تفسير آخر أيات سورة الحشر

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          فهناك حديث لابن عباس – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (من قرأ سورة الحشر لم يبق شئ من الجنة والنار والعرش والكرسي والسموات والأرض والهواء والريح والسحاب والطير والدواب والشجر والجبال والشمس والقمر والملائكة إلا صلوا عليه واستغفروا له ، فإن مات من يومه أو ليلته مات شهيداً).  أخرجه الثعلبي

          وخرج الثعالبي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  من قرأ آخر سورة الحشر: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل إلى آخرها – فمات من ليلته مات شهيداً).

          وروى الترمذي عن معقل بن يسار قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (من قال حين يُصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل به سبعين ألف ملك يُصلون عليه حتى يُمسي وإن مات في يومه مات شهيداً ومن قرأها حين يُمسي فكذلك).

          بين الله عز وجل المسافة الواسعة الشاسعة بين أصحاب النار وأصحاب الجنة ، وأنهم لا يستون في الحال ولا المال.

          عن جرير بن عبدالله قال:  كنا عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في صدر النهار قال:  فجاءه قوم حفاة عراة ، مجتابي العباء ، متقلدي السيوف ، من مُضر ، فتغير وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما رأى بهم من الفقر والفاقه ، فأمر بلالاً فأذن ، وأقام الصلاة فصلى ، ثم خطب فقال:  (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة … إلى آخر الآية وقرأ الآية التى فى الحشر (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) تصدق من ديناره من درهمه ، من ثوبه

من صاع بر ، من صاع تمر حتى قال:  ولم بشق تمرة).

          قال راوي الحديث:  فجآء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها ، بل قد عجزت ، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت رسول الله – يتهلل وجهه ، فقال رسول الله:  (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شئ ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شئ)   (أخرجه مسلم في صحيحه والإمام أحمد بن حنبل في مسنده).

          سورة الحشر الآية (18):

          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18).

          هذا خطاب الله للذين ءامنوا ، والمؤمن يدرك أهمية هذا الخطاب ، خالق السموات والأرض الذى خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وكرمه أعظم تكريم يُخاطبه فيقول:

          (يا أيها المؤمن أفعل كذا ، ولا تفعل كذا).

          (اتقوا الله) اتقوا الله في أوامره ونواهيه ، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، أي توبوا إليه ، وأصلح ما مضي ، وتقربوا إليه ، اتقوا أن تغضبوه ، أتقوا عقابه ، اتقوا ناره ، اتقوا أن تعُصُوه ، (ولتنظر نفس ما قدمت لغد).

          هل يضمن أحد أن يعيش ساعة قادمة؟

مثال1:   قال أحد علماؤنا:  كنا في إحتفال ، وأحد أفراد الجمعية استقبلنا ، ورحب بنا ، وبعد أن جلسنا بدقائق رأينا أن هناك حركة غير طبيعية في المسجد ، فلم نعرف ما السبب ، ولكن الحفل استمر ثم نبُأنا أن هذا الذى أستقبلنا ورحب بنا توفي بعد دقائق – إنه كان قبل دقيقة واقفاً يرتدي أجمل الثياب.

مثال2:  واحدة قريبة لنا في الفرح وفي الزفة سقطت ، واستمر الحفل وبعدها علمنا أنها ماتت عندما سقطت فمن منا يستطيع أن يلغي الموت من حياته؟

          إن الموت لا يرعى عمراً ، نجد أن الشباب يموتون في سن مبكرة.

أخواتي:   يجب أن نعد للآخرة عملاً صالحاً ، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وصواباً ، بمعنى:  خالصاً:  أي ما ابتغي به وجه الله.    وصواباً:  ما وافق السنة المحمدية.

          فإذا اقتطعت من وقتك الثمين ، من زحمة المشاغل ، تقول فيه:  من أنا؟  ولماذا خلقني الله عز وجل؟  وماذا ينبغي على أن أفعل في الدنيا؟  ماذا بعد الموت؟  يجب أن تتخذ قراراً.

          (ولتنظر نفس ما قدمت لغد)

          الحقيقة أن الإنسان الجاهل يتغني بماضيه ، والأقل جهلاً يبحث في حاضره ، لكن العاقل هو الذى يعيش مستقبله.

