سورة الكهف (3) (الخضر مع موسى عليهما السلام)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبى الأمى سيدنا محمد المختار ، وعلى آله الأطهار ، وأصحابه الأخيار.

أما بعد:

          فقد تكلمنا عن أصحاب الكهف وكهفهم وماحكاه الله لنا عنهم ثم تكلمنا عن المساكين المؤمنين المجاهدين الداعين إلى الله وكيف نصبر معهم ولا تزيغ أعيننا عنهم إبتغاء الزينة وابتغاء مرضات العظماء (المشركين) ، وكيف ضرب الله المثل للقيم السليمة بصاحب الجنتين المتكبر ، الكافر ، المغرور مع صاحبه المؤمن حتى أنزل الله بأسه بالمجرم ، ثم ضرب الله المثل بالدنيا مثل الزرع ثم اصبح هشيماً تذروه الرياح ، وقصة إبليس مع آدم واستكباره عن السجود ولعنة الله له ، وعتاب الله لنا كيف نصطلح على إبليس ونترك الله أرحم الراحمين.

قصة موسى والخضر كما فى الصحيحين

          عن أُبى بن كعب عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن موسى قام خطيباً فى بنى إسرائيل فسُئل أيُ الناس أعلم؟  فقال: أنا ، فعتب الله عز وجل عليه إذ لم يرد العلم إليه  فأوحى الله إليه أن لى عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك ، قال موسى يارب فكيف لى به؟ قال: تأخذُ حوتاً فتجعلهُ فى مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ، فانطلق موسى: ومعه فتاهُ (يُوشعُ بن نون) حى إذا أتينا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت فى المكتل فخرج منه فسقط فى البحر فاتخذ سبيلهُ فى البحر سرباً ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق ، فلما أستيقظ نسى يوشع أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد ، قال موسى لفتاه:  أتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا – فقال فتاهُ:

(قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) سورة الكهف (63).

أى عجباً لموسى حيث تعجب من إحياء الحوت وإتخاذه فى البحر طريقاً كالنفق فى الجبل.

رجعا يقصان أثارهما حتى انتهينا إلى الصخرة ، فإذا الخضر مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: (وأنى بأرضك السلام): بمعـنى: من أين السلام فى هذه الأرض التى لا يعرف فيها السلام؟ من أنت؟  قال: أنا موسى ، قال مُوسى نبى بني إسرائيل؟ قال: نعم أتيتك لتعلمنى مما عُلمت رشداً ،(قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)(67) ،قال: ياموسى إنى على علم من علم الله لا تعلمُهُ علمنيه ، وأنت على علم من علم الله علمكهُ لا أعُل )  مهسَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا)(69) ،فقال له الخضر: (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا)(70).

فأنطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير أجر – فلما ركبا فى السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدُم ، فقال له موسى: (قوم حملونا بغير أجر عمدت إلى سفينتهم فخرقتها:

(لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا)(71).

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  وكانت الأولى من موسى نسياناً ، وجآء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر فى البحر نقرة فقال له الخضر: (ما علمى وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه فأقتلعهُ فقتلهُ ، فقال له موسى:   (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا)(74).قال الخضر: (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا)(75).قال موسى:  (قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا)(76).

         ( فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامهُ )، فقال موسى:  قوم أتيناهم فلم يطعمونا ، ولم يضيفونا:

 (لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)(77).قال الخضر:(هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)(78).

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما)  أخرجه الشيخان (البخارى ومسلم).

هذه هى القصة الثالثة فى هذه السورة الكريمة وهى قصة موسى مع الخضر عليهما السلام وهى تقرر نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم – وتؤكدها.  إذ مثل هذا القصص الحق لا يتأتى لأحد أن يقصه ما لم يتلقه وحياً من الله عز وجل.

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)(60).

قال موسى الكليم (ليوشع بن نون) لا ازال أسير وأتابع السير حتى أصل إلى ملتقى بحر فارس وبحر الروم هو مجمع البحرين أو أسير زماناً إلى أن أبلغ ذلك المكان لماذا؟  لكى أُقابل عبد من عباد الله هو أكثر منى علماً حتى أتعلم منه علماً أزيده على علمى.

(فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)(61).

