الشفاعة كما بينها الله عز وجل في كتابه

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.

أما بعد ،،،

          فيقول الله تعالى في سورة النسآء الآية (85):

          (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85))

          الشفاعة هي وساطة الإنسان في أمر ما.

          يترتب على هذه الوساطة دفع ضر أو جلب نفع.

          وأصل الشفاعة إبتغاء لوجه الله تعالى ، وتكون الشفاعة في أمر مباح أو مطلوب أو واجب ديني أو فريضة دينية.

          بعض العلماء يقول:  ما هي الشفاعة الحسنة؟؟

          هى التى (1) روعي فيها حق مسلم ، ودفع عنه بها شر ، أو جلب إليه خير ، (2)وابتغى به وجه الله ، (3) ولم يؤخذ عليها رشوة ، (4) وكانت في أمر جائز ، لا في حد من حدود الله ، (5) ولا في حق من حقوق البشر ، هذه الشفاعة واجبة عليك.

مثال1:    أهدى أحد العلماء هدية فغضب وردها ، وقال:  (لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك) تشفع شفاعة من أجل مبلغ ، هذا رشوة ، ينبغي أن تشفعي لوجه الله ، ولرد حق المسلم  مصداقاً لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          عن أبي أمامه – رضي الله عنه – قال:  “من يشفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أُتي باباً عظيماً من أبواب الربا”.

أمثلة للشفاعة الحسنة:

          إذا كنت وسيطاً بين (1) أداء عمل مشروع أو (2) خدمة إنسانية ، أو (3) تأمين رزق لطالب علم ، أو (4) تأمين علم لشاب ناشئ في طاعة الله ، أو (5) لحل مشكلة ، أو (6) لقضاء دين.

          (وأبواب الشفاعة لا تعد ولا تحصى) فإذا كنت ممن يشفع شفاعة حسنة فلك من هذه الشفاعات حصة ونصيب كبير من الأجر لأنك كنت السبب.

ثانياً:   لو شفعت لتزويج شاب بفتاة مؤمنة صالحة وشاب مؤمن كذلك قربت بينهما ، أو دللت أحدهما على الآخر وكنت وسيطاً بينهما إلى أن تم هذا الزواج (هذه شفاعة حسنة).

          لو شفعت في زواج وأسست أسرة حللت مشكلة أسرة عندها بنت لم تخطب حتى الآن ، وحللت مشكلة شاب يبحث عن فتاة مؤمنة ، وأنجبت من هذه الأسرة أولاد صالحين ، كل الخير بصحيفتك.

          (( ورد أن أفضل شفاعة أن تشفع بين أثنين في نكاح ))

          ورد في الأثر:

          (( من مشى بتزويج رجل بأمرأة كان له بكل كلمة قالها ، وبكل خطوة خطاها عبادة سنة قيام ليلها وصيام نهارها )).

حال الناس الآن: سلوك الناس الآن سلوك سلبي ، لا يحبون الخير ، وليسوا مستعدين أن ينطقوا بكلمة في سبيل الله ، ولا أن يذهبوا ولا يمشوا خطوة ، الناس يزهدون في الشفاعات الآن.

مثال3:    ممكن أن تكون شفيعاً (وسيطاً) بشراكة ، شاب يتمني مبلغ من المال يعمل به وإنسان آخر يتمنى إستثمار هذا المال ، صاحب المال عاجز عن استثماره ، وهذا الشاب عاجز عن العمل لإحتياجه إلى مال ، فإذا أقنعت صاحب المال أن يعطي هذا المال للشاب المؤمن (1) الشاب حلت مشكلته ، (2) وهذا الذى يملك المال حلت مشكلته أيضاً ، (3) وأنت لك الأجر..

مثال4:  أحيانا إنسان مسجون بخطأ مدني ، أقام في بلد زيادة عن الحد فأودع في السجن ، مع أن هذا المبلغ بسيط ، ولا أحد يبحث عنه ، فأنت شفعت لدى من هو مسئول عن هذا العمل ، ودفعت عنه المبلغ ، وأطلقت سراحه.  ((رجل في الكويت إتهمه الكفيل بأنه أخذ منه مال)).

          ((أبواب الخير لا تحصى ، كلها تحتاج إلى شفاعة))

مثال5:   والإنسان الذى له مكانة في المجتمع ، له جاه ، واسم طيب ، هذا قد تحل به العقد ، وتحلا به مشكلات كبيرة جداً.

          خصومات بالقضاء عمرها عشر سنوات تحل بجلستين ، من إنسان له كلمة بالمجتمع.

مثال6:   زوجان متخاصمان ، الزوج امتلأ كرهاً لزوجته لأنها عنيدة ، والزوجة امتلأت كرهاً لزوجها لأنه لم يسأل عنها ، والأهل يغذون ابنتهم ضد زوجها ، وأهل الزوج يغذون ابنهم ضد الزوجة ، والأولاد هم الضحية ، فجئت أنت وزرت أحد البيتين وأقنعت الطرف الأول بالطرف الآخر ، وحسنت صورة الطرف الآخر ، ولينت قلب الطرف الأول ، وعقدت لقاء بينهما ، ثم حلت المشكلة ، فنعم الزوج بزوجته ، والزوجة بزوجها ، وفرح الأولاد.