حياتنا كيف تسير؟

          هناك خط إجباري نسير عليه ، نولد ، نترعرع ، ندرس ، نتعلم ، نتزوج ، ننجب ، نُزوج أولادنا ، ثم لابد من اللقاء مع الله ، لابد من مغادرة الدنيا ، لابد من أن نغادر دون أن نعود ، ولكن هذه ساعة المغادرة ألا تستدعى أن نفكر فيها؟

          حينما ينتقل الإنسان من كل شئ إلى لا شئ ، من بيت فخم إلى حفرة تحت الأرض ، من فراش وثير إلى أرض صلبة ، من غرف منورة إلى قبر مظلم ، من طعام وشراب إلى حساب وعقاب.

          هذه النقلة من الدنيا إلى الآخرة ، هذه إن لم نفكر فيها ، إن لم تدخلها في حساباتنا اليومية ، إن لم ندخلها في مواقفنا في حركاتنا وسكناتنا فنحن في خطر عظيم.

هل فكرت في العمل الذى تلقى الله به؟

          تجدى الإنسان مستهلك من عمل إلى عمل ، ومن لقاء إلى لقاء ، ومن موعد إلى موعد ، ومن صفقة إلى صفقة ، ويأتيه ملك الموت فجأة ، وهو صفر اليدين من العمل الصالح.  ولذلك فإنه من أفضل وأهم ما ينبغي أن تفعله أن تقف فجأة في زحمة العمل ، في زحمة القيل والقال في زحمة المشكلات وهموم العمل والمعاش والأسرة.

          أن تقتطع وقتاً وتتأمل ماذا قدمت لغد؟

          إذا أنا جئت الله عز وجل يوم القيامة وقال لي:  ما العمل الذى جئت به؟  بماذا آتيت؟ أرسلتك إلى الدنيا من أجل أن تعرفني ، من أجل أن تُطيعني ، من أجل أن تتقرب إلي ، جعلتكم خليفة في الأرض ، أعطيتك كل شئ ، سخرت لك السماوات والأرض ، بماذا آتيتني؟  إنه سؤال خطير ومهم جداً.

هل من المعقول أن تمضى الحياة الدنيا في المباحات؟

          أكلنا ، وشربنا ، ولهونا ، وسافرنا ، وعدنا ، واستقبلنا الضيوف ، وودعنا ، وتنزهنا ، وربحنا ، وأنفقنا ، وأقمنا الحفلات….

يقول الله عز وجل لك يوم القيامة:

          عبدي هل أمرت بالمعروف ، هل نهيت عن المنكر ، هل علمت القرآن ، هل نصحت لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم؟  هل ربيت أولادك على مبادئ الإسلام؟ هل دللت زوجتك على الله؟  هل أقمت الإسلام في بيتك؟  هل كسبت المال الحلال؟  هل نفعت المسلمين في عملك؟ هل نصحتهم؟  هل دعوت إلى الله؟  هل نشرت الحق؟  هل نصرت دين الله؟  هل وظفت أختصاصك في الحق؟  هل وظفت عملك في خدمة المسلمين؟  لمن وهبت عمرك؟  لمن وهبت شبابك؟.

يسأل الله عز وجل يوم القيامة الآب:

          فهل ربيتهم؟  هل عرفتهم بكتاب الله وبسنة رسول الله؟  هل أدبتهم على حب نبي الله ، وعلى حب أصحابه الكرام؟  هل أدبتهم بأدب الإسلام؟  أم تركتهم لأجهزة اللهو يأخذون منها كل طيب وخبيث ، وكل حق وكل باطل ، وكل خير وكل شر؟.

          هؤلاء الذين أنجبتهم من قدوتهم؟

          الملاكم الفلاني؟  أم لاعب الكرة؟  أم الفنانة الفلانية أم الصحابي الفلاني؟

          هذه الزوجة في بيتك ماذا فعلت من أجلها؟

          هل دللتها على الله؟  هل رحمتها؟  هل أخذت بيدها إلى الله؟

          كل واحد فينا يسأل نفسه ما العمل الذى يصلح أن نعرضه على الله؟

          ما العمل الذى يمكن أن نقدمه بين يدي ربك؟

          هناك نماذج منها:

(1)            يارب كنت باراً بوالدي.

(2)            يارب أخترت زوجة صالحة مؤمنة لأولادي.

(3)            ربيت أولادي على طاعتك وعلى حب نبيك.

(4)            أدبتهم بأدب الإسلام (هذا العمل جيد ومقبول).

(5)            يارب :انت لي حرفة فنصحت بها المسلمين ، وما غششتهم ، وما كذبت عليهم ، ما ابتززت أموالهم.