لما وصلا إلى مجمع البحرين واستراحا فنام موسى والفتى شبه نائم وإذا بالحوت يخرج من المكتل (وعاء) ويشق طريقه فى البحر فيكون كالنفق وقد جمد الماء حوله.

آية لموسى – ويغلب النوم على يوشع فينام فلما استراحا قاما مواصلين سيرهما ونسى الفتى خروج الحوت من المكتل ، فلما مشيا ساعة بعيدة وشعرا بالجوع قال موسى للفتى هيئ لنا طعامنا ، هنا قال الفتى لموسى ما قص الله تعالى:

(قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)(63).

وقد أنسانى الشيطان أن أخبرك عن قصته الغريبة ويتعجب الفتى من أمره لأنه كان حوتاً مشوياً فدبت فيه الحياة ودخل البحر.  فقال موسى عليه السلام:  هذا الذى نطلبه ونريده لأنه علامة على لُقيا الرجل الصالح ، فرجعا فى طريقهما الذى جاءا منه يتتبعان أثرهما وجدا الخضر عليه السلام مستلقياً على الأرض ، وقد وهبه الله نعمة عظيمة وفضلاً كبيراً وهى الكرامات التى أظهرها الله على يديه (الصحيح أن الخضر عليه السلام ليس بنبى وإنما هو من عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين وقد أظهر الله على يديه هذه الكرامات والأمور الغيبية تعليماً للخلق فضل العبودية).

قال العلماء:  هذا العلم الربانى ثمرة الإخلاص والتقوى ويسمى (العلم اللدنى) يورثه الله لمن أخلص العبودية له ، وهو هبة الرحمن لمن خصه الله بالقرب والولاية والكرامة ، فقال له موسى:  هل تأذن لى فى مرافقتك لأقتبس من علمك ما يرشدنى فى حياتى؟  قال المفسرون:  هذه مخاطبة فيها ملاطفة وتواضع من نبى الله الكريم وكذلك ينبغى أن يكون الإنسان مع من يريد أن يتعلم منه.  فرد الخضر:  إنك لا تستطيع الصبر على ما ترى ، وكيف تصبر على أمر ظاهره منكر وأنت لا تعلم باطنه؟  قال موسى:  سترانى صابراً ولا أعصى أمرك إن شاء الله.  شرط الصحبة:  ألا يسأله ولا يستفسر عن شئ من تصرفاته حتى يكشف له سرها.  فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم.  مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الكهف من (65 – 69):

(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا(65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا(67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا(68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا)(69).

أفعال الخضر مع موسى

أولاً:  موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينة فعرفوا الخضر فحملوهما بدون أجر ، فلما ركبا السفينة عمد الخضر إلى فأس فقلع لوحاً من ألواح السفينة (الخضر يعمل بعلم الله الذى فى ظاهره منكر وفى باطنه الرحمة وموسى من علمه أنه يعترض على اى منكر) ، قال له موسى مستنكراً: أخرقت السفينة لتغرق الركاب؟  ويروى أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فجعله مكان الخرق ثم قال للخضر قوم حملونا بغير أجرة عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد فعلت أمراً منكراً عظيماً!  قال الخضر:  (ما علمى وعلمك فى علم الله إلا بمقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر).  وهنا ذكره الخضر بلطف فى مخالفته الشرط ، وهنا قال موسى:  لا تؤاخذنى بمخالفتى الشرط ونسيانى العهد وعاملنى باليسر لا بالعسر.  فقبل عذره.

ثانياً:  إنطلقا بعد نزولهما من السفينة يمشيان فمرا بغلمان يلعبون وفيهم غلام وضئ الوجه جميل الصورة فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بيده ثم رماه فى الأرض ، (وفى بعض الروايات أن الخضر أخذه جانباً وأضجعه وذبحه).  قال موسى:  قتلت نفساً زاكية طاهرة لم يذنب صاحبها ذنباً ومن يقتل نفساً يستوجب بها القصاص – إنك أتيت منكراً عظيماً بقتلك هذا الغلام ولم تكن هذه نسياناً من موسى بل كان عمداً إن لم يطق فعل منكر كهذا لم يعرف له سبباً.

فغضب الخضر (وكما ذكر القرطبى فى كتابه) ، واقتلع كتف الصبى الأيسر وقشر اللحم عنه فإذا مكتوب فى عظم كتفه كافر لا يؤمن بالله أبداً).

