات له طباع ، له خصائص ، هذه ليست للأكل أو الشرب ، هذه النباتات ليمتع الإنسان بها عينه ، أفلا تشكرون؟
هذه الورود الجميلة ذات ألوان جميلة وروائح فواحة بأن خلقت هذه؟ خُلقت تكريماً لهذا الإنسان.
الفاكهة: التى نأكلها فيها متعة للعين قبل أن تمتع فمك ، التفاحة لها منظر جميل ، وكذلك العنب ، فهذه الفواكه من خلقها؟ من صممها؟ لماذا خُلقت؟ خُلقت للإنسان.
هذه النباتات بعضها محاصيل تنضج في يوم واحد ، وبعضها خضروات تنضج تباعاً ، لو كانت هذه الفاكهة تنضج في يوم واحد؟ فماذا نفعل بها؟
مثال: حقل البطيخ يُجنى خلال تسعين يوماً.
هذه الآية دقيقة جداً – هذا الكون به تبصر عظمة الله عز وجل ، فإذا كان الإنسان غافلاً بذكره هذا الكون.
إذاً الهدى قرار داخلي تتخذه أنت قبل كل شئ ، تريد أن تعرف الحقيقة عندئذ كل شئ في الكون يدل على الله.
الآية الثامنة: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
فعلنا ذلك تبصيراً منا وتذكيراً على كمال قدرتنا ، لكل إنسان راجع إلى الله متفكر في بديع مخلوقاته ومفكر في قدرته.
الآية التاسعة: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
نزلنا من السحاب ماءً كثير المنافع والبركة ، فأخرجنا بهذا الماء البساتين المناضرة والأشجار المثمرة (حب الحصيد) حب الزرع المحصود كالحنطة والشعير وسائر الحبوب التى تحصد.
والله عز وجل قال: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) الأنبياء الآية (30)
وحيث وجدت الماء ، رأيت الخضار والبساتين ، والمحاصيل.
الآية العاشرة: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
النخل من أكرم الأشجار ، وهذا البلح عبارة عن صيدلية ، يوجد 46 مادة غذائية في التمر ، ولا يقبل التلوث ، وهو مهدئ ومنشط وملين للأمعاء ، ومضيق للشرايين من أجل النزيف ، وربنا عز وجل تكلم عن التمر في معرض المخاض فقال في سورة مريم الآية(25):
(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا).
وأخرجنا شجر النخيل طوالاً – ولها طلع منظم بعضه فوق بعض.
الآية الحادية عشر: (رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) الآية 11
أي أنبتنا كل ذلك من نباتات وأشجار ونخيل رزقاً للخلق لينتفعوا به ، وأحيينا بذلك الماء أرضاً جدبة لا ماء فقيها ولا زرع فأنبتنا فيها الكلأ والعشب ، وكما أحيينا الأرض بعد موتها كذلك نخرجكم أحياء بعد موتكم.
كما أنشأ الله هذه الجنات ، وخلقها ، وأصبحت ذات بهجة للناظرين فالله عز وجل يعيد خلق الإنسان مرة ثانية يوم القيامة.
قال ابن كثير: وهذه الأرض الميتة كانت هامدة فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك مما يحار الطرف في حسبها ، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء ، فهذا مثال للبعث بعد الموت ، فكما أحيا الله الأرض الميتة كذلك يحيي الله الموت.
الآية الثانية عشر:
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14).
الله عز وجل يقول مهددا لكفار قريش ، بما أحله بأشباههم من المكذبين قبلهم من النقمات والعذاب الأليم كقوم نوح وما عذبهم الله تعالى به من الفرق العام لجميع أهل الأرض.
وأصحاب الرس: قال على بن أبي طالب – رضي الله عنه:
هم قوم كانوا يعبدون شجرة صنوبر فدعا عليهم نبيهم فيبست الشجرة ، فقتلوه ودفنوه في بئر ، فأظلتهم سحابة سوداء فأحرقتهم.
وأصحاب الأيكة: أي الشجر الملتف إذ كانوا يعبدون أشجار تلك الأيكة. جآءهم شعيب عليه السلام.
قوم تُبع: كذبوا صالحاً فهلكوا بالرجفة.
وعاد: الذين كذبوا هود فأهلكهم الله بالريح العقيم.
وأخوال لوط: وهم أمته الذين بعث إليهم من أهل سدوم ، وكيف خسف الله تعالى بهم الأرض وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة ، بكفرهم وطغيانهم.
القصد من هذه الآيات أن هذا المنهج الذى جآء به الأنبياء من حاد عنه لقى العذاب الأليم ، وأن الذى يغفل ما أمر به يلقى أحسن الجزاء ، وأن الذى يعمل ما نهى الله عنه ينال أسوأ الجزاء.
الآية الخامسة عشرة: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
لم يتعب الله تعالى بخلق كل ما خلق من الملائكة والإنس والجن فكيف إذا يتعب بالإعادة وهى أهون من البدء والبداية أنهم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الأول بل هم فى خلط وشك وحيرة من خلق جديد لما فيه من مخالفة العادة حيث هم يرون الناس يموتون ولا يحييون.
خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم (الخلق الأول) والذى خلقه أول مرة قادر على أن يعيده في المرة الثانية.
(قضية البعث والنشور)