سورة النسآء (من هو السفيه وهل يأخذ ميراثه؟)

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على اشرف خلق الله أجمعين.

أما بعد،،،

فالواقع أننا منذ أن بدأنا فى سورة النسآء ونحن (1)  نرى عظمة هذا القرآن ، (2)وأصالته وكيف أن الله عز وجل أنصف الضعفاء فى هذه الحياة.  ومنهم النسآء والأطفال – والنسآء والأطفال كانوا فى الجاهلية مظلومين ظلماً بيناً فكانوا لا يورثون وكان كثيرُ من أهل الجاهلية لا يعطى النسآء حقهن ولا الصبيان بحجة أنهم لا يدافعون عن العرض.

وجآء الإسلام بالنصفة والعدالة– حيث ينادينا الرب عز وجل بأن نتقى الله الذى تسآئلون به والأرحام ، حتى لا تقطع الأرحام بل يجب أن نعطى كل ذى رحم حقه وألا نظلم بنتاً ولا أبناً ولا زوجة نعطى ذى القربة حقه والمسكين وابن السبيل.

وبينا أيضاً فى الدرس الماضى كيف وصى الله على الرحم العالمى وأننا اولاد آدم وحواء.  ثم كيف وصى على اليتامى وحذر من أكل أموالهم – وإضافة أموالهم إلى أموال الوصى وإعطائهم الردئ والإنفراد بالجيد.

فإن الله تعالى قد أمر بالعدل بين النسآء كما أمر بالعدل مع اليتامى.

فإن أردتم أن تتزوجوا أكثر من واحدة لابد أن يكون العدل محققاً بين النسآء كُلهن:

(فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة).

وهذا أمر بيناه فى الآيات التى شرحناها فى الدرس الماضى فإن من تزوج بأكثر من واحدة ، ولم يعدل بين نسآئه جآء يوم القيامة يجُر بجنبه.

وبينا كيف أمر الله بالمهور للنسآء عطية خالصة دون إسترداد ولا أكل ولا ظلم.

تابع تفسير سورة النسآء (التفسير الفقهى):

الآية (5):  حيث يقول الله تعالى:

(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا).

          السفهاء:  جمع سفيه وهو من لا يحسن التصرف فى المال.

          قياماً:  فالأموال التى جعلها الله قياماً أى تقوم عليها معايش الناس ومصالحهم.

          قولاً معروفاً:  قولاً طيباً تُطيب به نفسه فلا يغضب ولا يحزن.

          السفيه الذى نحجر عليه – سفيه ليس عنده عقل – يبعثر الأموال فى غير نافع ، يلعب قمار – يسير وراء البنات والنسوان – مخدرات ومسكرات – سينما وجرى وهلس.

          رب العزة حرم علينا كأمة حاكم ومحكوم أن نمكنه من أى مال مهما كان هذا المال ورث له ولا نقول إن المال هذا خاص به.

          وهذا يدل على أن الإسلام يعتبر الأمة الإسلامية فرد واحد متضامنة ومتكافلة – لا يصح أن نقول ذنبه على جنبه – يبعثر على كيفه.

          وكما يقول ابن العربى فى كتابه أحكام القرآن:

          فيكون للسفهاء ملكاً ولكن لا يكون لهم عليه يد.

          وقال الصابونى فى صفوة التفاسير:  لا تُعطوا المبذرين من اليتامى أموالهم التى جعلها الله قياماً للأبدان ولمعايشكم فيضيعوها.

          وقال الطبرى ج7 ص 565:  لا تُؤتُ سفيهاً ماله وهو الذى يفسده بسوء تدبيره – صبياً كان أو رجلاً ذكراً أو أنثى.

          ويقول صاحب ايسر التفاسير:  فنهاهم الله تعالى أن يعُطوا أموالهم التى هى قوام معايشهم , السفهاء من امرأة وولد أو رجل قام به وصف السفه وهو قلة البصيرة بالأمور المالية ، والجهل بطرق التصرف الناجحة.

          ويقول القرطبى: فالسفيه له أحوال ثلاثة:

(1)           حال يحجر عليه لصغره (اليتيم).

(2)           حال يحجر عليه لعدم عقله بجنون أو غيره.

(3)           حال يحجر عليه لسوء نظره لنفسه فى ماله.

(ولا تُؤتوا السُفهاء أموالكُمُ).

سماها الله أموالنا – مع أنها أمواله – واحد ورث من أبيه عشر آلاف جنية أو عمارة – ماذا فعل؟ مخدرات – مسكرات – نسوان.

