[:ar]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.
أما بعد ،،،
فقد وردت أحاديث شريفة كثيرة عن فضل سورة الفلق وكذلك سورة الناس. مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم – الذى رواه عقبة بن عامر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (أُنزلت على آيات لم يُر مثلهُن قط المعوذتين). البخاري
الحديث الثاني: (اقرأ يا جابرُ) قلت: وماذا أقرأ بأبي أنت وأمي يارسول الله؟ (قال اقرأ قُل أعُوذُ برب الفلق ، وقُل أعُوذُ برب الناس) فقرأتُهما ، فقال: (اقرأ بيهما ولن تقرأ بمثلهما) أخرجه النسائي.
وفي صحيح مسلم والبخاري عن عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – (كان إذا اشتكي قرأ على نفسه بالمعُوذتين وينفثُ ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح عنه بيده ، رجاء بركتها).
النفث: النفخ ليس معه ريق وإذا كان معه ريق فهو التفل (يتفل).
(قل أعوذ برب الفلق) فالفعل (قُل) أن النبي عليه الصلاة والسلام مأمور أن يقول هذه الآية وأن القرآن الكريم من عند الله حرفاً بحرف وحركة بحركة ، ونصاً بنص ، وترتيب بترتيب.
(الفلق) العلماء فسروها تفسيرات كثيرة ولكن الأرجح هذه التأويلات: (1) أن الفلق هو الكون كله ، وكان الله ولم يكن معه شئ فخلق الكون فالكون هو الفلق ، (ب) السماء تنشق عن المطر المطر هو الفلق ، (ج) الأرض تنشق عن النبات ، النبات هو الفلق ، (د) المرأة تلد طفلاً ، الطفل هو الفلق ، إذاً كل شئ خرج إلى حيز الوجود ، وكان غائباً عنا فظهر ، إنشق فظهر هو الفلق.
الرأي الثاني: سورة الفلق إستعاذة بالله سبحانه وتعالى من شر ما خلق ، فالأشياء التى تصيب الإنسان ، والتى لا يستطيع الإنسان دفعها كالتى تُسمى قضاءً وقدراً استعذ لها بسورة الفلق.
أعُوذُ: ألتجىُ واحتمى واستغيث واستنجد واستجير واعتصم.
مثال1: نقول: عاذ الطفل بأمه ، أي التجأ إليها ، واحتمى بها وأوى إليها.
فالله عز وجل له مخلوقات شريرة ، ومخلوقات من نوع الجماد الصواعق والبراكين والزلازل والأمراض ومخاطر من نوع الإنسان ، إنسان شرير يحب له الأذى ، ويحب أن يوقع بك.
الرأي الثالث: الفلق هو الصبح ، ولكن الفلق أعم من الصبح ، كما قال الله تعالى: (فالقُ الأصباح) الأنعام (96).
أن طلوع نور الصبح بعد شدة الظلمة ، كالمثل لمجئ الفرج بعد الشدة فكما أن الإنسان يكون منتظراً لطلوع الصبح ، فكذلك الخائف يترقب مجئ الفرج والنجاح.
الإستعاذة تتكون من ثلاث: (1) المستعيذ ، (2) والمستعاذ به ، (3) والمستعاذ منه. فالمؤمن مأمور أن يستعيذ فلما يستعيذ الإنسان بغير الله فقد أشرك.
مثال1: إن إستعاذ بقوته ، أو إستعاذ بقرابته فقد أشرك ، إن احتمى بماله ، رجل أعمال قال: الدراهم مراهم ، فقد وقع في مشكلة وحبس ولم ينفعه ماله.
إذا قلت المال هو كل شئ فقد أشركت.
دعاء النبي الشهير إذا أقدم الإنسان على عمل قال:
(اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي والتجأت إلى حولك وقوتك ياذا القوة المتين).
إذا أستعذت بغير الله فإن في إيمانك خللاً وفي إيمانك شركاً.
كل ما وقعت عليه عينيك وما لم تقع ، وكل ما رأيته وما لم تره ، وكل ما أحسست به وما لم تُحس به إنما ينطوي تحت كلمة الفلق ، فخالق الفلق رب الفلق هو وحده أهل أن تستعيذ به لماذا؟ لأنه القوي المبدع الخالق ، وهذا الذى تخاف منه بيد الله الذى بيده ملكوت كل شئ ، مصداقاً لقوله تعالى في سورة الزمر الآية (62):
(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
بمعنى: الله جل وعلا (1) خالق جميع الأشياء ، (2) وموجد جميع المخلوقات ، (3) والمتصرف فيها كيف يشاء ، لا إله غيره ولا رب سواه.
