تفسير آية الكرسي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الهادي إلي الصواب, وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم الوهاب, وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب , اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلي آله وأصحابه ومن أحيا سنته إلي يوم الدين.

 

أما بعد

فيوجد في كتاب الله عز وجل آية عظيمة ولها فضل كبير , وكل آيات القرآن عظيمة , وكل آيات القرآن كريمة وكلها بركة مصداقاً لقوله تعالي في سورة ص الآية 29

(“كِتَابٌأَ أنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ“)

اختارنا آية من القرآن الكريم تصاحب الفلاح وتصاحب التاجر, وتصاحب الصانع , وتصاحب العالم, والصبي والمرأة , والبنت والرجل وكل مسلم يصاحب هذه الآية في اليوم أكثر من خمس مرات, بل ست مرات, وهي أفضل آيات القرآن علي الإطلاق بشهادة النبي صلي الله عليه وسلم وهي المسماه (آية الكرسي)

الآية التي نقرءوها بعد الصلاة, خمس صلوات في اليوم والليلة نقرأ في ختامها آية الكرسي وعند النوم يسن قراءتها.

سأل النبي صلي الله عليه وسلم (أبي بن كعب) ماأفضل آيات القرآن العظيم ؟ ففكر أُبي قليلاً ثم قال: يارسول الله أعظم آيات القرآن هي آية الكرسي , ففرح النبي صلي الله عليه وسلم وضربه ضرباً خفيفاً علي صدره وقال ” ليهنك بالعلم ياأبا المنذر”)

إنها أعظم آية في كتاب الله وهي سيدة آي القرآن , ماتقرأ في بيت لايدخله شيطاناً أبداً . هذه الآية إذا قرأها المسلم عند الصباح وعند المساء تحصنه وتدفع عنه السوء, وتدفع عنه  شياطين الإنس والجن والآفات.

وآية الكرسي خمسون كلمة وفي كل كلمة خمسون بركة , وهي تعادل 1/3 القرآن . وقد اشتملت علي 18 اسم لله تعالي مابين ظاهر وخفي.

وتشمل علي عشر جمل كلها ناطقة بربوبية الله تعالي وبألوهية الله وأسمائه وصفاته الدالة علي كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه.

وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال: “فكان عبد الرحمن بن عوف (من العشرة المبشرين بالجنة ) إذا دخل بيته قرأ آية الكرسي في زوايا بيته الأربع ”

بمعني: أن يطرد عنه الشيطان من زوايا بيته.

وثبت في صحيح البخاري في فضل آية الكرسي:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلي الله عليه وسلم, بحفظ زكاة رمضان, فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام (أخذ حفنة تمر) , فأخذته وقلت: لأرفعنك إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال ولي حاجه شديدة , قال: فخيلت عنه فأصبحت , فقال النبي صلي الله عليه وسلم ” ياأبا هريرة مافعل أسيرك البارحة ؟” قلت: يارسول الله شكا حاجه شديدة وعيالاً فرحمته وخليت سبيله, قال:”أما إنه قد كذبك وسيعود” فرصده أبو هريرة, فجآء يحثو من الطعام فأخذته, فقلت: لآرفعنك إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ,قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال, لا أعود , فرحمته وخليت سبيله , فأصبحت فقال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ياأبا هريرة مافعل أسيرك البارحة؟” قلت: يارسول الله شكا حاجه وعيالاً فرحمته فخليت سبيله, قال: “أما أنه كذبك وسيعود” فرصدته الثالثة فجآء يحثو من الطعام (يأخذ منه) فأخذته فقلت: لأرفعنك إلي رسول الله,وهذا آخر مرة , ثلاث مرات أنك تزعم أنك لاتعود ثم تعود. فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها, قلت: ماهي ؟ قال: إذا أويت فراشك فاقرأ آية الكرسي ” الله لا إله إلا هو الحي القيوم” حتي تختم الآية, فإنك لن يزال عليك من الله حافظ, ولايقربك شيطان حتي تصبح, فخليت سبيله, فأصبحت فقال لي رسول الله :”مافعل أسيرك البارحة؟ ” قلت: يارسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله, قال:” ماهي ؟” قال لي : إذا أويت إلي فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتي تختم الآية, فقال النبي صلي الله عليه وسلم ” أما أنه صدقك وهو كذوب” تعلم من تخاطب من ثلاث ليال ياأبا هريرة ؟” قلت: لا , قال:” ذاك شيطان”)