(6)            يارب كنت طبيباً نصحت المسلمين ، ما كبرت الوهم على المرضى ، ما كلفته ما لا يطيق ، كنت نصوحاً له.

إذاً لابد أيها المسلم وأيتها المسلمة من ساعة تخلو بها مع ربك ، كل يوم خمس دقائق أو عشر دقائق تلجأ إلى الله ، كي نلوذ بحماه.

أخواتي:  هذه الآية ينبغي أن تفعل فعلها في نفوس المؤمنين:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18).

          ولتنظر كل نفس ما قدمت من الأعمال الصالحة ليوم القيامة ، انظروا ماذا أدخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ، وسمى يوم القيامة غداً لقرب مجيئه.

          (واتقوا الله) كرره للتأكيد ولبيان منزلة التقوى التى هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين ، والله عز وجل مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها ، التقوى الأولى التوبة فيما مضى من الذنوب والثانية اتقاء المعاصي في المستقبل.

          التاجر منا الذى يبيع ويشتري يشحن البضاعة ويقبض الثمن ، هل فكرت في أن هذه التجارة ترضى الله أم لا ترضى الله؟  هل أديت زكاة مالك؟  هل نصحت المسلمين في هذه التجارة؟ هل استغللت حاجتهم إلى هذه البضاعة فرفعت السعر؟  ماذا قدمت لله عز وجل؟

          لابد أن يكون عملك خالصاً لوجه الله وصواباً على سنة رسوله.

          مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:

          (إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به ، فعرفه نعمه فعرفها ، قال:  فما عملت فيها؟  قال:  قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال:  كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال: جرئ.  فقد قبل.  ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار ، ورجل تعلم العلم ، وعلمه ، وقرأ القرآن ، فأتي به ، فعرفه نعمه فعرفها ، قال:  فما عملت فيها؟  قال:  تعلمت العلم ، وعملتُه ، وقرأت فيك القرآن.  قال:  كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال:  عالم ، وقرأت القرآن ليقال:  هو قارئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل وسع الله عليه ، وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتي به ، فعرفه نعمه فعرفها ، قال:  فما عملت فيها؟  قال:  ما تركت من سبيل تحبُ أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال:  كذبت ، ولكنك فعلت ليقال:  هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار).

          إنه شئ مخيف …..

          إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً وصواباً خالصاً …

خالصاً:  ما ابتغي به وجه الله.                  صواباً:   ما وافق السُنة النبوية المشرفة.

ماذا تبتغي من هذا العمل؟

(1)            أن تنتزع إعجاب الناس.

(2)            أن يقول الناس عنك:  إنسان صالح ، إنسان كريم ، إنسان مُحسن كبير ، رجل فقيه ، رجل عالم ، أم أنك تبتغي وجه الله عز وجل.

 

ملخص الآية:

          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ (18).

          ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله في أوامره ونواهيه ، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، ولتنظر كل نفس ماقدمت من الأعمال الصالحة ليوم القيامة ، وسُمى يوم القيامة غداً لقرب مجيئه.  (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر).

          (واتقوا الله)

          كرره للتأكيد ولبيان منزلة التقوى ، التقوى الأولى التوبة فيما مضى من الذنوب ، والثانية إتقاء المعاصي في المستقبل ، والله مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها ، ولا تخفى عليه منكم خافية ، ولا يغيب عنه من أموركم كثير ولا قليل.

          إذاً حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وانظروا ماذا أدخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.

          (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)

          تركوا عبادة الله وامتثال أوامره ، فعوقبوا على ذلك بأن أنساهم حظ أنفسهم حتى لم يقدموا له خيراً ينفعها.

          نسوا الله في الرخاء فأنساهم أنفسهم في الشدائد.

          إن الله تعالى أثني على زكريا وأهل بيته فقال تعالى:

          (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين).

          (لا خير في قول لا يراد به وجه الله ، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله ، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه ، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم).

(1)وهذه الآية من أدق الآيات ، نسوا الله ، نسى الإنسان ربه ليس معنى نسى الله أنه أنكر وجوده لا ، لم ينكر وجوده لكنه لم يقبل عليه ، لم يعبأ بامره ونهيه ، لم يتوجه إليه ، لم يجعله هدفاً لأعماله ، فهو قد سمع الناس يقولون شيئاً عاش في مجتمع إسلامي ، سمع خُطب الجمعة عرف أن لهذا الكون خالقاً هو الله ، لكن أمره ونهيه لم يدخله في حساباته اليومية ، لم يُقم بيته على مبدأ الإسلام ، لم يرب أولاده تربية إسلامية ، لم يُقم عمله على منهج الله عز وجل.   نسى أن الحياة الدنيا مؤقتة ، نسى الآخرة.