وكذلك قوله تعالى في سورة هود الآية (56):
(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)
سؤال مهم: إذا ألمت بك مصيبة فأنت تستعيذ بمن؟
(1)أتفزع إلى قريب لك من ذوى الحول والطول ، (2) أو أتفزع إلى واسطة تُرجح الموقف (3) أو أتفزع إلى مالك تدفعه للناس؟ ، (4) أم تفزع إلى الله عز وجل؟.
مثال1: كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حز به أمر بادر إلى الصلاة ، ومن علامة الإيمان أن تستعيذ بالله عز وجل ، وتلجأ إليه ، وأن تكون في حماه وظله ، فقل أعوذ برب الفلق ، هو أمر موجه إلى النبي فمن أنت؟ وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به والمرسلين. أليس النبي عليه الصلاة والسلام قدوة لك في هذا (قُل أعُوذُ برب الفلق).
الآية 2: (من شر ما خلق)
(1)العقيدة السليمة: أمنت بالقدر خيره وشره. كل شئ خلقه الله عز وجل لنا خير ولكن من أين يأتي الشر؟
فالإنسان إذا أقبل على الله عز وجل كان خيراً ، فإذا أنقطع عن الله وكانت في نفسه شهوات هنا يقع الشر.
مثال للشر: السارق يحب أن يسرق ، والسرقة شر. الله عز وجل يسوق السارق إلى مال حرام فيودب به المسروق. (هذا هو الشر الذى يصدر عن الإنسان).
(1)عن عائشة – أن النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفرها). أحمد في مسنده
(ويعفو عن كثير): كثير من السيئات يعفو عنها مصداقاً لقوله فى سورة فاطر الآية (45):
( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ (45)
(2) أما الشر الذى يصدر عن الحيوان ، الأفعى حيوان نافع إذا بقيت في باطن الأرض ، فإذا خرجت تصبح شريرة وأمرنا بقتلها ، وكذلك العقرب.
وعلى مستوى الإنسان إذا غفل عن الله عز وجل ، وانقطع يُصبح شريراً وشره مقيد لا يستطيع أن يوقع أذاه إلا بمن يشاؤه الله عز وجل.
(3) الشئ الصادر عن الجمادات ففي سوء إستعمالها ، فالله عز وجل خلق المواد كلها – فإذا أستعملتها في غير موضعها كمن يضع (1) السكر في الطبخ ، (2) والملح في الشاي (3)المنظف في الطبخ ، (4) والجاز في الحليب ، سوء إستعمال المواد يُسبب ضرراً.
إذاً فالشر طارئ وهو سلبي وليس إيجابياً.
(4) الخنزير مُحرم أكله ، لكن الله عز وجل خلقه لوظيفة والضُبع كذلك لتنظيف البرية من الجيف.
(من شر ما خلق)
القرآن كما يقول العلماء: قطعى الثبوت ، قطعى الدلالة.
فقطعى الثبوت: أن القرآن كلام الله تعالى قولاً واحداً.
وقطعى الدلالة: أن المعنى المستفاد من هذه الآية حقيقة ثابتة يقينية ، لا مجال لردها كما في آية النسآء (79):
(مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)
وكذلك الآية (30) من سورة الشورى:
( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
وكذلك في سورة آل عمران الآية (165):
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذى رواه أبوهريره وأخرجه الترمذي: (قال أبوبكر يارسول الله مُرني بشئ أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيتُ قال: قل اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السماوات والأرض ، رب كل شئ ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت أعُوذُ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه).
المعنى: لم يقلُ عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ من شر الشيطان ، ومن شر نفسي) فلما قدم شر النفس على شر الشيطان ، أكد أن كل شئ بيد الله ، وأن الدواب كلها بيد الله عز وجل ، وأن كل دابة هو آخذ بناصيتها ، أنه إذا أطلق دابة من هذه الدواب لتُصيب إنساناً ما بأذى فبسبب شر في نفسه ، وهذا الدعاء مهم جداً.
(اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر كل دابة أنت أخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم).
لذلك ورد: (لا يخافن العبدُ إلا ذنبه ، ولا يرجُون إلا ربه).
كيف يعالج الله الإنسان؟
إذا رجوت الله سبحانه وتعالى ، وإذا خفت الله تعالى خاف منك كل شئ ، وإذا لم تخف الله تعالى أخافك من كل شئ ، الدليل في سورة المائدة الآية (11):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
فحينما يكون الإنسان مع الله عز وجل يكف عنه أيدى الأشرار ، وهناك شئ في التوحيد يسُمونه التسليط وهو من الله عز وجل ، فإذا استحق العبدُ مُعالجة سلط الله عليه من لا يرحمه ، وإذا استحق إكراماً كف الله عنه يد الأشرار.
