تفسير سورة الفاتحة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.

أما بعــد ..

فخير تفسير لكتاب الله القرآن نفسه فإذا عجزنا على الوصول إلى تفسير الآية المراد فمن حقنا أن نذهب إلى السنة النبوية الشريفة على صاحبها الصلاة والسلام.  وهناك آيات كثيرة مفسرات بالسنة والأحاديث.

فإذا لم نجد المعنى فى السنة أيضاً ننتقل إلى الصحابة رضوان الله عليهم عما يفهمون من معانيه العظيمة.

خير تفسير لكتاب الله:(1) القرآن  (2) السنة (3) الصحابة. ولماذا ؟

لأنهم كانوا يعرفون أسباب نزول الآية ومتى نزلت وأحكامها.

وقد حكم الله لهم بالرضا:  “رضى الله عنهم ورضوا عنه”

والصحابة الذين نزل القرآن على مسمع ومرى منهم كانوا لا يتجاوزون العشر ءايات حتى يعلموا أحكامها ويعملوا بمقتضاها.  وأرجو أن نلتفت إلى ذلك جيداً كل عشر آيات يقفوكان المعلم يقول لهم:

(1)          احفظوها لفظاً.  (2) وافهموها معناً.  (3) وتتدبروها أحكاماً وحكماً.

(4)ثم طبقوها عملاً.  وعندما تنتهوا أعطيكم عشرة آيات أخريات.

     وقال راوى الحديث:

“فنتهينا من القرآن وقد تعلمنا العلم والعمل”

إنا الواجب علينا أن نتأنى فى تلقى القرآن:(1)فهماً، (2)وعلماً، (3)وإدراكاً، (4)وإحاطة، (5)وعملاً.  فإن الواجب علينا أن ندرك أن هجر القرآن من جهة ألفاظه أو معانيه أو تدبره والعمل به مصيبة.  وهو الذى أوقع المسلمين فى المشاكل.  لأن الإعراض عن الله هو الإعراض عن كتابه والله قد أوعد وأنذر وهدد كل من ترك هذا الكتاب.

قال أنس بن مالك – رضى الله عنه:

“جآء أعرابى لعمر وهو أمير المؤمنين وقال:  ما معنىوَفَاكِهَةً وَأَبًّا” الآية (31).فقال عمر:  ما الأب ويطوف بعقله فى القرآن فالسنة فقال: يا هذا أنا لا أعلم فانصرف إلى غيرى من هو أعلم لأن عمر يخشى من الله.

مع أن كلمة الأب كما يقولون فلان كان غطسان فى الماء وأب فوق الماء لأن الله عز وجل يجيب لكل واحد عظيم حتى ولو صغيرة تفلت منه علامة على أن الكمال المطلق لله – وقال عمر هناك ثلاث أشياء لم أعرفها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولو كنت عرفتهم كانوا أحب إلينا من الدنيا وما فيها الأب – الكلالة – الربا (الجد – الكلالة والربا).

معنى الأب:  الحشيش الذى يدب فى الأرض أكل الحيوان.

وكما قالوا:  لكل جواد كبوة – ولكل عالم هفوة ولكل عقل سهوه.

وكذلك جآء رجل إلى عبدالله بن عباس – رضى الله عنهما – ذات يوم وقال:  يابن عباس هناك أمور اشتبهت علىَ فالله يقول:

ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ”الآية(5)السجدة.

وفى سورة المعارج الآية (4):

“تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ”.

نمشى مع الألف سنة – أو مع الخمسين ألف فإن كتاب الله لا تبديل ولا تناقض فيه فقال:  هما يومان فى كتاب الله يومُ بألف سنة ويوم بخمسين ألفاً والله أعلم.

أما بعدُ هذه المقدمة الصغيرة فلنستعن بالله وندخل فى أول سور القرآن كمالاً فى المصحف إلى سورة الفاتحة.

