تفسير سورة الواقعة 74 : 96

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

(1)            سورة الواقعة هي سورة كريمة على الله وعلى المؤمنين ، وهي سورة مكية إلا آيتين 81 ، 82).

(2)            فقد بينت السورة الدلائل على وجود الله ووحدانيته ، وكمال قدرته في بديع خلقه وصنعه ، في خلق الإنسان ، وإخراج النبات ، وإنزال الماء ، وما أودعه الله من القوة في النار …. ثم ذكرت بأن القرآن العظيم من تنزيل رب العالمين ، ووضحت السورة ما يلقاه الإنسان عند الإحتضار من شدائد وأهوال.

وختمت السورة بذكر الطوائف الثلاث وهم أهل السعادة ، وأهل الشقاء ، السابقون إلى الخيرات من أهل النعيم ، وبينت عاقبة كل منهم.

(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74).

          فنزه يا محمد ربك عما أضافه إليه المشركون من صفات العجز عن البعث والنقص وقل:  سبحان من خلق هذه الأشياء بقدرته وسخرها لنا بحكمته ، سبحانه ما أعظم شأنه ، وأكبر سلطانه!

          التسبيح أساسه التفكر في النعم ، أساسه التفكر في آلاء الله عز وجل ، في آياته الكونية ، وفي آياته القرآنية.

          (كلما أزددت تفكيراً في آلاء الله إزددت تعظيماً له)

          (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75).

          يقول الفلكيون إن من بين هذه النجوم والكواكب التى تزيد على عدة بلايين نجم ، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة ، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه ، ولا يوجد أي إحتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر.

          كل نجم يتبعه عشرات الكواكب ، ما الفرق بين النجم والكوكب؟

          النجم مضئ بذاته (أي قطعة نارية والكوكب مكتسب الضوء من غيره وهذه المواقع تحفظ هندسة الكون ، لو نجم تخلى عن موقعه تقوم القيامة (فناء العالم).

          والله عز وجل يُقسم بمواقع النجوم المنتظمة.

قال بعض المفسرين:    هي الأنواء التى كان أهل الجاهلية يقولون إذا مُطروا قالوا: مُطرنا بنوء كذا.

          ولله تعالى أن يقسم بما يريد ، وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى.

دعاء:

          اللهم إنا قد ءامنا بما جآء به محمد – صلى الله عليه وسلم – ولم نراه ، فمتعنا اللهم برؤيته في الدارين ، وثبت قلوبنا على صحبته ، وإستعملنا على سنته ، وتوفنا على ملته ، وأحشرنا في زمرته ، وارزقنا شفاعته يارب العالمين.

          أو يُقسم الله عز وجل بكل نجم من نجوم القرآن ، لأن القرآن نزل منجماً حسب الدواعي والأسباب (كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما).

          لم يكن المخاطبون بالقرآن يومذاك يعرفون عن مواقع النجوم إلا القليل ، الذى يدركونه بعيونهم المجردة ومن ثم قال الله عز وجل لهم:

          (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76).

إما نحن اليوم فندرك من عظمة هذا القسم المتعلقة بالمقسم به ، نصيباً كبيراً مما كانوا يعلمون.

          مجموعة واحدة ، هي المجرة التى تنتسب إليها أسرتنا الشمسية تبلغ ألف مليون نجم.

          إنما يخشى الله من عباده العلماء الذين يعلمون حقيقة الكون ، هم الذين يخشون الله عز وجل ويؤمنون به ويطيعونه.

          جواب القسم:

          (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77).

          الذى خلق السماوات والأرض ، والذى خلق هذا الكون العظيم ، هو الذى أنزل هذا القرآن الكريم.  لذلك شرف الأمر من شرف الآمر ، شرف الرسالة من شرف المرسل ، عظمة هذا القرآن من عظمة الذى أنزله.

          إنه لقرآن كريم.  وليس كما تدعون (1)قول كاهن ، (2)ولا قول مجنون ، (3)ولا قول شاعر ، (4)ولا تنزلت به الشياطين.  إنما هو قرآن كريم.   كريم بمصدره ، كريم بذاته ، وكريم بإتجاهاته.  قد جعله الله معجزة لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو كثير المنافع والخيرات والبركات.