يذكر أنك إذا لم تستقيم على أمر الله ، ولم تلتجئ إليه ، ولم تستعذ به فالأشرار كثيرون ، والجهات التى تُخيف الإنسان عديدة ، فمصادر القلق والخوف بالحياة الدنيا لا تعد ولا تحصى ، (أ) إذا عرفت الله عز وجل ، (ب) واستقمت على أمره ، (ج) وألتجأت إليه ، (د) وأستعذت به دخلت في أمن مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأنعام الآية (81):
أما الشر فهو طارئ ، الخير إيجابي ، يحتاج إلى خالق.
والشر سلبي ناتج عن غفلة الإنسان ، أو عن تجاوز الحيوان أو عن سوء إستخدام الجمادات ، والشر علاجي وهو بيد الله عز وجل.
(وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
ومن شر الليل إذا أظلم واشتد ظلامه ، فإن ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإنس والجن.
قال الرازي: وإنما أمر ان يتعوذ من شر الليل ، لأن في الليل تخرج السباع والهوام من مكانها ويهجم السارق والمكابر ، ويقع الحريق. (التفسير الكبير للرازي)
الغاسق: الليل – الشيطان ، لماذا هو غاسق؟ لأنه مُظلم ولأنه بعيد عن الله عز وجل ، فبعده عن الله تعالى أوقعه في ظلمة ، وإذا أقبلت على الله عز وجل صرت في نور كما قال النبي العدنان: (والصلاة نور).
وقب: الشيطان إذا وقب أي دخل الكوة وهي كناية عن صدر الإنسان.
مثال1: حدث أن اثنان في حالة سكر شديد أرادا أن يفعلا الفاحشة بغلام فأختلفا ، فأطلق أحدهما النار على الآخر بالمسدس ، فأرداه قتيلا ، وأخذ الثاني إلى السجن – هذا من عمل الشيطان ، هذا هو (من شر غاسق إذا وقب).
هؤلاء الذين دخل فيهم الشيطان فسول لهم إرتكاب جريمة أو سرقة محل أو سيارة أو قتل إنسان ، أو إغتصاب فتاة.
في مقدمة هذه الشرور (الشيطان الغاسق إذا وقب) ، أي إذا دخل في نفس الإنسان جعله شريراً ، (1) يحب إكتناز المال ، ولو كان سلباً أو سرقة ، (2) يحب أن يحيا ويموت الناس ، (3) يأكل ويجوع الناس ، لكن معك سلاح ضد الشيطان وهو فعال جداً.
إذا قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فتجعله يهمد ، إذا قلت ذلك نجوت منه مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأعراف الآية (200):
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
وكذلك في سورة المؤمنون الآية (97):
(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)
فأستعذ بالله أن يدخل الشيطان إلى صدرك فيوسوس إليك وأستعذ بالله أن يدخل الشيطان إلى صدر إنسان آخر تتعامل معه فينقلب أمامك شريراً.
إذا تسامحت مع زوجك وأولادك وجيرانك وأصحابك وزملائك وأحسنت إليهم فقد أعنتهم على الشيطان ، والعكس صحيح.
(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
(1)من شر السواحر اللواتي يعقدن عُقداً في خيوط وينفثن (ينفخن) فيها ليضروا عباد الله بسحرهن ويفرقوا بين الرجل وزوجته.
سورة البقرة الآية (102):
(وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (102)
النفاثات هي النفوس الساحرة – وأصله الاستماله بدليل: قالوا: محمد – صلى الله عليه وسلم – سحر أصحابه أي مالوا إليه.
الأحناف قالوا: هو شئ حقيقي ولكن طبيعته مجهولة.
الشافعي قال: هذه وساوس وأمراض.
فلا يستطيع الساحر أن يضُر أحد إلا بإذن الله ، فالساحر لا يستطيع أن ينفذ سحره إلى الإنسان إلا إذا كان غافلاً عن الله عز وجل.
(النفاثات في العُقد): العلاقة الزوجية عقدة ، هذه عقد متينة علاقة الأخوة عُقدة ، وعلاقة الشريكين عُقدة ، وعلاقة الأُبوة عُقدة ، وعلاقة الجوار عُقدة.