الحديث الثاني: عن أبي أمامة قال: رسول الله صلي الله عليه وسلم ” من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت “(أخرجه النسائى)

(سؤال مهم)

لماذا سماها الرسول أعظم آية في القرآن الكريم وأفضل آية ؟

ولماذا الذي يقرأها الله سبحانه يحصنة ضد الشيطان وضد الكوارث ؟

الجواب:

لأن فيها التوحيد المطلق , التوحيد الخالص , توحيد الله وفيها أيضاً اسم الله الأعظم (الحي القيوم) مصداقاً للحديث الذي روته آسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين ” الله لا إله إلا هو الحي القيوم ”

(الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) إن فيها أسم الله الأعظم” أخرجه احمد بن حنبل.

المقطع الأول:( الله لا إله إلا هو)

لايوجد إله غيره, ولا يوجد رب غيره , ولا يوجد معبود غيره, إله واحد أحد منفرد بالجبروت وبالعزة وبالملك والملكوت.

منفرد بأنه الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسني وله الصفات العليا وله المثل الأعلي في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.

هو الله جل جلاله الواحد الفرد الصمد ذو الحياة الكاملة الباقي الدائم الذي لايموت.    ومادام الله لايوجد إله غيره فلايصح أن نرفع العبادة لغيره, بأي نوع من العبادات.

الصلاة عبادة, الصوم عبادة, الحج عبادة, الزكاة عبادة, الذكر عبادة, الإستغفار عبادة , تلاوة القرآن عبادة, الدعاء عبادة, ولايصح أن تدعو غير الله لايصح أن نقف أمام أي قبر وتسأله عن أي شئ عما تحتاج إليه مثل أن ينجح الولد في الإمتحان    (سيدنا الحسين – السيدة نفيسة – السيدة زينب)

كل هذا غلط كل هذا ضد التوحيد لأن الله هو الذي خلق وهو الذي رزق والحياة منه والممات منه وإليه المصير ” إليه يرجع الأمر كله”

المقطع الثاني ( الحي القيوم)

هو سبحانه وتعالي حي بذاته , الله ذو الحياة الكاملة الباقي الدائم الذي لايموت أبداً, أما نحن فحياتنا من غيرنا من الله

مثال: الأم يتصل بها الأب من مني يمني ثم يخرج طفلاً .

القيوم: القائم بتدبير أمر ملكه علوية وسفلية (من نمل وحشرات جن وملائكة , وإنسان)

وهو القائم علي تدبير شئون الخلق بالرعاية والحفظ والتدبير. مصداقاً لقوله تعالي في سورةالأنعام 38 “( وَمَامِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)” أمة النمل, وأمة النحل, وأمة الحيوانات , لهم لغة يتفاهموا بها, لايشغله شئ عن شئ, وقت واحد يرزقهم ويعافيهم ويخلقهم حتي قالوا ليسدنا علي: كيف يحاسب الله الناس كلهم يوم القيامة في وقت واحد ؟

قال علي كرم الله وجهه :” كما يرزقهم كلهم في وقت واحد”

عدد البشر كم مليار , والجن مثلهم عشرات المرات والملائكة مثل الجن مائة مرة والله يدبر كل هذا ويعطي لكل واحد آماله و ألآمه . والإنسان يخيل إليه أنه عندما يقول يارب : يحس كأن الله له وحده ربنا سبحانه وتعالي يرد عليه ويقول: ” لبيك عبدي, فأنا عن يمينك وعن شمالك وفوقك وقريب من ضمرك وقلبك لك ماسألت”

المقطع الثالث من الآية: ” لا تأخذه سنة ولانوم”

سنة: النعاس الذي يسبق النوم من فتور والإسترخاء سنة بكسر السين .