الفاتحة ( فاتحة الكتاب )

هى السورة التى عُنى بها رب العالمين وجعلها تتكرر فى كل ركعة فى اليوم والليلة (17) وبالسنن قد تصل إلى 40 أو 45 ركعة ومن هذا التكرار سميت بالسبع المثانى لأنها سبع آيات تتكرر.  مصداقاً لقوله تعالى:

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ”. الحجر الآية (87)

وقد جعل الله تعالى القرآن كوم والسبع المثانى الفاتحة كوم ، وهذا الذى قاله النبىُ – صلى الله عليه وسلم – لأُبى بن كعب – رضوان الله عليه وهذا الحديث فى البخاري.

قال أُبى:  كنت أصلى فى المسجد فدعاني رسول الله – صلى الله عليه وسلم فلم أجبه.  فقلت:  يا رسول الله إنى كنت أُصلى.  فقال:  “وألم يقل الله: “استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحيكم”.  ثم قال:  “إنى لأعلمنك سورة هى أعظم السور فى القرآن قبل أن تخرج من المسجد”.  فلما أراد أن يخرج قلت له:  ألم تقل لأُعلمنك سورة هى أعظم سورة فى القرآن ؟

قال:  “الحمدلله رب العالمين”هي السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أوتيتُه” وهى سورة الحمد.

قال مجاهد:  “إن إبليس – لعنهُ اللهُ – رن أربع رنات:

(1)          حين لُعن.      (2)  وحين أُهبط من الجنة.

(3)وحين بُعث محمد – صلى الله عليه وسلم.

(4)وحين أُنزلت فاتحة الكتاب.   

      قال بعض العلماء:  “ما فى التوراة ولا فى الإنجيل مثل أم القرآن”.

بمعـنى:  إن الله تعالى لا يعُطى لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطى لقارئ أم القرآن.

      إذ اللهُ بفضله: (1) فضل هذه الأمة الإسلامية على غيرها من الأمم.

(2)وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أُعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه وهو فضل منه لهذه الأمة.

 

وقال ابن العربى:  صاحب أحكام القرآن.

“ما أنزل الله فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا فى القرآن مثلها” (مثل الفاتحة) لماذا ؟لأن الفاتحة تضمنت:(1) التوحيد.  (2) الوعد والوعيد. (3)العبادة.  (4) أخبار الأمم والقصص.

وتكونت سورة الفاتحة من تسع وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن.

أســماء الفاتحة

(1)          الصلاة.   (2)  فاتحة الكتاب.  (3)  سورة الحمد.    (4) أم الكتاب.

(5)أم القرآن.   (6) المثانى.   (7) القرآن العظيم.   (8) الشفاء.  (9) الرقُية.

(10)الأساس.   (11) الواقية.      (12) الكافية.

أولاً:الصـلاة:قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين  نصفها لى ونصُفُها لعبدى.  ولعبدى ما سأل:  إذا قال العبدُ الحمدلله رب العالمين – قال الله تعالى: حمدنى عبدى  الرحمن الرحيم:  قال الله:  أثنى علىَ عبدى– مالك يوم الدين – يقول الله:  مجدنى عبدى ، وإذا قال العبدُ:  إياك نعبدُ وإياك نستعين.  قال الله:  فهذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل ، ثناء ثم دعاء.  وحدوا رب الأرض والسمآء وصلوا على سيد الأنبياء – صلى الله عليه وسلم.

      وسميت الفاتحة صلاة لأن أعظم ركن من أركان الصلاة الفاتحة ..

ثانياً:  فاتحة الكتاب:

(1)          لأنه تُفتح قراءة القرآن بها لفظاً ، الله يفتح على تاليها باشراق النور فى قلبه ويفتح عليه فتوح العارفين بالله.

(2)          وتفُتح بها الكتابة فى المصحف خطاً.

(3)          وتفُتح بها الصلوات.

ثالثاً:  سورة الحمد:لأن فيها ذكر الحمد (الحمدلله رب العالمين).

رابعا:  أم الكتاب:  مصداقاً لقوله تعالى فى آل عمران. الآية (7)

      آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ“.

وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ “. الزخرف الآية (4)

فالأم هي الأصل.  هى الجامع.

أم الكتاب:  لأنه يُبتدأ بكتابتها فى المصاحف – ويبُدأ بقراءتها فى الصلاة.

مثل قول:  أم القرى:  مكة.

خامساً:  أم القرآن:  الأم هى الأصل فأم القرآن هى المجمع العام الذى أُدع الله خلاصة القرآن كله.  مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:

      “الحمدلله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثانى”  الترمذى.

   خ  وسميت أم القرآن لأنها أوله ومتضمنة لجميع علومه.

سادساً: المثاني: 

وقيل:  سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها.

سابعاً:القرآن العظيم:  سميت بذلك لتضمنها جميع علوم القرآن – وذلك لأنها تشتمل على:  (1) الثناء على الله عز وجل بأوصاف كماله وجلاله.  (2) وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص منها.  (3) الإعتراف بالعجز عن القيام بشى إلا بإعانته تعالى.  (4) والإبتهال إليه فى الهداية إلى الصراط المستقيم.  (5) وبيان عاتبة الجاحدين..

ثامناً:  الشـفاء:  قد يكون شفاء للروح والعقل والنفس يسمى الشفاء المعنوى وهو شفاء القلوب.  وما أحوجنا إليه.   وهناك شفاء الأبدان.

مثــال:

(1)          أبوسعيد الخدرى كان فى سفر مع أصحابه فاستطعما بعض رجال قبيلة من القبائل ورفضوا إطعامهم وشآء الله أن يعاقب هذه القبيلة فلدغ رئيسها. فلتمسوا له طباً فلم يجدوا. فقالوا: لأبى سعيد الخدرى بلغنا أنكم بترقوا الناس المرضى.  قال أبوسعيد: نعم ، ولكن نحن استطعمناكم فلم تطعمونا. قالوا: نحن مستعدين أن نُعطيكم 30 رأس من الغنم. فجآء أبوسعيد ووضع يده عليه وقال: أسألُ الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.

(2)          اللهم رب الناس اذهب البأس اشفى انت الشافى لا شفاء إلا شفاءُك شفاءً لا يُغادر سُقماً.  ثم قرأ الفاتحة ليس على سبيل أنها قرآن الله الذى نزل للوعظ والإرشاد ولكن قرأها على أنها دعاء ورقية..

كما نقرأ آية الكرسى ليس على سبيل أنها آية من سورة البقرة ولكن على أنها حفظ ودعاء.

المهم: أنه قام الديغ كأنه جمل فُك عقاله كما روى مسلم.

تاسعاً:  رقيـة:  ثبت من حديث أبى سعيد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال لأبى سعيد:  “وما أدراك أنها رقية”.  قال:  (شئ أُلقى فى رُوعى). أضرب لى بسهم معكم (اعطونى 2 ، 3 لكى تطمئن قلوبهم ويفهموا أنها حلال…).

عاشراً:  الأسـاس:  شكا رجل إلى الشعبى وجع الخاصرى (وسط الإنسان) ، فقال:  عليك بأساس القرآن – فاتحة الكتاب – ابن عباس يقول:  لكل شئ أساس. (1) وأساس الدنيا مكة ، (2) وأساس السماوات عريبا:  وهى السمآء السابعة.  (3)وأساس الأرض عجيبا:  وهى الأرض السابعة السفلى ، (4) وأساس الجنان جنة عدن.  وهى سُرة الجنان عليها أُسست الجنة.  (5) وأساس النار جهنم وهى الدركة السابعة السفلى عليها أُسست الدركات. (6) وأساس الخلق آدم.  (7)وأساس الأنبياء نوح.  (8) وأساس بنى إسرائيل يعقوب.  (9) وأساس الكتب القرآن.  (10) وأساس القرآن الفاتحة.  (11) وأساس الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم…  فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تُشفى.

