بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين إلى يوم الدين.
أما بعد،،،،،
فبعث الصديق – رضي الله عنه – العلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، فلما دنا من البحرين جآء إليه أمراء تلك النواحي وانضموا إلى جيشه فأكرمهم العلاء ورحب بهم وأحسن إليهم.
وقد كان العلاء من (1) سادات الصحابة ، (2) والعلماء ، (3) والعُباد محابي الدعوة ، ثم نزل في مكان ، فلم يستقر الناس على الأرض حتى نفرت الإبل بما عليها من زاد الجيش وخيامهم وشرابهم ، وبقوا ليس معهم شئ سوى ثيابهم ، وذلك ليلاً.
فركب الناس من الهم والغم ما لا يحد ولا يوصف. فنادى منادي العلاء ، فاجتمع الناس إليه .
فقال العلاءُ:(أيُها الناسُ ألستم المسلمين؟ ألستم في سبيل الله؟ ألستم أنصار الله؟). قالوا: بلى. قال: فأبشروا ، فوالله لا يخذُلُ اللهُ من كان في مثل حالكم. ونودى بصلاة الصُبح حين طلع الفجر ، فصلى بالناس.
فلما قضى الصلاة جثا على ركبتيه وجثا الناس ، ونصب في الدعاء ورفع يديه ، وفعل الناس مثله حتى طلعت الشمس.
وقد خلق الله إلى جانبهم غديراً عظيماً من الماء القراح ، فمشى ومشى الناسُ إليه فشربوا واغتسلوا ، ثم أقبلت الإبل من كل فج بما عليها ، لم يفقد الناس من أمتعتهم شئ.
رأت الناس من آيات الله بهذه السرية. ثم لما اقترب من جيوش المرتدة ماذا حدث ؟
وقد حشدوا وجمعوا خلقاً عظيماً – نزل ونزلوا ، وباتوا متجاورين في المنازل.
فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاءُ أصواتاً عالية في جيش المرتدين.
فقال العلاءُ: (من رجل يكشفُ لنا خبر هؤلاء؟).
فقام الرجل فدخل فيهم فوجدهم سُكارى لا يعقلون من الشراب ، فركب العلاءُ هو والجيش معه ، فكبسوا عليهم فقتلوهم قتلا عظيماً ، وقل من هرب منهم ، وأستولى العلاءُ على جميع أموالهم ، فكانت غنيمة عظيمة – ثم ركب المسلمون في آثار المنهزمين ، يقتلونهم بكل مرصد وطريق ، وذهب من فر منهم في البحر إلى دارين ركبوا إليها السفن.
وبعد أن قسم العلاءُ بن الحضرمي الغنيمة قال للمسلمين:
(اذهبوا بنا إلى دارين ، لنغزو من بها من الأعداء – فسار بهم حتى أتى ساحل البحر ، ليركبوا في السفن ، فرأى أن الشُقة بعيدة ، لا يصلون إليهم في السُفن فأقتحم البحر بفرسه وهو يقول: يا أرحم الراحمين ، يا حليمُ يا كريمُ ، يا أحدُ يا صمد ، يا حي يا محيى الموتى ، يا حي يا قيوم ، لا إله إلا أنت يا ربنا).
وأمر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا ، ففعلوا ذلك فأجاز بهم الخليج بإذن الله يمشون على مثل رملة فوقها ماء لا يغمر أخفاف الإبل ، ولا يصل إلى رُكب الخيل ومسيرته للسفن يوم وليلة فقطعه إلى الساحل الآخر فقاتل عدوه وقهرهم وأخذ غنائمهم ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر ، وذلك كله في يوم.
واستاق الذراري والأنعام والأموال ، ولم يفقد المسلمون في البحر شيئاً سوى عليقة فرس لرجل من المسلمين ، ومع هذا رجع العلاءُ فجآءه بها ، ثم قسم غنائم المسلمين. فأخذ الفارس ألفين والراجل (المحارب الذى يمشي على رجله) ألفاً مع كثرة الجيش ، وكتب إلى الصديق فأعلمه بذلك فبعث الصديق يشكره على ما صنع.
ثانياً: كان مع المسلمين:
في هذه المواقف والمشاهد التى راؤها في أمر العلاء ، وما أجرى الله على يديه من الكرامات ، رجل من أهل هجر ، راهب ، فأسلم حينئذ ، فقيل له: ما دعاك إلى الإسلام؟
فقال: خشيت إن لم أفعل أن يمسخني الله ، لما شاهدتُ من الآيات قال: وقد سمعت في الهواء وقت السحر دعاء! قالوا: وما هو؟ قال: اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك ، والبديع ليس قبلك شئ ، والدائم غيرُ الغافل ، والحيُ الذى لا يموت ، وكل يوم أنت في شأن ، وعلمت اللهم كل شئ علماً.
قال: فحسن إسلامه ، وكان الصحابة يسمعون منه.
( والحمد لله رب العالمين)