          (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78).  =  كتاب مصون

          محفوظ من أن يبدل ، محفوظ من أن يُغير ، محفوظ من أن يضاف إليه ، محفوظ من أن يُحذف منه.

          الله عز وجل تولى بنفسه حفظ القرآن الكريم مصداقاً لقوله تعالي في سورة الحجر(9):

          (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9).

          محفوظ لا يمكن للشياطين أن تصل إليه ، ولا يمكن لأهل الكفر أن ينالوا منه.

          القرآن الكريم تقرؤونه الآن هو نفسه الذى أُنزل على النبى – صلى الله عليه وسلم – كل معجزات الأنبياء وقعت وانتهت وأصبحت خبراً ، يصدقه من يصدقه ، ويكذبه من يكذبه ، إلا القرآن الكريم فهو المعجزة العقلية الباهرة الخالدة الباقية الدائمة إلى أبد الآبدين.

          وكلما تقدم العلم كشف عن جانب من إعجاز القرآن الكريم.

          (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) لماذا؟  لأنه:

 (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80).

          هذه الآية تفسير (في كتاب مكنون) فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به – فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه.  إنما تنزل به الملائكة الأطهار.

          الملائكة الذين أكرمهم الله عز وجل بالإقبال على القرآن هم مطهرون من كل دنس.  والدليل على أن المطهرون هم الملائكة فى سورة عبس الآية (13 : 16):

          (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16).

معنى ثان:    هم الأتقياء الذين تطهروا من الشرك والشك.

          قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه:

          (كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يُقرئنا القرآن على كل حال ، ما لم يكن

 جُنباً) وهذا حديث حسن صحيح.

          العلماء أجمعوا على أن الجنب لا ينبغي أن يمس القرآن.

          هناك قضية أن تقرأ القرأن متوضئاً  أو غير متوضئ قضية خلافية ، أما إذا كان الإنسان جُنباً لا ينبغي أن يمس القرآن على الإطلاق ، لماذا؟  تعظيماً له ، وإجلالاً لقدره وتعظيم القرآن هو تعظيم لله عز وجل ، سورة الحج الآية (32):

          (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32).

          الإنسان الفاسق العاصي الشارد المنحرف الفاجر يقرأه فلا يفهم منه شيئاً – هو عمى عليه لا يزيده إلا ضلالاً.

          ومن شروط فهم القرآن الكريم أن تكون قريباً من الله وهذا تؤكده آيات كثيرة منها الآية (44) سورة فصلت:

          (أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44).

          (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80).

          عندما يقرأه المؤمن يشعر أنه مع كتاب لا كأي كتاب ، مع كتاب من خالق الكون ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، مع كتاب لا ريب فيه ، مع كتاب مطلق في كماله ، مطلق في بيانه ، مطلق في إعجازه ، مطلق في تشريعه ، مطلق في أخباره ، مطلق في آياته الكونية – مصداقاً لقوله تعالى في سورة الإسراء الآية (9):

          (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ).

          =  للطريقة التى هي أعدل وأصوب وهي توحيد الله والإيمان برسله.

          إن وضعنا القرآن أمامنا سلمنا وسعدنا ، وإن نبذناه وراء ظهورنا في الدنيا والآخرة ندمنا ، إنه سر سعادتنا ، سر سلامتنا ، سر تفوقنا ، سر إنتصارنا ، سر قهرنا لأعدائنا.

          (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81).

المداهنة:   الملاينة

          إن جعلت دهناً على شئ أصبح ليناً.

بمعنى:  أن تجامل الكفار ، أن توافقهم على مقولتهم ، إن طعنوا في هذا الدين ، والله سبحانه وتعالى طهر النبى – صلى الله عليه وسلم – عن أن يداهن ، مصداقاً لقوله تعالى في سورة القلم الآية (9):

          (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9).