فيجب على الُأُمة أن يتبرع منها واحد مسلم ويرفع دعوة بالحجر عليه ونبحث على أقرب واحد له من عصبته أخوه أو عمه أو ابن أخوه أو ابن عمه.

تحكم المحكمة عليه بالحجر وتسلم هذا المال كله للوصى الرشيد ويصبح هذا السفيه مهما كان سنه (شحط) كطفل اليتيم نعطيه على قدر أكله وشربه ولبسه فقط.

(التى جعل الله لكم قياماً).

واعتبر الله أن المال به قيام الحياة ، أى أن مصالحكم لا تقوم إلا بالمال – ومطالبكم وأكلكم وشربكم وسعادتكم لا تقوم إلا بالمال ، فكيف نعطى هذا المال وهو عصب الحياة نعطيه للسفهاء يبعثروه.

فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق تنتقل من يد إلى يد ومن ملك إلى ملك – أى أن هذه الأموال (أموال السفيه) هى لهم لإخوته أو لأمه) إذا احتاجوها كأموالهم التى تقى أعراضهم وتصونهم وتعظم قدرهم.

إنما يعود التصرف فى مال الجماعة تحقيقاً للتكافل العائلى كما قال سيد قطب:

(وارزقُوهُم فيها وقُولُوا له قُولاً معرُوفاً).

وللسفيه حق الرزق والكسوة فى ماله مع حسن المعاملة.

ولا تجمعوا بين الحرمان وجفاء القول لهم.

قال الله تعالى فيها ولم يقل منها إشارة إلى أن هذا المال ينبغى أن ينمى فى تجارة أو صناعة أو زراعة فيبقى رأس المال والأكل يكون من الربح فقط.

إنما هذا المال الزائد الذى يستغله السفيه فيما حرم الله – يبقى حرام علينا لو مكناه ونبقى كلنا ملعونين وتبقى الأمة كلها متضامنة فى الإثم – ويقول العلماء:  (حرمة أكل مال اليتيم والسفيه مطلقاً).

الآية رقم (6):  يقول الله تعالى:

          (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).

رجع الله عز وجل إلى اليتامى مرة أُخرى يعطينا حق اليتامى وأحكام اليتامى جرعة جرعة.

فإن هناك بعض الأوصياء لما يعرف أن الولد بلغ الرشد وسوف يرفع دعوة يأخذ ماله وبالإستقلال – يأتى فى السنتين الآخرتين يطلع كشف مصاريف – يكتب كشوف وهمية – يكتب فيه إن الجنازة والليلة كلفت ألف جنية مثلاً – وتعلم فى المدارس بكذا – وصرف عليه فى الجامعة بكذا وزوجهُ بكذا ، حتى إذا جآء الولد بعد أن يبلغ الرشد يأخذ ماله يجد التركة قد خربت – والذى خربها هو الوصى.

(فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ).

وكما قال سيد قطب:

وجوب المسارعة بتسليم أموال اليتامى إليهم بمجرد بلوغ سن الرشد ، وعدم المبادرة إلى أكلها بالإسراف قبل أن يكبر أصحابها فيتسلموها مع الاستعفاف عن أكل شئ منها مقابل القيام عليها (على رعاية اليتامى ومصالحهم).

(وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).

          الإستعفاف عن الشئ تركه يكف عن الأكل من مال يتيمه.

(1)يارب ما هى توجيهاتك للوصى:

هل الوصى يأخذ مرتب أم لا؟  وهو معطل نفسه وهو يدير أحوال اليتامى.

إذا كان ربنا غنيه من شئ آخر يخدم اليتامى لوجه الله ويستعفف، وإن كان فقيراً نُعطيه أجر المثل – لأننا عطلناه عن كسب رزقه ، يأخذ ولكن بالمعروف.  والأكل منها يكون فى أضيق الحدود – إذا كان الوصى محتاجاً.

(فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ).

          الرب هنا بيحطاط للوصى – والآن موجود المجالس الحزبية ومحاكم ومحاضر رسيمة – قبل هذا كان الإسلام بيحتاط قبل أن نعطيه ماله ، أحضر الجيران وجيران الجيران والأقارب – ويقول:  هاهى أموالكم بعد عشر سنوات أو عشرين سنة – أبوكم كان قد ترك فدان الآن عشرة أفدنة – وكذلك ترك 10,000 جنية هاهم الآن 100,000 جنية من التجارة ، وكما قال الله سبحانه فى سورة البقرة الآية (220):

          (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ).