لايصبه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه, ومن تمام القيومية أنه لا يغلبه النعاس ولا النوم الذي هو أقوي من النعاس.

وفي الصحيح عن أبي موسي قال: ” قام فينا رسول الله صلي الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال:” إن الله لاينام ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل , وعمل الليل قبل عمل النهار, حجابة النور أو النار) ”

الحديث الثاني: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال  أن بني إسرائيل قالوا: يا موسي هل ينام ربك ؟ قال: أتقوا الله , فناداه ربه عز وجل: يا موسي سألوك هل ينام ربك ؟ خذ زجاجتين في يدك فقم الليلة, ففعل موسي , فلما ذهب من الليل ثُلُثٌ، نَعَسَ، فَوَقَعَ لِرُكْبَتَيهِ، فلما نْتعش، فَضَبَطَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ، نَعَسَ،فَسَقَطَتِ الزُّجَاجَتَانِ فَانْكَسَرَتَا، فَقَالَ: يَا مُوسَى: لَوْكُنْتُ أَنَامُ. لَسَقَطَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، فَهَلَكْت كَمَاهَلَكَتِ الزُّجَاجَتَانِ بِيَدَيْكَ(رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس)

المقطع الرابع من الآية : (له ما في السماوات ومافي الأرض )

يخبرنا الله عزوجل أن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه . هذه الجملة من آية الكرسي لما المسلم يفهمها قلبه يستريح عنده شقة , عنده عمارة ليس عنده شئ , كله يساوي بعضه كله ملك لله ليس لنا حاجه , يهب لمن يشاء , يعطي من يشآء , ينزع الملك ممن يشآء يعز من يشاء يذل من يشآء .

هناك أعرابي عنده مال كثير , فسأله سائل مالذي معك ؟

قال الأعرابي: هذا مال الله في يدي .

ربنا أعطاني هذا المال في يدي  لكي يمتحني به , وليري ماذا أفعل ؟ أشكر الله علي هذه النعمة هل سوف أصونها أم أضيعها ؟. أصرفها في الحرام والمخدرات والإكسسوارات والكلام الفارغ .

 في لحظة الله سبحانه وتعالي يأخذ المال منه أو يأخذه هو, يموت فجأة الله قادر.

الإمام الغزالي رحمه الله قال في كتابه (إحياء علوم الدين)

” الذي يخرج من بيته علي رجليه للعمل أو للسفر, فأتقى الله فقد خرجت علي رجلك ,وربما رجعت  محمول علي أعناق الناس كيف؟ الله يحي ويميت .

فكم من صحيح مات من غير علةوكم من سقيم عاش حينا من الدهر- وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا –         وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدريوكم – من صغار يرتجى طول عمرهم  –  وقد أدخلت أجسامهم ظلمة القبر.

و كم من عروس زينها لزوجها فتى      ——- و قد قبضت أرواحهم ليلة القدرى      

الآجال بيد الكبير المتعال .

المقطع الخامس:(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )

لا أحد يستطيع أن يشفع لأحد إلا إذا أذن له الله تعالي , وهذا بيان لعظمته وجلاله وكبريائه بحيث لايتجاسر أحد علي الشفاعة إلا بإذن المولي كما قال ابن كثير.