أحدى عشر:  الوافيـة:لأنها لا تتنصف ولا تحتمل الإختزال – ولو قُرأ من سائر السور نصفها فى ركعة ونصفها الآخر فى ركعة لأجزأ (ينفع ولو نصفت الفاتحة فى ركعتين لم يجز.  فيها مقاصد القرآن من توحيد – وعد ووعيد – أخبار وقصص )

أثناعشر:  الكافية:إذا قرأت فى الركعة الفاتحة فقط تكفى (ربنا يقول خلاص) وإذا أضفت إليها سورة (ربنا يقول لك كتر خيرك).  وأما إذا قرأت القرآن كله 113 سورة فى الركعة لا تكفى عنها الله يقول:  هى الكافية:  تكفى عن غيرها وغيرُها لا يكفى عنها.

وكما يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

“أم القرآن عوض من غيرها وليس غيرها منها عوضاَ” السيوطى.

أين نزلت فاتحة الكتاب:  اختلفوا أهى مكية أم مدنية.

(1)           قال ابن عباس: هى مكية واستدل: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. سورة الحجر الآية(87)، وسورة الحجر مكية بالإجماع.

(2)          ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة ، وما كان فى الإسلام صلاة بغير (الحمدلله رب العالمين).

(3)          حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  “لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب”.  أخرجه أحمد فى مسنده.

الحديث يقول:  “الحمدلله رب العالمين” هى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أوتيته”.

الفاتحة من جهة الأحكام:

إن الفاتحة مطلوبة فى الصلاة من المنفرد والإمام والمأموم.

المأمـوم:  هناك رواية صحيحة وقول معتمد فى الصلاة الجهرية لو لم يقرأ الفاتحة لكفته قراءة الإمام.  لماذا ؟  لأنه مادام يسمع قراءة الإمام وله أن ينصت وهذا رأى بعض الصحابة وبعض الأئمة فى الصلاة الجهرية.  وإن لم تسمعى الإمام يقرأ اقرئى أنت الفاتحة.

أما الصلاة السرية:  (الظهر والعصر)يقرأ الفاتحة.

الرأى الراجح:  سواء كان إمام أو مأموم أو منفرد عليه أن يقرأ الفاتحة مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:  “فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب”.

      (من صلى صلاة ولم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهى خداج.  ثلاثاً (غير تام).

قال أبوهريرة:  يا رسول الله أكون وراء الإمام.  قال رسول الله: “اقرأ بها فى سرك”

(1)          عن النبى – صلى الله عليه وسلم قال:  قال الله تعالى:  “ياابن آدم أنزلتُ عليك سبعاً ثلاثاً لى وثلاثاً لك وواحدة بينى وبينك، فأما الثلاث التى لى (الحمدلله رب العالمين – الرحمن الرحيم – مالك يوم الدين) ، وأما الثلاثة التى لك (اهدنا الصراط المستقيم – صراط الذين أنعمت عليهم – غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ، وأما الواحدة التى بينى وبينك: “إياك نعبدُ وإياك نستعين”.

من العبد:  العبادة ومن الرب سبحانه وتعالى:  العون

وهذا يدل على أن المأموم يقرؤها وإن لم يقرأها فليس له حظ فى الصلاة.  لظاهر هذا الحديث….

(2)          فيجب على الإمام أن يقرأ الفاتحة آية آية ويترك فرصة للمأموم أن يقولها وراءه فى السر  الإمام يقول:  بسم الله الرحمن الرحيم.  يقول المأموم:  بسم الله الرحمن الرحيم.  لا تقرأ مع الإمام – ينصت له وعندما يسكت نقرأ نحن – حتى يصل إلى ولا الضآلين.

فاتحة الإمام خلصت وفاتحة المأموم خلصت وآمين مطلوبة منى ومنه والحديث يقول:

إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه“.

مقاصـد: أهداف التى اشتمل عليها القرآن.

ايها الأحباء:  إذا قلنا إن الفاتحة جمعت فيها كل مقاصد القرآن الكريم ، والواقع أن القرآن له مقاصد أربعة (أهداف) ولابد أن نلاحظ هذا ونحن نتلوا الفاتحة فى الصلوات.