أنت ماذا فعلت؟؟ فعلت أعظم عمل.

( الآن كم خصومة زوجية توجد في البلد ؟؟)  بالآلاف.

نصف المتزوجين متحاربين.

فإذا دخلت أنت شفيعاً في خصومة زوجية ، أو بين خلاف بين شريكين ، أو بين خلاف بين أب وأبنه ، أو خلاف بين الأم وأبنتها ، يقرب زوجين أو شريكين ، أو جارين ، أو أخوين ، أو شقيقتين ، الخير الذى حصل من هذه الشفاعة (الوساطة) لك مثله إلى يوم القيامة.

أنت لمجرد أن تذهب إلى فلان وتقول له:  هذا الإنسان عندك مظلوم وأنا أقترح عليك أن ترفع عنه الظلم ، ولك عند الله أجر كبير ، أجرك ثابت ولو رفض لأن الله تعالى يقول:

          ( من يشفع ) ولم يقل من يُشفع شفاعة حسنة ، هذه دقة اللغة ، لمجرد أن تتحرك وأن تطالب ثبت الأجر سواء حقق الطلب أم لا ، استجيب لك أو لم يستجب.

ملحوظــــة:

          الله عزوجل أنعم عليك بنعمة فوظفتها في الخير أدامها الله عليك وإن لم توظفها بالخير أُخذت منك.

          ما من عبد أنعم الله عليه بنعمة فأسبغها عليه ، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم.

مثال7:    أعطاك الله مالاً غزيراً ، الناس يطرقون بابك فتبرمت ، قال ابن عباس – رضي الله عنهما – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          (( ما أنعم الله على عبد من نعمة وأسبغها عليه ثم جعل إليه شيئاً من حوائج الناس فتبرم بها إلا وقد عرض تلك النعمة للزوال )).

قصة من التراث:     بيت من بيوت القاهرة القديمة الكبيرة ، فيها شجرة ليمون ، تحمل كميات مخيفة ، عجيب أمر هذه الشجرة ما من إنسان في هذا الحي يطرق هذا البيت لأخذ حبة ليمون إلا ويلبي طلبه ، تحمل أربعمئة إلى خمسمئة حبة ، في أي وقت من ليل أو نهار ، في مرضى بعطى هذه الجدة صاحبة البيت توفيت وبقى في البيت زوجة أبنها ، طرق الباب مرة فرفضت ، طرق الباب مرة أخرى فرفضت ، حتى يبست الشجرة وماتت.   قصة واقعية ولكنها معبرة.

مثال8:     أعطاك الله جاهاً ، ووضعك بمنصب رفيع ، وبيدك حل مشاكل المسلمين ، وجاءك الناس إلى البيت ، وإلى المكتب ، تبرمت بهم وأغلقت بابك دونهم ، بالوزارة الثانية لا يظهر أسمك ، تزاح عن هذا المنصب ، أما إذا كنت في خدامة الخلق يزداد مكانك قوة.

          قالت عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:

          (( من كان وصله لأخيه المسلم إلى ذى سلطان في مبلغ برأ وتيسير عسيراً أعانه الله على إجازة الصراط يوم القيامة )).                           “أخرجه ابن حبان وابن عساكر”

مثال9:    لك صاحب بمركز حساس ، وثمة مسلم له عند صاحب هذا المركز مشكلة ، وهو مظلوم ، لكن هذا المسلم ضعيف ، فذهبت أنت إليه فرحب بك ، وأكرمك ، وقلت له:  هذه قصة فلان قال:  على العين والرأس وحلت المشكلة.

 

          ولكن الآن الأسلوب المعاصر ، السلوك العصري يقول:

          والله هو صاحبي ، ولكن لم أعود نفسي أن أبذل مآء وجهي أبداً فأعذرني ، ويكون في القضية (1) إحقاق حق ، (2) حل مشكلة ، (3) إنقاذ أسرة : يقول:  لا يمكن أن أطلب منه شيئاً شخصياً.   هذه ليست لك هذا لمسلم.

          وفي رواية الطبراني وابن عساكر عن ابي الدرداء قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (( من كان وصلة لأخيه إلى ذي سلطان في مبلغ برأ وإدخال السرور رفعه الله في الدرجات العلى من الجنة.

          الآن:  من موجبات المغفرة إدخال السرور على أخيك المسلم.

مثال10:  أحياناً يكون إنسان معين بمكان بعيد ، وله أهل وأولاد والذى بأمره النقل صديقك ، فذهبت إليه ، وكلمته في شأن نقله إلى بلده فنقل ، صار الأب بين أولاده ، أنت أدخلت على هذه الأسرة كل السرور ، فلك أجر كبير مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:

          (( أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن ))  أخرجه الطبراني

          (( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها …. ))

          النصيب:  سهم حصة ففيه قبض (أجر)

الوساطة السيئة:  

مثال:   نور الحرامي – وصاحب بيت يقول لي:  (( تنازلي عن المحضر ….. ))

          أنت كفلت فلاناً – الله عز وجل ذكر الكفالة مع الشفاعة السيئة عد للمليون قبل أن تكون وسيطاً في منكر ، في معصية ، وفي خلوة.