مثال1: السيدة عائشة – رضي الله عنها – سألت النبي – صلى الله عليه وسلم: كيف حبك لي؟ قال كعُقد الحبل ، ومن حين إلى آخر تسأله: كيف العُقدة؟ يقول: على حالها.
فهذه العلاقات الإنسانية يأتي الساحر يحلها ويجعلها ضعيفة ، فالخلاف الزوجي يقع بسبب زوجين غافلين عن الله عز وجل ، ويأتي السحر فيقطع هذه الصلة.
(وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
أنواع الحسد: حسد مذموم – وحسد محمود.
الحسد المذموم: هو إذا تمنيت زوال النعمة عن أخيك المسلم أو أختك وأن تتحول إليك.
قال الشاعر: قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب؟
أسأت على الله في فعله إذا لم ترضى لي ما وهب
وقال آخر: أصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتلُه
فالنارُ تأكلُ بعضها إن لم تجدُ ما تأكله
لماذا هذا الحسد مذموم؟
لأنه تسفيه للحق سبحانه وتعالى على إنعام نعمة ظننت صاحبها لا يستحقها ، وهذا شرك بالله ، وكفر به.
الحسد المحمود: كما قال عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما: قال: سمعتُ رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:
(لا حسد إلا على اثنتين رجلُ آتاه الله الكتاب وقام به آناء الليل ، ورجلُ أعطاه الله مالاً فهو يتصدق به آناء الليل والنهار) متفق عليه.
إذا حسدتهما فهذا هو الحسد المحمود ، لكن العلماء مسموه غبطة ، وسماه الله تعالى مُنافسة مصداقاً لقوله تعالى في سورة المطففين الآية (26):
(خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
وكذلك في سورة الصافات الآية (61):
(لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
وفي الآثر عن الفُضيل بن عياض: (المؤمن يغبط والمنافق يحسُد) مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:
(العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر).
ملحوظة مهمة: فلن تتأثر بالسحر ولا بالحسد ، إلا إذا كنت غافلاً عن الله عز وجل ، فإذا تلوت قوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق) ، (قل أعوذ برب الناس) (1) فلن يصل إليك شرير ، (2) ولا شيطان يستطيع أن يدخل في صدرك ، (3) ولا ساحر أن يُؤثر فيك ، (4) ولا حاسد يمكنه أن يحسدك.
ماذا يجني الحاسد؟
الحاسد أعان الشيطان على أخيه (2) ولا ينال في المجلس إلا الندامة (3) ولا ينال عند الملائكة إلا اللعنة (4) ولا ينال في الخوة إلا الجزع والغم (5) ولا ينال في الآخرة إلا الحزن والإحتراق ، (6) ولا ينال عند الله إلا بُعداً ومقتاً.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يُستجابُ دُعائهم: آكل الحرام ، ومُكثرُ الغيبة ، ومن كان في قلبه غل أو حسدُ للمسلمين).
ما هو أول ذنب عُصى الله به في السماء؟
هو الحسد مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأعراف الآية (12):
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)
وما هو أول ذنب عُصى الله به في الأرض؟
وأول ذنب عُصى الله به في الأرض أن قابيل حسد هابيل.
فتعوذ بالله من الحسد ، ونسأله الغبطة في الطاعة والإستقامة ، وحفظ كتاب الله وفهمه فهذا هو المطلوب.
إذا قرأت سورة الفلق قبل أن تنام لن ترى مناماً مُخيفاً.
ولتعلم
أن الله عز وجل هو رب الفلق ، رب الصبح ، رب الضياء ، رب النور ، هو المنور ، هو الهادي هو الذى يكشف ، هو الذي يبين.
بالمعنى المادي: من خلق الشمس ونور بها العوالم؟ الله
بالمعنى المعنوي: من ألقى في قلب المؤمن نوراً يهديه سواء السبيل؟ الله
فهناك نور مادي يربك ظواهر الأشياء وهناك نور آخر في قلب المؤمن فيرى الحق حقاً ويرى الباطل باطلاً.
تجدي أن أفعال الإنسان أساسها رؤية ، فالذي يسرق يرى أن السرقة مغنم مكسب ، والذى يزني يرى أن الزنا مكسب ، والمؤمن لأن رؤيته صحيحة يرى أن طاعة الله هي المكسب وهي الصواب ، وهي الرضوان من الله.
فالقضية قضية رؤية ، أفعالك حركاتك وسكناتك على وجه الأرض تنطلق من رؤية فإذا صححت الرؤية صح العمل وسعدت في الدنيا والآخرة ، وإذا اضطربت الرؤية فسد العمل.
((والحمدلله رب العالمين))
[:]