قال الخضر:  ألم أقل لك أنت لن تستطيع الصبر على ما ترى منى؟  ويعود موسى لنفسه ويجد أنه خالف وعده مرتين ، فيندفع ويقطع على نفسه الطريق ويجعلها آخر فرصة أمامه ، وقال: إن أنكرت عليك بعد هذه المرة وأعترضت على ما يصدر منك فلا تصحبنى معك.  مصداقاً لقوله تعالى الآية (71 – 76):

(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا(71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا(72) قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا(73) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا(74) قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا)(76).

ثالثاً: مشيا (الخضر وموسى عليهما السلام) (ومن أراد أن يعلم يقيناً أن الحول والقوة لله فليركب البحر) ، حتى وصلا إلى قرية ، قال ابن عباس:  هى أنطاكية ، ووصلاها فى الليل والجو بارد فاستطعما أهلها وكان أهلها لئاماً لا يطعمون جائعاً ، ولا يستضيفون ضيفاً ، فامتنعوا عن ضيافتهما أو طعامهما وجدا فى القرية حائطاً مائلاً يوشك أن يسقط ، وقيل إنه هدمه ثم بناه فقال له موسى:  لو أخذت منهم أجراً نستعين به على شراء الطعام.

          وهنا أنكر عليه موسى ضيع المعروف فى غير أهله ، قال الخضر: هذا وقت الفراق بيننا حسب قولك ، سأخبرك بحكمة هذه المسائل الثلاث التى أنكرتها علي من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار.

مصداقاٌ لقوله تعالى الآية (77 – 78):

(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا(77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)(78).

تفسير هذه الأمور الغيبيات الثلاثة:

          قال الخضر:  سأخبرك بحكمة هذه المسائل الثلاثة التى أنكرتها على ولم تستطع عليها وفى الحديث: (رحم الله أخى موسى لوددت أنه صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما ولو لبث مع صاحبه لأبصر العجب).     هذا جزء من حديث:  أخرجه الشيخان البخارى ومسلم).

(1)           أما السفينة التى خرقتها فكانت لأناس ضعفاء ، لا يقدرون على مدافعة الظلمة يشتغلون بها فى البحر بقصد التكسب وأردت بخرقها أن أجعلها معيبة لئلا يغتصبها الملك الظالم ، وكان أمامهم ملك كافر ظالم يغتصب كل سفينة صالحة لا عيب فيها.

(2)           وأما الغلام الذى قتلته فكان كافراً فاجراً وكان أبواه مؤمنين مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (إن الغلام الذى قتله الخضر طُبع كافراً ، ولو عاش لأزهق أبويه طغياناً وكفراً).  رواه مسلم فى صحيحه فأردنا بقتله أن يرزقهما الله ولداً صالحاً خيراً من ذلك الكافر وأقرب براً ورحمة بوالديه.

(3)           وأما الجدار الذى بنيته دون أجر والذى كان يوشك أن يسقط فقد خبئ تحته كنز من ذهب وفضة لغلامين يتيمين وكان والدهما صالحاً تقياً فحفظ الله لهما الكنز لصلاح الوالد.

قال المفسرون:  إن صلاح الآباء ينفع الأبناء ، وتقوى الأصول تنفع الفروع.  فأراد الله بهذا الصنع أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما من تحت الجدار ، وهذه رحمة من الله بهما لصلاح أبيهما.

          وكما نعلم أن تحت الجدار كنز وكان مع هذا الكنز الذهبى كنز علمى كما قال ابن عباس ، لوحة مسطر فيها بعض النصائح:

(1)           يا بُنى كيف يفرح من الموت وراءه.

(2)           وكيف يضحك من القبر أمامه.

(3)           وكيف يتعب من ضمن له الرزق.

(4)           وكيف نحزن وكل شئ عنده بمقدار.

قال الخضر:  وما فعلت ما رأيت من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار عن رأيى واجتهادى ، بل فعلته بأمر الله وإلهامه ، ذلك تفسير الأمور التى لم تستطع الصبر عليها وعارضت فيها قبل أن أخبرك عنها.

مصداقاٌ لقوله تعالى الآية ( 79 – 82):

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا(79) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا(80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا(81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)(82).

 

( والحمدلله رب العالمين )

 

 

اترك تعليقاً