زكريا عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فذكر اسم زكريا عليه السلام فى القرآن الكريم ثمان مرات وردت قصة زكريا عليه السلام فى مواضع من كتاب الله عز وجل فى كل من السور الآتية (آل عمران ، الأنعام ، مريم، الأنبياء).

نسبه عليه السلام:

          زكريا بن دان بن مسلم بن صدوق بن حشبان ..  إلى أن يصل إلى سليمان بن داود عليهما السلام وهو من سبط يهوذا بن يعقوب.

رسالة زكريا عليه السلام:

          بعث الله (زكريا) عليه السلام رسولا إلى بنى إسرائيل فى وقت اشتد فيه الفسق والفجور وانتشرت المنكرات ، وكثرة المعاصى ، وطغيان المادية ، حتى نسوا الله والدار الآخرة ، وتسلط على الحكم ملوك ظلمة جبابرة يعيثون فى الأرض فساداً.

          وقد تسلطوا على الصالحين والأتقياء والأنبياء حتى سفكوا دماءهم وكان أعظمهم إجراماً هو (هيرودس) حاكم فلسطين الذى أمر (بقتل يحيى بن زكريا).

          وخاف (زكريا) على بنى إسرائيل أن يضلوا ويفتنوا ، فطلب من ربه أن يعينه بولد يواسيه فى شيخوخته ، ويخلفه فى تبليغ الرسالة مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الأنبياء الآية (89 – 90):

(وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ(89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(90).

ولادة يحيى بن زكريا عليهما السلام:

          كان (زكريا) عليه السلام قد تقدمت به السن ، فلما رأى من كرامات الله تعالى لمريم (أنها تصبح فترى رزقها حاضراً وتمسى فترى رزقها حاضراً – أليس الله يرزق من يشآء بغير حساب؟

          فلقد آثارت فى نفسه هذه الفتاة الكريمة الحنين إلى الولد فناجى ربه أنه وحيد ليس له من يعينه على هداية القوم وقال:  إني أُعانى من صدود قومى وإعراضهم عن الهدى وهو بهذه الدعوة يطلب من الله عز وجل بأدب وإخلاص تام أن يهبه من صلبه ولياً يُعينه على هداية قومه فى حياته ويخلفه فيهم بعد مماته.

          والله جل شأنه هو مسبب الأسباب ، فإن شآء أعطى وإن شآء منع ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.

          وكان سنه فى ذلك الوقت 99 سنة وزوجته أيشاع 98 سنة ، وزكريا كان أكرم على الله من أن يرد دعوته وأعز على الله من أن يخيب رجاءه فإنه ما مكث طويلاً حتى نادته الملائكة كما أخبرنا الله تعالى فى سورة آل عمران الآية (39):

          (فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ).

ناداه جميع الملائكة.  لماذا سمى بيحيى؟

(1)لأن الله تعالى أحياه بالإيمان والنبوة ، (2) لأن الله تعالى أحيا به الناس بالهدى ، (3)لأنه أحيا به رحم أمه.

          ويكون مصدق بعيسى ، وسمى عيسى كلمة لأنه كان بكلمة من الله تعالى التى هى (كن) فكان من غير أب ، وكان يحيى أول من آمن بعيسى عليهما السلام وصدقه.

          ويقال أن يحيى أكبر من عيسى بثلاث أشهر ، وكان ابنا خالة – (3) وذكر الطبرى أن مريم لما حملت بعيسى حملت خالتها بيحيى – فقالت: يامريم إنى لأجد ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك وذلك أنه رُوى أنها أحست جنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن مريم – والسجود بمعنى التحية.

وسيداً:

          فى العلم والعبادة – فى العلم والتقى – الذى لا يغلبه الغضب ، السيد الذى يفوق أقرانه فى كل شئ من الخير.

وحصُوراً:

          هو الذى يكف عن النسآء ولا يقربهن مع القدرة ، فالمعنى أنه يحصر نفسه عن الشهوات ولعل هذا كان شرعه فأما شرعُنا فالنكاح كما تقدم (يحبس نفسه عن معاصى الله عز وجل) ، وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول: (كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شآء أو يرحمه إلا يحيى ابن زكريا فإنه كان سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين).

          يقول الله تعالى فى سورة مريم الآية (7 : 9):

(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا(7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا(8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)(9).

ولد لزكريا ذلك الولد البار ، الذى رزقه على الهرم والشيخوخة من زوجته أشياع بنت عمران أخت مريم بنت عمران وعاش يحيى فى كنف والده عيشة البر والتقى ، ثم كانت الفتنة الكبرى حين ذبح (يحيى) قرباناً لأهواء أهل الضلال والفساد فى حياة أبيه الشيخ الكبير الوقور.

وفاة زكريا عليه السلام:

          وقد مات زكريا عليه السلام شهيداً ، ومن أشهر ما ذكر أن يحيى لما قتل وسمع أبوه بقتله فر هارباً فدخل بستاناً عند بيت المقدس فيه أشجار – فأرسل الملك فى طلبه – فمر زكريا بشجرة فنادته هلم إلى يا نبى الله ، فلما آتاها انشقت فدخلها فانطبقت عليه وبقى فى وسطها فأتى عدو الله إبليس فأخذ هدب ردائه فأخرجه من الشجرة ، فقال لهم ما تريدون – فقالوا: زكريا – فقال إبليس: إنه سحر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها – قالوا: لا نصدقك ، قال: فإن لى علامة تصدقوننى بها فأراهم طرف ردائه ، وشقوا الشجرة بالمنشار نصفين فمات زكريا فسلط الله عليهم أخبث أهل الأرض فأنتقم به منهم.(وكان العقاب أن سلط الله عليهم (جُودرز) لأنهم قتلوا زكريا ويحيى وهما نبيين رحيمين، ورسولين كريمين،سفكوا دمهما ،كأن بنفوسهم عطشاً إلى الدمآء ،وكإن ثأراً بينهم وبين الأنبياء)

          وهذا واحد من كثير قتلته بنو إسرائيل بغياً وعدواً كما صرح بذلك القرآن الكريم فى سورة البقرة الآية (61):

          (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُواْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ).

          ولقى زكريا وجه ربه شهيداً مرضياً صلوات الله وسلامه عليه …

( والحمدلله رب العالمين )

 

 

اترك تعليقاً