كل ما الوصى يعمل ما فيه إصلاح لليتامى يكون ثواب ، لأنه كل سنة سوف يدفع الوصى زكاة  2,5 %.

لقد أمرهم الله تعالى باختبار اليتامى إذا بلغوا سن الرشد بأن يعطوهم شيئاً من المال ويطلبوا منهم أن يبيعوا أو يشتروا فإذا وجدوا منهم حسن تصرف دفعوا إليهم أموالهم وأشهدوا عليهم حتى لا يقول أحدهم فى يوم من الأيام ما أعطيتنى مالى.

ونهاهم عز وجل أن يأكلوا أموال اليتامى بطريق الإسراف والمبادرة وهى المسارعة قبل ان ينقل إليه ماله.

(وكفى بالله حسيبا)  ففى هذا وعيد لكل جاحد حق ، وكفى بالله شاهداً – وهو أكبر شاهد – ومحاسباً ورقيباً.

حديث من السنة النبوية:  عن التبذير والإسراف من مال اليتيم.

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن  رجلاً أتى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال:  إنى فقير ليس لى شئ ولى يتيم قال فقال:  (كُل من مال يتيمك غير مُسرف ولا مُباذر).

الآية السابعة (7):  حيث يقول الله تعالى:

(لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا).

كما قال سيد قطب:

إن الوالدين والأجداد والأفراد عامة ، لا يورثون أبنآءهم وأحفادهم وأقاربهم المال وحده.  (1) إنما يورثونهم كذلك الإستعدادات الخيرة والشريرة ، (2)  والإستعدادات الوراثية للمرض والصحة ،  (3)  والإنحرافات والإستقامة ، (4)  والحسن والقبح ، (5)والذكاء والغباء – وهذه الصفات تلاحق الوارثين وتُؤثر فى حياتهم.

فمن العدل إذن أن يورثوهم المال.

ومن أجل هذه الواقعيات الفطرية والعملية فى الحياة البشرية شرع الله عز وجل قاعدة الإرث.

أسباب نزول هذه الآية (7):  نزلت الآية فى أوس بن ثابت الأنصارى تُوفى وترك امرأة يقال لها:  أم كُجة وثلاث بنات له منها ، فقام رجلان هما أبنا عم الميت ووصياه يقال لهما: سُويد وعرفجة – فأخذا ماله ولم يُعطيا امرأته وبناته شيئاً وكانوا فى الجاهلية يقولون:  (1) لا يُعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل ، (2) وطاعن بالرمح ، (3) وضارب بالسيف ، (4) وحاز الغنيمة.

فذكرت أم كُجة ذلك لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فدعاهما ، فقالا:  يارسول الله ، ولدها لا يركب فرساً ، ولا يحمل كلاً ، ولا ينكأ عدواً).  فقال – صلى الله عليه وسلم: (انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لى فيهن).  فأنزل الله هذه الآية رداً عليهم.

فأرسل النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى سويد وعرفجة إلا يفرقا من مال أوس شيئاً فإن الله جعل لبناته نصيباً ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا ، فنزلت: (يوصيكُم الله فى أولادكُم).  فارسل إليهما (أن أعطيا أم كُجة الثمن مما ترك أوس ولبناته الثلثين ، ولكما بقية المال).   أخرجه البخارى فى الوصايا.

كانوا فى الجاهلية لا يورثون نوعين من البشر لا النسآء ولا الصبيان ، لأن النسآء لا يركبون فرساً ، والصبيان لا يردون عادياً.

الرجل مات وترك تركة ضخمة لا يعطوا الأولاد الصغار ماذا يعملون بها ولا النسآء يقولون يتزوجون من عائلة أخرى ويأخذون أموالنا.

ما هى أحكامك يارب؟

لو تُوفى الرجل وترك تركة سواء كانت قليلة أو كثيرة حتى لو ترك خمس قروش نعطى المرأة حقها والبنت حقها والولد حقه.

لكى تعرفوا أن الإسلام انصف المرأة وأنصف الطفل الصغير.

والإسلام يُشدد على الأوصياء – لأن الله ولى من لا ولى له.

(نصيباً مفروضاً)  نصيباً فرضه الله بشرعه العادل وكتابه المُبين.  حتى قالوا: (إذا بكى اليتيم اهتز عرش الرحمن ، وقال الله لملائكته من الذى أبكى من غيبت أباه فى التراب؟  أشهدكم أن من أسكته فقد رضيتُ عنه).

الحديث يقول:  (خير بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه ، وشر بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يسئ إليه).