          عندما ينسى الله يجعل الدنيا أكبر همه ، ومبلغ علمه ، ونهاية أماله ، ومحط رحاله ، حينما نسى الله ، نسى نفسه.

(2)هناك أشياء في الحياة ترفضها ، لأنك تحتقرها ، إلا إنك إذا رفضت الدين إنما تحتقر نفسك مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (130):

          (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (130).

          (أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19).

          حينما يفسق الإنسان (يخرج عن طاعة الله).

          الفسق خطير ، ومضاعفاته خطيرة ، الإنسان يخرج عن طاعة الله فيحجب عن الله ، ويحجب عن الله فيجهل ، ويجهل فيجهل نفسه ، جهل دوره ، جهل تكليفه ، جهل أمانته ، جهل مصيره ويأتيه الموت فجأة مصداقاً لقوله تعالى في سورة الطور الآية (45):

          (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45).

ماهو الصعق:     تصور إنسان باع كل ما يملك من بيت ومحل وسيارة ويقبض ثمنها عملة صعبة ، ثم يكتشف فجأة أن العملة كلها مزورة (هذا هو الصعق).

          عندما يأتي الإنسان يوم القيامة يجد أن كل شئ فعله في الدنيا ليس له قيمة عند الله لأنه ليس على منهج الله.

          كما قال الله عز وجل في سورة الفرقان الآية (23):

          (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23).

ماذا يحدث ساعة مغادرة الدنيا؟

          يأتي ملك الموت وليس في الأرض كلها إنسان أسعد منه لماذا؟  لأنه أستعد للقاء الله بالتوبة والطاعة والإستقامة والعمل الصالح.  كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم – لأبنته فاطمة حينما قالت:  (واكربتاه يا أبتا) اليوم.

          قال: (لا كرب على أبيك بعد اليوم).

(2)قال بلال بن رباح مؤذن النبى – صلى الله عليه وسلم:

          (غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه).

(3)وقالوا:  كيف القدوم على الله يا أبا حازم؟

          قال:  (كالغريب عاد إلى أهله).

مثال1:    للذى يغادر الدنيا وهو سعيد.  لماذا هو سعيد؟  لأنه أدى ما عليه.

          سيدنا رسول الله تفقد أحد الصحابة اسمه سعد بن الربيع بحث عن أصحابه ، فإذا هو بين الموت والحياة في ساحة المعركة قيل له:  ياسعد ، إن النبي قد أمرنا أن نتفقد حالك.  فقال:  أنا مع الأموات ، ولكن بلغوا نبي الله مني السلام ،  وقولوا له وهو في الرمق الأخير:  جزاك الله عنا خير ما جزى نبيه عن أمته.  وقولوا لأصحابه:  (لا عذر لكم إذا خُلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف).

ما حالة هذا الإنسان؟

          حالة هذا الإنسان في أعلى درجات السعادة ، لأنه أدى الذى عليه.

          عندما نظر النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى أصحابه قبل أن يتوفاه الله عز وجل لأول مرة يبتسم حتى رأى الناس نواجذه ، قال:  (علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء).

من الذى يقول الله له أهلاً بك عند الموت؟

          إنسان خلقه الله في الدنيا ، ثم كبر وتزوج امرأة صالحة وصار أباً وأنجب أولاداً ، رباهم

 تربية إسلامية ، له عمل ابتغي به خدمة المسلمين ، له دعوة إلى الله ، له أعماله الصالحة ، له إنفاقه ، ثم جآء ملك الموت فإنه يقول له:  أهلاً بك الله يسلم عليه.

          (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58).سورة يس

          (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ (20).

          لابد للإنسان أن يكون على منهج الله ، ويعرف حقيقة هذا الدين ، الله عز وجل يقول في سورة السجدة الآية (18):

          (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18).

          (أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون).