المقصد الأول (الهدف الأول):

(1)          توحيد الله عز وجل (الحمدلله رب العالمين) ليس لغيره حمد ، وليس لغيره وجود.

الهدف الثانى فى الفاتحة:هو الوعد والوعيد

الوعد:  التبشير.   الوعيد:  التهديد والوعيد.

وسورة الفاتحة فيها الوعد:  (بسم الله الرحمن الرحيم).

الرحمة هى الوعد.

الوعيد:  “مالك يوم الدين”  مالك يوم الحساب والجزاء والمناقشة والتحقيق والتدقيق حتى لا تستبد الشهوات بالناس فى الدنيا لما يعلمون أن وراءهم يوماً للحساب وحتى لا ييأس المحروم فى هذه الحياة بل يعلم أن هناك يوماً ترد فيه الحقوق إلى أصحابها – وبذلك يتحقق لنا مقصدين من مقاصد القرآن الأربعة.

ثالثاً:  العبادة:فى قوله تعالى:

      “إياك نعبدُ وإياك نستعين”.

ولكن كيف يقول الله إياك نعبدُ ؟

العبادة ليست قاصرة على الصلاة وحدها والصوم والحج والزكاة بل هناك عبادات تشمل النيات فى القلب وتشمل أقوال باللسان وتشمل العمل بالجسم والجوارح والأركان.

مثال (1):فحب الله عز وجل  عبادة بالقلب ومن أقوى أنواع العبادات وخشية الله بالقلب والتوكل على الله والأخلاص كل هذا من أنواع العبادات العليا وليست هى عملية ولكن نفسية وعقائدية وقلبية.

“إياك نعبدُ” إشارة إلى المقصد (العنصر) الثالث من مقاصد القرآن ، وقوله تعالى:  “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين”.

رابعاً:  المقصد الأخير هو أخبار الأمم والقصص:

      ممن اتبعوا دين الله فأسعدُوا وسعدوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وممن شذوا عن أوامر الله فهلكوا وأُهلكوا.

“صراط الذين أنعمت عليهم” ، “غير المغضوب عليهم ولا الضآلين”.

فهناك مُنعم عليهم وهم الذين علمُوا وعملُوا كما بينا.

وهناك مغضوب عليهم عملُوا بغير علم.

وهناك ضآلون هم الذين علمُوا ثم لم يعملوا.

فيها التوحيد – من أين نأتى بالتوحيد فى الفاتحة ؟

(بسم الله الرحمن الرحيم) بسم الله اقرأ – باسم الله ابتدأ – باسم الله الذى يستمد منه كل موجود وجوده وبقاءه – باسم الله الذى يُستمد منه كل حركة وكل ابتدأ وكل اتجاه فى أى أمر نشرع فيه أو أى كلمة نقولها أى عمل أى مشروع بيع – شراء – زواج باسم الله تنفعنا جداً لما تجدى أن الله موقع على الأمر الذى سوف تعمله هذا أمر طيب. 

وأسم الله إذا جآء لا يضر مع اسمه شئ فى الأرض ولا فى السمآء.

ولهذا ورد أن المسلم إذا خرج من بيته وقال:  باسم الله , ءامنت بالله.  اعتصمت بالله – وتوكلت على اللهُ لا حول ولا قوة إلا بالله.  قال الشيطان:  هديت وكُفت ووقت منى سائر اليوم.  مصداقاً لقوله تعالى:

ومن يعتصم بالله فقد هُدى إلى صراط مستقيم“.

معـنى:  بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله:  اسم الذات وهو الله.  الرحمن هو هو.

لماذا قال الله تعالى ذلك بسم الله الرحمن الرحيم ؟

لأن أمماً قبلنا كانوا يعبدوا أقانين ثلاثة الاب والابن – روح القدس.

إله واحد آمين ..