هذا هو المبدأ العام ، الذى أعطى الإسلام به النسآء منذ اربعة عشر قرناً حق الإرث كالرجال – كما حفظ به حقوق الصغار الذين كانت الجاهلية تظلمهم وتأكل حقوقهم.

لأن الجاهلية كانت تنظر إلى الأفراد حسب قيمتهم العملية فى الحرب والإنتاجأما الإسلام فجآء بمنهجه الربانى ، ينظر إلى الإنسان حسب قيمته الإنسانية.

الآية الثامنة (8): حيث يقول الله تعالى:

(وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا).

فقد تضمنت هذه الآية:

فضيلة جميلة غفل عنها المؤمنون وهى أن من البر والصلة والمعروف إذا هلك هالك – وقدمت تركته للقسمة بين الورثة ، وحضر قريب غير وارث أو حضر يتيم أو مسكين من المعروف أن يُعطوا شيئاً من تلك التركة قبل قسمتها.

وإن تعذر العطاء لأن الورثة يتامى يصرف القريب واليتيم والمسكين بكلمة طيبة كاعتذار جميل تُطيب به نفوسهم.

وقال بعض المفسرين:

بين الله تعالى أن من لم يستحق شيئاً ارثاً وحضر القسمة ، وكان من الأقارب أو اليتامى والفقراء الذين لا يرثون أن يكرموا ولا يحرموا إن كان المال كثيراً ، والإعتذار إليهم إن كان المال عقاراً أو قليلاً.

قال إبن جُبير:  ضيع الناس هذه الآيةقال الحسن البصرى:  ولكن الناس شحوا إن الرزق فى هذه الآية أن يصنع لهم طعاماً يأكلونه ، كما قال محمد بن سيرين: وفعلاً ذبح شاة من التركة.

بمعــــنى:  لو تُوفى الميت وترك تركة كبيرة وجآء أثناء القسمة ناس ليسوا بورثه أقارب – هنا التركة انحصرت فيهم.  الزوجة الثمن – الأب السدس – الأم السدس – والباقى للأولاد بحيث يكون نصيب الذكر ضعف الأنثى – التركة هنا خلصت.

أفرض حضر العم والعمة وأخو الميت وابن العم (أرحام وأقارب وليس ورثة) فربنا سبحانه وتعالى قال:  إذا كانت التركة كبيرة أعطوهم ليس ورثاً ولكن ترضياً لمــاذا؟.

لأن (من أكل وذو عينين ينظرُ إليه ابتلاه الله بداء لا دواء له).

أما إذا كانت التركة على القد يعتذروا إليهم بالكلم الطيب أو إذا كان هنا يتامى.

الآية التاسعة (9):

(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا).

          وهنا حذر الله تعالى الأوصياء من الظلم للأيتام الذين جعلهم الله تحت رعايتهم ووصايتهم وأمرهم بالإحسان إليهم ، فكما يخش الإنسان على أولاده الصغار الضعاف بعد موته ، عليه أن يتقى الله فى هؤلاء الأيتام ، فكأن الله تعالى يقول:

          (افعلوا باليتامى ، كما تُحبون أن يُفعل بأولادكم بعد موتكم).

          وليقولوا لليتامى ما يقولونه لأولادهم من عبارات العطف والحنان.

وهناك رأى آخر للعلماء:

          ليس هذا الأمر للأوصياء فقط بل المراد جميع الناس ، أمرهم بإتقاء الله فى الأيتام وإن لم يكونوا فى حجورهم ، وأن يسُددوا لهم القول كما يريد كل واحد منهم أن يُفعل بولده بعده.

          ومن هنا ما حكاه الشيبانى قال:  كنا على قُسطنطينة(واسمها الآن أسطنبول وهى دار ملك الروم بينها وبين المسلمين البحر المالح)  فى عسكر مسلمة بن عبدالملك فجلسنا يوماً فى جماعة من أهل العلم فيهم ابن الديلمى – فقلت له:  يا أبابشر ، وُدى إلا يكون لى ولد ، فقال الديلمى:  ما عليك ما من نسمة قضى الله بخروجها من رجل إ خرجت أحب أو كره ، ولكن إذا أردت ان تأمن عليهم فاتق الله فى غيرهم ، ثم تلا الآية:  (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذُرية…)

وأخيراً تعقيب:   لا يقول الوصى أى كلمة سوء مثل يا عبيط يابن العبيط – هذه كلمة والله لم يتركها سوف يحاسبه عليها.