          المداهنة من صفات المنافقين ، فإذا إنسان طعن في أحقية القرآن ، وتملك الحجة على أن ترد عليه وبقيت ساكناً فقد داهنته ، (2) إنسان يزعم أن القرآن لا يتناسب مع روح العصر فالمسلم لو سكت وهو لا يدري ما يجيبه معناه مقصر في العلم ، وإذا كان يعلم الجواب وسكت مداهنة إتقاء للمشاكل وطلباً للسلامة فيكون قد إرتكب ذنباً أكبر.

          أفبهذا القرآن يا معشر الكفار تكذبون وتكفرون.

          (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82).

          الرزق مطلق العطاء:  الله عز وجل يعطى الصحة هذا رزق ، هناك من هو محروم منها مريض طريح الفراش ، (2) يعطى العقل في الرأس هذا رزق ، المجنون محروم العقل ، (3)يعطى الحركة هذا رزق ، يوجد إنسان مشلول ، (4) يعطى البصر ، يوجد إنسان أعمى ، (5)يعطي السمع ، يوجد إنسان أصم ، (6) يعطى الحكمة يوجد إنسان أحمق ، (7) يعطى الزوجة ، يوجد إنسان لا زوجة له ، (8) يعطي الأولاد رزق ، هناك من هو محروم من الخلفة (9)يعطى الطمأنينة – يعطي السعادة ، يعطى الرضا ، يعطى الجنة.

          (الرزق سببه الشكر).

الدليل:   في سورة النسآء الآية (147):

          (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147).

          (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82).

          قال ابن عباس – رضي الله عنهما:

          (بدل أن تشكروا فيأتيكم الرزق من كل جانب ، كذبتم وكفرتم فحرمتم). (بدل ما تشكروني على النعمة تكذبون).

          هؤلاء في الدنيا كذبوا في هذا الدين ، كذبوا هذا القرآن ، كذبوا ذاك المنهج ، كذبوا أحقية الدين ، ماذا هم صانعون إذا جآء ملك الموت؟….

          التكذيب هو رزقكم الذى تحصلون عليه في حياتكم وتدخرونه لآخرتكم؟  وما أسوأه من رزق!

          (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)

          لحظة الموت.  اللمسة التى ترجف لها الأوصال – اللحظة التى يقف فيها الحي بين نهاية طريق وبداية طريق.  حيث لا يملك الرجوع لنكاد نسمع صوت الحشرجة – ونرى تقبض الملامح – ونحس الكرب والضيق.

          هنا.  في هذه اللحظة.  وقد فرغت الروح من أمر الدنيا ، وخلفت وراءها الأرض وما فيها ، وهي تستقبل عالماً لا عهد لها به ، ولا تملك من أمره شيئاً إلا ما أدخرت من عمل ، وما كسبت من خير أو شر.

          جآء ملك الموت وانسحبت النفس من الأطراف وانتقلت إلى الحلقوم – لا يمكن يتذوق حقيقة هذا المشهد المؤلم إلا من ذاقه.

          حديث الرسول أنه دخل على رجل يموت قال:

          (والله إني أدري ما يقع به ، ما من شعره في بدنه إلا وهي تتألم للموت على حدتها).

          من أصبع رجله إلى الحلقوم تأخذ مدة نصف ساعة – في ساعتين ، في اربع أيام ، في شهر.

          طلوع الروح ما نجا منها أحد على وجه الأرض ، ولا الأنبياء ساعة الموت ، ساعة النزاع ، والله عز وجل قهرنا بالموت مهما كنت عظيماً ، مهما كنت قوياً ، مهما كنت صحيحاً مهما كنت عالماً ، كن في أي مكان شئت لابد من أن تلقى الواحد الديان.

          (والعمرُ مهما طال فلابد من نزول القبر).

          هذا القبر هنا المصير ، هنا الحساب ، لا زوجة ، ولا ولد ، ولا تجارة ، ولا مكتب ، لا بيت في المصيف ، لا سيارة فارهة ، كل مخلوق يموت ، بل إن بعض الصالحين كانوا يضجعون في قبرهم وهم أحياء ويقرؤون قوله تعالى فى سورة المؤمنون الآية (99: 100):

          (رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ).