الرب علشان يبين الأقانين الحقة ويستبدل هذه العقيدة ولا يجعل الناس فى حيرة.  كيف يكونوا ثلاثة ويبقوا واحد؟

فربنا يقول أنا سوف اخبركم على عقيدة سليمة خالصة (بسم الله الرحمن الرحيم)

بسم الله:  هذا الأسم الكريم العلم على الذات الواجد الوجود المستحق لكل المحامد والمنزه عن كل النقائص بعد ذلك رحمن ورحيم – ملك قدوس – مهيمن– 99 وصف كلها أوصاف.

الرحمن:  اسم عام فى جميع أنواع الرحمة – الرحمن لجميع الخلق – وهذا الاسم مختص بالله عز وجل ولا يجوز أن نُسمى به غيره مصداقاً لقوله تعالى:

      قل أدعوا الله أو ادعوا الرحمن“.  الاسراء (110)

وقد تجاسر مُسليمة الكذاب لعنه الله فتسمى برحمان اليمامة ، فألزمه الله تعالى وصف الكذاب لذلك.

وقد صار هذا الوصف علماً يعرف به.

وقد قال ابن العربى:  الرحمن:  إنه اسم الله الأعظم.

الرحيم:  هو فى جهة المؤمنين كما قال الله تعالى فى سورة الأحزاب (43):

وكان بالمؤمنين رحيماً”.

إن من أسماء الله تعالى مايسمى به غيره ، ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم الله (الرحمن – الخالق – الرزاق).

وأما الرحيم فإن الله وصف به غيره ، حيث قال فى حق النبى (بالمؤمنين رءوف رحيم) التوبة 128.

كما وصف غيره ببعض اسمائه فقال فى حق الإنسان:

فجعلناه سميعاً بصيراً“.

فروى عن عثمان بن عفان أنه سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم عن تفسير:  (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال النبى:  الباء:  بهاء الله – السين فسناء الله – الميم:  ملك الله – الله:  فلا إله غيره – وأما الرحمن:  فالعاطف على البر والفاجر من خُلقه.

وأما الرحيم:  فالرفيق بالمؤمنين خُاصة”.

وقد قيل:  إن كل حرف من (بسم الله الرحمن الرحيم) هو افتتاح اسم من أسمائه ، فالباء:  مفتاح اسمه بصير –  السين: مفتاح اسمه سميع – الميم:  مفتاح اسمه مليك – الألف:  مفتاح اسمه الله – اللام: مفتاح اسمه لطيف – الهاء:  مفتاح اسمه هادى – الراء: مفتاح اسمه رازق – الحاء:  مفتاح اسمه حليم – النون:  مفتاح اسمه نور.

ومعنى هذا كله دعاء الله تعالى عند افتتاح كل شئ.

عن أنس بن مالك قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

“لو أن الدنيا كلها بحذافيرها بيد رجل من أُمتى ثم قال:  الحمدلله لكانت الحمدلله أفضل من ذلك”.   ذكره السيوطى

معنـاه:أنه قد أعطى الدنيا ثم أعطى على أثرها هذه الكلمة حتى نطق بها ، فكانت هذه الكلمة من الباقيات الصالحات مصداقاً لقوله تعالى:

وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا” الكهف (46).

الدنيا منه والكلمة منه أعطاه الدنيا فأغناه ، وأعطاه الكلمة فشرفه بها فى الآخرة.

ورُوى عن ابن عباس أنه قال:  الحمدلله كلمةُ كل شاكر وإن آدم عليه السلام قال حين عطس:  الحمدلله.

وقال الله لنوح عليه السلام:  “فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ“. المؤمنين الآية (28).

      وقال إبراهيم عليه السلام:  “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ“. إبراهيم الآية (39).    

      وقال الله فى قصة داود وسليمان:  “وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ“. النمل الآية (15).

      وقال لنبيه – صلى الله عليه وسلم:  “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا“. الإسراء الآية (111).

      وقال أهل الجنة: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ“. فاطر الآية(34)

      “وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ“. يونس الآية (10)

  الحمدلله فهى كلمة كل شاكر.

(رب العالمين) رب:  هو السيد – المالك – المتصرف – المعبود – الجابر – القائم – المدبر – التعهد بالإيجاد – فالنماء فالبقاء).