والضرب:  هو ممكن نضرب اليتيم كنوع من التأديب ، إذا غلط غلطة اتصرف مع اليتيم مثل تصرفك مع أبنك ، لأن نيته تأديب الولد – وهذا الكلام للأوصياء.

          ولكن الضرب الذى حرمه الله – ان كل ساعة يضربه بالشلوت لأنه ليس عنده أحد – ويكوى بالنار ويبيت فى دورة المياة كأى كلب هذا الوصى أين يذهب من الله؟.

          ربنا لا يمكن أن يصبر عليه إلى الآخرة (وكل الذنوب قد يُأخرُها الله إلى الآخرة إلا البغى وعقوق الوالدين).  وهذا من البغى.

          ونحن قلنا إن الله يقول فى حديثه القدسى:

          (من الذى أبكى هذا اليتيم الذى غيبت أباه فى التراب).

الآية العاشرة (10):

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).

          هذه الآية من آيات الوعيد الشديد لمن يأكل مال اليتيم ظلما – والمراد من الظلم إنهم أكلوها بغير حق أباح لهم ذلك كأجرة عمل ونحوه ، ومعنى يأكلون فى بطونهم ناراً أنهم يأكلون النار يوم القيامة – وهو بإعتبار ما يؤول إليه أمر أكلهم اليوم.

          وما أشد دلالة هذا الوعيد ، لأن اليتامى لما بلغوا فى الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى ، وذلك كله من رحمة الله تعالى باليتامى.

          وهنا ذكر الله سبحانه وتعالى البطون مع أن الأكل لا يكون إلا فيها للتأكيد والمبالغة مثل:  (أبصرت بعينى ، وسمعتُ بأذنى).

          والغرض من كل ذلك التأكيد والمبالغة – وفى الآية أيضاً تشنيع على آكل مال اليتيم حيثُ صرف المال فى أخس الأشياء.

الحديث:  وروى أبو سعيد الخدرى قال:  حدثنا النبى – صلى الله عليه وسلم – عن ليلة أُسرى به قال:  (رأيتُ قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل فى أفواههم صخراً من نار يخرج من أسافلهم فقلت:  ياجبريل من هؤلاء؟  قال:  هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً).

          فدل الكتاب والسنة على أن أكل مال اليتيم من الكبائر – وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (اجتنبوا السبع الموبقات …..  وأكل مال اليتيم).

هناك حديث آخر:حدث يوم المعراج أن رأى النبى – صلى الله عليه وسلم – ناس بطونهم مثل الخلايا مملوءة بالحيات والعقارب والنار تطلع منها –من هؤلاء يا جبريل؟

قال: هؤلاء أكلة اموال اليتامى.  هذا عذابهم.

بعد توصية الله عز وجل على أموال اليتامى ومهور النسآء وعلى عدم إعطاء السفهاء الأموال – وعلى كيف نربى اليتيم ونرشدهُ ونعلمهُ ونمرنهُ ونُعطيه أمواله بالشهادة.

تخيل لو أن ربنا ترك الميراث بمزاج الناس – كان كل ما يموت واحد تقوم معركة – يأتى الأبن الأكبر ويقول:  أنا عندى عيال وأخويا ليس عنده – الله قال:  (يُوصيكُمُ اللهُ فى أولادكُم).

  هى وصية الله

ولا يستطيع أكبر واحد أن يغير فى نظام الله.

لماذا أنت يارب قسمت؟  قال:  (ءابآؤكُمُ وأبنآؤكُم لا تدرون أيُهم أقربُ لكم نفعاً).  ( الحكمة)   سبحان الله.

الله يقول:  أنا قسمت لأنى أنا أدرى ، أنا أعطيت هذا النصف وهذا الثلث وهذا الربع أنا أعرف المصالح والإحتياجات فيعطى كل واحد ما يتناسب معه.

الله وحده هو الذى يعلم من ينفع ومن لا ينفع – فعلى الناس أن تترك التركة تُقسم كما أرادها الله.  ويجوز الولد العاق الآن سوف يكون طيب.

قدم الله (يُوصيكُمُ اللهُ …) وفى آخر الآية قال:  (فريضة من الله (.) إن الله كان عليماً حكيماً).

 

الآية الحادية عشر (11):

(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).

الشـــرح:

          هذه الآية ركن من أركان الدين ، وعمدة من عمد الأحكام – وأم من أُمهات الآيات ، فإن الفرائض عظيمةُُُ القدر حتى أنها ثلث العلم وروى أنها نصفُ العلم ،وهو أول علم يُنزع من الناس وينسى.

 

(  والحمدلله رب العالمين  )

 

         

 

اترك تعليقاً