          أبوحنيفة النعمان – رضي الله عنه – كان يدرس يبدو أن هناك ألماً في رجله وتلاميذه يحبونه ، فمد رجله ، دخل إنسان طويل القامة ، عظيم الهيئة ، يرتدي عمامة وجبة ، فظنه عالماً ، فاستحيا ، فرفع رجله وجلس ، وكان الدرس عن صلاة الفجر بعد أن أتم الدرس سأله الرجل:  كيف نصلي الفجر إن طلعت الشمس قبل الفجر؟

          فقال له:  عندئذ يمدُ أبوحنيفة رجله (لأنه إنسان جاهل) شتان بين العلم والجهل ، الكافر جاهل ، وقد يكون يحمل أعلى شهادة ، ولكن لأنه لم يعرف الله فهو جاهل ، قد يكون في اختصاصه متفوقاً ، وهذا يسمى ذكياً ولا يسمى عاقلاً.

          المؤمن متصل بالله فاشتق من كماله ، فنجد فيه الوداعة واللطف والأدب والحياء ، والرحمة والشفقة ، والعدل والإنصاف ، والورع ، والخوف والتواضع ، تجدي المؤمن يبتعد عن الكبر والغطرسة والعنجهية والسيطرة ، والدناءة والأنانية ، والأثرة والقسوة والجحود.

          (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20).

     

 

      قد يفوز الكافر في الدنيا مصداقاً لقوله عز وجل في سورة أل عمران الآية (196 : 198):

          (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198).

أصحاب الجنة هم الفائزون بنص القرآن الكريم ، أصحاب الجنة هم الطائعون.

يجب علينا أن نستخدم مقاييس كتاب الله ، أن نقيم الناس لا بحجمهم المالي ، ولا بقوتهم بل بطاعتهم لله.

وفى سورة الأحزاب الله عز وجل يقول:

(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71).

          لا تظن أنت أيها الإنسان إنك فوزت فوزاً عظيماً ولكن الله يقول:  (ومن يطع الله ورسوله….).

          إن الإنسان إذا كان في طريق الجنة فهو من أسعد الناس ، وأي شئ يقربك من الله فهو الحق ، وأي شئ يبعدك عن الله فهو الباطل.

          لا يتساوى يوم القيامة الأشقياء والسعداء ، أهل النار وأهل الجنة في الفضل والرتبة ، أصحاب الجنة هم الفائزون بالسعادة الأبدية في دار النعيم وذلك هو الفوز العظيم.

          (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21).

          هذه الآية لها عدة تفسيرات:

(1)لو خلقنا في الجبل عقلاً تمييزاً كما خلقنا للإنسان ، وأنزلنا عليه هذا القرآن ، بوعده ووعيده لخشع وخضع وتشقق خوفاً من الله تعالى ومهابة له ، وهذا تصوير لعظمة قدر القرآن وقوة تأثيره ، والمراد منه توبيخ الإنسان بأنه لا يتخشع عند تلاوة القرآن ، بل يعرض عما فيه من عجائب وعظائم ، بل اتخذوه وراء ظهورهم وأهملوه.

(2)النبى – صلى الله عليه وسلم – كان أشد رسوخاً من الجبال ووحي السمآء ينزل عليه ويتحمله وكان ثابتاً.

          فإن لهذا القرآن لثقلاً وسلطاناً وأثراً مزلزلاً لا يثبت له شئ ، لقد وجد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ما وجد ، عندما سمع قارئاً يقرأ من سورة الطور:

          (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8).

          فارتكن إلى الجدار.   ثم عاد إلى بيته يعوده الناس شهراً مما ألم به.

          (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21).

          وهذه الأمثال خليقة بأن توقظ القلوب للتأمل والتفكير.

هل القرآن الكريم مهجور في حياة المسلمين؟

الجواب:   أدخل إلى أي بيت مسلم تجد أنه لا يطبق منهج الله ، طبعاً القرآن موجود ، وتوجد لوحات كثيرة قرآنية آية الكرسي – الرحمن – في كل البيوت تقريباً ، ولكن العلاقات ، اللقاءات ، الإجتماعات ، والسهرات ، الندوات ، الحفلات ، الكسب ، الإنفاق ، خروج الزوجة والبنات ، كله غير إسلامي.

          إذاً هذا القرآن لا يحكم في بيوتنا وفي حياتنا اليومية ولا في أعمالنا ، بل مكاسبنا ربوية ، هناك غش وكذب ودجل ، وإخفاء عيوب ، آلاف المخالفات في أعمالنا وفي بيوتنا.

          علينا أن نتمسك بالقرآن لأنه منهج الله ، وهذه تعليمات الصانع ، القرآن هو حبل الله المتين ، هو ركن ركين ، القرآن هو الدستور ، هو الطريق القويم ، هو الصراط المستقيم.

 

(والحمدلله رب العالمين)

اترك تعليقاً