كما جآء في حديث الشفاعة: “آتي تحت العرش فأخر ساجداً فيدعنى ماشآء الله أن يدعني, ثم يقال: إرفع رأسك وقل تسمع, واشفع تشفع قال فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة “

وتقرر في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالي يأذن لمن يشآء في الشفاعة وهم الأنبياء والعلماء والمجاهدين والملائكة وغيرهم مما أكرمهم وشرفهم الله, ثم لايشفعون إلا لمن ارتضى مصداقاً لقوله تعالي في سورة الأنبياء 28 (” وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى“)

المقطع السادس من الأية: (يعلمُ ما بين أيديهم وما خلفهم )

هذا دليل علي إحاطة علم الله سبحانه وتعالي بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها. الماضى حياتك السابقة منذ ولدت وكذلك يعلم الله الحاضر وهو مشاهد لهم وهو الدنيا وماخلفهم وهو الآخرة والمستقبل يعلمه الله, كقوله إخباراً عن الملائكة (“وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّاً”)

المقطع السابع من الآية (ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شآء)

لانعلم من علم الله شئ إلا بما أعلمه الله عز وجل . الإنسان لايدرى هل هو سوف يصل بيته اليوم أم لا . الرجل الذي يعلم أن الله له مفاجات يكون علي طريق مستقيم ,لايهمه لماذا؟

لأنه يعلم أن اللحظة القادمة فهي ليست ملكه .

 أما الإنسان الغافل يقول غداً وبعد غد سوف أصلي , وبعد عشرين سنة سوف يكون عندي بيت كبير وعربية وحساب في البنك وهو لايدي أنه بعد عشرين سنة ممكن يكون في القبر وصار تراباً .

مثال: سيدنا سليمان في بيته وقد زاره ملك الموت ,الملائكة تزور الأنبياء وأثناء زيارته جآء واحد من الرعية يكلم سيدنا سليمان في مصلحة, ملك الموت ينظر إليه . الرجل لاحظ ذلك فقال عن إذنك يانبي الله وانصرف .

قال سليمان لملك الموت: لماذا تنظر إلي الرجل هكذا ؟

قال ملك الموت: أنا عجبت من أمر الله عندي أمر أن اقبض روح هذا الرجل في الهند بعد دقائق معدودة وهو مازال عندك في الشام.

وبعد لحظة جآء نفس الرجل وهو يجري: يانبي الله زوجتي تموت وقد وصف الأطباء لها دواء لايوجد إلا في أرض الهند, فأمر الريح أن تحملنى وذهب إلي الهند وأخذ ملك الموت روحه هناك ولم يأتي بالدواء .

(مشيناها خطى كتبت علينا ..   ومن كتبت عليه خطى مشاها…ومن كانت منيته بأرض ..فليس يموت في أرض سواها)

.

:المقطع الثامن :وسع كُرسيُهُ السموات والأرض:

أحاط كرسيه بالسماوات والأرض لبسطته وسعته, والسماوات الله والأرضون بالنسبة للكرسي كحلقة ملقاه في فلاة (صحراء) ملك الله واسع, وهو رب العرش العظيم, رب العرش المجيد, رب العرش الكريم.

الغزالي يقول: “سبحان من استوى علي العرش كما أخبر أستواء وليس العرش يحمله ولا الكرسي يسنده, بل العرش وحملته والكرسي وعظمته كل محمول بلطف قدرته ومقهور في قبضته”

المقطع التاسع من الآية : (ولا يؤده حفظهما)

الله سبحانه وتعالي لا يعجزة  حفظ السموات والأرض ومن فيها ومن بينهما بل ذلك سهل عليه, الرقيب علي جميع الأشياء فلا يغيب عنه شئ , والأشياء كلها حقيرة بين يديه محتاجة فقيرة وهو الغني الحميد – الله هو الفعال لما يريد.

الله هو الذى لا يسأل عنا يفعل وهم يسألون.

المقطع العاشر من الآية 🙁 وهو العلي العظيم)

العلي : علو المنزلة والشأن  وعلو القدر , لا علو مكان وهى العلى فوق خلقه.

 الذي ليس فوقه شئ

العظيم: ذو العظمه والجلال

الذي كل شئ أمام عظمته صغير وحقير وقد روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحاً في السماوات العلي .

(سبحان الله العلى ألأعلى)

(الحمد لله رب العالمين)

اترك تعليقاً