حديث (من أُعطى فشكر وأبتلى فصبر)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فقد بين لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعض صفات المؤمنين فقال:

          (من أُعطى فشكر – وأبتلى فصبر وظُلم فاغفر وظلم فأستغفر) ، ثم سكت.  قالوا:  ما له يارسول الله؟.  قال:  (أُولئك لهُمُ الأمنُ وهم مهتدون).

          الأمن هذا تبحث عنه كل دول العالم – كل دولة تريد الأمن كل حاكم يريد أن يجلس على كرسي الحكم وهو آمن وليس مهدد بالقتل ولا بالخلع والمظاهرات والمؤامرات..

          النبى – صلى الله عليه وسلم – ربط بين الأمن والإيمان الحروف واحدة وربط بين حاجة أسمها السلامة والإسلام – وربط بين ترك السوء وهجر المعاصي والهجرة – وربط بين الجهاد وجهاد النفس.

          فقال صلى الله عليه وسلم:  (المؤمنُ من أمنهُ الناسُ على أنفسهم ودمآءهم وأعراضهم).

          أنت مؤمن بحيث لو صاحبك أو جارك أو قريبك إذا غابوا عن بيوتهم عن أملاكهم وشركائهم يرجعوا يجدوا كل شئ كما هو – لا يجدوا سرقة ولا خراب ، ولا إختلاس ، لم يقل الرسول – صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذى يصلى ويصوم فقط – (من أمنهُ الناس).

            هناك علاقة وإرتباط بين الأمن والإيمان..

          (والمسلم من سلم الناسُ من لسانه ويده).

متى يكون الإنسان مُسلم؟

          يكون مسلم حقيقي لا يقدم أذية باللسان (كلاماً) أو اليد (بالعمل) لأى حد – والرسول قال الناس عامة وليس المسلمين فقط ، يهودي نصراني مادام لا يوجد أحد يعتدي على بيتك.

المهاجر:  (من هجر ما نهى الله عنه)

          مكة أسلمت منذ عام 8 هـ – فكان زمان يهجروا وتركوا مكة ويذهبوا إلى المدينة أو الحبشة – الآن مكة مسلمة والركعة في المسجد الحرام بـ 100.000  لماذا يتركوها – هل الهجرة أنتهت؟

          قال:  لا الهجرة دائمة إلى يوم القيامة.

          نريد أن نأخذ ثواب المهاجرين؟  قال الرسول:  (المهاجر من هجر ما نهي الله عنه).  وفى رواية أخرى:  (المهاجر من هجر السوء والفحشاء).

          الذى يهجر السوء والمعاصي والفحشاء يكون مهاجر عند الله حتى لو لم يطلع من بيته – ولم يذهب إلى المدينة أو الحبشة.

          قال:  (والمجاهد من جاهد نفسه وهواه لله).

          جاهد نفسك لماذا؟  لأن جهاد النفس دائم وشاق – وجهاد العدو أسهل – جهاد العدو إذا مات كان شهيداً – وإن إنتصر له المغانم.

          وجهاد العدو يكون عشرة أيام في المعركة أو سنتين أو ثلاثة وتنتهي ، ولكن النفس معك دائماً إلى نهاية العمر – النفس تريد جهاد مستمر..

          نرجع للحديث:  (من أعطى فشكر) والرسول صلوات الله وسلامه عليه كان من ضمن خصائصه أنه كان يختصر الكلام:  (أُوتيت جوامع الكلم ، واختصر لي الكلام إختصاراً).

          (من أُعطى فشكر).

          العطاء واسع (أُعطى أى شئ أُعطى مال أُعطى عيال – أُعطى صحة – أُعطى وظيفة – أُعطى سمعة طيبة من أُعطى فشكر على هذا العطاء).

ما معنى شكر؟

          أخذت نعمة الله التى أعطاه الله لك فأستعملتها في الشىء الذى أرسلها الله من أجله ولم يستعملها ضد إرادة ربنا.

مثال 1:

          ربنا أعطاني فلوس – الفلوس لماذا أرسلها الله؟

          لكي أستر بها نفسي وأصرف على الزوجة والعائلة والذى يفيض مني أعطيه للفقراء والمساكين والمحتاجين – اليتامي والمصابين والمديون الذى عليه دين – أشترك في مشروعات الخير.

فهذا يعتبر شكر المال.

          (ربنا أعطانى عيال) : (1) نربيهم على مبادئ الإسلام ، (2) وننشأهم على محبة القرآن ، (3) نأمرهم بالصلاة ، (4) ونأخذهم إلى المساجد – لا نربيهم تربية بدنية فقط – رياضة – ويطلعوا مثل الثيران – البغال – نحن محتاجين آدميين – (1) آدمي جسمه جيد ، (2) عقله جيد ، (3) وروحه جيدة ، (4)  وقلبه جيد ، (5) وإيمانه قوي.  نكون بذلك شكرنا الله على نعمة العيال.

