ختام سورة الكهف (5) أهوال الساعة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على منقذ البشرية وهادى الإنسانية محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.

أما بعد،،،، 

فختمت هذه السورة ببيان أهوال الساعة وشدائد القيامة وقد صور الله تعالى حال الناس يوم قيام الساعة يضطرب بعضهم ببعض لكثرتهم ، يختلطون ويضطربون فى غير نظام وفى غير انتباه ، تتدافع جموعهم تدافع الموج ، ونفخ فى الصور النفخة الثانية فإذا هم فى الصف فى نظام ، فجمعناهم للحساب والجزاء فى صعيد واحد جمعاً لم يتخلف منهم أحد.

وأبرزنا جهنم وأظهرناها للكافرين يوم جمع الخلائق حتى شاهدوها بأهوالها عرضاً مخيفاً مفزعاً.

هؤلاء الكافرين الذين كانوا فى الدنيا عُمياً عن دلائل قدرة الله ووحدانيته فلا ينظرون ولا يتفكرون ، وكانوا لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى لظلمة قلوبهم ، معرضين بأسماعهم وأبصارهم عن نعم الله وخلق الله ، مصداقاً لقول أبو السعود:  وهذا تمثيل لإعراضهم عن الأدلة السمعية ، وتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار فكأنهم عمى صم.

وهنا الله يوبيخهم افحسب الذين كفروا أن يتخذوا مخلوقات الله المستعبدة له أنصاراً لهم من دونه ، كالملائكة حيث عبدهم بعض العرب والمسيح حيث عبده النصارى ، والعُزير حيث عبده بعض البهود.

وكما قال القرطبى فى كتابه:  أفحسبوا أن ذلك ينفعهم أو يدفع عنهم عذابى ، لقد هيأنا جهنهم وجعلناها ضيافة لهم كالنُزُل المعد للضيف لا يحتاج إلى جهد ولا انتظار ، فهو حاضر  ينتظر النزلاء الكفار!

مصداقاً لقوله تعالى فى الآية (99 – 102):

(وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا(99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا(100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا(101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا(102).

يخبرنا الله تعالى بأسلوب الإستفهام للتشويق للخبر فيقول: وقل يا محمد لهؤلاء الكافرين هل نخبركم بأخسر الناس عند الله؟  الذين بطل عملهم وضاع فى هذه الحياة الدنيا لأن الكفر لا ينفع معه طاعة مثل القسيسون والرهبان يتعبدون ويظنون أن عبادتهم تنفعهم وهى لا تقبل منهم ، وهم فى نفس الوقت يظنون أنهم محسنون بأفعالهم لأنهم كفروا بالقرآن وبالبعث والنشور فبطلت أعمالهم أو حبط أعمالهم.

معنى لفظ حبط:  هو انتفاخ بطن الدابة حين تأكل نوعاً ساماً من الكلأ ثم تموت ، وهذا اللفظ أنسب شئ لوصف الأعمال فإنها تنتفخ وأصحابها يظنونها صالحة ناجحة رابحة ثم تنتهى إلى البوار.

هؤلاء الكفرة ليس لهم عند الله قيمة ولا وزن ، ولا قدر و لا منزلة مصداقاً للحديث الشريف:  (يؤتى بالرجل الطويل الأكُولُ الشروبُ فلا يزنُ جناح بعوضة).

ذلك جزاؤهم وعقوبتهم نار جهنم بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله ورسله

مصداقاً لقوله تعالى الآية (103 – 106):

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا(106).  (هذا الصنف الأول: الكافرون).

بعدما ذكر الله تعالى جزاء أهل الشرك والأهواء ، وأنه جهنم ناسب ذكر جزاء أهل الإيمان والتقوى التى هى عمل الصالحات واجتناب المحرمات ، الذين صدقوا الله ورسوله وءامنوا بلقاء الله ، ووعده لأوليائه ، ووعيده لأعدائه من أهل الشرك والمعاصى ، وعملوا الصالحات فأدوا الفرائض والواجبات وسارعوا فى النوافل والخيرات هؤلاء (كانت لهم) فى علم الله وحكمه بساتين الفردوس منزلاً ينزلونه ودار كرامة يكرمون فيها وينعمون ، والفردوس أعلى الجنة وأوسطها مصداقاً لقول رسوله الكريم واصفاً لها ومرغباً فيها وقد أرتادها وانتهى إلى مستوى فوقها ليلة الإسراء والمعراج قال:  (إن سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن تبارك وتعالى ، ومنه تفجر أنهار الجنة).  كما فى الصحيح ويمكثوا فيها (الجنة) أبداً لا يطلبون متحولاً عنها إذ نعيمها لا يمل وسعادتها لا تنقص ، وصفوها لا يكدر وسرورها لا ينغص بموت ولا بمرض ولا نصب ولا تعب.

فى جنات الفردوس هم خالدون …  ولكن النفس البشرية تمل البقاء على حال واحدة أو مكان واحد ، بل قد تنتهى إلى الضيق به ، والرغبة فى الفرار منه ، هذه هى الفطرة التى فطر عليها الناس لحكمة عليا تناسب خلافته للأرض.

…  العادة أن الذى يجلس ويعيش فى النعيم يمل ويزهق ، أى إنسان يمل من تكرار الشئ الواحد إلا فى الجنة فإن الله سيغير هذه الطبيعة فلا يبغى المؤمنون عن عين الجنة حولا ( حولا:  لا يطلبون تحولاً منها)

مصداقاً لقوله تعالى الآية (107 – 108):

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا(107) خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا(108).

وأخيراً هناك آيتان فى هذه السورة المباركة الأولى لله والثانية للمصطفى.

رب العزة جل جلاله يقول:  أنتم علمكم محدود ، ولو أهل الأرض كلهم من آدم إلى قيام الساعة وأهل السموات والجن وحولنا البحار لهم حبر والأشجار أقلام ويكتبون بهما – لتجف وتنشف البحار والأقلام تتكسر وكلمات الله التى تحمل العلوم والمعارف الإلهية وتدل عليها وتهدى إليها لا تنتهى ، فسبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم حيث يقول الله تعالى الآية (109):

(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا).

والآية رقم (27) من سورة لقمان تفسر هذه الآية حيث قال الله تعالى:

(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

ويقول الله تعالى:  قل لهم يا محمد إنما أنا إنسان مثلكم أكرمنى الله بالوحى ، وأمرنى أن أخبركم أنه واحد أحد لا شريك له – فمن كان يريد أن يلقى الله لقاءً سعيداً عليه أمران:

(1)           أن يعمل عمل صالح ، وأن يكون صواباً على الكتاب والسنة.

(2)           أن يخلص لله العبادة وأن يعمل ابتغآء وجه الله وحده ولا  يرائى بعمله فإن الله لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم.

هذا هو جواز المرور إلى ذلك اللقاء الأثير مصداقاً لقوله تعالى:

(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).

 

( والحمدلله رب العالمين )

 

 


 

اترك تعليقاً