(1)شخص يريد أن يخصص محلاً تزيين للنسآء ، ويريد رخصة ، والذى يعمل في الرخصة منعه فتوسطت له فحصل عليها (لك نصيب كبير من الوزر والإثم).

(2)واحد عنده بيت مغلق لا يؤجره وشخص فاجر فاسق يريد أن يستأجره لشئ لا يرضي الله ، وأنت تتوسط بأن يؤجره هذا البيت ، أجر البيت وجرت فيه المنكرات كلها في صحيفتك.

          فقبل أن تتوسط عد للمليار ، ينبغي أن تتوسط لمؤمن ملتزم – والمؤمن لا يعصي الله عزوجل.

          والذى شاع الآن البيت يؤجر مفروش الليلة الواحدة بمبلغ كبير جداً إذا يوجد مشكلة هنا – ليست قضية بيت للنوم ، ولا لغير النوم.

          تقول:  أنا لا علاقة لي ، لا أنت مسئول عما يجرى في هذا البيت ، تحاسب عنه ، هذا المبلغ ليس نظير نوم ، بل نظير فاحشة فأنت مسئول.

مثال11:  صاحب مكتبة في  (1) بعض الكتب فيها ضلالات إذا باعها له وزر كبير  شئ خطير ، مكتبة فيها (2) مجلات فاضحة ، (3) قصص جنسية ، (4) وأدب إباحي ، (5)  وفساد عقيدة ، (6) وكتب فيها إنكار للسُنة ، كل كتاب تشتريه وتبيعه أنت بهذا وسيط ، فأنت محاسب عنه ولا تستطيع أن تقول:  ما ذنبي أنا ..

مثال12:  الآن شاعت أماكن ومحلات بيع الافلام الإباحية ، وتجدي إنسان يصلي في المسجد ويبيعها ، ويقول:  هذا عملي – هذا تحاسب عنه ، أي شاب فسد بهذا الفيلم ، وأي بيت تصدع بهذا الفيلم أنت مسئول.

          قبل أن تتوسط ( تشفع )

          وتبيع طاولات النرد – تنصب خيمة رمضانية ، أن تفتح كازينو نسآء كاسيات عاريات ، قبل أن تفتح مطعم حديثاً – الإضاءة خافتة ، من يأتي لهذا المطعم؟

          من معه صاحبة يأتي بها ، هذا ليس مطعماً (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها).

          والله كل الآثام التى ترتكب في الأماكن الموبوءة ، بصحيفة مالك البناء ، وفي صحيفة من استأجره ، ومن يعمل فيه لماذا؟؟

          لأن الله تعالى لعن الخمر ، وشاربها ، وبايعها ، وعاصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، ويضاف الآن ، والمعلن عنها.

          قال أحدهم عملي بالإعلان..

          سأله الشيخ:  هل تستطيع أن ترد عملاً فيه فسق ؟؟

          قال: لا.  هلل يمكن أن ترفض إعلان خمر فيه عرض مُغر؟؟

          هذه الآية دقيقة جداً :

         ((من يشفع شفاعة حسن يكن له نصيب منها ، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها)).

مثال13:   إنسان يقول إبنتي ضعيفة جداً بالرياضيات ، والله يوجد أستاذ جيد ماشآء الله ، أنت ماذا فعلت؟ أقمت خلوة بين فتاة وشاب ، وما الذى يجري في هذه الخلوة في صحيفتك؟..

          فأي شفاعة (وساطة) من إيجار بيوت ، وإيجار مطاعم ، وإيجار بنوك ، ومن وساطة لوظيفة.

مثال14:    وساطة لتعيين فتاة في عمل ، العمل كله رجال ، وهذه الفتاة جميلة ، ومبتذلة ، وساخرة ، أنت توسطت وعينتها بهذه الوظيفة ، كل يوم ترتدي لوناً ، أصبحت فتنة لكل من فى هذه الدائرة ، أنت السبب.

          الآية خطيرة جداً ..

          فإياك ثم إياك ، ثم إياك أن تكون وسيطاً في شر.

مثال15:  تسعى لإنسان بالسفر إلى أماكن بعيدة وكافرة ، وهذا الشاب لا يقاوم نزعته من بين أهله وأرسلته ، فإذا به زنى هناك ، ففي صحيفتك ، وإذا أرتكب الفواحش ، وأكل الحرام ، وشرب الخمر هذا كله في صحيفتك ، لماذا؟؟

          لأنك أنت سعيت له بهذا السفر بجهدك.

          فقبل أن تسعى بين شيئين عد للمليار ، هل في هذا السعى معصية أو بُعد عن الله عز وجل؟

          لا تشفعي في حد من حدود الله (أسامة بن زيد الذى شفع للمخزومية التى سرقت)..

 

(( والحمدلله رب العالمين ))

اترك تعليقاً