          يقول لنفسه:

          قومي يا نفسي لقد أرجعناك.

          الإنسان يشتري بيتاً أربعمائة متر وآخرته 1م × 2م ، هذا البيت مؤقت ، والمثوى الأخير غير مؤقت.

          أعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، ماذا تجيب الله عز وجل إذا سألك لماذا فعلت كذا؟

          ماذا نقول إذا قال الله لك:

          لم حرمت البنات وأعطيت الذكور؟

          لم خالفت الشرع ، ماذا يقول؟  إذا قال لك:  لماذا طلقت هذه المرأة؟  ما الذنب الذى أرتكبته بحقك؟  لماذا شردتها وكسرتها؟ (3) لماذا أغتصبت هذا المحل التجاري وأخرجت منه شريكك ، بماذا تجيب؟

          هذه الساعة التى لابد منها ، عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارق، وأعمل ما شئت فإنك مجزي به).

          (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83).

(وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84).

          أولاده ، زوجته ، إخوته ، أعمامه ، أخواله كلهم متحلقون حوله ، هذا يضع يده على جبينه ، وهذا يقيس حرارته ، وهذا يقيس نبضه ، والطبيب بينهم لا يدري ماذا يفعل؟

          هؤلاء ينظرون ولا يرون ما يجري ولا يملكون من الأمر شيئاً.

          هنا تقف قدرة البشر ، ويقف علم البشر ، وينتهي مجال البشر.

          (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85).

          مجلس الموت تجلله رهبة حضور الله وجلاله.

          قال بعض العلماء:  الله جل جلاله أقرب إليه بعلمه وقدرته.

          موقف طلوع الروح فيه من عجز ورهبة وإنقطاع ووداع.

          (فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86).  =  محاسبين بعد الموت

          أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يموت ، والله عز وجل سمى الموت مُصيبة ، لأن الحقيقة أنت تنمو ، كنت طالباً وأخذت شهادة عليا ، وتعينت واشتريت بيتاً صغيراً وفرشته وتزوجت وأنجبت أولاد ، ثم أشتريت سيارة صغيرة يأتي الموت يأخذ منك كل شئ في ثانية واحدة.

          إذا وُجد سن من ذهب يسحبونه من فمك ويقولون:

          الحي أولى من الميت ، لم يعد لك شئ لا بيت ولا زوجة ولا ولد ولا سيارة ولا مكتب أبداً.

          فلو كان الأمر كما تقولون:  إنه لا حساب ولا جزاء.  فأنتم إذن طلقاء غير مدينين ولا محاسبين.  فلترجعوها (ترجعونها إن كنتم صادقين).

          فهل تردون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم؟

          لو أن الإنسان يصنع مصيره ، لينجو من الموت ، ليرد ملك الموت ليرفض أن يموت ، مهما علا الإنسان ومهما كبر ، مهما قوى مقهور بالموت ، ولكن المشكلة ما بعد الموت.

          (تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)

          الحقيقة أن أخف مراحل الموت هو النزاع (هو خروج الروح) ، لكن الشئ الصعب ما بعد الموت ، الحساب.

          (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88).     

          الذى أمضى حياته في طاعة الله ، في معرفة الله ، في خدمة الخلق ، لم يأخذ ما ليس له ، لم يفجر ، هذا الذى طبق أمر الله عز وجل وعرفه وأقبل عليه وسعد بقربه ،

 ووضع كل طاقاته ووقته وماله وصحته في خدمة الحق.

          فأما إن كان هذا الميت من المحسنين السابقين بالدرجات العليا ، فله عند ربه (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) إستراحة ورزق حسن وجنة واسعة يتنعم فيها.

          المراد بالمقربين السابقين المذكورون في أول السورة:

          (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)   :   راحة من الدنيا

روح:   سعادة لا توصف ، وريحان:  نعيم لا يوصف في جنة النعيم.

