حديث (من سرهُ أن يُنجيهُ اللهُ

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،،

          فعن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال:  سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول:  (من سرهُ أن يُنجيهُ اللهُ من كُرب يوم القيامة فليُنفس عن مُعسر أو يضعُ عنهُ).

          والناس للناس ، لا غنى لأحد منهم عن الآخر ، فإن بعضهم ظهير لبعض مهما تباعدت بهم الأقطار والديار.

          فالإنسان – كما يقول ابن خلدون – مدني بطبعه.  أى لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن أبناء جنسه ، ولا يتمكن بمفرده من قضاء حوائجه مهما أوتى من قوة ، فقد خلق اجتماعياً ، يحب التجمع ويكره العزلة.

          والناس يتعاونون على البر والتقوى ماداموا متمسكين بروح الإسلام ، فإن ضعُف الإيمان وقل الوازع الديني وانصرفت القلوب إلى حب الذات – لم يكن بينهم بر ولا تقوى.

          وعندئذ يشعر الإنسان بأنه يعيش وحيداً في خاصة نفسه ، ولا يشعر به أحد إذا جاع أو مرض أو وقع في مأزق.

          التعاون على البر والتقوى أصل من أصول الدين ، تجتمع فيه المكارم كلها ، وتجتمع عليه جميع القلوب المؤمنة.

          والبر كلمة واسعة الدلالة تشمل خصال الخير كلها على كثرتها ووفرتها ، ولا بر من غير تقوى.

          وهذه الوصية دعوة لنا ووقاية أنفسنا من كرب يوم القيامة بتنفيس كرب الناسوتخفيف آلامهم .

          فمن نفس عن معسر بشئ من ماله لسد حاجته وإدخال السرور عليه وإشعاره بأنه ليس وحده في هذه الحياة – فإن الله عز وجل يُنفسُ عنه بتنفيس هذه الكرب كُرباً كثيرة ، بناء على أن الحسنة بعشر أمثالها مع مضاعفتها بقدر الإخلاص فيها.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (280):

(وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).

بمعنى:  إذا كان المستدين معسراً فعليكم أن تمهلوه إلى وقت اليسر لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه:  إما أن تقضي وأما أن تربى (يزيد في رأس المال ، وهوالربى )

          قال الطحاوي:  كان الحر يباع في الدين أول الإسلام إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه حتى نسخ الله ذلك بالآية (وإن كان ذو عسرة….).

مثال1:

          وروى الأئمة واللفظ لمسلم عن أبى سعيد الخدري قال:  أصيب رجل في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ثمار أبتاعها فكثر دينه ، فقال الرسول: (تصدقوا عليه) فتصدق الناس عليه فلم يبلغ وفاء دينه ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لغرمائه:  (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك).

          العسرة:  ضيق الحال من جهة عدم المال.

          (وإن تصدقوا) (خيرُ).

          ندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر وجعل ذلك خيراً من إنظاره.

          وروى أبوجعفر الطحاوى عن بُريدة بن الخطيب قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (من أنظر معسراً كان له بكل يوم صدقة). (أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده)

          فهناك من يكون معسراً في وقت دون وقت ، وهو قوى سوى ولديه مال محبوس عنه إلى حين ، فهذا يكون إنظاره أولى من التصدق عليه ، لأن الصدقة لا تجوز على غنى.

          ولا شك أن من أنظر المعسر إلى حين ميسرة يكون من ذوى المروءات حقاً ، وأهم المروءة هم أهل السخآء والجود والكرم وإن كان العبد كريماً فإن الله أكرم.

          ومن تجاوز عن معسر تجاوز الله عنه يوم القيامة.

          مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذى أخرجه مسلم عن أبي مسعود البدري – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  (حُوسب رجل ممن كان قبلكم ، فلم يوجد له من الخير شئ إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسراً ، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر.  قال الله عز وجل:  نحن أحق بذلك منه ، تجاوزوا عنه).    يخالط الناس:  يعاملهم بالبيوع والمداينة.

الحديث الثاني:

          وروى الترمذى عن أبي هريرة – رضي الله عنه قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (من أنظر مُعسراً أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظلُهُ).

          أو وضع له:  حط عنه بعض ما لديه عليه أو كله.

          ولقد كان النبى – صلى الله عليه وسلم – من أكرم الناس على معسر ومن أحلمهم على مخطئ ، ومن أشدهم عفواً على مسئ.

          وكان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أشد الناس محاكاة له في خُلقُه الفاضل وسلوكه النبيل.

          وكان التابعون لهم يحذون حذوهم بقدر طاقتهم ، ليلحقوا بهم.

((  والحمدلله رب العالمين  ))

اترك تعليقاً