مثـــال:

(1)          النخلة:“والنخلُ باسقات” طالعة من أين ؟

من النواة – نخلة فيها ملايين التمر وأساسها نواة واحدة.

(2)          الجنين:   أصله الحيوان المنوى – ذيلة ينقطع ورأسه تدخل فى قلب البويضة – وتنقسم ثم نرى هذا الماء المهين فى قرار مكين بقى جنين. “فقدرنا فنعم القادرون“.  الجنين طلع آدمى يملأ الدنيا صخب وضجيج ومنهم الشهداء ومنهم الأنبياء والعلماء ومنهم المخترعون والعاصون والطائعون.

(“وهو الذى خلق من المآء بشراً(.)فجعله نسباً وصهراً وكان ربُك قديراً”.)

كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم:

“أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمدلله”

الحديـــث:

“اللهم لك الحمدُ كله ، ولك الملك ، وبيدك الخير كله ، وإليه يرجع الأمر كله”.

رب العالمين:  العالمين جمع عالم.  لا تقول عالم الإنس فقط ولا عالم الجن فقط – عالم الأفلاك – عالم الحشرات – النبات – الطيور – الرمال – الجبال – الأنهار بل هناك عوالم أخرى”.

العالمين:  يارب هل هناك عوالم ثانية ؟

قال:  هناك عوالم لم تعلموا عنهم شئ  لم تسمعوا عنها حاجة ولا شفتم عنها حاجة فلا العقلُ فهم ولا العين رأت ولا الأذن سمعت وإنما هو الله.

(( الرحمن الرحيم ))

ربنا سبحانه وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله (رب العالمين) ترهيب ليكون من باب قرن (الترغيب بالترهيب) الرحمن الرحيم (ترغيب) ، وكما قال سبحانه فى سورة الحجر الآية (49)،(50):

نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ”.

قال فى سورة غافر الآية (2):

غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ”.

وحتى رحمته للكفار أنه صابر عليهم ولا يعجل لهم بالعقوبة – يُعطهم فرصة ويتركهم يأكلون ويشربون إلى يوم القيامة وقد يتوب الله على من يشاء.

حتى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لما دعا عليهم قال: اللهم ألعن فلان وفلان – فجآء جبريل:  وقال له لماذا تدعى عليهم.  قال:  قتلوا أصحابى غدروا بهم.  قال الله تعالى:

“ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون”.  فمتنع الرسول – صلى الله عليه وسلم – من لعنتهم – فمتنع المشفع.

فالربُ الذى يحلم حتى عن من قتل أصحاب رسوله – هنا علة لأن هناك من يسلم منهم.

 

(( مالك يوم الدين ))

هذا هو الوعد والوعيد ، وعد بالجنة ووعيد بالنار.  جآءت هذه الآية لأمرين: (1) حتى لا تستبد بنا الشهوات – الإنسان ممتنع عن الحرام ولا يسرف فى الحلال.  ما الذى جعله هكذا ؟  يوم الدين (يوم القيامة).  الحديث رواه أحمد عن ابن ماجه.

(الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) ، (حاسب نفسه).

وعن عمر بن الخطاب – رضى الله عنه قال:  “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا“. (الموت يعُمنا – والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا ، والله يحكم بيننا)  يوم القيامة وما كان فى ظاهرة ملك للناس انتهى حتى عند الموت الهدوم التى عليك – وعاد الملكُ للمالك…

“فإذا نُفخ فى الصور فلا أنساب بينهم”.

أنساب – ألقاب (السيد – البيه – الباشا) هل الناس تقول فلان بيه مات ، بالطبع لا – دفنوا الميت أو المرحوم إذا رحموه.

(( إياك نعبدُ وإياك نستعين ))

إياك نعبد:  فلا شرك ، وإياك نستعين:  فلا حول لنا ولا قوة.

الدين كلهُ مجموع فى هاتين الكلمتين ، لا نعبد غيرك.