          (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90)

          فيلتفت بالخطاب إلى المؤمن المتوفي يبلغه سلام إخوانه من أصحاب اليمين.  وما أندى السلام ساعتئذ وما أحبه.  حين يتلقاه وقد بلغت الروح الحلقوم ، فيطمئن باله ويشعر بالأنس في الصحبة المقبلة مع اصحاب اليمين.

          (فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91).

السلام في ثلاث مواقف:  (1) عند قبض روح المؤمن في الدنيا يسلم عليه ملك الموت ، مصداقاً لقول ابن مسعود:

          (إذا جآء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال:  ربك يقرئك السلام).

(2)عند مساءلته في القبر يسلم عليه منكر ونكير.

(3)عند بعثه في يوم القيامة تسلم عليه الملائكة قبل وصوله إليها.

          ويكون ذلك إكراماً بعد إكرام.

          (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92).

          كذب بالدين ، كذب القرآن ، قال:  الدين تعبيرعن ضعف الإنسان أمام قوى الطبيعة.  يعتبر أن كل الطاعات تعيق النفس عن تحقيق ذاتها.

          وأما إن كان المحتضر من المنكرين للبعث ، الضالين عن الهدى والحق.

          (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93).   فضيافتهم التى يكرمون بها أول قدومهم الحميم الذى يصهر البطون لشدة حرارته.

          ولهم إصلاء بنار جهنم (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94).

          هذا مصير أهل التكذيب ، أهل الضلال ، هذا مصير أهل الفسق والفجور ، (2) هذا مصير من أصغى إلى الدنيا وأصم أذنه عن الآخرة ، (3) هذا مصير من أرتاد دور الملاهي وترك المساجد ، (4) هذا مصير من قال إنما أوتيته على علم من عندي ما لقارون ، (5) هذا مصير من أثر الشهوة على العقل – من أثر المعصية على الطاعة ، من آثر سخط الله على رضوانه – هذا مصير من أرضى الناس بسخط الله – هذا مصير من قال عش لحظتك.

          (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95).

          إن هذا الذى قصصناه عليك يا محمد من جزاء السابقين ، والسعداء والأشقياء لهو الحق الثابت الذى لا شك فيه ولا ريب ، وهو عين اليقين الذى  يمكن إنكاره.

          عندنا علم اليقين ، عين اليقين ، حق اليقين.

مثال1:  (دخان وراء جدار) نقول:  لا دخان من غير نار هذا علم اليقين.

(2)سرت وراء الجدار فرأيت النار بعينك (حق اليقين).

(3)اقتربت من النار فشعرت بوهجها (عين اليقين).

          لهو الحق الثابت الذى لاشك فيه وهو عين اليقين الذى لا يمكن إنكاره.

          (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96).

          فنزه ربك عن النقص والسوء ، وعما يصفه به الظالمون ولما نزلت هذه الآية الكريمة قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (اجعلوها في ركوعكم) ، ولما نزلت (سبح إسم ربك الأعلى) قال – صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في سجودكم).  أخرجه أبوداود في مسنده

          نقول سبحان الله من التسبيح ، أما الأعمق من ذلك (1) أن يجول فكرك في ملكوت السماوات والأرض ، (2) أن تفكر في خلقك ، (3) في طعامك ، (4) في شرابك ، (5) في أصلك ، (6) في نهايتك ، وأن تفكر في كل شئ أمامك.  فهذا هو التسبيح الحقيقي.

كيف تستعد للموت؟   (1) الموتُ يُستعد له بالتوبة.  (2) يُستعد له بالطاعة.  (3) يُستعد له بطلب العلم.  (4) يُستعد له بالدعوة إلى الله.  (5) يُستعد له بإقامة تعاليم الإسلام فى بيتك في عملك – يستعد له بالصلة بالله عز وجل.

          أرجو من الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بهذا القرآن الكريم ، فهو ربيع القلوب ، وهو حبل الله المتين وهو الصراط المستقيم.

          اللهم إنا آمنا بهذا القرآن كما نُزل وبالإسلام كما شُرع ، رضياً بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – نبياً ورسولاً.

 

(والحمدلله رب العالمين)

 

 

اترك تعليقاً