(ربنا أعطانا وظيفة).

          جآءت لك وظيفة تخدم بها الجماهير – وما في وسعك من خير للناس وإلا تكون جاحد لنعمة الله ومعرض وظيفتك للإنسحاب منك.

          (وابتُلى فصبر)  ضد العطاء البلاء.

          بلاء في العطاء نفسه:  (1) جآء البلاء في المال ، (2) جآء البلاء في العيال. ولد منهم مريض أو مات ، (3) جآء البلاء في الوظيفة نفسها ، نقلوني لمكان بعيد – نقل تعسفي أو رفضوني – أو أنحلت على المعاش ، (4) البلاء في الصحة ، مرض – وهذا البلاء له دواء وهو الصبر.

معنى الصبر:  حبس النفس على ما تكره..  ماذا نفعل إذا حدث بلاء؟؟    

          إذا حدث لك شئ من هذا لا تشتكي للناس قابل أخ فيقولي له:  أنا حصلي لي كذا وكذا في المال – حصل كذا وكذا في الصحة ، حصل كذا وكذا في العيال ..  لما لم تسأل علي – (أنت بذلك تشكُو الخالق للمخلوق) – بعد الشكوى هذه الأخ لا يعمل لك حاجة إذا كان حبيب لك سوف يزعل عليك وإن كان عدو سوف يشمت فيك – وأنت بذلك تكون قد ضريت ولم تنفع ….

          إنما الحديث القدسي يقول:  (إذا وجهتُ إلى عبد من عبادي مصيبة في نفسه أو ماله أو عياله وأستقبلها بصبر جميل أستحيت منه يوم القيامة أن أن أنصب له ميزان أو أنشر له ديوان).

          الرب سبحانه يستحي ويقول:  كما أنه صبر على مصائبنا في الدنيا ، نحن صبرنا على أخطائه ، فأدخل جنتي وتمتع بكرامتى.  (من أعطى فشكر ومن ابتلى فصبر).

          هذا من حيث العطاء له هو – يقول الرسول:  (وظُلم فأغفر) لابد أن تكون حليم وتذكر أن النبى – صلى الله عليه وسلم – في غزوة أُحد قتل 75 من الصحابة وعلى رأسهم أسد الله الغالب – سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ، وجرح النبى جملة جراحات وكسرت حلقة الدرع في خدوده ، ومع ذلك يقول الله له في سورة آل عمران الآية (159):

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

          مهما كان لم يحدث لك مثل ما حدث للنبى – صلى الله عليه وسلم.

          حد ظلمك:  (1) تطلب حقك بالعقل  ليس بعنف ، (2) وعلق قلبك بربك (اللهم يسر أخذ حقي) ، (3) وإذا لم تنال على شئ دع الله يتصرف ، ولا تحاول أن تشاكس (الكيد) ، ولا تحاول أن تأخذ حقك بالدراع.

          إذا كانت الحكاية دراع وقوة فالله أكبر – ربنا لما يخرب بيت أحد ما فيش حد يكلمه – ولما يستيقظ الناس ويروا بيت قد وقع على سكانه وماتوا كلهم – يقولون هذا قضاء وقدره.

          أما أنت إذا أخذت شئ أحد تصير جناية ، فأترك ربنا فهو المنتقم الجبار ، كما قال الله فى سورة إبراهيم الآية (42):

          (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ).

وظلم فأستغفر:

          الظلم جآء منك أنت – لا تنتطر – لا تنام بالليل على ظلم ، بل بادر وأسرع (1)بالإستغفار ، (2) والتوبة ، وإذا كان الذى ظُلم ذهب تقول سوف أبحث عنه في كل مكان – سوف أقابله وأعتذر له ، والإعتذار فيه الكفاية.

          اللهم أشهد أني نويت أن أعتذر له وأنا غلطان وأنا نادم ، حتى لو مت في هذه الليلة مُت نظيف ، وإذا أستيقظت في النهار أبحث عنه وأعتذر له.

          (من أُعطى فشكر)  هذه لك (ومن أُبتُلي فصبر) هذه لك أيضاً ، وظُلم فأغفر وظلم فأستغفر ثم سكت قالوا ما له يا رسول الله؟.

          قال:  (أولئك لهم الأمنُ وهم مهتدون).

 

أولئك لهمُ الأمنُ:

          عدم الخوف – عدم القلق ، ولقد أمتن الله به على أهل قريش كما جآء في سورة قريش الآية (3 ، 4):

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)(4).

وهم مهتدون:

        هداية الدلالة لكل الناس منهم من يستجيب للهداية ومنهم من لا يستجيب.

 

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

 

اترك تعليقاً