من جهة الصادر منا وهو التوحيد لله وحده – ومن جهة الوارد من الله والإستعانة لا نستعين بأحد غيره.

العبـادة:  يدخل فيها الصلاة – النذر – التوسل – الإستغاثة – الذبح لله.

      (إن صلاتى ونسك ومحياى ومماتى لله رب العالمين – لا شريك له

نعبد:  نطيع – العبادة – الطاعة – التذلل.

نستعين:  نطلب العون والتأييد والتوفيق.

(( إهدنا الصراط المستقيم ))

هذا تطبيق عملى كأنك تقول يارب: (1) إن العبادة لا تصح أن ترفع لغيرك.  (2) والإستعانة لا تستمد من غيرك.  (3) وأنت وحدك المحمود.  (4)وأنت وحدك رب للعالم كله وللعالمين.  (5) وأنت وحدك الآله.

وفقنا إلى هذه الإعتقادات والسير بمقتضاها.

الصراط :   صراطان :

صراط مادى  –  صراط معنوي.

الصراط المادى:الطريق أو الشارع الذى نمشى فيه – الكوبرى – النفق – القنطرة.

الصراط المعنوى:  هو الذمة والأخلاق والصدق والأمانة والشجاعة ومن أعوج صراطه المعنوى فى الدنيا أعوج صراطه المادى فى الآخرة.

الصراط:الطريق الواضح الذى لا إعوجاج فيه ولا إنحراف ، قال ابن عباس:  هو دين الله الذى لا إعوجاج فيه: (1) فمنهم من يعدى على الصراط كالبرق الخاطف.  (2) ومنهم من يمر كأسرع أنواع الخيل. (3) ومنهم من يمر كالطير.  (4)ومنهم من هو أسرع من الريح.  (5) ومنهم من يزحف كالبهائم  (6) ومنهم من يجثوا على الصراط ويزحف على بطنه.

معنى:  (إهدنا الصراط المستقيم)

الصراط المستقيم:  هو الإسلام كله – الإنسان من صلاة وزكاة وصيام وحج وعقيدة توحيد – ومعاملة أخلاق وصدق وأمانة.

اهدنا:دعاء ورغبة من البشر إلى الرب.

      بمعنى:  دلنا على الصراط المستقيم وأرشدنا إليه وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى قُربك.

(( صراط الذين أنعمت عليهم ))

      يدخل فيها الأنبياء – المرسلين – الشهداء – والصالحين والملائكة.  تشمل كل من انعم الله عليهم بالهداية والعقل.

وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا”. النساء (69).

(( غير المغضوب عليهم ))

عندنا أقسام ثلاثة:

(1)          مؤمنين يُنعم عليهم.  (2) المغضوب عليهم.  (3)الضالين.

إن المغضوب عليهم هو اليهود – الضآلين النصارى.

      نحن نطلب من الله أن نكون من المؤمنين الذين ينعم الله عليهم ونستعيذ بالله من المغضوب عليهم والضآلين.

ما الفرق بينهم ؟؟

(1)          الذين أنعمت عليهم:  عرفوا الحق وعملوا به .

1غير المغضوب عليه : عملوامن غير علم وعملوا على  جهالة وضلالة كاليهود.  2. غير أساس.  3. حسب الأهواء.

(3)          الضآلين:  علموا الحق ثم كتموه ولم يعملوا به.

ولا ينجو من هؤلاء الثلاثة إلا النوع الأول الذين عرفوا الحق وعملوا به.

دعـاء:اللهم إنا نسألك بعد أن قرأنا شيئاً ولو بسيطاً عن أم القرآن وأم الكتاب وفاتحة الكتاب وسورة الحمد والكافية والوافية – والشافية أ، تنفعنا بما قرأناه.

      اللهم إننا دخلنا فى كتابك مستفتحين بك ومستعينين بك ولا نستعين بغيرك ففتح علينا بالقرآن فتوح العارفين وإجعل هذا القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصرنا وجلاء همنا ، وذهاب حزننا”.

 

(( والحمدلله رب العالمين ))

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً